* محمود عبد الغفار

مدرس الأدب الحديث والمقارن | كلية الآداب- جامعة القاهرة

يدور هذا الكتاب- الذي أصبح مؤلفه واحدًا من بين المؤلفين الأكثر مبيعًا في كوريا في السنوات الأخيرة- حول دائرة الأحلام في عقولنا، وكيفية التعامل معها بشكل علمي من ناحية، ومدى قدرتها على تحقيق الواقع الذي يتماهى معها من ناحية ثانية؛ ولذا نلحظ ازدياد الأفلام التي تتعلق بالتحكم في الدماغ البشري وصناعة أنواع معينة من الأحلام، كما نلحظ كثرة الكتابات حول الدور الحيوي الذي تقدر أن تقوم به الأحلام والطاقات الفذة للخيال الإنساني الذي يستطيع به المرء أن يهزم أشد الأمراض فتكًا وهو جالس في مكانه ودون الاعتماد على العقاقير وحدها. أمّا المرتكز الذي ينطلق منه المؤلف فهو تقديم أمثلة لكيفية انتقال العديد من الأغنياء والمشاهير في مجالات مختلفة من الفقر المدقع إلى الثراء المدهش، ومن مربع "العادي" إلى "إطار" المتميز والمتفرد والذي يوصف أحيانًا بالمستحيل. يمثل المؤلف هنا بواحدة من أشهر سيدات الأعمال في العالم والتي تملك إحدى أكبر شركات التجميل باسمها " إيستي لودر"، وبــ" كونراد هيلتون" الذي كان في بداية حياته العملية مجرد عامل بسيط في الفندق، و" يي سن شين"، وجنكيز خان ونابوليون بونابرت وغيرهم ممن يجمع بينهم خيط مشترك؛ البداية شديدة التواضع والنهاية بالغة العظمة والتفرّد.

فما السرّ يا تُرى؟ إنّه هناك، في تلك العُليّة أو ما يُعرف بالسندرة التي تقبع فيها الأحلام منتظرة اليد التي تهبها أجنحة الانطلاق. هؤلاء الذين أشير إليهم فيما سبق لم ينبغوا بالأحلام وحدها، وإنّما نبغوا بالانتقال من الحلم الحي والواضح إلى حيز التحقق والإنجاز في معادلة يخطها المؤلف على النحو التالي: (ت = ح ح) بمعنى (التحقق = حلم حيّ أو حلم حقيقي وواضح). فالذين يستطيعون أن يجعلوا أحلامهم حية وواضحة هم القادرون على الانتقال بها إلى نطاق الإنجاز والتحقق. وقد توصل المؤلف إلى هذه المعادلة عبر دراسته لخلفية العديد جدًا من النابغين والناجحين والأثرياء في العالم. لا يكتفي الكتاب بتحليل خلفيات الناجحين، وإنما يبحث كذلك عن الأسرار العلمية وراء تحقق الأحلام دونما ثرثرة حول النظريات والنصائح وغيرها والتركيز على تقديم النماذج التي تفسر رحلة انطلاق الحلم من رصيف البداية في الذهن إلى نقطة الوصول في محطة التحقق أو الإنجاز. لكن من حق البعض أن يقول إنّ تلك المعادلة السابقة لن تصلح معه. هذا الصنف من الناس يرى المؤلف أنّهم يفكرون عادة بشكل سلبي لأن ما أثبتته تجارب من فترات زمنية متباعدة ومن مجالات متباعدة أيضًا يؤكد أن الحلم الواضح الحي الذي يضعه المرء نصب عينيه سيتحقق يومًا ما. في هذا السياق تأتي سيرة حياة المؤلف نفسه التي تمثلها كذلك معادلته الشهيرة (ت= ح ح) فهو لم يشارك في أي مسابقة للكتابة التي بدأها في سن العشرين، لكنّه كان دائمًا يحلم أحلامًا حية وواضحة تحققت وصار واحدًا من أكثر المؤلفين مبيعًا في بلده؛ هذا الكتاب مثلاً يقع بين العشرة كتب الأكثر مبيعًا، فضلاً عن شهرة صاحبه في البرامج التلفزيونية العديدة بمختلف محطات التلفزيون الكوري والكثير من الحوارات والمقالات بأِشهر الجرائد اليومية والمجلات، والأبعد من كل ذلك أنه تقريبًا رمز للأمل والتفاؤل على نحو ما يصفه مشاهدوه ومتابعو حواراته.

يقع الكتاب في أربعة أبواب، ويضم كل باب على حدة عددًا من الفصول. في الباب الأول الذي يضم سبعة فصول يستعرض الكتاب فكرة المعادلة التي أشير إليها من قبل بشأن تحول الحلم الحي الواضح إلى حقيقة من خلال بعض النماذج الفذة مثل أرسطو أوناسيس الأرجنتيني اليوناني الذي كان من أغنى أغنياء العالم. حيث يُحكى أنه لما حلم بأن يصبح ثريًّا ذهب إلى أحد المطاعم الفاخرة جدًّا في المدينة ودفع كل ما كان يملكه من نقود آنذاك مقابل تناول وجبة تسمح له برؤية أولئك الأثرياء عن قرب. عندما رآهم كان يغلق عينيه ويفكر بعمق في شيء ما. بدا ذلك غريبًا لكن أوناسيس كان خلال ذلك الوقت يكرر حلمًا وحيدًا في رأسه بأن يكون مثل هؤلاء الأثرياء الذين يجلس معهم في المطعم نفسه، وقد تحقق له ما أراد فيما بعد. ومن هنا يضع الفصل الثاني عنوانًا هو "الحياة تصبح مختلفة طبقًا للقدرة على الأحلام".. تحت هذا العنوان قارن المؤلف بين الفنانين العظيمين الموهوبين فان جوخ وبيكاسو. كان فان جوخ أكثر موهبةً ولكنه دأب على التفكير بسلبية، في حين كان بيكاسو يفكر ويحلم ويردد أنه سيكون أفضل وأغنى رسام بفضل لوحاته، وقد تحقق له ما أراد! ويمضي المؤلف قدمًا مع الفصل الثالث ليرى أن القدرة على الأحلام تفوق الجهد المبذول نفسه لتحقيقها في أهميتها وتأثيرها. بعد ذلك يؤكد أنّ النجاح مرهون بمعادلته الأثيرة التي يكرهها كثيرًا في ثنايا الكتاب. وهنا يعود ليضرب مثالاً جديدًا من خلال المخرج الفذ "والت ديزني". فقبل أن يعرفه أحد على الإطلاق كان والت ديزني يضع يديه حول رأسه في الصباح ويصيح قائلاً: "أنا أفضل مخرج في هوليوود". وقد تحقق حلمه وامتلك أكبر شركة أفلام من تأسيسه. في الفصل الخامس تحت عنوان "يصير الناس على النحو الذي شكلته أحلامهم الحية بالفعل." يقال مثلاً إن نابوليون كان يحلم بالحروب التي يخطط لها قبل خوضها، كما أنه كان يؤمن بأنّ الناس يستطيعون أن يحققوا ما يحلمون به. إنّ معادلة المؤلف (ت= ح ح) ليست مستقاة من نظرية فلسفية على نحو ما يفسرها هو، بل إنها من نظرية الكم وكذلك النسبية في الرياضيات بشكل عام. وكأن هناك قوة حقيقية تستمد طاقتها من الأحلام الحية الواضحة لتتخذ مسارها نحو التحقق ولو بشكل نسبي. في الفصل التالي يقدم المؤلف برهانًا جديدًا على صدق معادلته من خلال الحديث عن الكاتب الشهير "جيمز آلان" المتوفى 1912م. فقد كانت نشأته مأساوية. أمه لا تقرأ ولا تكتب، أمّا أبوه فقد وجد مقتولاً في نيويورك بعد يومين من وصوله للبحث عن عمل لأجل أسرته، مما اضطر جيمس لترك المدرسة في سن الخامسة عشرة والبحث عن عمل. تكسب جيمز من العمل في الصحافة وتدريجيًّا بدأ يصدر كتبًا مهمة مثل "من الفقر إلى القوة" عام 1901م. كتابه الثالث والأشهر "كما يفكر المرء" الصادر عام 1903م. ومع كل ذلك لم يذع اسمه في حياته وإنما نال شهرة واسعة واحتفى الناس بكتاباته وما فيها من روح تحفيزية بعد مماته، ومن هنا فقد تحققت أحلامه بالفعل بعد موته. المثال التالي يضربه من خلال تقديم أحد أطباء التجميل المشهورين الذي كان دائمًا يردد مقولة شهيرة: "أنت غير ناجح لأنك لا تؤمن بحدوث النجاح. عليك أن تحلم بالنجاح لثلاثين دقيقة فحسب كل يوم وسيتحقق لك ما تريده." ويختم المؤلف هذا الباب بفصل بعنوان "عقولنا تحلم". ويبرهن على ذلك باستعراض بعض المعلومات العلمية.

في الباب الثاني من الكتاب المخصص لمعادلة تحقق الأحلام يبدأ المؤلف بفصل تحت عنوان " الأفكار تستدعي الثراء"، واضعًا القواعد الست للثراء بحسب أحد أثرياء العالم "أندرو كارنجي":- حدد بوضوح مقدار ما تريد أن تحصل عليه من مال. – قرر ما الذي يجب عليه القيام به لأجل أن تكسب تلك النقود. – حدد الموعد الذي ستأتيك تلك النقود بالفعل. – ضع مخططًا حقيقيًّا لكسب تلك النقود وأشرع في تنفيذه – اكتب تلك القواعد السابقة – اقرأ تلك القواعد مرتين يوميًّا. وبحسب ما يذكره المؤلف عن السيدة الثرية جدًّا "ليزا تشونغ" فيُنسب إليها إنها قالت: "سر ثرائي هو أني كنت أتخيل نفسي منذ مرحلة المراهقة من أثرياء العالم". في الفصل التالي يستعرض المؤلف موضوعه من زاوية طبية متعلقة بالمخ. فقد أجرى أحد الأطباء بحوثًا حول أن المدخنين الذين يعتقدون أن التدخين لن يضر صحتهم لا يتأثرون سلبيًّا بالتدخين على نحو ما يتأثر غيرهم ممن يدخنون وهم يقتنعون أن التدخين ضارٌ جدًّا بصحتهم. بل الأبعد من ذلك أنه ذكر أن الصورة الإيجابية والإحساس بالحب والاهتمام ينتج هرمون "إندروفين"- الذي يوصف بالهرمون المعجزة- كما يعزز من كرات الدم البيضاء؛ خط الدفاع عن الجسم لبقائه في صحة جيدة. ويلخص الفصل الثالث كل ما سبق تحت عنوان "المخ طبيبٌ". فقد طلب أحد أطباء السرطان من مرضاه أن يقوموا بثمانية تخيلات: (- خلايا السرطان فريسة – خلايا معينة في الجسم سوف تبتلع خلايا السرطان كتمساحٍ – تلك الخلايا المعينة تلتهم فعلاً خلايا السرطان – خلايا السرطان تتضاءل وتختفي – الطبيب يقول فعلاً إن جسمكم خالٍ من السرطان – أنتم سعداء جدًّا بعد بشارة الطبيب – تعودون إلى أسركم وتخبرونهم أنكم تعافيتم – تذهبون من جديد للعمل وكلكم تطلعات وآمال جديدة) وقد وجد هذا الطبيب أن تلك التخيلات ساهمت بنسبة 22% في تحقيق الشفاء. الفصل الرابع والمهم بعنوان "السلوكيات غير الواقعية تؤدي إلى نتائج غير واقعية". وهذا حتى لا يتصور البعض أن مجرد الجلوس في أماكنهم للحلم فقط بلا عمل سيحقق لهم ما يبغونه. ثم الفصل التالي بعنوان "يحصل الناس على ما يحلمون به". أمّا الفصل الأخير في هذا الباب فعن القوة السحرية الخلابة والمتعلقة بقواعد التخيل الإيجابي التي ينبغي على المرء أن يمارسها لمرتين يوميًّا.

الباب الثالث من الكتاب يتناول الجانب التطبيقي من معادلة المؤلف ( ت= ح ح) عبر عدد من النقاط في فصول متتابعة: - اضغط لتلتقط صورة. – ارحل إلى حيث تريد – يصبح الأمر حقيقيًّا عندم تتكلم عنه- دوّن ما تريده في عبارات وداوم على قراءتها. ثم في الباب الأخير بعنوان "الحلم في العُليّة" يصبح حقيقة يتناول عددًا من النقاط مثل أهمية التخيل في مسرح الروح، والمشاركة في حفلات الأثرياء؛ فمع أولئك الناس أنت تريد أن تكون بعد عشر سنوات من تخيل نفسك وسطهم. ويختم المؤلف كتابه بعبارة بالغة الطرافة غير أنّها مُعبرة جدًا عن سياق الكتاب حيث يقول: "إلى أولئك الذين سيطوون هذا الكتاب الآن! لقد حان دوركم".

------------------------------------------

الكتاب: عُليّةُ الأحلامِ

المؤلف: لي جي سونغ

اللغة: الكورية

الناشر: كوك إيل ميديو

عدد الصفحات: 258

الطبعة الثانية 2016م