لخالد بن حَدُّو
* عبدالرحمن السليمان
أستاذ الترجمة في جامعة لوفان في بلجيكا.
أثارت الهجمات الدامية على مطار بروكسيل الدولي وعلى محطة مالبيك في بلجيكا بتاريخ 22 آذار/مارس 2016 تساؤلات حول الإسلام في بلجيكا وحول علاقة بعض التعاليم الإسلامية – كما يروج لها في بعض مواقع الشبكة العنكبية – بالتطرف المؤدي إلى الإرهاب. طرحت هذه التساؤلات في العديد من البرامج التلفزيونية ومراكز البحث والصحافة. منذ ذلك الوقت تصدر الدراسات والمقالات العلمية والكتب التي تعالج موضوع التطرف لدى بعض الشبان المسلمين الذين نشؤوا وترعرعوا في الغرب، تباعًا. آخر هذه الكتب التي صدرت في بلجيكا كتاب (هل هذا هو الإسلام حقًا؟) لمؤلفه الإمام البلجيكي من أصل مغربي: خالد بن حَدُّو. يطرح هذا الكتاب بعض الأسئلة المصيرية التي تلح بنفسها على المسلم في الغرب، ومنها هذا السؤال الرئيس: كيف أنظر أنا المسلم الأوربي إلى المستقبل؟
لقد اكتسب هذا الكتاب أهمية كبيرة جدًا، تفوق قيمته المعرفية الحقيقية، لأنه من الكتب القليلة جدًا التي كتبها مسلمون بلجيكيون بعد أحداث 22 آذار/مارس 2016، ولأن كاتبه إمام مسجد نشيط في الإعلام يقدم فيه رؤية لإسلام يطلق عليه اسم "الإسلام العقلاني والأوربي المُصالِح". لقد تحول هذا الكتاب الذي صدر في شهر تشرين الأول / أكتوبر من سنة 2016 إلى وثيقة باتت تُعتبر في سياقات كثيرة على أنها دعوة إلى "إسلام عقلاني" يُحدُّ بأنه إسلام حديث منفتح تلتقي فيه حكمة الوحي الإلهي بالقيم الديموقراطية الغربية وتتصالح معها. من ثمة جواب الكاتب على السؤال البلاغي في العنوان الفرعي "كيف أنظر أنا المسلم الأوربي إلى المستقبل؟": "أنظر إلى المستقبل بعقلانية" وليس بعاطفية، "ومن داخل السياق الأوربي" لا من خارجه، "وبهدف التصالح والتعايش مع الآخرين" لا التصادم معهم.
يعتبر الإمام البلجيكي، المنحدر من أصل مغربي، خالد بن حدو، نفسه "تجسيدًا للإسلام العقلاني" الذي يحده بأنه "إسلام عصري يحاول التوفيق بين الديموقراطية وبين الوحي الإلهي، بين العقل وبين النقل". ويحاول الإمام الشاب خالد بن حدو أن يوظف هذه القناعة في عمله إمامًا خطيبًا في أحد مساجد مدينة غاند البلجيكية، وكذلك بصفته منسقًا لـ (شبكة خبراء الإسلام) التي تهدف – بالتعاون مع وزارة التعليم – إلى محاربة التطرف لدى بعض الشبان المسلمين في مقاطعة الفلمنك في بلجيكا عبر مؤسسات التعليم. لذلك حضر حفل تقديم الكتاب للجمهور في مسجد الفتح في مدينة غاند البلجيكية بتاريخ 21 تشرين الأول / أكتوبر 2016 كل من وزيرة التعليم الفلمنكي السيدة هيلدة كريفيتس (Hilde Crevits) ووزير العدل الفيدرالي السيد كون غينز (Koen Geens).
يطرح الكاتب خالد بن حدو في مقدمته مجموعة من الأسئلة التي يقول إنها أصبحت تشغل الكثيرين من الناس بعد هجمات باريس وبروكسيل: "هل هذا هو الإسلام؟ هل هو هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء وهم مطمئنون نتيجة لقراءتهم الحرفية لبعض الآيات القرآنية؟ هل هو الطوائف الإسلامية المتناحرة في المشرق العربي؟ أم هو ملايين المسلمين في العالم، الذين يتعايشون بسلام، مع إخوانهم في الدين، أو إخوانهم في الخليقة؟ وكيف نقرأ القرآن الكريم ونفهمه؟ وهل تستحيل مصالحة الإسلام مع المنظومة الفكرية والقيمية للغرب كما يزعم أتباع اليمين المتطرف، أم أن الشرق والغرب يلتقيان في قيم مشتركة كثيرة كما ترى الأكثرية"؟
في محاولته الإجابة على هذه الأسئلة، يقسم الكاتب كتابه إلى أربعة محاور رئيسة، ويؤكد على أنه يحاول أن يجيب على هذه الأسئلة انطلاقًا من تجربتة الشخصية التي يختزلها في ضفتين يسعى في بناء جسر يصل بينهما: "القرآن الكريم الذي يكون جزءًا لا يتجزأ من شخصيتي، والمجتمع الأوربي الذي أعيش فيه".
ينطلق الكاتب في محور كتابه الأول: "الإسلام العقلاني المؤسس على المعرفة والحوار" من تجربته الشخصية، ويرى أن الرسائل الموجهة إلى الناس تصبح أكثر قيمة عندما تنطلق من التجربة الشخصية: "تفيد التجارب الإنسانية بأن قيمة القصص والرسائل تتضاعف عندما تنطلق من الحالة الواقعية للقاص" أو الكاتب في هذه الحالة، "بدلاً من تأسيسها على إطار فلسفي عام". فالكاتب يؤكد على أنه لا يريد أن يقدم رؤيته ضمن فكرة ميتافيزيقية، بل من خلال حياته هو. يقول: "إن القصة التي أرويها في هذا الكتاب، هي قصتي". ويضيف: "وإن الرؤية والأفكار التي أطرحها في هذا الكتاب، مستمدة من قصة حياتي". ويركز الكاتب الشاب كثيرًا في هذا المحور على قصة حياته. وهذا التركيز ليس عبثيًا، ذلك أن عمر الإمام بن حدو ثمانية وعشرون عامًا. فهو من الشباب المسلم الذي نشأ وترعرع في الغرب، مثله في ذلك مثل بعض أقرانه من المسلمين البلجيكيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق مع تنظيم داعش. أضف إلى ذلك أنه – بالإضافة إلى حفظه القرآن الكريم وتمتعه بصوت جميل يمكنه من تلاوة رائعة – وسيم الهيئة، عصري المظهر، فصيح اللسان بالعربية والهولندية، لغة إقليم الفلمنك في بلجيكا. وهذا كله يؤهله لأن يكون نموذجًا حيًا لـ "الإسلام الأوربي"، وقدوة للشباب المسلم ضمن "الإسلام الأوربي"، وهو الإسلام الذي يتصالح مع التعددية الدينية والثقافية والفكرية والاجتماعية ضمن إطار الدولة العَلمانية. لذلك جاء سرده لنشأته مؤسسا لفكرته الرئيسة: الإسلام العقلاني! يقول عن "رحلته الوجودية": "حفظت القرآن الكريم في سن الثالثة عشرة"، ثم "حاولت فهم الثقافة الغربية وبنتيها الفكرية" بهدف "ربط القيم الإسلامية بها" وبالتالي "وضع كل شيء ضمن إطار عام وشامل". إن هذا التوفيق بين الانتماءين: الانتماء إلى الإسلام، والانتماء إلى الحضارة الغربية، هو النموذج البديل للفكر الجهادي السلفي الذي تشبع به بعض أقرانه البلجيكيين والأوربيين الذين التحقوا بتنظيم داعش وعاد بعضهم ليشعل النيران في العواصم الأوربية، ومنها بروكسيل التي كانت مسرحًا للهجمات الدامية في آذار/مارس من السنة الماضية. إن هذه الفكرة هي بمثابة الخط الخفي الذي يربط ما بين دفتي الكتاب وأقسامه وفصوله من أوله إلى آخره: تعايش المسلمين وغير المسلمين داخل المجتمعات الغربية كما يدعو إليها الكاتب بدلاً من الفصل المطلق بناء على عقيدة الولاء والبراء كما يفسرها أتباع الجهادية السلفية.
ويرى الكاتب في معرض حديثه عن تجربته الشخصية بصفته ابنًا لمهاجر مسلم إلى الغرب، ولد ونشأ في الغرب، بأنه "اكتشف أن الإسلام الذي تلقاه" من أبويه "إنما هو جزء من الإسلام وليس كله"، في إشارة إلى التنوع المذهبي والفكري الكبير في الإسلام، الذي لم يسمع من أبويه عنه شيئًا. "فقرأت أعمال الفلاسفة المسلمين والفلاسفة الغربيين وكان ذلك بمثابة الوحي بالنسبة إلي" في أهميته، مما جعله يركز كثيرًا على مسألة العقلانية في الإسلام، في إشارة أو ربما تسليم ضمني منه بأن ما أخذه عن أبويه المهاجرين إنما كان خليطًا من الدين والتقاليد وربما الخرافات.
ويعالج الكاتب في محور كتابه الثاني: "أوجه الإسلام الكثيرة" التنوع الفكري في الإسلام، فيسرد بإيجاز ظهور الإسلام وبناء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ثم حكم الخلفاء الراشدين، ثم نشوء الخلافات المذهبية وكذلك المذاهب الفقهية وعلم الكلام ويتوقف عند المعتزلة والأشاعرة وغيرهم. ثم يعرج على السلفية والحركة الوهابية في الجزيرة العربية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر لينتهي عند حركة الجهادية السلفية في عصرنا، فيسرد الوقائع الدراماتيكية التي تسببت هذه الحركة بها في أوربا، ومنها تفجيرات مدريد (2004) وتفجيرات لندن (2005) وتفجيرات باريس (2015) وبروكسيل (2016) وهجمات نيس (2016). لكنه يقرر بأن "حركات الإسلام السياسي بشكل عام فشلت إيديولوجيا، لأنها عجزت عن إيجاد حلول للأسئلة الملحة التي تطرح نفسها على إنسان القرن العشرين وإنسان القرن الواحد والعشرين". كما يرى أن انتشار بعض الأفكار المتطرفة بين الشباب المسلم في الغرب إنما هو نتيجة للدعاية التي يروج لها تنظيم داعش، الذي يريد تنظيم الحياة الإنسانية في الغرب بناء حد مؤسس على عقيدة الولاء والبراء يفصل بين المسلم وغير المسلم في مجتمع متعدد الديانات والأعراق والثقافات، ليستنتج "أن تنظيم داعش" إنما "يواجه العالم الإسلامي بعجزه عن تطوير ذاته من الداخل خلال القرون الأخيرة". ويرى الكاتب أن الوقت قد حان للنظر في مشروعية "الدولة الإسلامية كفكرة تنطلق من أن الإسلام يجب أن يكون أساس الحكم"، ويشكو من قلة الكتاب المسلمين الذين تعرضوا لهذه الفكرة بالنقد، "ومنهم الشيخ الأزهري علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذي صدر سنة 1925" والذي رفض فيه فكرة الخلافة داعيًا إلى الدولة المدنية الحديثة.
يأخذ المحور الثالث من الكتاب: "محاربة الراديكالية من خلال المصالحة وبناء الجسور" حصة الأسد من جهد الكاتب، لأنه ينقد فيه السياسة القائمة التي تواجه التطرف "بدون تحليل جذري لمشكلة الراديكالية والتطرف" لدى بعض الشباب المسلم في الغرب. من أسباب هذه الراديكالية "احتلال نابليون لمصر، وإنهاء أتاتورك للخلافة العثمانية"، في إشارة إلى اتفاقية سايكس بيكو التي سبقت إنهاء الخلافة العثمانية. ثم يتوقف الكاتب عند تطور الفكر الجهادي منذ سيد قطب حتى نشوء تنظيم داعش ويرى أن الفكر الجهادي السلفي لا يمثل التيار السلفي بشكل عام، في سعي منه لإظهار التنوع في التيارات السلفية بوضوح، وذلك "دون أن يقع في شرك انتقائية وسائل الإعلام" في نقد ضمني منه إلى تسليط وسائل الإعلام الضوء على النماذج العنيفة فقط داخل التيار السلفي. ثم يناقش الفكر الجهادي السلفي ويحلله ويقف عند عقيدة الولاء والبراء وعقيدة الطاغوت وفكرة "الغرباء" المذكورة في الحديث الشريف الذي رواه مسلم: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء". ويرى أن هذه "الغربة" يساء فهمها وأن خلطًا دلاليًا في المفاهيم يُتعمد هنا لأن داعش "يروج أن أتباعه غرباء" وأن أول من وظف هذه "الغربة" في العصر الحديث منظرو الجهادية السلفية في أفغانستان "لأن المجاهدين وقتها كانوا وقتها حقًا غرباء قادمين من دول كثيرة إلى أفغانستان".
ولعل أكثر الفصول إثارة للغرابة في كتابه تطرقه بالتفصيل للإجراءات الأمنية المتخذة في بلجيكا لمحاربة الراديكالية والتطرف، ومناقشته التقارير الأمنية واقتراحه إنشاء جهاز أمني أوربي متخصص في مكافحة الراديكالية والتطرف. ويشكو الكاتب في الوقت نفسه من أن "الأشخاص العاملين في الأجهزة الأمنية، الذين يعرفون التيارات والحركات الإسلامية واللغة العربية، قليلون جدا". كما يدعو إلى "إنشاء شبكة جمع معلومات موثوق بها" تنشط في الأحياء البلجيكية التي يرد ذكرها في التقارير الأمنية على أنها بؤر تطرف مثل حي مولنبيك في بروكسيل الذي نشأ فيه منفذو هجمات باريس (2015) وبروكسيل (2016). ثم يتوقف عند "الإجراءات الأربعة" التي اتخذتها الأجهزة الأمنية البلجيكية بعد هجمات بروكسيل (2016) وهي: "(1) اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الأمنية للحد من مخاطر الجهاديين السلفيين، و(2) إعاقة حركة سفر الجهاديين السلفيين إلى الخارج بإجراءات إدارية تتخذها الإدارات البلدية، و(3) تطوير خطاب ديني مناهض للخطاب السلفي في الشبكة العنكبية ووسائل التواصل الاجتماعي، و(4) الحد من المحورة أو القطبية الاجتماعية من خلال دمج جميع الأطراف الاجتماعية في الحوار القائم وإشراكهم في السياسات الوطنية". ويرى أن هذه الإجراءات ضرورية لكنها غير كافية لأن "القمع وحده لا يكفي" لأنه يمس حريات المسلمين الآخرين البعيدين من الراديكالية والتطرف.
ثم يختم الكاتب كتابه بمحور رابع عنونه بـ "قراءة القرآن وفق الروح والسياق التاريخي للقرن الهجري الأول"، في إشارة ضمنية إلى إسقاط نصوص القرآن الكريم على الواقع السياسي المعاصر دون أخذ السياق التاريخي للقرن السادس والسابع الهجري وكذلك أسباب النزول بعين الاعتبار. كما يرى أن القراءة الحرفية الظاهرية للقرآن الكريم تطرح إشكاليات عديدة ويضيف: "إن من الضرورة بمكان أن نحد بعض المفاهيم القرآنية انطلاقًا من سياق حاضرنا نحن. لذلك نعتبر إسقاط مفاهيم دينية نشأت في سياقات تاريخية مختلفة على سياقنا الحالي، تزويرًا فكريًا". ثم يبدأ بمعالجة بعض تلك المفاهيم التي يدعو إلى قراءتها بناء على السياق الحالي الذي نعيش فيه، وهي: الجهاد، الأمة، دار الإسلام - دار الحرب، الدعوة، الدولة الإسلامية، قتل الكفار، المرأة في الإسلام، والإسلام والعلم. ويحاول تفسير هذه المفاهيم من خلال (أ) خلفيته بصفته مسلمًا ولد ونشأ وتكوّن في الغرب، و(ب) من خلال التفاعل مع الجدل الاجتماعي القائم الذي يدعي أتباع اليمين المتشدد فيه وجود علاقة عضوية بين الإسلام والعنف تنتج الإرهاب. فيرى أن الجهاد "دفاع عن حدود الدولة" أصبح اليوم من مهام وزارات الدفاع في الدول المدنية الحديثة، وأن "أوربا دار إسلام" يكوّن المسلمون فيها "أمة واحدة داخل المجتمع الأوربي الكبير يدافعون من خلالها عن حقوقهم ضمن دولة القانون إن هي تعرضت للتهميش"، وليس من خلال الفصل الحاد بناء على عقيدة الولاء والبراء كما يؤولها ويدعو إليها أتباع تنظيم داعش. ثم يختم الكاتب كتابه باستذكار آيات الدعوة إلى الله بالحكمة والجدل مع غير المسلمين بالتي هي أحسن مؤكدًا على أهمية الحوار العقلاني بين المسلمين في بلجيكا (والغرب) والمجتمع البلجيكي (والغربي) بطريقة عقلانية مؤسسة على التعايش المشترك المؤسس على المصالح المشتركة.
لا تكمن قيمة هذا الكتاب، الذي انتشر انتشارًا واسعًا، في قيمته المعرفية كما أسلفت، وذلك على الرغم من أن كاتبه بذل فيه جهدًا كبيرًا من أجل الوصول إلى قلب القارئ المسلم الذي ولد ونشأ وترعرع في بلجيكا ولا يملك الخلفية الدينية والثقافية التي تجعله قادرًا على التمييز بين الخير والشر، وبين التدين والعنف، وبين الإسلام والجماعات المتطرفة، وكذلك إلى القارئ البلجيكي الذي صار ينظر بعين الريبة إلى المسلمين في بلجيكا – وعددهم يقارب المليون – بعد هجمات بروكسيل في آذار/مارس من السنة الماضية. بل لأنه من الكتب القليلة التي يكتبها مسلمون غربيون نشطون في المجال الديني والدعوي من أبناء الجيل الثاني والثالث للمهاجرين المسلمين من مغاربة وأتراك وفدوا للعمالة في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وخصوصا في الستينيات من القرن الماضي للمساهمة في إعمار ما دمرته الحرب فيها. وفي الحقيقة يعاني المسلمون في بلجيكا – ومعها بعض الدول الغربية – من فراغ كبير فيما يتعلق بالأئمة المسلمين القادرين على التواصل مع أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الغرب ومع المجتمع الغربي ذاته بلغته، ذلك أن أكثر الأئمة يتحدثون لغاتهم الوطنية فقط (إما العربية أو التركية)، ولا يعرفون لغة البلد، ولا خارطته الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية. والترجمة التي يلجأ إليها بعض الأئمة في أثناء الخطب والدروس لا تفي بالغرض في التواصل مع أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الغرب، ولا في التواصل مع المجتمع من خلال النقاش الاجتماعي والسياسي القائم، فضلاً عن التأثير فيه. فهؤلاء الأئمة يتمتعون بحصص متفاوتة من العلم الشرعي لكن يجهلون المجتمع الذين يعيشون فيه، ولغته وثقافته ومنظومته الفكرية أيضًا. لقد تسبب هذا الفراغ باستغراب كثير من الشباب المسلم من أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الغرب، لأنهم لا يجدون ضالتهم في المساجد التي يقوم عليها أئمة غرباء عن المجتمع الذي نشأ فيه هؤلاء الشباب، بكل ما تعنيه الكلمة. كما تسبب هذا الفراغ في لجوء الشباب المسلم الناشئ في الغرب إلى الشبكة العنكبية بحثًا عن الإسلام وتعاليمه باللغات الغربية التي يجيدها، وهو ما أوقع كثيرين منهم في شراك الحركات المتطرفة التي استقطبتهم حطبًا للحروب المذهبية في المشرق الإسلامي. كما مهد هذا الفراغ لبعض الشبان الناشئين في هذه البلاد الطريق كي يصبحوا – فجأة – "علماء" و"ناطقين رسميين" باسم الإسلام في بلجيكا، ومحاورين في الإعلام والنوادي الفكرية عن الإسلام. وهؤلاء وإن تمتعوا بقدرات لغوية وخطابية في اللغات الأوربية، فإن معرفتهم بالإسلام وتاريخه ومذاهبه وفرقه وتياراته الفكرية متواضعة، وكثير منهم من أصحاب الأجندات المختلفة. ويستثنى الإمام خالد بن حدو من هذا التعميم وذلك رغم حداثة سنه، وربما رغم سطحية بعض أطروحاته، ذلك لأنه يقدم في كتابه هذا رؤية جديرة بالتأمل، تؤهله لأن يكون قدوة صالحة للشباب المسلم في هذه البلاد، لأنه ينطلق فيها من الجمع بين حُسنَيَين: حسن الانتماء إلى الإسلام كما هو في الأصل، وحسن الانتماء إلى الحضارة الغربية في صورتها العلمية والمعرفية.
-----------------------------------------------------------
الكتاب:
العنوان: "هل هذا هو الإسلام حقًا؟ كيف أنظر أنا المسلم الأوربي إلى المستقبل"؟
الكاتب: خالد بن حدو
الناشر: دار برغرهوف ولامبرخت (بلجيكا)
اللغة: الهولندية
عدد الصفحات: 224 صفحات
سنة النشر: تشرين الأول / أكتوبر 2016
