لـ "إيلى فوده" و"أوين وينكلر"
أميرة سامي*
في ديسمبر عام 2010 قام شاب تونسي يدعى محمد البوعزيزي بإحراق نفسه احتجاجا على الأوضاع المتردية، ومنها انتشار البطالة، وهذا العمل أحدث ضجة ثورية في أنحاء الوطن العربي فأدى إلى سقوط أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر واليمن، كما انتشرت الأفكار الثورية في معظم البلاد العربية وهذه الأحداث أطلق عليها الربيع العربي، وتعتبر الموجة الثالثة من الصحوة في المنطقة العربية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وكانت الآمال معلقة في تلك الدول على نيل حريتها وكانت النتائج مخيبة للآمال لديها، كذلك الأمر بعد الربيع العربي حيث فشلت الثورات في أهدافها، وعمت الفوضى، وعدم الاستقرار في تلك البلاد، كما انتشرت الجماعات الإرهابية الجهادية، وقد يختلف الوضع في تونس؛ حيث ظهرت بعض علامات الديمقراطية لكن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تهدد الاستقرار السياسي، ويعتبر هذا الكتاب أول دراسة ترصد تلك الاضطرابات التي حدثت خلال ثورات الربيع العربي.
مؤلفا الكتاب البروفيسور אלי פודה إيلي فودة وهو رئيس الجمعية الإسلامية والشرق أوسطية، محاضر في الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط في الجامعة العبرية، وعضو في מיתווים "المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية"، قام بنشر وتحرير عشرة كتب وأكثر من سبعين مقالة حول الشرق الأوسط الحديث والعلاقات الإسرائيلية العربية، والبروفيسور און וינקלר أوين وينكلر وهو محاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، قام بنشر وتحرير ثمانية كتب وخمسين مقالة في مجال التاريخ الاقتصادي والديمغرافي في الشرق الأوسط.
قدما في كتاب"הגל השלישי: מחאה ומהפכה במזרח התיכון الموجة الثالثة من الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط" الظواهر التي جسدت العالم العربي منذ ديسمبر عام 2010م فصاعدا، وكانت عبارة عن مجموعة من أحداث متنوعة ببعض الأنظمة الاستبدادية كانت (نفعية أو أصولية) تتوافق بصورة واسعة في الآراء على الاستقرار لكونها محصنة من الإصابة (الضرر) الداخلي، وعلى الأقل كان تحديا خطيرا، كما هو الحال السوري لم يكن هناك شيء من هذا القبيل في العالم العربي في الماضي.
وقد حدث ذلك في كل أنظمة الحكم في البلدان العربية التي وقعت بسبب الانقلابات العسكرية أو أصبح الصراع على السلطة عنيفا بين مجموعات من الأفراد العسكريين، ولم يخطر على البال أن يتم تغيير الحكومة بطريقة ديمقراطية، أو استجابة لمظاهرات حاشدة تطالب بإزالة النظام القائم.
وهذا الأمر ذو أهمية كبيرة، أنه عندما حدثت العمليات الديمقراطية بعيدة المدى في التسعينيات من القرن الماضي في أوروبا الشرقية والوسطى، وأمريكا اللاتينية، أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا، لم تكن أي من البلدان العربية قد شهدت عمليات مماثلة حيث كانت الديمقراطية مدفوعة "מלמעלה من أعلى"، مثل نظام גורבצ'וב غورباتشوف، والحركات الشعبية من أجل الديمقراطية كما كانت في بولندا أو تشيكوسلوفاكيا، في نفس الوقت الاعتقاد السائد بين الباحثين والسياسيين على حد سواء أنّ العالم العربي هو مختلف، ولا ينبغي أن تطبق فيها عمليات إرساء الديمقراطية، اتضح الآن أنّ هذا النهج كان خطأ جوهريا؛ إلا أن " الجدول الزمني العربي" كان مختلفا إلى حد ما.
وعلى الرغم من الشعور بأن الاضطرابات قد أحاطت كل العالم العربي، وهذا الكلام غير صحيح، فالثورات شكلت تحديا للسلطات وتغيير النظام في بلدان قليلة فقط، من بين ثمانية عشر من البلدان الناطقة باللغة العربية انهار" המשטר הישן نظام الحكم القديم" فقط في أربع دول، بينما نظام الأسد في سوريا لا يزالون يتقاتلون حتى كتابة هذه السطور، وبنجاح كبير على حياته.
الأنظمة التي حدثت فيها الثورات كانت جمهوريات استبدادية سيطر عليها ضباط الجيش الذين جاءوا إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري، وبعد ذلك تولوا الحكم، ومع ذلك لم تكن هناك المظاهرات الحاشدة في أي من الأنظمة الملكية الحاكمة التقليدية (المغرب والأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج (ما عدا البحرين، حيث التوتر بين الشيعة غالبية السكان، والأسرة "المالكة السنية" السبب الرئيسي للمظاهرات وأعمال الشغب).
ما هي أسباب هذا الاختلاف؟ من المستحيل أن نشرح أسباب قابلة للقياس الكمي (الوضع المالي، الناتج القومي الإجمالي للفرد الواحد، وما إلى ذلك)، فالمملكة العربية السعودية ودول الخليج غنية حقا، لكن المغرب والأردن ليستا هكذا، ومستحيل تفسير هذا بدرجة قمعية (قمع الحقوق) إلى حد ما، فالحقوق المدنية يتم منعها في المملكة العربية السعودية وأكثر بكثير من ذلك من قمع الحقوق في مصر أيام مبارك، وفي تونس أيام زين العابدين بن علي حيث كانت حرية التعبير أكثر مما هو كائن عليه في سوريا، على سبيل المثال.
اتضح أن هناك بحثا عن تفسيرات أخرى للفرق بين الدول التي وقعت فيها المظاهرات وأطاحت بحكامها أو الطعن في الأنظمة والبلدان التي لم تحدث فيها هذه الأمور، الجمهوريات العسكرية الاستبدادية تفتقر إلى بعض الأسس الشرعية. وعندما بدأت الاحتجاجات لم تستطع السلطات أن تعتمد فقط على القوة الغاشمة، ولهذا تم القبض على مبارك وبن علي والقذافي والأسد في نهاية المطاف كحكام ليس لديهم الشرعية الواسعة على الشعب. والحقيقة أنّ بعضهم حاول إنشاء السلالات ليورث أبناءه العهد (الظاهرة التي جعلت سعد الدين إبراهيم يدعوها بمسمى ג'ומלוכיה جملكية يقصد بها الجمهورية الوراثية والجملكية تعبير جديد وضعه حول توريث الحكم في النظام الجمهوري أو الجمهورية الملكية للإشارة إلى عدم شرعية هذه النظم.
من ناحية أخرى تبين أن الأنظمة الملكية التقليدية للأسر الحاكمة تتمتع بالشرعية التقليدية التي لها جذور دينية، حيث تعتبر العائلات المالكة في المغرب والأردن أحفاد النبي محمد والمملكة العربية السعودية الوصي على الأماكن المقدسة، والتظاهر ضد الملك الأردني يعني التظاهر ضد سلالة النبي، وضد السياسة والحكومة ورئيس الوزراء، ولكن ليس ضد الملك نفسه، هذا لا يعني بقاء هذه الأنظمة الملكية على قيد الحياة إلى الأبد، فكان السبب الذي لم يجعل هذه الدول تتعرض لموجه احتجاجات الربيع العربي يرتكز في الثقافة السياسية والتقاليد الشرعية للأنظمة الملكية التي تختلف كثيرا عن الجمهوريات الاستبدادية، يجب أن يضاف إلى ذلك أنّ هذه الأنظمة الملكية قادرة جدا على التخلص من المعارضين للسلطة دون الإضرار بشرعيتها من خلال الاستقطاب من جمهوريات الاستبداد، ويظهر هذا إلى حد ما في الأردن، وأكثر بروزا في المغرب، ولكن يستثنى الجزائر من هذا التصنيف فهي جمهورية قاعدتها عسكرية والبيانات الأساسية لها مميزة، وقد خاضت الجزائر حربا أهلية دموية بسبب الانتصار الانتخابي للأحزاب الإسلامية في التسعينيات.
فكان المجلس العسكري الحاكم في الجزائر هو جبهة التحرير الوطني פל"ן المعادية للاستعمار والحركة التي أدت إلى استقلال الجزائر، وتتمتع بهالة من التحرير الوطني وهي ليست طائفة ضباط وإنما رمز للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي والنصر الوطني الجزائري، وأخيرا، الجزائر قطاع النفط واضح أنه واجهة للسلطة وأداة قوية في شكل العائدات النفطية تحقق الاستقرار والقوة للحكم.
على المستوى النظري قضية الشرعية لنظام معين معقدة لا يمكن تحديدها أو تعيين التعريف الدقيق الذي يؤسس بوعي ونشاط وفقا لهذه المعرفة سواء من خلال التأييد(الدعم) أو من خلال الاستئناف لشرعية يمكن أن تنشق بسهولة تحت ضغط الأحداث غير المتوقعة ونظرا لدخول فاعلين جدد إلى الساحة ومن الواضح أيضا أن تمديد وتوسعة الشبكات الاجتماعية يكثف كل هذه التغييرات، ويسمح بالتغييرات المكثفة في فترة قصيرة من الزمن، لا يتم قطع هذه التعديلات من القدرات والإرادة لتستخدم بقوة من جانب الحكام، ويمكن أن تعتبر مشروعة أو يتغاضى عنها على الأقل فربما يتراجع عنها بين عشية وضحاها، على أي حال يبدو أن البعد الشرعي عامل رئيسي في الاضطرابات والتحولات الحاسمة التي كانت في العالم العربي، وسوف يواصل لعب دور مهم في التطورات المستقبلية.
جانب آخر من التطورات الدراماتيكية والسريعة في العالم العربي هي خيبة الأمل أو الانتقال من الآمال التي زرعتها بداية الثورات إلى خيبة أمل عميقة من تطويرها، فمن الصعب اليوم ذكر أجواء الأمل التي سادت بداية عام 2011 عندما انهارت الأنظمة المستبدة واحدة تلو الأخرى مثل أحجار الدومينو، ويبدو أن عهدا ديمقراطيا جديدا يبدأ بتطويق المنطقة بأكملها، ويبني عليها لأول مرة في التاريخ، ويعزز الأنظمة الديمقراطية.
مصطلح "האביב הערבי الربيع العربي "نظراً لما يبدو أنه عملية تاريخية، وصياغته مستوحاة من ربيع الشعوب الأوروبية عام 1848م، ولم تخلو بالطبع المقارنات سواء في الخطابة السياسية بالمنطقة والعالم والتحليلات الأكاديمية، التي تسعى إلى إيجاد أوجه التشابه والتوازي في عمليات التغيير الدراماتيكية في التاريخ الأوروبي، سواء بين الثورة الفرنسية أو بين انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية في الفترة 1989-1991.
تنبع هذه الخطوات في الأساس من مزج الأمل مع البنية التحتية للفكر أو النظرة العالمية أو نتيجة عصر "הנאורות التنوير"، والتي ترى في التاريخ الحتمية ومن مبادئه أن قشرة الأرض مشابهة في كل مكان وأن مسار التحرر من التاريخ واضح باتجاه واحد حتى إذا أبطأ في منطقة أو أخرى سوف يأتي في نهاية المطاف، عندما تتفكك الأنظمة الشيوعية وهذا الرأي الأحادي والمتعدد التأثير هو وجهة نظر פרנסיס פוקוימה فرانسيس بوكويما التي عبر عنها في كتابه קץ ההיסטוריה نهاية التاريخ.
يوضح الكتاب أنّ المظاهرات التي حدثت في ميدان التحرير وشارك فيها ما يقرب من مليون ونصف مليون مشارك ما هي إلا مجرد سراب كبير لأن مصر بلد شاسع بها أكثر من 90 مليون ولكن هذه الأقلية كانت تناضل من أجل صياغة أكثر وضوحا وهي المقاومة الأساسية لنظام مبارك، والذي كان القاسم المشترك الوحيد لكل من العلمانيين والإسلاميين على حد سواء، وهذه المجموعات استطاعت أن تسقط الأنظمة المستبدة أثناء المظاهرات الحاشدة، وهذا ما حدث بالفعل في مصر وتونس لكن إقامة الديمقراطية المتماسكة والفعالة لن يحدث مرة واحدة فهي عملية طويلة غالبا ما تأخذ سنوات متعددة من أجل إنشاء المؤسسات ودعم المنظمات والأحزاب السياسية.
كان أقوى منظمتين في مصر في هذا التوقيت الجيش من جهة والإخوان المسلمون من جهة أخرى ويذكر الكتاب أن مقولة "الجيش والشعب يد واحدة " كان ينظر إليها على أنها دعم للاحتجاجات أو المظاهرات ضد القمع أو الطغيان ولم يتمكن العديد من المراقبين فهم دور هاتين الهيئتين في المجتمع المصري، فالجيش لم يكن إلا أساس النظام وتاريخيا كان الجيش المصري هو المعبر عن الهوية الوطنية المصرية منذ أيام "محمد على" في أوائل القرن التاسع عشر، ومن المؤكد بعد حرب 1973م، وفي هذا الصدد أن شعار " الجيش والشعب يد واحدة " تعبر عن حقيقة عميقة منذ الأيام الأولى للثورة، فكان واضحا أن الجيش لا يطلق النار على المتظاهرين، علاوة على ذلك عقود الهيمنة العسكرية على مصر جعلته عاملا رئيسا في المجال الاقتصادي ولذلك فإن الجيش المصري لم يكن سوى نقطة محورية من التضامن السياسي حيث جمع بين المصالح الاقتصادية والسلطة السياسية.
وينبغي الإشارة إلى أن مفهوم الديمقراطية عند جماعة الإخوان المسلمين كان ذا بعد واحد وانعكس في سياسة مرسي وتصريحاته وجماعته التي رأت أن الديمقراطية تعني فقط الوصول إلى السلطة" لقد فزنا بأغلبية لذلك كل ما نقوم به شرعي" فكانوا يسعون إلى إقامة نظام من شأنه تكريس الحكم الاستبدادي.
مع كل هذه الاختلافات يمكن فهم هذه المعضلات من خلال النظر إلى ما حدث للأنظمة في أوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، فعندما انهارت هذه الأنظمة كانت نقطة انطلاق تحول ديمقراطي مماثل.
هذه التحليلات مهمة من أجل التطورات في العالم العربي اليوم، والحقيقة أن جميع مكونات المجتمع المدني في الدول العربية ضعيفة والسبب أن مصر وسوريا والعراق في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين كانت ذات أنظمة دستورية مضللة.
ويبدو أنّ أهمية الربيع العربي على المدى البعيد إلقاء نظرة في الواقع على مستوى النظام في دول الشرق الأوسط بدلا من تغيير النظام، وقد تم تصميم نظام الدولة في الشرق الأوسط لمراقبة ما بعد الاستعمار البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا النظام الآن يواجه التفكك في كل ما كان يسمى في ذلك الوقت "بلاد الشام" والتي تأسست في سوريا ولبنان والأردن والعراق في ضوء اتفاقية سايكس بيكو (1916) هذا النظام من الاتفاقيات يعكس المصالح الامبريالية الأوروبية التي رسمت دون أي اعتبار للتاريخ أو الجغرافيا أو التكوين العرقي الديني للسكان الذين يعيشون في المنطقة، عندما اكتسبت هذه الدول الاستقلال السياسي، كان من مصلحة الحكام أن يحددوا الوضع الراهن خصوصا عندما سعت أيدولوجيا الوحدة العربية لتجاوز حدود سايكس بيكو التعسفية، وكان واضحا للجميع أنّ إعادة فتح الحدود سيتم فتح صندوق باندورا תיבת פנדורה(صندوق باندورا في الميثولوجيا الإغريقية، هو صندوق حُمل بواسطة باندورا يتضمن كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة) لكن لم يهتم أحد، وعندما هزت رياح الربيع العربي الوضع الراهن ووضع الحكام والبحث في خريطة الشرق الأوسط والنظام السياسي الإقليمي ستجد واقعا مختلفا تماما عما هو كان سائدا في المنطقة فمنذ سنوات لم تعد العراق دولة عربية متحدة وتدهورت المظاهرات في سوريا إلى حرب أهلية وتطورات الأحداث في لبنان وليبيا والسودان واليمن ومصر وظهر داعش في سوريا والعراق.
يجب أن نضيف بعدا آخر من أجل فهم الطابع المعقد للتطورات في المنطقة وهو مسألة العلمانية التي ترى التقاليد السياسية والفكرية للغرب نتاج علمانية التعليم والتنوير وهي أفكار مرتبطة بمفاهيم الديمقراطية والليبرالية لواقع الشرق الأوسط في صورة مختلفة ليس فقط في البلدان العربية ولكن في البلدان غير العربية في المنطقة والإجراءات العملية العلمانية لأكثر من قرن من الزمان مع الأنظمة الاستبدادية فنظام الشاه في إيران (الأب والابن)، وأتاتورك في تركيا، وزين العابدين بن على في تونس، ومبارك في مصر، وصدام حسين في العراق، ونظام الأسد في سوريا كلها أنظمة سعت إلى فرض الأنظمة العلمانية على المجتمعات الدينية التقليدية.
------------------------------------------------------------------------------------
اسم الكتاب: الموجة الثالثة من الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط
المؤلف: إيلى فوده، وأوين وينكلر
الناشر: دار نشر الكرمل
سنة النشر: فبراير 2017
اللغة: العبرية
عدد الصفحات: 579
* أكاديمية مصرية
