فاطمة بنت ناصر
(دور الجامعة في أوروبا الجديدة – تشكيل الجامعة في أوروبا الدينية والعلمانية) مقالة نشرتها مجلة التفاهم وكاتبها هو ديفيد فورد، أستاذ الكرسي الملكي للإلهيات بجامعة كمبريدج. يقدم الكاتب لنا مصطلحات وقضايا قلما نجدها تجتمع معاً رغم الصراعات التي بينها. فالدين والعلمانية نِدّان أو - هكذا صوروها لنا- حتى بتنا نعجز عن تخيلهما معاً. المصطلحان الآخران هما أوروبا والجامعة وفيهما نجد ارتباطاً مهما حيث لعبت الجامعة، ولازالت، دوراً هاماً في تشكيل البنية المجتمعية الأوروبية.
يبدأ الكاتب باستعراض التحديات التي تواجه مشاركة الدين والجامعات معاً في تشكيل المجتمع الأوروبي. فأوروبا رغم العلمانية والفصل الظاهري بين الدين والدولة إلا أنّها كغيرها ترى وتتأثر بنشاط الحركة الدينية في العالم. وفي ضوء هذه الصراعات يبدو أن أحد الحلول المهمة يتمثل في محاولة الجمع بين الدين والجامعة والتعامل معها كمكونات تكمل بعضها وليست كأقطاب متنافرة. وكما أن للدين جذوره الضاربة في المجتمع الأوروبي فإن للجامعة جذورها العميقة أيضاً وقد استطاعت أن تكون بها قيماً منهجية راسخة أهمها: أهمية الاستقصاء العقلي للعالم، والحوار العام الدقيق الذي يثبت المعرفة المثبتة، واستخدام قوانين البرهان، واحترام حرية الفرد وكرامته، والحاجة إلى النقد الذاتي المستمر بغرض تحسين معرفتنا وإدراكنا، والسعي إلى المعرفة عامل عام لا يمكن اختزاله في المصالح الاقتصادية. ولتؤدي الجامعة دورها على أكمل وجه يرى الكاتب أن عليها الموافقة بين السعي للمعرفة والاهتمام بتشكيل وتنشئة الطلاب وبين إفادة المجتمع. والموافقة بين هذه العناصر ليست بالأمر السهل، فما بالنا بمحاولة التوفيق بينها وبين الدين. فعلى الرغم من أن أوروبا تعيش اليوم حالة من السلام الظاهري الخالي من الصراعات الدينية، وذلك بعد أن دفعت ثمناً غالياً لتتحرر من الصراعات الدينية، إلا أنها اليوم تشهد حراكاً نشطاً للأديان بسبب تدفق أعداد كبيرة من المسلمين والمسيحيين ونشأت حركات مسيحية وعلمانية جديدة. ولنتمكن من مواءمة هذه العناصر معا، يقترح الكاتب الآتي:
- إيجاد مخرج للتطرف الديني والعلماني معاً، عبر تحالف يجمع الطرفين معاً في مجتمع متعدد يمكنه أن يكون علمانياً ودينياً في آن واحد.
- إشراك الجامعات في صنع هذا التحالف، فزيادة فهم وإدراك العلوم الدينية أمر ضروري وليس ترفا زائداً على الحاجة. كما أن الجامعة عليها البحث عن مصادر تمويل علمانية ودينية لتتمكن من تفعيل هذا البرامج.
الدين والعلمانية تحت ظل جامعة واحدة
لطول الزمن الذي مر على فصل الدين والعلمانية وندرة اجتماعهما بتكافؤ في الجامعات الأوروبية، يبدو أمر جمعهما معاً كفكرة التقاء حمم بركانين في حالة نشطة، إلا أن فكرة تصالحهما وتعايشهما معاً تبدو فكرة مبشرة. فالجامعات على كثرتها في أوروبا لا تزال منقسمة بين جامعات دينية وجامعات علمانية، ويظل نموذج التعايش بين الدين والعلمانية عملة نادرة ولكنه موجود (مثال: جامعة كمبردج). وهذه ليست دعوة للتخلص من الجامعات الدينية أو العلمانية ولكنها دعوة لإنشاء الكثير من الجامعات المشتركة بينهما لتتلاءم وحاجة المجتمع التعددي الراهن. في القادم سأشير إلى هذه الجامعات المشتركة بالجامعات العلمادينية.
المشاكل والتحديات لتكوين الجامعات العلمادينية
يختم الكاتب مقاله باستعراض مفصل لست من المشاكل والتحديات التي تواجه إنشاء الجامعات العلمادينية، ألخصها في الآتي:
- مناقشة المشكلات: هناك مناقشات مستمرة حول المشكلات التي تتعلق بأمر الدين والتعليم، إلا أن الدراسات بشأنها تظل نادرة. ولعل أبرز من تناولها معاً هو لوس بيبيان في دراسته ( تدريس الدين في أنظمة المدارس الأوروبية : قضايا و اتجاهات سياسية)[2]، إلا أنّ هذه الدراسات رغم أهميتها لاتزال تتبع دون وعي منهجاً علمانياَ في تناولها للموضوع. فحين تكون العلمانية جزءاً من مجال البحث سيكون أمر جعلها طريقة للبحث عن الحلول أمراً غير منصف. كما نجد أن أمر علاقة الجامعات بالديانات غير مطروح على طاولة النقاش رغم التحديات المجتمعية التي تواجه أوروبا اليوم. فأوروبا العلمانية لاتزال تقدم الدين كأحد مظاهر الثقافات المتعددة، غير أن هذا التقديم في الوقت الراهن لا يساعدنا على حل المشكلات الراهنة التي يلعب فيها الدين والعلمانية دوراً رئيسياً.
- الاعتماد على حكمة الكثير من التقاليد: تتوارث الجامعات الأوروبية عدداً من التقاليد العريقة. وتعد الكثير من هذه التقاليد حاجزاً اليوم أمام الاندماج مع المدارس الأخرى. فالجامعة تمثل مقراً للعديد من المناهج لإنتاج المعرفة والحكمة، إلا أن هذه المناهج لازالت تتعامل مع الدين وكأنها ترى حيواناً مفترساً خلف القضبان – صحيح أن القفص بين أسوار الجامعة ولكنها لا تتفاعل معه ولا تمنحه الفرصة لإثبات أنه غير مفترس وقابل للتآلف مع الآخرين. الإبقاء على تقاليد فصل كهذه قد يؤخر عملية التصحيح ومن المهم إشراك المؤسستين العلمية والدينية تحت سقف واحد ودون حواجز.
- تطوير أقسام للدراسات الدينية: أغلب الجامعات الأوروبية تدرس الديانات بأقسام مختلفة أو تقوم بمقارنة هذه الأديان معتمدة على المنهج العلمي ورافضة تعريفها الذاتي، لذا من المهم تفعيل أقسام شبيهة (بأقسام اللاهوت والدراسات الدينية) تجمع مختلف الأديان معاً.
- زيادة المعرفة والثقافة الدينية داخل الجامعات: رغم تطور الجامعات الأوروبية إلا أن ما ينقصها في هذا السياق – كما يرى الكاتب- هو تعزيز حضور الدين بين ردهاتها فيما يحقق " العدالة الاجتماعية".
- زيادة الثقافة والوعي الديني في المجتمعات بمساعدة الجامعات: هذه النقطة امتداد لما سبقها، وهنا يتم التركيز على أهمية تعاون الجامعات مع المؤسسات الدينية في المجتمع لإقامة علاقات طويلة المدى تثري تجربة الطرفين وتساعدهما على فهم بعضهما، بالإضافة إلى إسهامهما معاً في تشكيل المجتمع.
- الاعتماد على مصادر التمويل الدينية والعلمانية: لتكوين جامعات قوية تحقق الدمج اللازم بين الأديان والعلمانية وتخلق نموذجاً متعايشاً متفاعلاً مع بعضه، علينا تشجيع الممولين من الأطراف العلمانية والدينية لدعم هذا المشروع. فحالياً تمويل الجامعات الأوروبية لا تشترك فيه المؤسسة الدينية، ولكن في حال دمج المؤسستين معاً، سيكون من السهل استقطاب التمويل الديني الهائل وكذلك العلماني لصناعة مشروع مبشر يضم الدين والجامعة معاً.
مقاربة المشروع الأوروبي والراهن العماني
المجتمع العماني على عكس المجتمع الأوروبي لا يفصل السياق الديني الإسلامي عن التعليم بكافة مراحله، إلا أن هناك نقطتين في هذا الشأن في غاية الأهمية وهما:
- الدين الإسلامي حاضر في الجامعات تحت كنف كلية التربية. وهنا لا نجد حضوراً مستقلاً له، ووجوده مرهون بتعليم منهج إسلامي تربوي وليس منهجا للدراسات والبحوث الإسلامية الفكرية وقضاياها المعاصرة وعلاقتها بغيرها من الأديان.
2- كلية العلوم الشرعية في عمان تتبع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهي منفصلة عن الجامعة جغرافياً وفكرياً. كما أنها منحصرة على الدراسات الإسلامية ولا تضم قسماً للأديان الأخرى.
ربما جمع العلوم الإسلامية بغيرها من الأديان تحت كنف الجامعات وكليات الدراسات العليا سيخلق تفاعلاً صحياً ومطلوباً بين الأديان والمجتمع بكافة أطيافه.
