لدانييل كانتيني
منى أحمد أبو زيد
يتكون الكتاب من مُقدمة وخمسة فصول. يشير المؤلف في المقدمة إلى مدى اهتمام الأردن بالتعليم حيث تبلغ نسبة الشباب فيه 70% من تعداد السكان. ويقع على عاتق هذه الفئة عبء تحقيق التقدم للمجتمع. ويبني ملك الأردن والحكومة آمالاً عظيمة على هذا الشباب في قيادة حركة التقدم في المجتمع.
لقد تأثر هؤلاء الشباب- منذ فترة زمنية قريبة- بالثورات التي ظهرت في بعض الدول العربية، مثل تونس ومصر، ولكن سرعان ما تمَّ احتواء ثورة الشباب في البلاد بصفة عامة، وفي الجامعة بصفة خاصة.
ويضع المؤلف في المقدمة عدة عناوين جانبية، يتناول فيها بعض الموضوعات التي تتحدث عن الوضع السياسي في الأردن، وعوامل الاستقرار، والتركيبة السكانية، كما يتحدَّث عن أثر الأحداث السياسية الواقعة في دول الجوار على الأردن، وأثر وجود اللاجئين العراقيين والسوريين على الحياة والتركيبة السكانية.وتنتهج الأردن في سياستها نهجًا ديمقراطيًا، وتهتم اهتمامًا كبيرًا بمناهج العلم الحديث، وتشجع الشباب على الإقدام على التعليم، والانصراف عن التدخل في السياسة، وقد أحدث هذا نوعاً من الاستقرار السياسي. ويتناول المؤلف دور الجامعة كمؤسسة تعليمية تعمل على تشكيل الهوية الخاصة والرؤية السياسية لدى الشباب. كما تقوم بدور مهم في التعريف بالمشكلات الإقليمية والشؤون الدولية.
إن نظم التعليم العالي في المجتمعات المعاصرة لها تأثيرها على المجتمع، وعلى التكوين الطبقي، وعلى تحديد النظم المختلفة للوظائف الإدارية، ولا تقتصر الدراسات الاجتماعية على بيان دور الجامعة كمؤسسة تعليمية فقط، وإنما ترى أنَّ لهذه المؤسسة دورًا حضاريًا، حيث تناقش التأثيرات الإصلاحية المُنبثقة عن السياسات والحركات التَّحررية الحديثة، والتي انتشرت في العالم العربي انتشارًا كبيرًا في العقدين الأخيرين.وقد تمَّ الاعتراف بما للجامعات من دور في إحداث التَّغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأصبح يُنظر إلى هذه الأدوار، في عالمنا المُعاصر، على أنها من المسلمات التي لا تحتاج في تأكيدها لبراهين نظرية. فالواقع أثبت هذه الأهمية، ويُعد التعليم الرسمي مكونًا أساسيًا من مكونات بناء الدولة، تستطيع الدولة من خلاله إعداد المواطنين لشغل الوظائف المختلفة، وتدريب العمال والفنيين على صناعاتهم.
وتُعد جامعة الأردن، محور هذه الدراسة، أقدم مؤسسة تعليمية عليا في المملكة، إذ تأسست عام 1962، وهي أكبر جامعاتها وأكثرها شهرة، كما أنها المعبرة عن التغييرات التي يوجدها النظام التعليمي في البلاد.وقد قام المؤلف بجمع معلومات عن هذه الجامعة من خلال الاندماج في الأوساط الطلابية، حيث تتدفق المعلومات بدون جهد، فشاركهم الاهتمام والحديث عن موضوعات كثيرة، منها التجارب التي مروا بها، وخُطط المستقبل، وموضوعات عن الحب والدين والحرب والسلام.
وقبل الحديث عن الشباب والتعليم في الأردن، يقدم لنا المؤلف خلفية عن أثر السياسة على الجامعة، والآثار التي تركتها الأزمة العراقية ثم الأزمة السورية على الوضع في المملكة، بالإضافة إلى أثر الأزمة الاقتصادية العالمية على الأردن بصفة عامة، وعلى الجامعة بصفة خاصة.
إن المجتمع الأردني قد تأثر تأثرًا كبيرًا بما يُعرف بالتطبيع، كما تأثرت الجامعة أيضًا. فالجامعات ليست فقط أماكن لإنتاج المعرفة، بل إنها أيضًا جزء من المجتمع والمعبرة عما يدور فيه. وتتبلور العلاقة بين المجتمع والجامعة في عدة صور، منها الإصلاحات التي تهدف الجامعة إلى إحداثها في المجتمع، والطرق التي يلجأ إليها الطلاب في التعبير عن آرائهم السياسية، والوسائل التي تستطيع بها الجامعة تلبية حاجة سوق العمل، عن طريق الربط بين التعليم وما يتطلبه الإنتاج، ومشروعات الجامعة في تحقيق الجودة المطلوبة.
وتُعد الجامعة أحد الأركان الأساسية في إحداث الاستقرار الاجتماعي في الأردن، وتتضافر الجهود لإنجاح مهمتها. لما لها من أثر على الحياة الاجتماعية والحياة الخاصة. إلا أنّ الجامعة قد تعرضت في الآونة الأخيرة لبعض الاضطرابات الناجمة عن مظاهرات أُثيرت بسبب ارتفاع المصاريف الجامعية، حيث وصلت الزيادة في نوفمبر 2014 إلى 100% ثم زادت مرة أخرى في يونيو إلى 140%. وقد أحدثت هذه الزيادة استياءً لدى الطلاب، خاصةً عند من لا يستطيعون مواكبة هذه الزيادات، للمُحافظة على استمرارهم بالجامعة.
ويُبين علم الاجتماع أن التعليم يعكس التفاوت الطبقي في المجتمع، كما أن تحديد المكانة الوظيفية يعتمد على التفوق الدراسي، وبناء عليه تتحدد المكانة الاجتماعية. فالتعليم يعكس التحولات الاجتماعية فهو صورة للعلاقات المتفاوتة بين حائزي السلطة وحائزي الثروة وأصحاب المؤهلات العلمية.
وللجامعة- في رأي المؤلف- وظائف معنوية، وتؤكد التفاوت بين طبقات المجتمع، فالمؤسسة الجامعية تدعم ما هو كائن، وتدفع كذلك كل من له موهبة إلى الترقي في السلم الطبقي الاجتماعي.
والجامعة قريبة الصلة بخطاب النظام العام حول التطور، وهي تؤكد على هوية الأردنيين، وقد استطاعت النساء أن يحققن عن طريق التعليم مكانة حقيقية، حيث انخرطن في سلم التعليم، وحققن التفوق، وارتقين في سلم الوظائف، وحققن المكانة الاجتماعية المتميزة.
ويناقش المؤلف في هذا الفصل نشأة التعليم العالي في الأردن وتطوره، كما يناقش الأسس الفلسفية المقام عليها، وصلة هذه الأسس بالنظم السياسية والاجتماعية. والجامعة تقوم بوظيفتها حول سياسات قبول الطلاب، وتحديث طرق التدريس. وقد عاشت الأردن فترة تحت الانتداب البريطاني، وخضعت للتغيرات السياسية التي أحاطت المنطقة، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وأصبحت الأردن واحدة من بلاد الشام، التي تشمل سوريا ولبنان وإسرائيل وفلسطين والأردن.
واعتبرت إنجلترا الأردن نقطة ارتكاز يُمكن من خلالها مُراقبة التحركات الفرنسية في سوريا ولبنان، والاضطرابات في الدول الأخرى كالسعودية ومصر، وبالطبع فلسطين وإسرائيل. وعلى الرغم من صغر المساحة التي تشغلها الأردن، إلا أنّ قُربها من إسرائيل والسعودية والعراق ومصر أتاح لها أن تقوم بدور مُتميز، وأتاح لها الحصول على المعونات المالية من الدول الأخرى، وقد ساعدت هذه المعونات في خلق أنماط جديدة للنمو الاقتصادي. وأصبحت عَمّان مركزًا من المراكز الاقتصادية الهامة التي جذبت الاستثمارات الأجنبية والتوكيلات العالمية، بالإضافة إلى تجارة السلاح من غير المؤسسات الحكومية. وفي الخمسينات كان التعليم العالي في الأردن محدودًا بكليات صغيرة أقيمت في "عَمّان" و"الحوراء" و"عجلون" و"رام الله" و"طولكرم" و"بيت حنين"، واقتصرت هذه الكليات على مُهمة تخريج مُعلمين للمرحلة الابتدائية والإعدادية.
وقد كان التعليم هو السبيل إلى تطور البلاد العربية، واتجهت حكومات الخمسينيات إلى فتح الجامعات أمام عامة الشعب. ففتحت حكومة جمال عبد الناصر مجال التعليم المجاني في مصر، وضمنت لكل خريج وظيفة، ثم نشأت جامعات وطنية في بقية الدول العربية.
وقبل افتتاح جامعة الأردن، كان هناك ألف أردني يدرسون بمرحلة الدراسات العليا في كل من مصر وسوريا، أما في ألمانيا الغربية فقد كان هناك حوالي ألفي طالب في عام 1965 أيضًا في الولايات المتحدة. وقد عانى الطلاب من مشكلات نفسية نتيجة الاغتراب. ومن هنا تكونت لجنة من الخبراء من الجامعة الأمريكية- في بيروت والقاهرة- والجامعات البريطانية، واليونسكو، وانتهوا إلى ضرورة إنشاء جامعة بالأردن. فصدر القانون رقم 24 لسنة 1962 بإنشاء الجامعة، ووُضع أول قانون للجامعة سنة 1964 والذي أكد على استقلالية الجامعة عن وزارة التعليم، وأصبحت جامعة الأردن هي الجامعة العربية الوحيدة التي ليس لها صلة بالحكومة، رغم تعاونها مع الحكومات المتتالية.
واتسعت الجامعة، وازداد عدد طلابها وهيئات التدريس، وأضحى الإناث يمثلون حوالي 65% من أعداد الطلاب. ولقي خريجو الجامعة الأردنية الرواج سواء في لبنان أو دول الخليج العربي، مما شجع على زيادة أعداد طلاب التعليم العالي، وافتتاح العديد من الجامعات والمعاهد الخاصة حتى وصل عدد الطلاب إلى مائتي ألف طالبًا سنة 2007، والمُتوقع أن يصل إلى مائتين وسبعين ألفًا في الأعوام التالية.
تحتل الأردن المكانة رقم 18 على مستوى العالم، والمركز الأول في العالم العربي، حيث تطورت في العشرين سنة الأخيرة في السياسات والبرامج التعليمية ووسائل التدريس، وبدأت الأكاديميات الأردنية تأخذ خطوات متسارعة وإيجابية لتجديد التعليم العالي وأنظمته، على كل المستويات التعليمية، كي يكون لها دور في مواكبة الاقتصاد المتنامي.
وتُعد الأردن في مقدمة الدول العربية في التعليم طبقًا لتقرير النمو البشري لعام 2000، حيث بلغت فيها نسبة التعليم 87%، علمًا بأنَّ متوسط النسبة في الدول العربية الأخرى 59%. وتتركز الأمية في الأردن في كبار السن، وقد أدت حرب الخليج الأولى إلى عودة مكثفة للطلاب الفلسطينيين للأردن، مما أدى إلى ازدهار الجامعات الخاصة. كذلك أدى تدافع الطلاب العراقيين والسوريين اللاجئين للأردن إلى إرباك الوضع التعليمي. وصار عدد الجامعات الخاصة يفوق الجامعات الحكومية. وإن كانت الجامعات الحكومية ما زالت تعج بأعداد ضخمة من الطلاب. كما أدى غزو الكويت إلى عودة الطلاب الفلسطينيين حاملي الجنسية الأردنية إلى الأردن، وزاد الإقبال على الجامعات الخاصة، التي قام سوق العمل على رفض خريجيها مما أدى- فيما بعد- إلى تقلص أعداد الطلاب بها.
ويركز المؤلف في الفصل الثاني وعنوانه "إصلاحات الجامعة" على الإصلاحات الجارية التي تمت خلال الـ25 سنة الأخيرة، مثل الخصخصة والعولمة والموازنة. ورغم أنَّ هذه الإصلاحات، بشكل عام، توجد في القطر كله، ولكنها كانت في الجامعة ذات تأثير.
ويتعرض المؤلف في هذا الفصل للبرنامج الإصلاحي الذي تتبناه وزارة التعليم العالي تحت رعاية البنك الدولي، ويشير المؤلف إلى أنَّ هذا البرنامج قد أُجهض. أما عن الإصلاحات الجامعية فظهر قدر كبير من الاهتمام بها، وحملت جانبًا كبيرًا من النقد، إلا أنَّ جوانب كثيرة منها لم تُنفذ.
واستندت هذه الإصلاحات المنشودة في الجامعة على بعض الهيئات الأجنبية، كالاتحاد الأوربي، والمساعدات الدولية، واشترطت الجامعة عدم التدخل في عملها، حيث تعلمت الأردن من تجارب الماضي التي واجهتها مع الهيئات الأجنبية.
أساسية لمساعدة الشباب لفهم اختياراته وتحقيقها. والجامعة تمنح الشباب رؤية لإدراك التغيرات السريعة في التعليم والمواطنة، وفهم دوره في المجتمع، وتحقيق روابط الصداقة، وفهم الخطاب الديني.
ويعرض المؤلف حياة الطلاب العامة محاولاً أن يبيِّن خبراتهم اليومية في إطار تواجدهم بالجامعة. فالجامعة تمثل للشباب نقطة فارقة في حياتهم العامة، ووسط المصاعب التي تعانيها الأردن من دول الجوار، كالحرب الأهلية في سوريا، والتي تعتبرها الأردن شأنًا داخليًا، إلا أن هذه الصعوبات تلقي بظلالها على المناخ العام في الأردن، وتؤثر على الشباب وتدفعهم إلى الرغبة في الهجرة.
أما الفصل الرابع، وعنوانه "النشاط السياسي في الحرم الجامعي"، فيكرسه المؤلف للحديث عن الحركات الطلابية ويتحدث عن الأدوار المُتباينة التي تلعبها الجامعة، حيث تحوي في داخلها التيارات السياسية المتعارضة، فهي من جانب مؤسسة مستقلة عن الحكومة، ولكنها في ذات الوقت تمثل سلطة الدولة نفسها في صور مختلفة، لأن بها خلاصة عقول الشباب والكوادر العلمية، ومن طبيعة هذه الأطراف المناقشة، وتشجع الجامعة على زيادة الوعي السياسي في إطار العولمة.
إن انتشار التعليم مرتبط بارتفاع الوعي السياسي للنظام القائم. والجامعات مكان لإبداء الآراء المختلفة. بدءًا من توفير المكان المناسب لتحقيق التطلعات المادية إلى الصراع الدائر حول الهوية القومية، إلى الأسس الفلسفية للتربية، والحديث عن وسائل التدريس، وقواعد الالتحاق بالجامعة، والحياة الاجتماعية في داخل الحرم الجامعي. ويسرد تاريخ الحركات الطلابية في الأردن المناوشات التي حدثت في الحرم الجامعي 2012-2013، والتي يزعم المؤلف أنّها انعكاسات لتجارب سياسية ماضية.
ويشير المؤلف إلى التنظيمات الطلابية الحالية، والتي تحولت من مُجرد كونها تنظيمات سياسية، تنحصر في الاهتمام بالمطالب الداخلية إلى اهتمام أشمل وأوسع بالأمور الخارجية. وهذا التغيير علامة صحية للتنظيمات الطلابية التي لم تعد تحصر اهتماماتها في الخاص، وإنما انطلقت نحو العام.
أما الفصل الخامس والأخير، فيخصصه المؤلف لعلاقة الجامعة بسوق العمل، حيث تحمل هذه العلاقة تحديًا لاستقرار الجامعة كمؤسسة، فهي تتحدث دائمًا عن التعليم الجيد ذي القيمة، كي تحقق دورها في الحياة، ومواجهة التحديات.
وتُعد الجامعة الأردنية نموذجًا مميزًا، ومن أهدافها التي وضعتها على شبكة الإنترنت هو تخريج طلاب متميزين، لديهم قدرة على المنافسة في أسواق العمل، وفي الدراسات العليا، وتحقيق المتطلبات الوظيفية في مجال البيئة والتكنولوجيا، وإن كان الأردن يُعاني من مشكلة البطالة، وتمثل هذه المشكلة تحديًا خطيرًا بالنسبة لإعداد الخريجين.
ـــــــــــــــــ
الكتـــاب: الشباب والتعليم في الشرق الأوسط: تشكيل الهوية والسياسة في الأردن
المــؤلف : Daniele Cantini
عدد الصفحات : 196
الناشـــر : I.B. TAURIS, London, New York, 2016
اللغة: الإنجليزية
