«كسر موجة النفط»

الغلاف.jpg

مُحمَّد السالمي

تُعتبر التنمية الاقتصادية هدفاً لأي دولة؛ فالدول النامية والصناعية -على حدٍّ سواء- تَسْعَى لرفع مُستوى مُؤشر التنافسية الدولية والتنمية الاقتصادية. فالقادة وُصنَّاع السياسة ينظرون للتنمية الاقتصادية ورفع المستوى المعيشي على أنها هدف أساسي يُرْجَى تحقيقه. وللوصول لهذا الهدف، يجب الحصول على الموارد المالية اللازمة للتمويل. وبالنظر لدول مجلس التعاون الخليجي، مقارنةً بالدول النامية، فإنَّها حققت نجاحاً باهراً في رفع كفاءة اقتصادها، وتسجيل مُؤشر مُرتفع في التنمية الاقتصادية؛ وذلك نتيجة للاستكشافات النفطية. هذه الاستكشافات النفطية أسهمت -بشكل واسع- في إثراء المحفظة الخليجية، وبالتالي تمويل مشاريع البنية التحتية ورفع كفاءة السوق، والتعليم، والصحة. وبعد مسيرة مميزة من الطفرة الاقتصادية في دول الخليج، يُطْرَح تساؤل عام حول صحة الاقتصاد الخليجي. فلو أمعنَّا النظر في المشاريع التنموية، فإنها تعتمد بشكل رئيسي على التمويل الحكومي والذي يأتي من الصادرات النفطية. كما أنَّ النفط الخام والمنتجات النفطية تشكل ما نسبته 80-90% من إجمالي الصادرات. والمنتجات غير النفطية لا تمتلك الميزة التنافسية في الخارج!!

كتاب "كسر موجة النفط" (Breaking The Oil Spell) من صندوق النقد الدولي، يُقدِّم نظرة تاريخية وتحليلية واستقصائية حول كيفية تحقيق وإدارة نمو طويل الأجل للاقتصاديات ذات الطابع الريعي. يُغطِّى الكتاب مُختلف مناطق العالم من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا. وهو من تأليف خبراء الصندوق: رضاء شريف، وفؤاد حسنوف، ومين زوه، وقد أتى نتيجة مؤتمر "التنويع الاقتصادي المتقدم" في الكويت.

والكتاب على شكل سلسة من المقالات في ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يناقش التنوع الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وينقسم هذا الفصل إلى جزأين. الجزء الأول يناقش التنوع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، وكيف أن صُنَّاع القرار بحاجة لأخذ مسألة تنويع مصادر الدخل من الأولويات لضمان نمو اقتصادي مستدام، وأيضاً تقليل الاعتماد على القطاع العام في صناعة الوظائف؛ حيث تعتمدُ دول الخليج على صادرات النفط كمصدر أوَّلي للدخل دون إنتاج سلعة أخرى منافسة له. كما يناقش هذا الجزء كيفية الاستفادة من تجارب الدول الغنية بالموارد الطبيعية في التنويع الاقتصادي؛ مثل: المكسيك، وماليزيا، وإندونيسيا. ويرى الخبراء أنَّ تنويع الصادرات يأخذ وقتاً ليس بالقليل، ولذلك يجب العمل عليه في أقرب وقت. مع الأخذ في الاعتبار تعديل السياسات، وتطوير المؤسسات وبيئة الأعمال، وتطوير البنية التحتية...وغيرها. كما يَطْرَح الخبراء أنَّ دول الخليج عُرضة للمرض الهولندي؛ مما يستوجب إعادة هيكلة التحفيزات للشركات والقوى العاملة، وذلك عن طريق التنويع الرأسي (التنويع في نفس القطاع)، والتنويع الأفقي (التنويع في عدة قطاعات مختلفة)، واستثمار تنمية مهارات القوى العاملة.

الجزء الثاني من الكتاب يُناقش النجاح والفشل الذي تحقق في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالأخص في السعودية والجزائر. حيث إنْ الدولتين حققتا طفرة صناعية منذ السبعينيات من القرن الماضي، وكونهما أيضاً الأكثر من حيث الكثافة السكانية مقارنةً مع الدول المصدرة للنفط في المنطقة. كما أنَّ في هذا الجزء يناقش السياسات المختلفة التي اتخذت في سبيل دفع النمو وتنويع مصادر الدخل. يَرَى الخبراء أنَّ تحقيق طفرة صناعية في هاتين الدولتين مع شحِّ الموارد في القوى العاملة الماهرة هو بحد ذاته تعليمي؛ حيث إنَّ الاستثمار البشري قبل التوجه للصناعة ليس متطلبا أو عائقا حسب خبرة هاتين الدولتين في المجال الصناعي.

الفصل الثاني من الكتاب ينقسم إلى أربعة أجزاء، ويناقش خبرة الدول في التنويع الاقتصادي في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. ففي الجزء الثالث يُناقش التحوُّل الكبير الذي طرأ على سنغافورة منذ الستينيات من القرن الماضي من دولة ذات فقر مدقع، لتكون في مصاف الدول المتقدمة من حيث معدل التنمية والتنافسية الدولية. فتجربة سنغافورة في مجال التنمية تقسم إلى خمسة مراحل؛ ابتداءً من مرحلة الاستثمار البشري في الستينيات، مروراً بمرحلة تنمية مهارات القوى العاملة في السبعينيات، ثم الدخول في المرحلة الثالثة بالاستثمار في المجال الصناعي في الثمانينيات، والمرحلة الرابعة في التسعينيات كانت للدعم التكنولوجي للصناعات وإعطائها الميزة التنافسية، والمجال الخامس الاستثمار في المعرفة والابتكار منذ الألفية الجديدة. فهذا الجزء يناقش السياسات التي أسهمت في الانتقال من مرحلة إلى أخرى بسلاسة.

الجزء الرابع يُناقش التجربة الماليزية في التنمية الاقتصادية؛ حيث إنَّها تجربة مثيرة للاهتمام؛ لأنها من الدول النامية القلائل من حيث قلة الثروات، ولكنها استطاعت تحقيق ثروة صناعية ونظام تصديري قوي. يُناقش هذا الجزء التحديات الثقافية والسياسية والاقتصادية في ماليزيا، وكيف استطاعت أن تواجهها. كما يناقش السياسات التي اتخذتها الدولة لتحقيق نمو هائل في فترة وجيزة. قامت الحكومة الماليزية بدعم التعليم بشكل مكثف، حيث يشكل الإنفاق الحكومي للتعليم حوالي 16% من إجمالي الإنفاق العام. كما قامتْ الحكومة الماليزية بدعم التنويع الاقتصادي الأفقي خاصة في قطاعي التصنيع، والخدمات، وقد أعطاها ذلك الميزة التنافسية في منطقة جنوب شرق آسيا؛ حيث أصبحت العاصمة كوالالمبور من المدن الجاذبة للاستثمار نتيجة جودة البنية التحتية وبيئة الأعمال الجذابة. كثير من المحللين يرون أن نجاح ماليزيا يرجع للقيادة الحكيمة لمهاتير محمد الذي استطاع تحقيق طفرة في الاقتصاد الماليزي، والتعامل مع التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبعد انتهاء الاستعمار الإنجليزي لماليزيا، كانت الدولة متعددة الإثنيات من الصين والهند، إضافة للسكان الأصليين؛ وذلك بسبب جلب القيادة البريطانية الصينيين للعمل في التعدين، وجلب الهنود للعمل في قطاع الخدمات، ولكن الفجوة تقلصت مع مرور الزمن؛ حيث إنَّ المجتمع الماليزي مجتمع فتي. وبالتعامل الحكيم مع الإثنيات من قبل الحكومة، قامت ماليزيا بتقليل اعتمادها على الموارد الطبيعية مثل النفط والمطاط، حيث كانت هذه الموارد تشكل حوالي 70% من دخل الصادرات، واعتمادها على خطط خمسية لتنويع مصادر الدخل. ينظر إلى ماليزيا على أنها استفادت كثيراً من الاستعمار البريطاني، من حيث استزراع المطاط من الأمازون، وجلب العمالة الماهرة من المستعمرات الأخرى. وكذلك الحال في هونج كونج.

الجزء الخامس يُحلِّل ويَطْرَح موضوع التنمية في شرق آسيا، وتحديداً في كوريا الجنوبية. ويناقش هذا الجزء الناحية التاريخية، ويطرح مفهوم التفاعل وبناء العلاقات بين القطاع الخاص وخطط الحكومة في التنمية، وما هي المعوقات والمحفزات لهذه العلاقة. ومما يثير الاهتمام في كوريا أن البداية تختلف عن دول الخليج؛ مما يطرح تساؤلا حول مستوى تنوع القطاعات الاقتصادية وكيف تطورت، وكيف تستطيع دول الخليج الاستفادة من التجربة الكورية والآسيوية بشكل عام. حيث يركز المقال على أنَّ تاريخ الدولة وتجاربها عبر العصور ليس مهما في دعم التنمية؛ كون الدول تستطيع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، دون الرجوع لتاريخها الأصلي، وهذا ما يعكس التجربة في شرق آسيا، ابتداءً من اليابان، ثم الصين وتايوان، مُروراً بكوريا وباقي دول شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة. وبالتمعُّن في التجربة الآسيوية، نَرَى أنَّ جميعها تتشابه في قطاع الصادرات، كما أنَّ السياسات الاقتصادية تتشابه لحد ما.

الجزء السادس يُناقش التنويع الاقتصادي في أمريكا اللاتينية؛ حيث يكشف المقال عن التطوُّر الاقتصادي في دول أمريكا اللاتينية الذي طرأ عليها في العقد الأخير؛ وذلك نتيجة طفرة الثروات الباطنية. كما يناقش هذا الجزء السياسات التي اتخذت للتنويع الاقتصادي مثل المدخلات الحكومية والتدخل الحكومي في التنويع الأفقي والرأسي، والدعم الحكومي في مجالي التكنولوجيا والابتكار خلال العقد الأخير. كما ناقش هذا الجزء بعض التحديات التي تواجه هذه الدول وتتمثل في حجم السوق المحلي، ووفرة الثروات الباطنية، وعامل البعد عن الأسواق العالمية؛ سواء كان ذلك من ناحية الاتفاقيات التجارية أو من الناحية الجغرافية، إضافة إلى العامل المؤسسي. ويختم المقال بأنَّ هناك تذبذبا في النمو الاقتصادي؛ وذلك نتيجة لتذبذب أسعار الثروات الباطنية، ولكن هذه الدول أكثر قابلية من حيث تنوع الصادرات، ويبقى التحدي الأكبر لها في سرعة تغيير السياسات البيروقراطية لدعم عجلة التنمية.

الفصل الثالث والأخير من الكتاب يُناقش بعضَ السياسات التي تدعم التنوع الاقتصادي، وينقسم إلى أربعة أجزاء. الجزء السابع يشرح أهمية نظرية التنمية الاقتصادية لدول المصدرة للموارد الطبيعية؛ حيث يناقش المسببات في نمو الإنتاجية في الشركات، وما هي معوقات النمو التي تُواجهها الشركات بمختلف أنواعها. ويدرس الجزء الثامن تأثير التنويع الاقتصادي في عدة أمور؛ مثل: الناتج المحلي الإجمالي، والابتكار التكنولوجي، وانخراط المرأة في سوق العمل، وريادة الأعمال..وغيرها. وكانتْ النتيجة أنَّ التنويع الاقتصادي ذا التوجه الصناعي يُحسِّن المخرجات الاقتصادية من عِدَّة نواحٍ. كما يشرح هذا الجزء البرامج المدعومة من قبل الحكومة في مجال الأبحاث والابتكارات المعمولة في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الجزء التاسع يُلقِي الضوءَ على النهضة الصناعية في البرازيل خلال العقدين الماضيين، وما هو دور بنك التنمية البرازيلي في دعم النمو الاقتصادي، وما هي السياسات التي اعتمدها خلال الألفية الثانية، وما هي مخرجات هذا الدعم. بدأ بنك التنمية البرازيلي جهوده في تنمية القطاعات المختلفة في الخمسينيات من القرن الماضي، مُعتمدا على وجود الحكم العسكري الذي أسهم في وضع بعض القوانين لدعم الصناعات المحليه مثل رفع الضرائب على الواردات...وغيرها من القوانين التحفيزية والحمائية، وتعتبر هذه الخطوة مهمة في تنويع الاقتصاد البرازيلي في ذلك الوقت؛ حيث وصلت مساهمة القطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 36% في الستينيات. ورغم نمو القطاع الصناعي، إلا أنَّه يفتقر للابتكار التكنولوجي والإبداعي. ومن ذلك الوضع تم تعديل في بعض السياسات وفتح السوق المحلية، ودعم الأبحاث والتطوير، والانخراط في بعض الصناعات؛ مثل: البرمجيات، والأدوية والوقود الحيوي؛ حيث إنَّ برامج الأبحاث والتطوير أسهمت في القيمة المضافة وزيادة الإقبال على المنتج البرازيلي في الداخل والخارج.

الجزء العاشر يتحدَّث عن حركة سيمول إندونج في كوريا، والتي تعرف باسم حركة المجتمع الجديد التي نَادَى بها الرئيس الكوري بارك شونج-هي، وكيف استطاعت هذه الحركة توفير حلقة الوصل بين السوق والأهداف التنموية للدولة. حركة المجتمع الجديد في كوريا لم تُسهم فقط في تطوير الاقتصاد والمجتمع، وإنما عملت كآلية للاندماج الاجتماعي؛ حيث إنَّ نجاحَ الحركة اعتمد بشكل أساسي على المشاركة المدعومة من الحكومة والهيكل الاجتماعي في ترقية الإصلاح الزراعي في الخمسينيات. كما استطاعتْ الحركة تغيير النظرة حول المجتمع الكوري من مجتمع كسول وغير مُنتج، إلى مجتمع تعاوني وشغول يعتمد على نفسه.

إنَّ النفط قد لا يكون المصدرَ الأساسيَّ للطاقة في المستقبل؛ لذلك يجب علينا تغيير المعادلة القائمة على الاقتصاد الريعي، وبناء اقتصاد قوي ومتنوِّع ومُستدام. يُقدِّم هذا الكتاب دروساً من مُختلف الدول النامية حول تنويع مصادر الدخل، وكيف تستطيع دول الخليج والدول القائمة على الثروات الباطنية الاستفادة من هذه التجارب.

-------------------------------

- الكتاب: "كسر موجة النفط".

- المؤلف: رضاء شريف، وفؤاد حسنوف، ومين زوه.

- الناشر: صندوق النقد الدولي (IMF)، 2016، باللغة الإنجليزية.

أخبار ذات صلة