«الحد من التسليح والاستقرار الإستراتيجي في الشرق الأوسط وأوروبا»

الغلاف.jpg

أميرة سامي *

* أكاديمية مصريَّة

يُعدُّ هذا الكتاب المجلَّد الثالث من سلسلة الدراسات التي أُعِدَّت كجزء من برنامج ضبط التسليح والأمن الإقليمي، والذي كانتْ مُدَّته ثلاث سنوات، في معهد دراسات الأمن القومي، وبمنحة مدعومة من مؤسسة هيوليت (Hewlett) التي تهدفُ لتشجيع الباحثين المتخصصين في هذا المجال.

واشتمل الكتاب على ثمانية مقالات تم تجميعها؛ وضمَّت مجموعة واسعة من القضايا التي تُثير الأفكار المهمة والرؤية النظرية ذات الأهمية الكبرى لصناع القرار بشأن التحديات؛ من أجل الحد من التسليح المرتفع في الألفية الحالية. كما تُشير المقالات إلى الأسئلة التي تدعو لاستمرار الأبحاث في هذا المجال عَرَض فيه الباحثون والخبراء الإستراتيجيون المعضلات المتنوعة والمتعلقة بالحد من التسليح والتحديات الإستراتيجية المتغيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وانقسمت إلى ثلاث مجموعات.

المجموعة الأولى من المقالات: تبحث عن التحديات المستمرة للبرنامج النووي الإيراني وأنشطتها في هذا المجال بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015م، والذي آثار قضايا معقدة في مجال التحليل والتنفيذ للحد من التسليح، وقد حدَّد الاتفاق المعايير الجديدة التي تتساءل بشأن منع انتشار الأسلحة النووية، ووجهة النظر المستقبلية للإشراف في إيران والبلدان الغير نووية الموقعة على الاتفاقية.

وعلى هذه الخلفية يفحص أفرايم أسكولى مسار إيران إلى تطوير الأسلحة النووية من خلال خطة العمل المشتركة (JCPOA) الموقَّعة بين الدول الغربية الستة وإيران في يوليو عام 2015، والتي تعمل بشكل رئيسي في إنتاج المواد الانشطارية اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم، والتي أهملت إلى حد كبير قضية تطوير الأسلحة النووية، كما تجنبت الإشارة إلى أنظمة التسليم الممكنة بشأن الأسلحة، وظلت خارج المفاوضات مع إيران، وغير مدرجة في الاتفاقية، كما أعْرَب الكاتب عن زيادة المخاوف من القضية النووية الإيرانية عقب إعلان إيران عن تطويرها لصواريخ كروز بعيدة المدى في عام 2015، ووفقا للأدلة المتوفرة، فإنَّ إيران قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصب بجودة عالية (HEU) للاستخدام العسكري غير المحدود تقريبا، على الرغم من أن الاتفاق النووي يوجب تقليل المخزون، ويذكر أفرايم أسكولى أنَّ التحليل الكامل لهذه المسألة له عواقب أبعد من مراجعة التقنية، ويجب أن تأخذ في الاعتبار طابع النظام الإيراني، فإيران دولة عازمة على تطوير الأسلحة النووية بأي ثمن، وأن الاتفاق النووي يوفر لها مساحة للتنفس من ناحية المطلب المالي، ومستقبلا واعدا جيدا أكثر لتحسين برنامجها النووي، وليس بعيدا اليوم أن تكون إيران قادرة على تطوير الأسلحة النووية على نطاق كامل؛ ففي ضوء الطموحات العالية لقيادة إيران، تستطيع بالتأكيد أن تصل إلى ما تريد. وقبل أن يُنهي أفرايم أسكولى مقاله يعود مرة أخرى للسؤال الذي يُزعج الكثير؛ وهو: هل هناك إمكانية كشف نشاط إيران المحظور وفقا لمعاهدة (NPT) "حظر الانتشار النووي". ويذكر أنَّه ليس هناك يقين بأنَّ بعثة تقصِّي الحقائق الدولية ستكون ذات سلطة سياسية قوية بما يكفي لفضح النشاطات السرية؛ فمن خلال المفاوضات ستجد إيران دائما أسبابا لتبرير أفعالها، وستواصل القيام بذلك في المستقبل، حتى لو تعارض بالتزاماتها وتعهداتها الدولية.

بينما يتعامل أوين الترمان في مقاله مع مواقع الرقابة والتفتيش المشتبه بها في إيران، ويقول إنَّه ومن خلال المفاوضات بشأن القضية النووية الإيرانية كان السؤال المركزي: كيفية تحقيق صلاحيات الوصول للمواقع الإيرانية المشتبه في أنشطتها النووية؟ من خلال مناقشات القوى العالمية الست المشاركة (P5+1) الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، وكان الهدف الرئيسي للاتفاق هو وضع حدود للبرنامج النووي الإيراني. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التفتيش وإعادة تحديد الأهداف من مواقع التفتيش، والمواد ذات الصلة النووية الموجودة في إيران حاليا، لكنَّ الإيرانيين يمكنهم المواربة؛ لهذا السبب ازداد الطلب من المشككين والمنتقدين لإيران من أجل أن يتم وضع عملية صارمة لتوفير إمكانية الوصول للمواقع المشتبه بها، لكن الاتفاق النهائي أغضب وخيب آمال المشككين والنقاد على حد سواء الذين طالبوا (مثل ممثل أمريكا) أن يكون التفتيش "في أي وقت وفى أي مكان" حتى يمكن المفتشين الدوليين الوصول إلى المواقع المشتبه بها في أي مكان بإيران، دون إشعار مسبق حتى المرحلة النهائية من المحادثات، وتعهد الموقعون بالوقوف بحزم على الشروط، ولكنهم استقروا في النهاية واستعاضوا بـ"الوصول المنظم" بمعنى أن عملية التفتيش من شأنها أن تسمح بالإخطار المسبق لإيران، والتي من خلالها منعت إيران المفتشين للوصول إلى أماكن تعرفها بأنها مواقع عسكرية.

وفي هذا المقال ذكر الكاتب المخاطر الرئيسة في الاتفاق ودور كل من الجهات الفاعلة المعنية "وكالة الطاقة الذرية وإيران" والدول الأعضاء في (EU/E3+3 - القوى العالمية الست والاتحاد الأوروبي)، والذين يقفون إلى جانب إيران ويمنعون معا التفتيش لأداء التفتيش المطلوب، وبعد تحليل القوى والديناميات المختلفة بينهم قدم ملخصا بشأن الأسئلة التي تدور حول كيفية القيام غير المتوقع لعملية التفتيش، وكيف يمكن للصراعات المحتملة أن تعطل الاتفاق النووي الإيراني بأكمله.

بينما يقدر يوئيل جوزانسكي وغاليا ليندنشتراوس، في مقالهما، مدى تطوير البرامج النووية المدنية في منطقة الشرق الأوسط في هذا الجو الجديد، وأوضحا أنَّ عِدَّة دول في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة بدأت تطوير البنية التحتية النووية المدنية على أراضيها، وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة العربية الأكثر تقدما حول هذا الموضوع (حيث إنَّ المفاعلات المخطط لها بالفعل تحت الإنشاء)، ويُتوقع أن تكون أول دولة عربية تستخدم الطاقة النووية السلمية داخل أراضيها، كما تقدمت تركيا في هذا المجال وبدأت بناء المفاعل الأول ومن المقرر تشغيله عام 2020، بينما وقعت الأردن في مارس 2015 اتفاقا مع المؤسسة الروسية "روساتوم" لبناء اثنين من المفاعلات. أما مصر، فلديها خطة حتى عام 2025 لاستكمال بناء أربع محطات للطاقة النووية، كما بدأت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة بإقامة علاقات مع مسؤولين أجانب من أجل تطوير طاقة نووية سلمية داخل أراضيها، وبدأت في بناء البنية التحتية التكنولوجية العلمية اللازمة لهذا الغرض. ويلفت الكاتبان النظر إلى هيمنة روسيا على تمويل وبناء المفاعلات النووية الأولى لتوليد الطاقة في تركيا، والأردن، ومصر، فضلا عن تبادل واسع النطاق بين روسيا والمملكة العربية السعودية في مجال التعاون النووي، وهذا يُمكن أن يؤدي لتعزيز موقف روسيا في المنطقة، ولكن المشاكل الاقتصادية في روسيا من الصعب عليها الدفع بمشاريعها ويمكن أن يؤدي هذا إلى نتيجة عكسية، وتأخُّر كبير في تطوير برامجها النووية بتركيا والأردن ومصر.

كما أعْرَب الكاتبان عن القلق الكبير فيما يتعلَّق بالبرامج النووية المدنية في الشرق الأوسط، واحتمال ربطها لتستخدم أيضا في تطوير برنامج نووي عسكري، وهذا سيؤدي إلى كبح علاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة التي تعارض السياسة الأمريكية التقليدية بقوة انتشار السلاح النووي بعامة، وفي منطقة الشرق الأوسط بخاصة، وهناك احتمال كبير أن تتحرك المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول في مسار مشابه لإيران التي حصلت على ختم الموافقة الدولية على تخصيب اليورانيوم؛ لهذا أشارت بعض الدول سابقا إلى أنها لا تعتزم البقاء في المؤخرة على الأقل في المستويين التكنولوجي والعلمي في هذا المجال.

وإلى جانب المخاوف من إمكانية التحول من برنامج نووي مدني إلى برنامج نووي عسكري، هناك مخاوف إضافية بشأن سلامة المنشآت وأمنها والقلق من الهجمات الإرهابية وما تقوم به هذه العناصر من تخريب البنية التحتية النووية في البلدان النامية، كما رأينا في محطة الطاقة النووية في منطقة الضبعة بمصر.

المجموعة الثانية من المقالات: تعاملت مع الأفكار التي نشأت في الساحة الدولية خلال العقد الماضي وقد نقلت مقالات عزرئيل برامانت وإيرينا كالهوسوفا المناقشة إلى الساحة الدولية، ويركز عزرئيل برامانت في مقاله على تحليل سياسة الردع النووية لحلف "الناتو" شمال الأطلسي، في ضوء استخدام القوة لموسكو في أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وقدرة الناتو على المواجهة الإستراتيجية للردع الفعال والتحديات الكبيرة في أعقاب الجدل حول دور الأسلحة النووية التكتيكية والسياسة الواضحة تجاه أوكرانيا، والمطالبة بنزع السلاح النووي على المدى المتوسط طبقا لمعاهدة INF؛ حيث تنبه "الناتو" عقب انهيار الاتحاد السوفييتي إلى التهديد المزدوج لانتشار الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل من إيران وغيرها من البلدان خارج منطقة "الأورو-أطلسي"، وتمَّ إنشاء الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي كأمر أساسي لموقف الردع، وكجزء من التعامل مع التهديدات من بلدان إرهابية وجدت خارج منطقة الأورو-أطلسي.

وفي الوقت نفسه، طلبتْ منظمة حلف شمال الأطلسي فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع روسيا، على الرغم من أنه من الممكن أن نرى مبادرات تجاه موسكو في قمة لشبونة في موسكو نوفمبر 2010، نشرت هذه الجهود لخلق حقبة جديدة من التعاون مع موسكو جنحت في ضوء الأزمة في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن ارتفاع حدة التوتر بين الناتو وروسيا لا يقتصر على مسألة أوكرانيا.

وقد تفاقمتْ هذه الحالة بعد الأحداث العسكرية بين قوات روسيا وحلف شمال الأطلسي منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، والخطاب المتشدد لبوتين في موضوع الأسلحة النووية. وعلى هذه الخلفية، يُواجه حلف شمال الأطلسي التحدي المتمثل في إدارة سياسة الردع النووية، وأن توفير الأمن للدول الأعضاء المجاورة لروسيا والمعرضة للهجمات وفى الوقت نفسه محاولة لتجنب التصعيد وعدم التوجيهات. ليس هناك شك في أنه في أجواء انعدام الثقة لن تستطيع منظمة حلف الأطلسي أن تتخلى عن الأسلحة النووية التكتيكية.

بينما ركزت إيرينا كالهوسوفا على المعضلات الإستراتيجية والسياسة المتصاعدة بجمهورية التشيك. فيما يتعلَّق بخطط الولايات المتحدة والدفاع الصاروخي، أظهرت خطة الدفاع الصاروخي بوضوح المواقف الحالية للسياسة الخارجية للأطراف الرئيسيين لجمهورية التشيك، والتعامل بنجاح مع عصر التطور الاقتصادي والسياسي لعصر ما بعد الشيوعية، ولا تزال هناك إستراتيجية واضحة طويلة الأجل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وحقًّا منذ برنامج الدفاع الصاروخي وتعميق التعاون مع الولايات المتحدة لم يحصل أبدا على اتفاق مماثل، وبقيت مُثيرة للجدل، وأظهر البرنامج أيضا أنَّ الولايات المتحدة وأوروبا الوسطى والشرقية لم تعد من البلدان التي تحتاج معاملة "خاصة"؛ وذلك بفضل الوصول إلى الاستقرار والازدهار، وقد تمَّ اختبار هذا البرنامج من قبل حكومة أوباما في الأساس من خلال الجدوى الفنية وأهميتها الإستراتيجية، وليس كمبادرة لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة. وعلاوة على ذلك، ذكر برنامج الدفاع الصاروخي في التشيك والمجتمع الدولي بأسره لتغير دور روسيا، وأنَّ مُوسكو التي من شأنها أن تكون ممثلة المشاركة في الأنشطة البيئية، سواء بشكل مباشر أو من خلال مصادرها الخاصة.

بعد خمس سنوات من إلغاء برنامج الدفاع الصاروخي، وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الوسطى والشرقية إلى ذروتها؛ خاصة مع شعور مؤيدي الأطلسي بالإحباط وهم ينتقدون مراجعات أوباما، واتهمت إدارته بالاستثمار والمصالحة مع روسيا على حساب حلفائها في وسط وشرق أوروبا، ومع انتهاء الشراكة الأوروبية EPAA قد يطمئن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية من حيث التدخل الأمريكي. في نفس الوقت تعد رسالة واضحة إلى روسيا بشأن إستراتيجيات الحماية للولايات المتحدة وحلف الناتو في مواجهة تكتيكات الابتزاز الروسي.

المجموعة الثالثة والأخيرة من المقالات: تفحص فيها أفنير غولوب مشكلات الردع وتعامل إسرائيل معهم في الألفية الحالية؛ فعنصر الردع يلعب دورا رئيسا في أمن دولة إسرائيل منذ نشأتها، والردع العسكري الإسرائيلي هو سمة أساسية للأمن، كما يتضح من تعاليم زئيف جابوتنسكي على "الجدار الحديدي" ومبادئ الدفاع، وقد صاغ ديفيد بن غوريون، وتقرير لجنة برئاسة دان مريدور، الذي عُيِّن لتحديث هذه المبادئ في العام 2005، ونشرت وثيقة إستراتيجية للجيش الإسرائيلي في أغسطس 2015، وفي السنوات الأخيرة أصبحت هدفا عاما لرادع كبير في العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد جماعات حزب الله وحماس.

وقد تغيَّر مفهوم الردع في السنوات الأخيرة في العالم الغربي، خصوصا في الولايات المتحدة؛ وذلك كجزء من النقاش الذي يهدف للتكيف مع مفهوم التحديات الأمنية والاحتياجات الأمنية العالمية بعد الحرب الباردة، ويتناول هذا المقال بعض التغييرات الرئيسية في مفهوم الردع، ومساهمتها في النقاش الإسرائيلي، والغرض من هذه المقالة هو أن نشير إلى ضرورة المناقشة المستفيضة لطبيعة الردع الإسرائيلي، وملاءمته للتحديات الأمنية الجديدة الناشئة خلال الدينامية الحالية على الساحة الدولية والمتغيرة.

بينما استعرض شلومو بروم وإميلي لانداو فكرة الاستقرار الإستراتيجي في نطاق الشرق الأوسط، وركز بروم على المصالح والعلاقات الدولية في المنطقة، في حين تقدر إميلى لانداو الآثار المترتبة على النقاش العالمي بشأن القضايا النووية على إسرائيل ونزع السلاح النووي والمواقف السياسة التي تعكس الرغبة في فهم المزيد من الردع والاستقرار النووي والإستراتيجي.

---------------------------------

- الكتاب: "الحد من التسليح والاستقرار الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا".

- المؤلف: عدة مؤلفين.

- الناشر: معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، 2016، باللغة العبرية.

- عدد الصفحات: 118 صفحة.

أخبار ذات صلة