«المسلمون البولنديون دينا وثقافة»

الغلاف.jpg

لكريستوف كوشتشيلنياك

يُوسف شحادة *

* أكاديمي فلسطيني مُقيم في بولندا

صَدَرت في الآونة الأخيرة مُؤلَّفات عديدة تناولتْ حياة المسلمين في بولندا، وتاريخهم، ونشاطاتهم الدينة والثقافية والاجتماعية، لكنَّ كتاب "المسلمون البولنديون دينا وثقافة" يختلف عمَّا سبقه من دراسات طرحت قضايا الإسلام في هذا البلد الذي كانت عاصمته مقرًّا لحلف الدول الاشتراكية. مُؤلِّفه القس البروفيسور كريستوف كوشتشيلنياك، وهو مستشرق يُجيد العربية، ومدير قسم الشرقيْن الأدنى والأقصى في جامعة ياغيلونسكي الكراكوفية العريقة. وقد عالج من قَبْل في كُتبه العديدة مسائل لاهوتية مسيحية، وقدم أطروحات عديدة في شؤون الإسلام المختلفة، صدرت في كتب؛ نذكر منها: "الجهاد..الحرب المقدسة في الإسلام..علاقة الدين بالدولة..الإسلام والديمقراطية..المسيحيون في البلدان الإسلامية" (كراكوف 2002م)، و"التقاليد الإسلامية على خلفية التثاقف المسيحي الإسلامي من القرن السابع إلى العاشر" (كراكوف 2001م)، و"المسيحية وعشرون قرنا في الثقافة العربية" (كراكوف 2000م). وله كتاب باللغة الألمانية عنوانه "المسيحية والإسلام.. وجهات نظر ومشكلات الحوار" (كراكوف 2005م).

فِي كِتابِه الجديدِ، يتناول كوشتشيلنياك الإسلامَ كظاهرة جديرة بالدراسة والتمحيص، خاصة بعد أنْ كثُر الحديثُ عن التمدُّد الإسلامي في أوروبا، وتنامي الشعور العام السائد في بولندا بأن تبعات هذا التمدد تشكل خطرا على المجتمع في هذا البلد الكاثوليكي. ويُعبِّر المؤلف في مُقدمة كتابه عن انشغال المجتمع بقضايا الإسلام: "لم يشهد التاريخ البولندي اهتماما بالإسلام مثل هذا الاهتمام الكبير الحاصل الآن" (ص:7). هذا الاهتمام الذي يعتريه قلق وخوف وحذر -حسب رأي الكاتب- يتأتى من عوامل عديدة؛ أبرزها: هجرة المسلمين إلى أوروبا التي لم يُر لحجمها وكثافتها مثيل من قبل، والتصاق الإرهاب والتفجيرات وحوادث الاغتصاب بالجاليات المسلمة. ولكن القس هنا يقدم تسويغات فيها خلط وتضخيم، أو مغالطات مقصودة، وكأنه يردِّد ما تنفث وسائل الإعلام المتطرفة من سموم، فكيف يمكن خلط الإرهاب بجرائم الاغتصاب التي لا يُمكن أن تكون حكرا على فئة أو طائفة معينة. والاغتصاب مُشكلة صعبة عانت -وما لا تزال- منها المجتمعات الأوروبية قبل وبعد توافد اللاجئين إليها. ولا يُخفي كوشتشيلنياك ريبته، وتوجسه، من تجمعات المسلمين في بلاده، محاولا إظهار أن الخطر الناشئ من أعمال المتطرفين كبير، ومؤلم، ويثير الرعب في نفوس الأوروبيين. وليسبغ على رأيه زخما ومصداقية يقتبس، بما يشغل صفحة كاملة تقريبا، مما يسميه الأدبيات المحترفة، ويمثلها كريستوف إيزاك، الذي أنذر منذ زمن بعيد بخطر الأفكار الأصولية التي تتبعها فيدرالية المنظمات الإسلامية في أوروبا (المعروفة اختصارا  FIOE)، ويرى إيزاك أنَّ خطر هذه الرابطة الإسلامية ينبثق من ارتباطاتها بمنظمة "الإخوان المسلمون" وأفكارها وقادتها، وعلى رأسهم سيد قطب ويوسف القرضاوي. وعلى حد زعمه، فممثلوها "يرفعون في المنابر الإعلامية الأوروبية شعارات تمجد احترام الأديان والتعايش؛ حيث إنَّ الإسلامَ دين السلام، ولكن تلك المنظومة، فعلا، تدعو للعمل على هيمنة الإسلام على الغرب" (ص:8). ويعقب كوشتشيلنياك على ذلك مسطرا جملة عامة: "كذلك ظهر في بولندا مسلمون أصبحوا ممثلين للأصولية الإسلامية علانية" (ص:9)؛ بيد أنه لا يؤيد زعمه بأية دلائل ليتبين القارئ قدر هذه الأصولية، وليعرف مدى فاعليتها، بل يكتفي بإحالتنا إلى رابط إلكتروني لمقال منشور في الشبكة. ويبدو القس أكثر موضوعية حين يقرُّ بأنَّ المتطرفين من المسلمين في بولندا ليسوا الحقيقة الوحيدة التي تمثل الدين المحمدي. ويشير ببنانه إلى المسلمين التتار الذين كانت لهم إسهامات جليلة في تاريخ الدولة البولندية، والدفاع عنها منذ قرون عديدة، فهم مواطنون مخلصون لهذه الأرض التي احتضنتهم كما يقول. ولا يُنكر المؤلف أنَّ كثيرا من المهاجرين خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، كانوا من المسلمين المعتدلين الذين اندمجوا أفضل اندماج بالمجتمع البولندي، وشكلوا مثالا للانفتاح والتثاقف والولاء للدولة.

يَطْرَح كوشتشيلنياك في مباحثه أسئلة مهمة محاولا الإجابة عنها رغم صعوبتها، كما يقول، وتتلخص بالمشكلات المتعلقة بازدياد عدد الوافدين من المسلمين إلى بولندا. تثير هذه القضية مشكلات عديدة  كالاندماج والاختلاف الثقافي؛ فتغدو أسئلة المؤلف مريبة وحذرة، ولكنها واضحة في خشية طارِحها من تعاظم الوجود الإسلامي في بلاده؛ فتراه مثلا يتساءل في تخوف من وجود المسلمين: "هل سيؤدي ذلك إلى اندماجهم، وثباتهم على إسلامهم المعتدل، أم أنهم سيحملون إلى البلاد التي تستقبلهم التطرف والإرهاب، ويتحولون إلى أصوليين ضمن اتحاد إسلامي يشمل القارة العجوز أكملها، وهذا ما سيعزز أحلام قسم منهم بأسلمة أوروبا؟" (ص:9). ويُحاول المؤلف التقاط ظاهرة المهاجرين المسلمين، ودراستها ضمن سياق التجارب الغربية، وحسب رأيه؛ فهذا العمل يُساعد على المبادرة لحل هذه المسألة، وإدراك ضرورة حماية الأوروبيين من أخطار ممثلي الإسلام المتطرف. ويجب إظهار كل الجوانب المتعلقة بوجود المسلمين في أوروبا، ومنها بولندا؛ "فبذلك يمكن الوقوف في وجه تسريع عجلة المزاج المعادي للمسلمين، أو الخضوع لمروجي التعدد الثقافي الأعمى في أوروبا. إن عدم تفعيل سياسة مناسبة في وجه المسلمين غير المندمجين، يمكن أن يُسبِّب عدم استقرار الأنظمة والدول على مستويات مختلفة" (ص:13).

يُؤكد كوشتشيلنياك أنَّ كتابه يُمثِّل محاولة يتناول فيها -بصورة شاملة- هجرة المسلمين في السنوات العشرين الماضية، ويقرُّ ببعض العثرات لعدم كمال الإحصاءات، وعدم تكامل البحوث السوسيولوجية في هذا الشأن. لكنه يرى أن محاولته ترسم مقاربة، بدرجة ما، للظاهرة المعقدة التي يخلقها المهاجرون من البلدان المسلمة، وستشكل هذه المقاربة دافعا لدراسات قادمة. ويَرَى أنَّ موضوع المسلمين في أوروبا يضع الباحث على مفترق طرق. فمن جهة، يتخوف الأوروبيون -تخوفا له مسوغاته حسب رأيه- من تزايد نشاطات المنظمات الإسلامية الإرهابية في بلدانهم. ومن جهة ثانية، لا ترغب بعض المجموعات المسلمة الوافدة في الاندماج بالمجتمعات المستقبلة. ومن المثير للدهشة والاستغراب -كما يؤكد المؤلف- أنَّ عددا من العمليات الإرهابية خططها وأعدها مسلمون ولدوا في أوروبا، وتربوا في كنف الثقافة الغربية. ومن المستغرب أيضاً أنَّ منهم من يقاتل في صفوف المجاهدين المتشددين في سوريا. ويشير إلى أن مواجهة المسلمين فئات اجتماعية معينة في بعض البلدان يهدد وحدتها واستقرارها، وقد يفضي إلى انفراط عقدها الاجتماعي، وتشظي مجتمعاتها. ويقدم المؤلف بعض عوارض اضطراب المجتمعات الأوروبية ممثلا بحركة بيغيدا، التي نشأت في ألمانيا، وقامت ضد ما تسميه أسلمة أوروبا، معبرة عن مخاوف الألمان من تزايد التأثيرات الإسلامية في بلادهم. ويستشف من كلام كوشتشيلنياك أن وجود هذه الحركة...وغيرها من الحركات الكارهة للإسلام، مرتبط بتكاثر المسلمين في القارة العجوز، بَيْد أنَّ هذا الطرح يبدو غير دقيق، حتى ولو كان صحيحا في بعض جوانبه. فربما سرَّع توافد اللاجئين من ظهور هذه الحركة، التي بدت أنها ضد المسلمين في المقام الأول، فهي في جوهرها، كحركة عنصرية، تناهض هجرة القوميات الأخرى إلى ألمانيا. ولا تنظر إلى المسيحيين الوافدين من بولندا، ورومانيا..وغيرهما بود؛ فمشكلة العنصرية -التي تجاهلها الكاتب- لا تمس ديانة الآخر فقط، بل تمتد إلى لونه وعرقه. ويشير المؤلف إلى أن تيارات كثيرة، ومنظمات قائمة على مبادرات شعبية، أخذت تنشط ساعية إلى الحد من هجرة المسلمين إلى أوروبا. وقد يبدو أن هذا الكلام صائب، لكنه ناقص، لا يقدم الحقيقة كاملة، فسكان الغرب الأوروبي لا يرغبون في تكاثر المهاجرين بينهم، على اختلاف أعراقهم، مسلمين كانوا أو مسيحيين. وقد كان واضحا تذمر البريطانيين من توافد البولنديين والرومان (وهم مسيحيون) إلى المملكة المتحدة، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب خروج هذا البلد من الاتحاد الأوروبي.

يهتمُّ كوشتشيلنياك بدراسة أوضاع المسلمين الذين قدموا إلى بولندا منذ العام 1989م وحتى العام 2014م، من بلدان الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وشمال إفريقيا. وتشمل محاور البحث أيضا الأقلية التترية المسلمة، التي توطنت بولندا منذ القرن الرابع عشر الميلادي. يقسم المؤلف المسلمين إلى فئتين؛ أولاهما: الوافدون من الدول العربية التي يعدد معظمها. أما الثانية، فتضم البلدان المجاورة للعالم العربي، أو المرتبطة بثقافته بشكل وثيق؛ ومنها: إيران، وأفغانستان، وباكستان، وأقطار آسيا الوسطى. وثمَّة بلاد أخرى تنبثق عن هذه الفئة، ولها طابع خاص، مثل داغستان والشيشان، وهما جمهوريتان تتمتعان بالحكم الذاتي ضمن الاتحاد الروسي. ويصنف دولا أخرى ضمن هذه الفئة، ولكنها تتميز بحضور عربي في مجتمعاتها، هي: تشاد، وجيبوتي، وإريتريا، و"إسرائيل"، والصومال، وجزر القمر. وثمة ملحوظة لابد منها، تتلخَّص في أنَّ الكاتب يضم في مباحثة دولا يضعها في قائمة البلدان التي هاجر منها المسلمون إلى بولندا، مثل: السعودية، وجيبوتي، وموريتانيا، والصومال، وجزر القمر، وعُمان، والإمارات العربية. وحين يُدقِّق القارئ في الجداول المرفقة، يفاجأ بأنَّ عدد الوافدين من كل دولة من تلك الدول، ضئيل جدا، لا يتجاوز شخصا واحدا، أو شخصين. فكان الأولى بالكاتب ألا يضع هذه الدول تحت عنوان براق، يوقع القارئ في وهم استنتاجات غير ذات أهمية. في الكتاب جداول إحصائية تضم أعداد المسلمين الذين قدموا إلى بولندا، واستقروا فيها خلال خمسة وعشرين عاما، أي خلال الفترة ما بين 1989-2014م، وتظهر الزيادة الكبيرة التي طرأت على مجموعهم العام. لكن يجب القول بأنَّ عدد هؤلاء لا يزال صغيرا، ويتراوح بين 20 ألفا إلى 26 ألف نسمة؛ منهم: حوالي خمسة أو ستة آلاف من التتار البولنديين. ولا تتعدى النسبة العامة للمسلمين، في أحسن الأحوال، حوالي 0.08% من مجموع سكان بولندا الذي يقارب 40 مليون نسمة. وجدير بالذكر أن الأرقام الواردة عن عدد المسلمين غير دقيقة، وهذا ما يعترف به المؤلف أيضا، ويشكك في تقديرات الرابطة الإسلامية في بولندا، التي ترى أن تعداد المسلمين يصل إلى 65 ألفا، بينما يبلغ ستين ألفا، حسب موقع "شيعة بولندا".

ويحرصُ المؤلف على توثيق هُوية المسلمين وانتماءاتهم القومية، ولهذا الفعل أهمية كبرى، تُفيد في تقديم معلومات تنفع الدارسين في المستقبل. ورغم عدم دقة المعلومات المستخلصة من ملفات دائرة الهجرة والسجل المدني، فهي تقدم صورة واقعية لتطور أوضاع المسلمين في بولندا. ويشير المؤلف إلى تحول التتار البولنديين إلى أقلية، بعد أن كانوا أغلبية في البلاد، ويقدر تعدادهم حاليا من ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف نسمة. وأصبح العرب والشيشان أكثر المسلمين عددا؛ إذ بلغ العرب 12 ألفا، ومثلهم كذلك من الشيشان. وقد لجأ معظم الشيشان إثر الحرب الروسية الأولى عليهم سنة 1994، والثانية سنة 2000. أما ما تبقى من مسلمين، فيبلغ عددهم ستة آلاف، جلهم من الأتراك، والباكستانيين، والإيرانيين، والأفغان، والكازاخ.

ويَشْرَح الكتابُ وَضْع المسلمين القانوني في بولندا؛ فهم محميون بقوة الدستور الذي يكفل لهم حقوقهم كاملة؛ سواء كانوا مواطنين أو مهاجرين. وثمَّة حديث في أحكام تسجيل المنظمات والجمعيات الإسلامية، والوضع الخاص الذي يتمتع به "الاتحاد الديني للمسلمين" منذ توقيعه اتفاقَ تفاهم مع الدولة البولندية في العام 1936م، بموجب مرسوم برلماني ينظم العلاقة بين الطرفين. أمَّا الجمعيات الإسلامية الأخرى، فيحكمها وضع قانوني تنظمه إجراءات التسجيل في سجل الكنائس والروابط الدينية الأخرى، التي يختص بها وزير الداخلية والإدارة. ويؤكِّد كوشتشيلنياك أن للمسلمين في بولندا حقوقا أوسع من حقوقهم في بلدانهم الأصلية؛ ففي كثير من تلك الأقطار تكون حرية الاعتقاد والتعبير معدومة، فمن يرتد عن الإسلام يعرض نفسه للموت، أو السجن، وفق أحكام الشريعة المعمول بها في عديد من الدول. ويستطرد المؤلف بأنَّ المسلمين يستطيعون ممارسة شعائرهم الدينية، والاحتفال بأعيادهم بكل حرية، لكن عليهم مراعاة القانون البولندي إن تعارض مع قوانين الإسلام. من ذلك تعدد الزوجات الذي لا يسمح به المشرِّع البولندي، بل يُعاقب من يجيزه لنفسه. ويثير الكاتب قضية ذبح الحيوانات وفق الطقوس الدينية، وهي مشكلة نشأت بسبب جمعيات الدفاع عن الحيوان؛ إذ ترى أنَّ الذبح الحلال تعذيب للحيوان، وهذا ما أدى إلى منعه على جميع المواطنين.

وفي الكتاب مَبْحَث مُخصَّص لتوصيف المهاجرين المسلمين، وتبيان أسباب هجرتهم من بلادهم؛ فنجدهم موزَّعين على فئات؛ فمنهم ضحايا الاضطهاد العرقي مثل الأكراد، ومنهم المعارضون للأنظمة الديكتاتورية مثل الليبيين المناوئين لنظام القذافي، وهناك فئة اللاجئين ويمثل الشيشان العدد الأكبر منهم، وثمة فئة أخرى يمثلها الطلاب الذين بقوا في بولندا بعد إتمام دراستهم. وقد درس آلاف المسلمين في بولندا منذ ستينيات القرن العشرين، وتقدَّر نسبة من حصل منهم على الإقامة، أو حق المواطنة، في هذا البلد 10-20% من مجموعهم العام. أمَّا الفئة التي يُمثِّلها المهاجرون الاقتصاديون القادمون من أقطار فقيرة -مثل مصر- فقد بدأ عددهم بالتزايد في التسعينيات، وما بعدها؛ نتيجة تحوُّلات النظام الاقتصادي في بولندا، وتحسُّن أدائه.

ويُوْرِد المؤلف مَبْحَثا يعرضُ فيه مواقع توزيع المسلمين في بولندا، وأشكال النشاط المهني، وأماكن العمل، والمنظمات والجمعيات التي شكَّلوها، وفروعها في مدن مختلفة. ومن المباحث الجديرة بالاهتمام تلك التي تُعْنَى بالنشاطات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية للمسلمين ضمن جمعياتهم ومنظماتهم الثقافية والدينية. ويقدِّم الكتاب سردا يُثير الانتباه، فيه معلومات توثيقية مفيدة، تقدم صورة عن عشرات المنظمات المختلفة، حيث يقسمها إلى سنية، وشيعية، وأخرى يطلق عليها اسم "حركات دينية جديدة"، مثل الأحمدية. ويتطرق كذلك إلى الجمعيات الصوفية متعددة المشارب والمذاهب. ونجد تفاصيل دقيقة، يذكر فيها أحيانا أسماء شخصيات مسلمة، تضم بعض الأطباء، والمدرسين الجامعيين، ورجال الأعمال. يقدم هذا المبحث صورة تكاد تكون شاملة لنشاطات المسلمين، ويعززه المؤلف بمبحث آخر، يرصد طبيعة العلاقات بين المهاجرين المسلمين والبولنديين. ولا بد من الإشارة إلى بعض العثرات التي أوقعت المؤلف في أخطاء منهجية؛ ففي معرض حديثه عن تلك العلاقات يتحدث عن "الجمعية الاجتماعية الثقافية لفلسطينيي بولندا"، فيخلط بين الهُوية القومية والهوية الدينية. ومن المعروف أنَّ تلك الجمعية -كما هو واضح من تسميتها- ليست دينية، وأن المنتسبين إليها هم مسيحيون ومسلمون، فلا يحوز إذن الحديث هنا عن علاقات بين مهاجرين مسلمين وبولنديين.

يُمكن القول بأنَّ الكتاب -ورغم ما اعتراه من هنات، ونواقص، ومغالطات- يقدِّم صورة شاملة مُثيرة للاهتمام، وإنْ جَانَبَها الصواب والدقة أحيانا، يُمكنها أن تشكل وثيقة تاريخية، عن وُجُوْد المسلمين في بلد كاثوليكي متدين، كان منغلقا لفترة طويلة وراء ستار الحديد الاشتراكي.

--------------------------

- الكتاب: "المسلمون البولنديون دينا وثقافة".

- المؤلف: كريستوف كوشتشيلنياك.

- الناشر: (Wydawnictwo M)، بولندا ، 2016، باللغة البولندية.

- عدد الصفحات: 244 صفحة.

أخبار ذات صلة