الأسطورة في التراث العربي

سعيد الشعيلي

تُعرف الأسطورة بأنَّها حكاية خًرافية تحكي عن أشياء خارقة للعادة، أو عن مُعتقدات وآلهة في علم الغيبيات. وللأسطورة حضور خاص في التُراث العالمي والعربي على وجه الخصوص، فلا تكاد لغة ما تخلو ثقافتها من حضور الأسطورة ومن حكايات شعبية تناقلها الرواة جيلاً عن جيل. ويبرز حضور الأسطورة طاغياً في القصص القديمة التي تروى عن الآلهة ولعل أشهرها ما يروى عن آلهة المصريين؛ فهناك رع إله الشمس وهناك أمون وغيرهم. ويرى بعض الباحثين أنَّ من أسباب وجود الأسطورة هو التعليل لحدث ما، لا يوجد له تفسير علمي واضح مثل تدفق المياه من بعض الينابيع لأيام معدودة في الأسبوع، وانقطاعها في أيام أخرى من نفس النبع، أو الحديث عن مدن وجدت أثار شواهدها ولم تعلم نشأتها.

ويناقش الكاتب عمرو عبد العزيز بعض الأساطير التي تحدثت عن مدن مصرية مفقودة وعن دور الأساطير في تعليل أسماء تلك المُدن وعن بعض الحكايات الخرافية التي حكها بعض المؤرخين عنها في مقاله:" مدن مفقودة في الأساطير العربية." ويبدأ الكاتب بمدينة أمسوس المصرية، حيث ينقل عن ابن إياس :" مدينة أمسوس وهي مصر القديمة كانت من أعظم المدن، وبها من العجائب مالم يسمع بغيرها، ولكن محى الطوفان رسمها ونسي اسمها" وينقل عن المقريزي: " أوَّل مدينة عرف اسمها في أرض مصر مدينة أمسوس، وقد محى الطوفان اسمها ولها أخبار معروفة، وقد كان بها ملك مصر قبل الطوفان". وهنا يمكن ملاحظة أنَّ المؤرخين اشتركوا في كون مدينة أمسوس مدينة عظيمة، بها من العجائب ما لم يسمع بغيرها ولكن محاها الطوفان. فالأسطورة هنا هي مدينة أمسوس، والخوارق واضحة في القصة المروية "بها من العجائب مالم يسمع بغيرها" ولكن، كل ما لم يسمع به محاه الطوفان فلا أثر عليه، لذلك لا مجال للتَّحقق من صحته.

ثم ينتقل الكاتب إلى نمط آخر من استخدام الأسطورة في تعليل تسميات المُدن، فيحكي عن المقريزي حكاية عن أصل تسمية بعض المُدن المصرية " أن مصر بن بيصر قسَّم الأرض بين أولاده، فأعطى ولده أشموف من حد بلده إلى رأس البحر إلى دمياط، وأعطى ولده أنصنا من حد أنصنا إلى الجنادل، وأعطى لولده صا من صا، أسفل الأرض إلى الإسكندرية، وأعطى لولده منوف وسط الأرض السفلى منف وما حولها، وأعطى لولده قفط غربي الصعيد إلى الجنادل، وأعطى بناته الثلاث شرقي الأرض إلى البرية )يقصد صحراء الشرق(، وأعطى بناته الثلاث وهن الفرما وسريا وبدوره بقاعاً من أرض مصر مُحددة فيما بين إخوتهن." إلى آخر الحكاية التي أوردها المقريزي، وهنا يناقش الكاتب مدى تأثر الرواة بالأنساب العربية ومحاولة ربطها بتسميات المُدن القديمة من خلال خلق أسطورة تبين نسبة تلك المدن إلى اسم رجل ذي شخصية مُحددة أسطورية. وهنا ربما نستطيع أن نستحضر أمثلة أخرى تُبين مدى صحة هذه النقطة إلى حدٍ ما، فعُمان نفسها اختلف الرواة في أصل تسميتها، فبعضهم قال: هي مكان يُطلق عليه عُمان في اليمن، كما قيل إنّها سُميت بعُمان نسبة إلى عُمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وقيل كذلك إنّها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم، وأياً كان أصل التسمية الحقيقي، فلم تخل الروايات من نسبتها إلى أشخاص بعينهم، ولعل محاولة إضفاء طابع قدسي على الاسم يبدو واضحًا من خلال نسبة بعض تسميات المدن إلى أبناء أنبياء مثل ما قيل عن عُمان، أو مدينة أتريب المصرية حيث روى القلقشندي عن أصل تسميتها "بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام".

يتناول الكاتب بعد ذلك بعض الأساطير التي تتناول بعض المدن المصرية القديمة، وما حوته من غرائب وعجائب، وكلها جاءت نقلاً عن مؤرخين مثل المقريزي وابن إياس، ولعل مدينة أمسوس كان لها النصيب الوافر، ربما لكثرة الأساطير التي حيكت حولها، وأيضاً أنّ هذه المدينة لم يعد لها وجود مما يُضيف الكثير من الهالات حول الأساطير التي تنقل عنها، فمن ذلك أنَّ ما حكاه ابن إياس عن بعض ملوك أمسوس: " بنى أحدهم قلعة وكانت الجن والشياطين تحمل سريره على أعناقها، ويطوفون به في سائر أقاليم الدنيا، ثم يرجعون إلى قلعته التي بناها وسط البحر فاستمر على ذلك حتى هلك."

وفي نهاية المقال يشير الكاتب إلى نقطة في غاية الأهمية وهي تراكم الحكايات وزيادتها عبر تناقلها من جيل إلى جيل، فمع كل راوٍ جديد هناك إضافات جديدة من الخيال، إذ لم تتكون الأسطورة هكذا دفعة واحدة، وإنما الزمان والمكان يسهمان بشكل كبير في خلق أحداث جديدة. ولعل المقال بأكمله لم يخرج عن ثلاث نقاط أساسية مع اختلاف المدن المذكورة فيه، وهي استخدام الأسطورة للتعليل، وزيادتها عبر الأزمان وعبر انتقالها من جيل إلى جيل، ونسبة بعض المدن إلى شخصيات تاريخية قد لا يكون لها وجود. وما ذكره الكاتب عن المُدن المصرية لا ينحصر عليها فقط، فكتب التاريخ العربي مليئة بمثل هذه القصص وكتاب الأغاني للأصفهاني أحد الأمثلة الواضحة إذ يعُج بمثل هذه القصص وعن مُدن مُختلفة وشعوب مختلفة أيضاً، وهناك الروايات التي حيكت عن إيوان كسرى وعن عجائبه لا تخلو من الأساطير. وفي عُمان أيضًا هنالك الكثير من الحكايات الشعبية التي كانت مُجرد تعليل لظاهرة لا يوجد لها تفسير في ذلك الزمن ومنها المثل الشائع "فلج دن سبع لنا وسبع للجن" فقد تناقل الرواة أنَّ هذا الفلج يجري لسبعة أيام ثم ينقطع لسبعة غيرها، والسبع التي ينقطع بها الفلج عن الجريان يستخدمه الجن في ري مزروعاتهم، واستمرت هذه الحكاية حتى العصر الحديث عندما تمَّ اكتشاف السبب الحقيقي وهو سبب لا علاقة له بالجن ولا بمزروعاتهم وإنما بسبب الخزان الجوفي للفلج وتركيبته الفيزيائية، وأيضًا الحديث عن القلاع والحصون وكيف بنى الجن بعضها في أقل من يوم واحد، وهنا لا بد من الإشارة إلى مقولة هامة للباحث العماني خميس العدوي حيث يقول " إنَّ عظمة المكان تؤدي إلى أسطرته" . ولعل هذا هو السبب الحقيقي لنسج العديد من القصص الخرافية حول الأماكن المشهورة والضاربة في القدم.

أخبار ذات صلة