الولايات المتحدة والتيارات الأصولية في شرق آسيا

ناصر الحارثي

يُحاول كلٌّ من كريستوفر بوند ولويس سايمونز، في مقالهما المعنون بـ"الجبهة المنسية: كسب قلوب وعقول المسلمين في جنوب شرق آسيا"، والمنشور بمجلة "التفاهم"، مُناقشةَ طرق كسب الولايات المتحدة لقلوب وعقول المسلمين في جنوب شرق آسيا، من خلال استقراء الوضع السياسي والتنموي في شرق آسيا، وربطها بالسياسات الأمريكية؛ وذلك من أجل وضع أفضل التصوُّرات التي تُساعد الولايات المتحدة الأمريكية أثناء فترة أوباما في كسب منطقة آسيان "جنوب شرق آسيا"، قبل أن تتحول إلى منطقة مضطربة وغير مستقرة سياسيا.

وتطرق المقال في بدايته إلى الحديث عن زيارة أوباما لإندونيسيا، وأنها تتجاوز حدود ذكريات الطفولة الخاصة به إلى محاولة إعادة رسم السياسة الأمريكية لمنطقة شرق آسيا، موضحا بأن الولايات المتحدة لم تلتفت إلى هذه المنطقة لسنوات طويلة منذ حرب فيتنام عندما تم إجلاء الرعايا الأمريكيين وإدارتهم وبعض الفيتناميين من سايغوف عاصمة فيتنام. وهنا؛ نجد النظرة الواضحة في قراءة الكاتب للسياسة الأمريكية كونها تحمل شعار الحرية والنهضة تجاه العالم، وهذا ما عكسته لغة المقال في العديد من النقاط؛ فهو يرى أنَّ الولايات المتحدة هي الطبيب المداوي لأزمات العالم، ولكنه قد يخطئ في التشخيص ولا يستطيع حل كل الأزمات في العالم فينسحب مع نفسه عندما يفشل ويتجه لحل أزمة جديدة ويستمر في رسالته، فمن بعد حرب فيتنام لم تلتفت الولايات المتحدة لجنوب شرق آسيا حتى ظهرت وتوغلت الحركات الأصولية في هذا النطاق الجغرافي، وأما حول سبب انتشار الحركات الأصولية في جنوب شرقي آسيا وبالأخص إندونيسيا، فهي ترجع لعدة محاور؛ هي: انتشار الفقر والجهل، وكذلك عدم إنهاء الولايات المتحدة الأمريكية خطتها الإصلاحية بشكل كامل، حيث إنَّ السياسة الأمريكية تعمل على علاج الخلل بشكل مباشر من خلال استخدام النهج العسكري، وهذه طريقة غير مجدية برأي كاتبي المقال، بل يجب مساعدة أبناء المنطقة وتدريبهم وتأهيلهم حتى يستطيعوا تجاوز الأزمات التي يعيشونها.

وكذلك ركز المقال حول لفتة تاريخية مثيرة للاهتمام، وهي أنَّ دول جنوب شرق آسيا إندونيسيا وماليزيا والفيلبين وسنغافورة وتايلاند تضم ربع مليار مسلم؛ منهم: 220 مليون مسلم في إندونيسيا، وكانت هذه الدول بعيدة عن الشرق الأوسط والدول العربية المسلمة، فظهر في دولها نمط مختلف من المسلمين في جنوب شرق آسيا، ولكن مع مرور السنوات وانتشار وسائل الإعلام ووجود مناطق في شرق آسيا يتفشى فيها الفقر والجهل انتشر نموذج الإسلام الراديكالي قادما من الشرق الأوسط، وأما سبب تقبلهم للنموذج الراديكالي للإسلام والذي أدى إلى تبدل سلوكيات وعادات عدد كبير من المسلمين في شرق آسيا؛ فهو أنَّ مُسلمي شرق آسيا يرون أنَّ العرب أكثر عُمقا وفهما للإسلام، فظهرت حركات تطالب بتطبيق الشريعة، وأصبح المسلمون في شرق آسيا يطالبون بتطبيق الشريعة، بينما كانوا سابقا بعيدين جدا عن هذه الأفكار، وكان عدد كبير منهم لا يصلي ويشربون الخمور، ولا يلتفتون للقضايا الدينية ولا الاختلاف في الديانة، والحجاب تلبسه النساء على الأغلب ولكن بدون نقاب، ومع امتداد الحركة الوهابية الأصولية وما صاحبته من أموال ضخمة لبناء المساجد والمراكز الإسلامية، ظهر رجال دين متشددون وضباط محليون في المقاطعات الإندونيسية الأكثر فقرا وإهمالا، وذلك من أجل تطبيق الشريعة، ضاربين بأُسس الحياة المدنية عرض الحائط، كما أنَّهم طالبوا النساء بارتداء الحجاب وفرضوا 2.5% نسبة من أموالهم كزكاة للفقراء، أما الأطفال فعليهم أن يجيدوا قراءة القرآن بالعربية قبل دخول المدرسة في سن السابعة، إنَّ مستنقعات الإرهاب في جنوب شرق آسيا لا يمكن تجفيفها من خلال القوى الأمنية التي تحاول قمع الإرهاب بقوة السلاح، بل من خلال بيئات تنموية نهضوية جاذبة لطبقات المجتمع الفقيرة إليها؛ حيث إنَّ الكاتب يطالب السياسة الأمريكية بتجاوز لغة الأسلحة البالستية من أجل قمع الإرهاب إلى لغة بناء المدارس والمصانع، وهذا ما قاله أيضا وزير الدفاع الإندونيسي قبل انتخاب أوباما حاكما للولايات المتحدة: "إنَّ ما يحتاج إليه فتيان جنوب شرق آسيا هو توفير فرص العمل"، ويعتقد وزير الدفاع الإندونيسي أن الولايات المتحدة كانت غير مستعدة لمثل هذه الحلول طويلة المدى.

وفي الإطار ذاته، ذكرتْ دراسة سنغافورية أنَّ القيام بسجن قياديي الحركات المتطرفة غير مجدٍ؛ لأنه يتيح لهم المجال في نشر أفكارهم داخل السجن، وإنما الحل في مراقبتهم وتضييق الخناق عليهم. وفي السياق ذاته، إذا ما تأملنا الحركات الجهادية نجد أنها تعتقد بأنها تخوض حروبا عادلة لإحياء فتيل الإسلام وأن العدو الأبرز للإسلام هو الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد ساعدت سياسات بوش الابن على تعميق هذه الفكرة، وهؤلاء الشباب الذين ينجرون وراء هذا الخطاب الجهادي يكون الدافع عادة الجهل والفقر وغياب فرص العمل ويسميهم رئيس وزراء سنغافورة الأسبق لي كوان يو "أعداء الأمل"، كما أشار المقال إلى نقطة مهمة حيث إنَّ هناك اتجاهيْن في وسط الإعلام الأمريكي حول سبب اندفاع مجموعة كبيرة من الشباب للانخراط في الحركات الجهادية.. الاتجاه الأول: يرى أنه بسبب الحقد الذي يتملكه الشباب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وتغذيه الحركات الأيديولوجية المتطرفة. أما الاتجاه الثاني، فينفي ارتباط القضية بسبب النزعة الأيديولوجية عند الشباب، بل يرى أنَّ السبب يعود إلى انعدام فرص الحياة المناسبة وتفشي الفقر والجهل، ولكن الاتجاه الأول ينفي هذا الرأي موضحا أنَّ الذين شاركوا في عمليات الحادي عشر من سبتمبر هم أشخاص من الطبقة الوسطى والغنية، ولكن الاتجاه الثاني يردُّ على هذا الرأي موضحا بأنَّ هناك فارقا بين قادة الحركات الجهادية وبين أتباعهم والذين عادة لايعرفون إلا القليل عن الإسلام، وينتشر بينهم الفقر والجهل، مما يضطرهم للانضمام إلى هذه الحركات، فلو نظرنا إلى إندونيسيا فإنَّه خلف تلك البنايات الشاهقة مجتمعات فقيرة مسحوقة تعاني من انتشار الفقر والجهل والجريمة؛ لذلك فإنَّ الانتماء لهذه الحركات غير نابع من عقيدة مرتبطة بالشباب.

وأشار الكاتب أيضا إلى أنَّ الميل إلى التطرُّف غير مُرتبط فقط بالحركات الإسلامية، فهناك نزاعات إثنية موجودة في الفلبين وتايلاند.

حاول المقال دراسة واقع دول شرق آسيا من منظور السياسة الأمريكية، كما حاول اقتراح حلول من مُنطلق دور السياسة الأمريكية في إحلال السلام ومحاربة كل مظاهر التطرف، وهذا الأمر يعكسُ نظرة استعلائية ينتهجه منظرو السياسة الأمريكية تجاه دول العالم الثالث، حيث إنَّه لم يتحدث عن تأثير الحرب الأمريكية في فيتنام على نظرة أبناء شرق آسيا تجاه سياسات الولايات المتحدة، ولكنَّ المقال طرح استقراء تاريخيا مُهمًّا حول تطوُّر الحركات الأصولية في البلاد وأسبابها، وما هي الحركات التي ساعدتْ على نموها بعدما كانت شبه منعدمة، وهو ما يُضيف محوراً مهماً لدراسة تأثير الخطابات الدينية التي تدعو لتطبيق الشريعة في الدول الإسلامية غير العربية أو حتى الدول التي تملك أقلية مسلمة.

أخبار ذات صلة