«مسار الفشل المدني في المنطقة العربية»

Picture1.png

لكوبي ميخائيل ، ويوئيل جوزانسكى

( أميرة سامي أكاديمية مصرية)

يقدم المؤلفان كوبي ميخائيل ويوئيل جوزانسكى في هذا الكتاب "مسار الفشل المدني في المنطقة العربية" صورة عن الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط من خلال ظاهرة "الفشل" الموجودة في دول المنطقة العربية والتي أدت إلى حدوث الأزمة العربية ، وتجلت بوضوح في المنطقة العربية عقب الاضطرابات والثورات العربية التي أدت إلى تفاقم الأزمة في البلدان العربية، فكان الغرض من هذا الكتاب هو محاولة فهم أسباب وخصائص هذه الظاهرة وأحداث انتشارها في المنطقة العربية، وتقييم آثارها وإسقاطاتها لما لها من تأثير مباشر على السياق الإقليمي والدولي بشكل عام والسياق الإسرائيلي بشكل خاص.

ويرى المؤلفان أن حل الأزمة العربية هو التفكير المنطقي الجيوسياسي المنظم للمنطقة العربية، وأن السلطة المركزية لابد أن تكون ذات صلاحية محددة وواضحة، فمعظم الدول العربية مثل اليمن وليبيا وسوريا لم تعد موجودة في شكل دول متماسكة مع حكومة مركزية قادرة على ممارسة السيادة؛ بل أصبحت مسرحا لأعمال العنف والصراع الدموي، لهذا يوضح الكتاب أن من أهم أسباب فشل السلطة المركزية هو عدم وضوح الفترة الانتقالية للسلطة، وهذا الأمر هو الذي يسر على جماعات الجهاد والعناصر الخارجية التسلل إلى داخل بلاد المنطقة العربية وإحداث الزعزعة السياسية والعسكرية، وحشد الدعم المحلى ومعارضة السلطة المركزية وتقويض منهجية البنية السياسية للدولة.

والحقيقة أن ما كُتب حول موضوع " الدولة الفاشلة" كما أسماها المؤلفان "מדינה כושלת" كثير ومتداول على المستوى الأكاديمي والسياسي في الأوساط العلمية السياسية الغربية والأمريكية وأيضا العربية، خاصة بعد أن أصبح التداخل بين الخارج والداخل أمرا حتميا، وأصبح أداء النظم الحاكمة وما يحدث داخل الدولة غير منفصل بالتهديدات التي يواجهها كل من المجتمع الدولي والإقليمي.

تناول الكتاب المذكور مصطلح "الفشل" وهو ترجمة حرفية لمصطلح "הכישלון" الذي يعنى حرفيا الفشل- الإخفاق – التعثر – الضعف- الوهن بجوانبه المختلفة التي ظهرت في المنطقة العربية والمؤشرات الدالة عليه والجذور المسببة للظاهرة؛ حيث ركزت العديد من الدراسات والمؤسسات البحثية المتخصصة على تطوير المعرفة ووضع التصورات المستقبلية للمساهمة في مواكبة المستجدات في هذا المجال، وجدير بالذكر أن الكتابات العربية قد تعاملت بقدر كبير من الحذر مع هذا المصطلح باعتباره مصطلحا دخيلا، وأدى ذلك إلى عدم المساهمة في تطوير الترجمة العربية للمصطلح فمثل هذه الترجمة الحرفية تمس بشكل مباشر ثوابت مقدسة مثل هيبة الدولة ومكانتها، بل وجودها من الأساس.

واستعرض المؤلفان المصطلحات المتشابهة الأخرى المعبرة عن الدول الفاشلة ومنها:

"מדינה כושלת"( Failed State) دولة فاشلة، "מדינה שברירית" (Fragile State) دولة هشة، " מדינה קורסת" ((Collapsed State دولة منهارة ، "מדינה במשבר" ( Crisis State) دولة معرضة للخطر/ دول في أزمة "כישלון מדינתי" (State Failing) )فشل مدني خاص بالدولة)، "מדינה שברירית כתוצאה מקונפליקטFragile and Conflict-Affected) ") (دولة هشة متأثرة بالصراعات)

ورغم أن وصف الدولة الفاشلة باستخدام المصطلحات المختلفة ليس صعبا كما ذكر المؤلفان، وإنما تكمن الصعوبة على حد قولهما في المنهج والتحليل الذي يجب أن يُقاس به "فشل" الدولة ومدى ضرورة تمييز الأسباب والعوامل التي أدت إلى فشل الدولة ونتائج هذه العملية فإن أهمية الاهتمام بضبط المصطلحات والمفاهيم خاصة عند تناول هذا المصطلح بالدراسة ضرورة ملحة، فمصطلح "الدول الفاشلة" مصطلح اعتباطيّ ومطلق يسمح بوجود حالة من التداخل بين المفاهيم الواصفة لنفس الظاهرة مثل: الدول المقصرة أو الدول الواهنة أو الدول غير الفاعلة وغيرها.

وقد كتب ديفيد رايلى عن مستويات الفشل ودرجاتها المختلفة، وسلط الضوء أيضا على الصعوبات النظرية والمنهجية التي تساعد على التمييز بين أسباب الفشل، والعواقب الناجمة عن وجود مثل هذه الدول، أما تشارلز كول فقد ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه ديفيد رايلى؛ حيث يرى أن تردد مصطلح "الدولة الفاشلة" منتشر جدا، وينطبق بشكل عام على مجموعة كبيرة من الدول، ويرى أن سمة الفشل لها أهمية "عالمية" فجميع الدول بها ظاهرة "الفشل" على مقاييس الفشل ولا يجوز إطلاقها على دولة دون الأخرى، هذا بالإضافة إلى أن استخدام المصطلح الشامل بشكل عام مانع لما يعنيه؛ حيث يؤدى إلى تفرد كل حالة على حدة ، فثمة بعض الخصوصية في كل حالة وإن اتفقت الحالات، وهذا ما جعل المجتمع الدولي يجد صعوبة في العثور على الحلول المناسبة لمختلف الدول؛ فهي ليست مشكلة أو قضية بسيطة التركيب، بل هي ظاهرة تتعدد داخلها القضايا والمشكلات .

في هذا الكتاب يُرجع المؤلفان سبب استخدام مصطلح "الدولة الفاشلة" إلى سببين رئيسيين:

الأول: شدة الآثار الجيوسياسية في سياق دول المنطقة العربية عقب الاضطرابات الإقليمية.

الثاني: أن مصطلح الدول الهشة واسع جدا ويشمل مجموعة كبيرة من الدول التي تختلف فيها درجات الفشل ما بين منخفضة ومنخفضة جدا، كما أن البلدان المصنفة بأنها هشة قد تشمل أيضا الدول المتقدمة، ورغم أن مصطلح الدول الهشة قد يعد مفهوما صحيحا من الناحية السياسية فإنه يحجب المشكلة وتحدياتها، فغالبا ما تعاني هذه الدول الهشة من آثار ما بعد الصراعات مما يفقدها للمؤسسية على المستويات السياسية والاقتصادية.

وطالب مؤلفا الكتاب بضرورة توضيح الفرق بين مفهومي "فشل الدولة" كدولة فاعلة و "السلطة" التي تعكس جودة عمل مؤسسات الدولة وتطبيق القوانين والأنظمة والسماح للدولة في ممارسة سيادتها، وفرض سلطتها، وتوفير الأمن الداخلي والخارجي، ومدى قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة واقتصاد ونظام، هذا بالإضافة إلى وجود الديمقراطية كأمر مشروع نابع من ثقة الشعب والمؤسسات وكشرط أساسي لتحقيق مفهوم السلطة في المجتمعات.

وبهذا التفريق بين المفهومين سيكون مصطلح الدولة الفاشلة من أكثر المصطلحات المرتبطة بمفهوم وظيفة السلطة؛ فالدولة قائمة تجمع بين مؤشرات دالة على الفشل، ومؤشرات دالة على الوظيفة في نفس الوقت، ذلك التداخل الذي يجعل عملية القياس عملية معقدة جدا؛ فقد تكون الدولة ذات مستوى مرتفع ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الوفاء ببعض الخدمات العامة الأساسية لأفراد المجتمع.

وأوضح جوزانسكى وكوليك أن الفشل في الدولة يمنع التواصل في حالتين:

الحالة الأولى: ازدياد الأزمة وتفاقمها.

الحالة الثانية: انهيار الدولة.

الحالة الأولى وهي "ازدياد الأزمة وتفاقمها" تُوصف بها المؤسسات الحكومية غير القادرة على منع الأزمات الداخلية وتؤدى إلى عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين المواطنين، وهذه الدول تعانى من انخفاض مستويات التنمية البشرية والاجتماعية، وتكون السلطة فيها ضعيفة، بالإضافة إلى أن الصراعات الداخلية تقلل من قدرة الحكومة المركزية على توفير الخدمات الأساسية والأمن للمواطنين. ومن أمثلة هذه الدول: العراق، ولبنان، وفلسطين وغيرها.

الحالة الثانية هي "الانهيار"، وهي الحالة الأكثر تطرفا من ضعف الدولة، لأنها تعد المرحلة النهائية والأخيرة للأزمة، وفي مثل هذا الوضع تكون مؤسسات الحكومة المركزية غير قادرة على السيطرة بشكل فعال على أراضي الدولة، ولا تستطيع أن توفر الأمن والخدمات الأساسية للمواطنين أو ضمان وجود الشروط اللازمة لقيام الدولة، وذلك من خلال احتكار السلطة وفرض القانون والنظام – حتى لو كان ضئيلا للغاية- ومن أمثلة هذه الدول سوريا وليبيا واليمن.

أما التدخل الدولي لمساعدة الدول الفاشلة فهو محور نقاش وجدل على الساحة الدولية الجارية، وتحاول هذه الدراسة نفي فكرة أن التدخل الخارجي في شؤون الدول الواهنة يكون من أجل السيادة المطلقة على أراضيها، ورغم أن المبالغ الطائلة التي تنفقها الأمم المتحدة من أجل إعادة بناء الدول الفاشلة فنادرا ما تحصل على إنجازات واقعية من أجل حفظ عمليات السلام، وذلك لأن بناء الدولة الفاشلة يتطلب شرعية طويلة الأجل؛ بحيث تتمكن من بناء مؤسسات الدولة مثل الشرطة والنظام القضائي والصحي والاقتصاد الوطني لضمان مستوى يجعل الدولة تستطيع أن تلبي احتياجات السكان المحلية والأمنية التي عادة ما تتطلب تدخلا في صياغة الدستور لأجل تحقيق التوافق الاجتماعي والسياسي، فمعظم المحاولات لم يحالفها النجاح، وفى هذا الحين يجد المجتمع الدولي صعوبة في تشكيل خطة توافق الآراء بشأن التدخل وكسب تأييد القوى العالمية ومجلس الأمن الدولي، وتكون النتيجة الحروب والمآسي الإنسانية التي نشاهدها على الساحة العربية وفى مناطق متعددة بالشرق الأوسط لا نكاد نعرف عنها شيئا على مدى قرون.

وهنا نجد خلطا واضحا بين التعامل مع ظاهرة "الفشل" ومستوياتها وبين مفهوم" إعادة الإعمار" الذي يستلزم تنسيقا بين وحدات المجتمع الدولي والمنظمات التنموية.

أما عن أسباب فشل التدخل الدولي في الدول الفاشلة؛ فمنها اعتماد المجتمع الدولي على المنطق الغربي الليبرالي التقليدي في إعادة بناء الدول الفاشلة، وأن هذا المنطق الغربي لا يتناسب والثقافة السياسية في هذه الدول ولا يسمح بتحقيق الاستقرار للنظام مثلما حدث في أفغانستان وفلسطين. وعند فرض منطق السياسية الغربية فإن النتيجة سوف تكون الفشل وإسقاط النظام.

 ومن الأمثلة البارزة على ذلك موقف الولايات المتحدة الأمريكية من مصر بعد إزالة حكم الإخوان المسلمين من السلطة في يونيو عام 2013م، هذا الأمر يعكس لنا سوء فهم الولايات المتحدة الأمريكية للثقافة السياسية في مصر والشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى التهديدات الإقليمية والعالمية بين القادة في المجتمع الدولي عقب التدخل في الصومال عام 1993م وهجمات 11 سبتمبر عام 2011م، تلك الأحداث التي جعلت الأمريكيين يأتون باستنتاج مفاده أن الدول الواهنة تهدد مصالحها الحيوية.

ويرصد الكتاب الدروس المستفادة من حالات التدخل الدولي لإعادة تأهيل الدول الفاشلة بأنها عملية معقدة ومعظمها مكلف للغاية، خاصة في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار، ويذكر المؤلفان أنهما على علم بوجود دول غنية ذات خبرة في إعادة تأهيل الدول الفاشلة تريد إعادة بنائها، لكن بشرط أن ترى النتائج الإيجابية في نهاية المطاف، إلا أن العدو الأكبر من الجهود الرامية إلى إعادة التأهيل هو الرحيل المبكر جدا للهيئات الدولية التي تدعمها مما يؤدى إلى وقف المساعدات الدولية وفشل إعادة التأهيل.

- إن ظاهرة "الفشل" ليست مشكلة محلية فقط، بل هي تحد إقليمي ودولي لعدم الاستقرار في المنطقة العربية، ولها تأثيرها على المناطق القريبة والبعيدة منها، الأمر الذي يُظهر أهمية إشراك جميع الأطراف الدولية والإقليمية في مواجهة فشل الدول، سواء في الأهداف أو العملية ذاتها وذلك لضمان الاستقرار المجتمعي الذي سيمهد للاستقرار الأمني.

- وأشارت الخبرات السابقة في مجال إعادة تأهيل الدول الفاشلة إلى أن تجاهل مسئولي الإغاثة للبلاد التي تريد الحصول على المساعدة هو سبب المشاكل الأساسية من البداية، مما أدى إلى فشل جهود الإغاثة خلال فترة قصيرة.

وفي محاولة للتغلب على صعوبات هذه الظاهرة اعتمدت الدراسة في جمع مادتها العلمية على رصد أسباب فشل المخابرات والأوساط الأكاديمية في التنبؤ بالاضطرابات التي حدثت في الشرق الأوسط، وأشارت إلى تقارير البحوث المتنوعة الصادرة عن هيئات أمريكية ودولية في السنوات التي سبقت الاضطرابات وتناولت على نطاق واسع الإحباط واليأس وطغيان الفساد والحكام وعدم القدرة على تحسين الوضع الاقتصادي ما أدى إلى تصاعد حركات المقاومة والاحتجاج في الدول العربية.

- أما عن تقارير التنمية البشرية فقد أوضحت الوضع الحالي في الدول العربية وحذرت من آن لآخر بشأن أبرز المشاكل الأساسية، وقد قدم شمعون شامير صورة قاتمة للعالم العربي، ذاكرا أن هناك خرقا لمنهجية حقوق الإنسان، وأن الدول العربية تعاني من سلسلة من الإخفاقات الهيكلية والمؤسسية المهمة بسبب الصراعات الداخلية والفجوات الاجتماعية العميقة دون أي علاج، وجاء التحذير الوارد في هذه التقارير بالنص على أن مشاكل العالم العربي ستزداد سوءا إذا لم يتم علاجها، هذا لأن تجاهل نتائج الأنظمة العربية سيكون ثمنه فادحا، وهو تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة العربية.

- كما أشارت بعض التقارير إلى التغيرات الديموغرافية الكبيرة التي تواجه العالم العربي، التي اشتملت على تغيرات النمو السكاني السريع، والمتوقع أن يرتفع مع التدهور البيئي في ظاهرة الاحتباس الحراري ونقص المياه والتلوث، وكلها تشكل تهديدا كبيرا على الأمن القومي في المنطقة العربية خاصة مع موجات اللاجئين المتزايدة والسياسات التمييزية، خاصة في القطاعات الأكثر ضعفا في المجتمع مثل النساء والأطفال واللاجئين والمتشردين.

- ركزت الدراسة على الاضطرابات الإقليمية التي حدثت في المنطقة العربية من منظور تاريخي، وأدت إلى عدم الاستقرار وانتقال عوامل الفشل من داخل الدول إلى الدول المجاورة، مستعرضة تهديدات التنظيمات الجهادية الإرهابية التي تسعى إلى إضعاف الأنظمة العربية من خلال فرض سلطتها وتوسعها في المناطق البعيدة عن سيادة الحكم لتصبح هذه المناطق أماكن لأنشطة المنظمات الإرهابية والإجرامية.

وأشار الكتاب إلى محاولات لخلق أيديولوجيات مختلفة للهوية الوطنية في العالم العربي فمثلا: أصبحت مصر تحاول تسليط الضوء على الإرث الفرعوني، بينما العراق على الإرث البابلي، وهذا لم ينجح حقا، حيث أخذت الأيديولوجيات تتنافس فيما بين العروبة والقومية والإسلام، ولم تقدم علاجا للانقسامات الإقليمية، بالإضافة إلى تقديم تحليل للتصورات التي تشهدها الساحة العربية ووضع الأنظمة الملكية في بعض الدول العربية والشرق الأوسط لا تحقق الاستقرار.

إن هذه الدراسة لم تركز بالقدر الكافي على الدور الذي يؤديه إهمال المجتمع الدولي لتوتر العلاقات بين القوى الإقليمية والدول المجاورة، مما يؤدى إلى تراكم عوامل الفشل داخل دول المنطقة العربية.

--------------------------------------------------------

الكتاب: مسار الفشل المدني في المنطقة العربية

المؤلف: كوبي ميخائيل، ويوئيل جوزانسكى

الناشر: معهد دراسات الأمن القومي في تل أبي

سنة النشر: يوليو 2016

اللغة: العبرية

عدد الصفحات: 150 صفحة

 

 

 

 

أخبار ذات صلة