لعبد الرحمن مونور
فيلابوراتو عبد الكبير
كاسيوس كلاي المولود في عائلة زنجية في "لويفيل" إحدى مناطق الفقراء في أمريكا كيف أصبح نجمًا لامعًا لا مثيل له في سماء تاريخ رياضة الملاكمة العالمية؟ كيف ملأ العالمَ أجمعَ مناضلاً في سبيل الحقوق الإنسانية وناشطًا حيويًا في ميدان الأعمال الخيرية في عُمر مضى فيه مدة 32 سنة مصارعًا مرض "البركنسية" – الشلل الرعاشي - الذي يُعاني منه؟ كيف ظل محبوباً لدى الجميع بعد أن كان في مرحلة من مراحل حياته مهددًا بالاغتيال أكثر من مرَّة؟ هذا الكتاب المصور الموسوم بـ "محمد علي" يكشف عن أعجوبة قصة حياة تلك الأسطورة الرياضية. الكتاب حلقة جديدة من سلسلة الكتب التي تبنتها دار النشر الإسلامي في ولاية كيرالا (الهند) ضمن مشروع كُتب تتناول سيرة حياة عبقريات أنجبتها الأمة الإسلامية في مختلف المجالات، وقد سبق أن نشرت الدار كتباً تتضمن حياة كل من أئمة المذاهب الأربعة وأمير الأطباء أبي علي ابن سينا والإمام حسن البنا والأستاذ المودودي والكاتبة المرموقة الأمريكية الأصل مريم جميلة والسلطان "تيبو". وهذا أوَّل كتاب باللغة الملايالمية ظهر في المنظر العام يتناول حياة مُحمد علي بُعيد وفاته. ومؤلفه عبد الرحمن مونور " قد رسم شخصية هذا البطل الكبير بلون يسحر وجدان القراء وبأسلوب سلس جذاب يُعجب جميع الفئات صغارا وكبارا على السواء. لا يكتب اسم محمد علي في وسائل الإعلام في الهند إلا مصحوبا بلقبه "كلاي" حتى أنّ وسائل الإعلام العربية أيضاً لا تستثنى منه، أما عنوان هذا الكتاب فلا يوجد فيه هذا اللقب. اهتم المؤلف بحذفه، لأنّ محمد علي كان يكره أن يدعى بهذا اللقب الذي تفوح منه الكراهية العنصرية. وفي إحدى المُباريات لما خاطبه منافسه بهذا اللقب أطال المباراة إلى 15 دورة وهو يسأله من حين لآخر "ما اسمي أنا "؟ يقول المؤلف إنَّ هذا هو الحادث الوحيد الذي ظهر فيه المذكور داخل الحلبة بمشاعر انتقامية.
وفي مُقدمة الكتاب يقسم الكاتب حياة محمد علي إلى مرحلتين، الأولى منها تبدأ من سنة 1954 وتنتهي في سنة 1981 حيث أصبح خلالها معروفًا على المستوى الدولي بإنجازاته التاريخية بما فيها البطولة العالمية في الحمل الثقيل التي حققها ثلاث مرات. والمرحلة الثانية تبدأ من سنة 1981 التي انسحب فيها من رياضة الملاكمة والتي تمتد إلى وفاته في يونيو 2016. وقلم الكاتب يتناول زوايا تلكم المرحلتين من حياته الحافلة في فصول مختصرة، كل فصل لا يتجاوز أكثر من ثلاث صفحات. كان محمد علي صاحب مواهب مُتعددة، وكان رياضياً كما كان داعية إسلامياً، كان له اهتمام بفن خفة اليد والخطابة والموسيقى والرسم حتى في كتابة الشعر.
يبدأ الكتاب بنقل " ديك جريجري" الذي قال في محمد علي: إن نزل سكان من أفلاك أخرى إلى كرة الأرض وطلبوا منِّا أن نشير إلى شخص وحيد رمزًا لقوة الألعاب الرياضية والقدرة الروحانية والكرامة الإنسانية ورقة القلب في السلوك وملكة الفكاهة سيُشار بالبنان إلى محمد علي ".
وفي الفصول الأولى نقرأ بعض الحوادث الهامة من طفولته إلى حياته العامة التي حقق من خلالها إنجازات عظيمة في مجال الرياضة. وفي الفصول التالية يُلقي الكاتب الضوء على شخصيته خارج حلبة الملاكمة داعية ورسول سلام ومناضلاً من أجل الحقوق الإنسانية وناشطاً في الأعمال الخيرية. وبعد اعتناقه الإسلام قال مرة: حينما اكتشفت الإسلام اكتشفت في داخلي قوة جديدة، قوة لا يستطيع أحد أن يختلسها مني ولا أن يُدمرها". افتخر بدوره في ترسيخ السلام والمودة بين الشعوب في العالم المتوتر، واعتبره عملا عظيما في سبيل الله وكبرى إنجازاته التي حققها في حياته؛ " لأنه لا يوجد عمل أعظم من عمل نقوم به لله تعالى". وكانت له فلسفة خاصة في الأعمال الخيرية. هو الذي قال "إن المساعدات والخدمات التي نمدها نحو ذوي الحاجة من إخواننا هي في الأصل إيجار لغرفة في الجنة نؤديه في الأرض."
دخل مُحمد علي في الإسلام عبر "جماعة أمة الإسلام"
(Nation of Islam ( التي أسسها أليجا محمد. وكانت جماعة أمة الإسلام في مرحلتها البدائية تعاني من انحرافات من المنهج الصحيح الإسلامي، كانوا موحدين ويدعون بأنهم مسلمون ولكن عقائدهم كانت مبنية على كراهية البيض، وكانوا يعتقدون أنَّ الله إله السود فقط وكان أليجا في نظر أتباعه بمثابة نبي جديد بعثه الله إلى السود ليقود معركة ضد البيض في أمريكا. الرجل الأبيض في أمريكا كان له تفوق بالغ في كافة المجالات، وقد أراد أليجا قلب المعادلة السائدة في المجتمع الأمريكي بإعادة تشكيل عقل الأمريكي الأسود ورفع همته لكي يصبح هو في المُقدمة. وبذل جهدا جهيدا من أجل الحصول على حقوق للسود من خلال القوانين المعمول بها في الولايات المتحدة. وفضل اعتناق كسيوس الإسلام يرجع إلى مالكوم إكس الذي اهتدى على يد جماعة أليجا. كان مالكوم إكس الخطيب المصقع بين السود من أقوى مؤيدي أليجا محمد. ولسحر كلماته دور بارز في اجتذاب كثير من السود إلى الإسلام. كان مجرماً في حياته السابقة قضى فترة في السجن ثم اهتدى على يد جماعة أليجا. استثمر فترة زنزانته لحفظ القاموس ومن ثم توافرت لديه عدة معطيات يسر الله بها أن يكون من خطباء القرن العشرين. حديثه كان ساحرًا وملكته باللغة الإنجليزية راسخة.
وكُتِب لـ مالكوم إكس الحج في عام 1964 ولقي الملك فيصل رحمه الله حيث دعاه إلى مجلسه ضمن ضيوف من كل أجناس الأرض في موسم الحج. وبين ما كان الأفارقة في أمريكا مهدوري الكرامة وجد نفسه كأمريكي أسود ضيفا محترما على ملك من أكبر رموز الأمة الإسلامية؛ فتجسدت أمام عينيه ساعتها أخلاق الإسلام ومكارمه وخالطت مشاعره قيم الإسلام الجميلة في الأخوة والمساواة بلا تميز عنصري لوني. بعد أداء الحج عاد مالكوم الذي أصبح معروفًا فيما بعد باسم ملك شهباز إلى أمريكا وهو يحمل على كاهله رسالة الإسلام الحقيقي. استشعر أنَّ عليه تصويب ما أخطأ فيه أليجا وجماعته وأن يواجه أفكارهم المُنحرفة، فراح يُقاوم انحرافات أليجا ويُعلم الناس الإسلام الصحيح. وبعد وفاة أليجا ورث قيادة "أمة الإسلام" ابنه والاس (وارث) محمد، وقام هو الآخر بتصحيح الانحرافات الفكرية والمنهجية التي تُعاني منها حركة والده. ولو أنّ المؤلف يذكر قصة انتماء محمد علي إلى "أمة الإسلام" وعلاقته بـ مالكوم إكس وتحوله أخيراً إلى الإسلام الحقيقي لا يخوض في تفاصيلها. وفي هذا السياق يكون مناسباً نقل بعض ما كتب الدكتور محمد توتونجي الذي كان له دور بارز في تشكيل اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة وكندا عن وجه محمد علي المشرق كداعية مسلم. يتذكر توتونجي في مذكراته "خمسون عاما شرقا وغربا " مناسبة في أمريكا ضمه فيها لقاء محمد علي. كان توتونجي في حينه يتولى مهاماً في اتحاد طلبة جامعة بينسيلفانيا. عندما طرحت فكرة دعوة إحدى الشخصيات من خارج الجامعة إلى اجتماع الاتحاد اقترح توتونجي اسم البطل محمد علي فتمت الموافقة عليه بالإجماع، وأنيطت بتوتونجي مهمة التنسيق وتوجيه الدعوة إليه فكان رد الأخير هكذا: ما دام مصدر الدعوة هم إخواني المسلمون في الجامعة فلابد لي من تلبية الدعوة." فاتصلوا بالجامعة لترتيب الإجراءات، ووافق علي على برنامج الجامعة بشرط أن يكون له لقاء خاص مع الطلبة المُسلمين. وكان ذلك الطلب كما يذكر توتونجي دعاية كبرى للطلاب المُسلمين في الجامعة وللإسلام أيضاً. ويقول توتونجي إنّه بعد هذا اللقاء تضاعف عدد الطلاب الذين يسألون عن الإسلام كما أحدث رواجًا هائلاً للعمل الإسلامي بحيث توج العمل بعد ذلك بإسلام أربعة أمريكان من شباب لجنة الإشراف على جريدة الجامعة من بين سبعة كانوا ينهضون بهذه المهمة. هكذا ساعدت زيارة علي للجامعة ليصل صوت الدعوة إلى عدد كبير من طلاب الجامعة على اختلاف مشاربهم وكانوا يومئذ 36000 طالب وطالبة حسب قول توتونجي.
إن كان الرجال مواقفهم من القضايا التي يواجهونها في حياتهم، فمحمد علي كان صاحب موقف راسخ بالدرجة الأولى طول حياته الحافلة بالبطولات والألقاب والتحديات التي خاضها وجعلت منه رجلاً صعب المراس قوي العزيمة لا يلين في أحلك الظروف؛ فموقفه من الحرب الفيتنامية الرافض للالتحاق بالخدمة العسكرية المفروضة عليه من قبل الحكومة الأمريكية رفع شعبيته على نطاق العالم كله. رفض رفضاً باتاً المشاركة في تلك الحرب. رأى أنّ هذه الحرب ظلم على الشعب الفيتنامي، وأعلن على الملأ أنّ مبادئ الإسلام الذي يعتنقه ترفض قتل الناس ظلمًا وعدوانًا. صرح في وجه الحكام: "جهزوا زنزانتي فخبز السجن أحب إليّ من الموت في فيتنام". فاضطر أن يدفع لذلك ثمنًا بالغًا، جردوه من ألقابه الرياضية وما أنجزه من البطولات عام 1964. أوقفوه من المشاركة في مباريات الملاكمة ثلاث سنوات. ولكن لم يبال شيئاً. عاد إلى الحلبة أقوى من السابق. الزمن أثبت أن علياً كان هو الصحيح. أصبح فيما بعد إنسان عين الحكام بعد أن كان ذرورا في عيونهم. أكرموه بميدالية الحرية، أغلى جوائز الدولة، كما أكرموه باختياره لإنارة مشعل الأولمبية.
وهناك حدث مهم لم يهتم به الكاتب قدر اهتمامه، كان ذلك تجربته المرة التي واجهها في أحد المطاعم. دخل مرة في مطعم " لويي سويل "، جلس على الكرسي وطلب الطعام، فأشار النادل إلى اللوحة المُعلقة على الجدار المكتوب عليها إنّه "لا طعام للسود". فردَّ عليه : إنني رياضي يعرفه العالم كله. الميدالية الذهبية التي تجدها عالقة على رقبتي من إنجازاتي التي أحرزت بها لبلادي أمريكا". ولكن أصحاب المطعم ظلوا يمنعونه من الطعام. خرج من المطعم بخطوات راسخة رافعًا رأسه متجهاً إلى جسر "جيفيرس كونتي" ونزع من رقبته الميدالية الذهبية الأولمبية ثم رماها إلى نهر "أوهايو" على مشهد ألوف من محبيه. ذلك كان محمد علي أسطورة القرن العشرين.
وفي عام 2002 قررت غرفة هوليوود التجارية تكريم علي بوضع نجمة له في " ممشى المشاهير" الذي يمتد كيلومترا ونصف الكيلومتر ضمن 2500 فنان وفنانة من صفوة المشاهير في أمريكا. وهو تكريم يخص بمن قدم إنجازات في مجال السمعيات والمرئيات من الأفلام والتلفاز والراديو والمسرحية. فقط تم استثناء محمد علي من هذا الشرط باعتبار الملاكمة رياضة مثيرة للاهتمام الدائم ومفعمة بالحياة. ولكن محمد علي طلب منهم ألا يوضع اسمه على الأرض مع الآخرين لأنَّ اسمه منسوب باسم نبيه الحبيب محمد وأنه لا يرضى أن يدوس النَّاس بأقدامهم على اسم النبي الذي يحترمه الملايين. واحترم المسؤولون رغبته ووضعوا نجمة تكريم اسمه على جدار "مسرح كوداك" في "ممر الشهرة "لتصبح النجمة الوحيدة التي لا تطؤها الأقدام في هوليوود.
خلال أزمة الاحتلال العراقي في الكويت زار علي بغداد ليطلب من الرئيس صدام حسين الإفراج عن الأمريكيين الذين اعتقلهم الجيش العراقي في الكويت والذين كانوا قيد الاحتجاز في بغداد للمساومة عليهم مع الإدارة الأمريكية. رحَّب صدام بحفاوة بالغة وردَّ على طلبه بالإيجاب قائلاً " لن نجعل الحاج محمد علي يعود إلى أمريكا فارغ اليدين". فعادوا في الطائرة مع محمد علي إلى أمريكا.
داخل حلبة الملاكمة كان يطير كفراشة ويلسع منافسيه كنحلة كما وصفه هو نفسه. ولكن خارج الحلبة كان مسلماً مخلصاً وداعية كبيراً. دعا الناس إلى الإسلام بنور حياته الذي يمشي بين أيديهم. أسلم على يديه كثير من الأمريكيين، وكان هو سبباً رئيسياً في إسلام الملاكم مايك تايسون الذي أصبح فيما بعد مالك تايسون. استغل علي الملاكمة منصة لتعزيز الإسلام كدين سلمي كما كتب راندي روبنس وجوني سميت في واشنطن بوست. كان يقف قبل كل مبارزة ليصلي في زاويته وعيناه مغمضتان، وانتصاراته في المباريات زاد من إيمانه بالإسلام. وبعد اعتزاله رياضة الملاكمة انخرط في أعمال إنسانية وخيرية عديدة، حتى قبيل موته شارك في حملة " يوم الأنف الأحمر" الخيري التي تعنى بجمع التبرعات لمساعدة الأطفال الفقراء حول العالم. ارتدى الأنف الأحمر مع عدد كبير من المشاهير أمثال نجمة التلفزيون الأمريكية كيم كردستيان والفنان الأمريكي نك كانون. وقد ساهم في بناء أكثر من 170 مسجدا في أمريكا. لا توجد معلومات مثل هذه في الكتاب ربما بسبب رغبة المؤلف في اختصار عمله. ومن نواقص الكتاب خلوه من صفحة المحتويات وإفلاسه في الإخراج الفني كما هو واضح على غلافه.
-----------------------------------------------
اسم الكتاب : محمد علي
اسم المؤلفة : عبد الرحمن مونور
عدد الصفحات : 127
الناشر : Islamic Publishing House,Fourland Building,
Kozhikode -673012,Kerala, India
سنة النشر :2016
اللغة: المالايالامية
