«صعود الدول وسقوطها»

Picture1.png

لروشير شارما

علي سليمان الرواحي (كاتب عماني)

مقدمة :

على مدى عشرة فصول في هذا الكتاب يسعى المفكر الاقتصادي الهندي روشير شارما أن يضع لنا قوانين تساعدنا في فهم صعود وسقوط أو انحدار الدول، حيث إنّه يركز على الجانب الاقتصادي البحت، وتحديدا على الأزمة العالمية ما بعد 2008م، ذلك أنّه في فترة ما قبل هذه الأزمة اعتقد الكثير من المختصين والخبراء بأنّ العالم يعيش في العصر الذهبي للعولمة، وهذا يعود للتدفقات النقدية وتبادل السلع وتنقلات الأشخاص وزيادة الثروات، ودخول بعض الأمم والدول الفقيرة إلى قائمة الدول الغنية، وهو ما يعني تضييق الفجوة بين نسبة 1% من الأغنياء وبين أفراد المجتمع وازدياد أعداد الطبقة الوسطى، وهذا يشّكل ضغطا هائلا على الأنظمة الديكتاتورية والرقابية الأمر الذي يخلق فرصا جديدة، حيث إنّ ازدياد الثروة يولّد الحرية السياسية ويدعم الديمقراطية وهو ما يؤدي إلى زيادة الازدهار والرفاهية.

غير أنّ هذه التوقعات لم تعد كذلك مع الأزمة المالية فهي فرضت واقعا جديدا، الأمر الذي ولد مصطلحات وتحركات كثيرة مناهضة للعولمة، بالرغم من ارتفاع التدفق المعلوماتي عن طريق الانترنت، وتدفق السيّاح عن طريق الخطوط الجوية، إلا أن أعداد المهاجرين من الدول الفقيرة للدول الغنية مازالت مرتفعة أيضا، وهو ما أدى في الكثير من الحالات إلى عودة بعض الدول للداخل وانغلاقها على نفسها، ووضعها للكثير من القيود والعقبات أمام التجارة الحرة والتبادل مع جيرانها، حيث نجد أن هذا قد انعكس على المسألة الديمقراطية والحرية والرخاء بشكل عام، ذلك أنه حسب إحصائيات منظمة بيت الحرية freedom House فإنه ومنذ العام 2006م نشهد تراجعا في أعداد الدول المتقدمة في الحقوق السياسية. حيث يربط الكاتب بين الوضع الاقتصادي الذي تعيشه الدول وبين مستوى الحريات، فهو يرى بأنّ الموجة الكبيرة للمقاومة والتي جاءت من البلدان العربية إبّان الربيع العربي عام 2011م، كانت بسبب ارتفاع أسعار الغذاء مما أثار الأمل في ولادة عالم ديمقراطي في الشرق الأوسط، غير أن هذا الأمل قد تلاشى بعودة الديكتاتوريات من جديد من جهة كما هو في مصر، والحروب الأهلية في الدول الأخرى من الجهة الثانية.

المواهب، والهجرة، والنمو الاقتصادي:

في الفصل الأول يتناول المؤلف الاهتمام بالمواهب وعلاقتها بالنمو الاقتصادي (ص23)، حيث يتحدث عن الأزمة الاقتصادية والتي حدثت في العام 2008م، وما بعد ذلك، مواصلا الحديث عن "معركة الهجرة الجذابة"، حيث إنه وبعيدا عن هجرة اللاجئين التي تزايدت بسبب الحروب المتواصلة في بعض البلدان، نجد أن الهجرة في كندا وأستراليا قد زادت من عدد السكان أكثر من ألمانيا، بنسبة 3.3% و4.3% على التوالي منذ 2011م، وهو ما جعل عدد السكان في أستراليا يزداد بشكل سريع مقارنة مع عدد السكان في البلدان التي تتسم بزيادة كبيرة في السكان بشكل طبيعي، ذلك أنّ هذه الهجرة إلى أستراليا تأتي من الهند والصين.

في حين أنّ اليابان تعتبر مضادة للنزعة الأسترالية المفتوحة في الهجرة، حيث أغلقت أبوابها بإحكام، لأنّ أقل من 2% من عدد سكانها يعتبرون من أصول أجنبية مقارنة بأستراليا التي تصل لنسبة 30%. وغياب الصراعات الاثنية، والتوافق الثقافي، من الأسباب التي جعلت الاقتصاد الياباني في تحسن مستمر، وهذا هو السبب الجوهري حسب آراء كثير من المحللين الداخليين والخارجيين على حد سواء، لصمود وتحسن الاقتصاد الياباني.

بالإضافة لذلك نجد أن تركيا، وماليزيا، وجنوب إفريقيا، من أكبر المستفيدين من الهجرة غير أن تركيا قد شكلت الدولة المستفيدة الكبرى من هذه الهجرة بنسبة 2.5%، وهو ما جعل الحكومة التركية تشرعن الهجرة السورية بالطرق القانونية التي تمكنها من الاستفادة من هذه الفرص، والمواهب، والعقول التي بدورها ترفد الاقتصاد التركي، الأمر الذي جعل رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم يصّرح في 2014م، بأن الكثير من الأعمال الجديدة قد ابتدأت مع السوريين المتعلمين، والخبراء، وهذا يشكل دفعة للاقتصاد التركي.

وللحديث عن الهجرة في هذا السياق، نجد أنّ الدول في منظمة OECD أو منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، بمجموع دولها التي تصل إلى 52 دولة، قد زادت نسبة الدارسين من المهاجرين فيها لتصل لنسبة 70%، بما مجموعه 35 مليون في عام 2000م. وبالرغم من أنّ الدعوات المضادة للهجرة في تزايد، فإنّ نسبة جذب العقول المهاجرة مازالت مستمرة، وهو ما نجده بشكل واضح في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمثل ما نسبته 30% للمشاريع المقامة في وادي السيلكون، فالشركات الخمس والعشرون الكبرى في السوق التكنولوجي، قد قامت على الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين، كما هو في شركة أبل لدى ستيف جوبز من أصول سورية، و لاري إيلسون في أوراكل في جوجل من الجيل الثاني من روسيا، وجيف بويز في أمازون من الجيل الثاني من كوبا، وغيرهم الكثير.

يقودنا الحديث عن الهجرة، بما تشمله من تغيّرات ثقافية، وعرقية وغيرها، إلى الحديث عن الإنسان الآلي أو الروبوتات (ص54)؛ فالخوف من الروبوتات مواز للخوف من الهجرة واللاجئين. والثورة التقنية الحالية مختلفة عن الثورة التقنية السابقة، والتي كانت تعتبر بمثابة آلات تساعد الإنسان لإنجاز الأعمال، في حين أن الثورة الحالية تسعى للتفكير والتصرف مثل الكائن البشري، فهي تتعلق تحديدا بالذكاء الاصطناعي الذي سيصبح قادرا على تعليم الآلة، الأمر الذي جعل الكثير من الخبراء يحذرون من أن نسبة كبيرة من الوظائف سوف يتم فقدانها في السوق الأمريكية تحديدا. وبالرغم من صعود الروبوتات فإن نسبة البطالة مازالت من الممكن التحكم بها، لاسيما في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى؛ إذ البطالة قد انخفضت في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان وبريطانيا.

دورة الحياة ودور المصلحين:

يتناول المؤلف في الفصل الثاني بعنوان "دورة الحياة: هل الأمم جاهزة لعودة المصلحين؟"(ص58)، حيث يعود المؤلف لمقولة سابقة للرئيس الفرنسي البارز شارل ديغول (1912م- 1970م) والتي تقول" يظهر القادة العظام من صدام الإرادات في اللحظات الاستثنائية"، وهي جزء أساسي يربط هذه الآلية بظهور المصلحين الجدد. وكلما تعاظمت الازمات، أثرت بدورها على الرأي العام، الأمر الذي يؤدي إلى تلهف الناس ومساندتهم لهذه الشخصيات، حتى وإن كانت هذه التغيرات تعطل النظام القديم، لأن الصدمة الكبيرة للازدهار في فترة ما بعد الحرب جاءت في العام 1970م، عندما دخلت الكثير من الأنظمة الاقتصادية في الركود والتضخم.

النمو واللامساواة:

في الفصل الثالث من هذا العمل والمعنون بـ"المليارديرات الجيدون والمليارديرات السيئون: هل تهدد اللامساواة النمو؟" يتناول المؤلف الفجوة التي تزداد سنويا بين الأغنياء وبقية أفراد المجتمع، حيث يجد المؤلف أن هذه الفجوة قد تزايدت بحلول عام 2015م، لكنه كما يقول لا يوجد قائد وطني حارب من أجل إعادة توزيع الثروة(ص95) كما هو الحال مع رئيسة تشيلي ميشيل باشليت، حيث إنّها قد أخذت عهدا بأن تستخدم "البلدوزر" لتخفيف حدة اللامساواة في المجتمع التشيلي.

في قراءة المؤلف لقائمة الأغنياء (ص103)، يلاحظ بالاعتماد على تقارير مختلفة مثل مجلة فوربس، ومؤشر بلومبيرغ الاقتصادي، بأن نسبة الأغنياء في روسيا والصين قد تضاعفت في السنوات الخمس الأخيرة، حيث تظهر هذه القائمة من الأنشطة الريعية، والتي تتضمن الإنشاءات، والعقارات، والمقامرة، والتعدين، والحديد، والنفط، والغاز...إلخ، والتي ولدت "المليارديرات السيئين"، لأنهم لا يساهمون في قيام اقتصاد قوي، وثابت، بل في بناء أمم ذات اقتصاد متقلب، في حين أنّ أصحاب المليارديرات الجيدين، هم أولئك الذي يستخدمون الصناعات الجيدة، كالاتصالات، والصيدلة، والأجهزة الذكية، والبيع بالتجزئة، والتجارة الالكترونية، والترفيه، وغيرها من الخدمات والصناعات المختلفة، لنمو وزيادة الثروات، والتي تعتمد على العمل، والجهد، والذكاء وغيرها من العوامل المختلفة، غير أنّ هذه المعادلة التي ترجح كفة أصحاب المليارديرات السيئين، من الممكن أن تتغير في السنوات القادمة، وذلك من خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة، حيث نشهد انخفاضا في أسعار النفط.

في فقرة "كيف تقتل اللامساواة النمو؟"(ص125)، يتحدث المؤلف عن أن اللامساواة قد ارتفعت في العالم، مما أنتجت الكثير من البحوث لمعرفة الأسباب وتبعاتها، غير أن الحجة الرئيسية الأولى في ذلك تعود إلى أن مستويات الدخل قد ارتفعت، مما جعل الأثرياء يتوجهون لإنفاق مبالغ قليلة من مداخيلهم الإضافية، ويقومون بتوفير الكثير منها. وفي المقابل فإن الفقراء وأصحاب الطبقة الوسطى عندما يحصلون على المبالغ النقدية يصرفونها في الملابس والغذاء، أو في قطع لحم إضافية، أو في الوقود لبعض الرحلات الترفيهية. يذهب بعض المختصين في ذلك بأن الأثرياء يخصصون هامشا بسيطا أو لديهم ميل قليل تجاه الاستهلاك عندما يرتفع الدخل. في حين تذهب الحجة الرئيسية الثانية في هذا السياق، إلى مراقبة المتغيرات، حيث سعى بعض المختصين في صندوق النقد الدولي لوضع روابط واضحة بين مستوى اللامساواة وحتمية تعرجات النمو بما تشمله من صعود وعقبات وهضاب، وهو ما جعل المؤلف يذهب إلى مقارنة النمو بين أمريكا اللاتينية وقارة آسيا.

 في هذا الفصل يطرح المؤلف موضوع "أصحاب المليارديرات السيئون وتدخل الدولة"(ص127)، فهو يرى بأن هؤلاء هم كالكريمة الحامضة التي تطفو فوق سطح المجتمعات الفاسدة، لأنه من الممكن معرفة المجتمعات الفاسدة من خلال التقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (TI) فهي تصنف الدول التي تحتل المرتبة (صفر) كدولة خالية من الفساد، في حين أن الدولة التي تحتل المرتبة (100) هي الدولة الأكثر فسادا، غير أنه من الممكن الحكم على بعض الدول من خلال مقارنتها مع الدول المساوية لها في متوسط الدخل. في العام 2012م وفي دراسة عن صعود المال، توصلت إلى أن 50 دولة بما فيها بولندا، وبريطانيا وسنغافورة، هي الدول الأقل فسادا مقارنة مع الدول الأخرى، في حين أن هناك دولا أخرى مثل راوندا، وتشيلي، هي الأكثر فسادا مقارنة مع الدول الفاسدة أيضا.

يرى المؤلف بأن الرابط الرئيسي بين المستوى العالي للفساد، والمستوى العالي لانعدام اللامساواة، بأنهما يقضيان على النمو، حيث يسعى أصحاب المليارديرات السيئون لتحقيق أعلى نسبة من الثروة الوطنية، ولذلك نجدهم يزدهرون عند ارتفاع نسبة الفساد. علاوة على ذلك، فإن اللامساواة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الأسود، أي تلك المشاريع النقدية التي لا تسجّل في الدفاتر المحاسبية تهربا من الضرائب، حيث وجد الباحثون في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بأن الدول التي يزداد الاقتصاد الأسود فيها، تتجه إلى اللامساواة وهذا ليس بمحض الصدفة، ذلك أن الوظائف في هذه الدول تتسم بضعف الرواتب، ودونما منافع كثيرة، لذلك نجد أن هؤلاء المليارديرات هم كالملوك في المملكة المخفية، التي لا يمكن رؤيتها، أو ليست واضحة للعيان.

يذهب شارما في صفحة (128) بأنه في ظل وجود الاقتصاد الأسود يتزايد الاستياء الاجتماعي، لاسيما بأن التهرب الضريبي يتكرر بشكل مستمر من قبل الأثرياء، ففي الهند – على سبيل المثال- سعت الحكومة لتحصيل ضرائب عن الدخل بما نسبته 3% من الدخل القومي، في حين أن الاقتصاد الأسود المتوقع يصل لما نسبته 30% من الدخل القومي، وهذه هي أحد أسباب المعاناة المزمنة التي تسبب العجز للحكومة، بالإضافة لبعض العادات التي يقوم بها المليارديرات، والتي يرغبون من خلالها أن تتوسع إمبراطورتيهم عن طريق إقامة المستشفيات المحلية، والمدارس، والفنادق، والصحف المحلية.

الجغرافيا السياسية والاستثمارات:

في الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن "الجغرافيا والبقعة اللذيذة: هل تصنع الأمم موقعها؟" (ص166)، حيث يتحدث عن مدينة دبي، وكيف تحولت بدءا من العام 2002م، إلى بقعة جاذبة للاستثمارات بفضل الكثير من التسهيلات المختلفة، وتقليص الضرائب، مع قروض ميسرة، وحوافز مالية متعددة، مما أدى لتزايد عدد السكان بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة، وتزايد أعداد قاطني الفنادق بين عامي 2009م وعام 2013م، وتضاعف عدد مستخدمي المطارات ليصل في السنوات الخمس الأخيرة لما يقارب 65 مليونا، مما جعل مطارها يتحول لأفضل المطارات في العالم، وهذا يعود للكثير من الأسباب بالإضافة لما سبق، منها الحالة المضطربة التي مّرت بها المناطق المجاورة لها، كما هو الحال في حرب العراق، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأحداث الربيع العربي، حيث أن هذه الأحداث وغيرها قد أدت لخروج الأموال والاستثمارات من مصر، وليبيا، وسوريا، متجهة إلى دبي، وهو ما جعلها الوجهة المفضلة ليس للمستثمرين فقط، بل أيضا للباحثين عن فرص عمل، ومعيشة جيدة بعيدا عن مناطق الاضطراب.

يتطرق الكاتب في فقرة "العلاقات مع العالم" ص(171)، إلى أنّ الكثير من الدول تواجه ضغوطا مختلفة لجعل موقعها جذابا للكثير من المستثمرين خلال السنوات القادمة، ذلك أنّ العالم يعيش في مرحلة هامة وحاسمة من التواصل الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، وهذا يتضح من خلال التجارة المتبادلة على سبيل المثال، حيث تسارع نمو الاقتصاد العالمي بين الدول بين عامي 1990م و2008م، كما أن نسبة التجارة قد ازدادت من 2 إلى 2.5، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية لتنغلق بعض الدول على نفسها، حيث نجد بأن التجارة العالمية قد واصلت نموها بشكل منخفض، وهذا يعود للكثير من الأسباب، من أهمها: أن الركود في التجارة العالمية ليس تراجعا مؤقتا، بل يعود إلى أن الصين لم تعد تستورد الكثير من السلع، والقطع الصناعية، والأدوات.

خاتمة:

في ختام قراءة هذا العمل، نستطيع القول بأن الوضع الاقتصادي العالمي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، فالدول تزداد ترابطا فيما بينها، عن طريق العولمة الاقتصادية، والتجارة الحرة بين الدول، كما أنّ آثار الأزمة الاقتصادية التي حدثت في عام 2008م، مازالت تلقي بآثارها على المجتمع العالمي، بكل ما يتضمنه من تضاعف لدخل الأثرياء، وازدياد اللامساواة، والتهرب الضريبي وغيرها من العوامل المختلفة، وهو ما يتطلب التعاون الدولي لتوزيع الثروات والدخل بشكل عادل.

-----------------------------------------------------------------------------------

الكتاب: صعود الدول وسقوطها: عشرة قوانين للتغيير في عالم ما بعد الأزمة العالمية

المؤلف: روشير شارما

الناشر : Allen Lane An imprint of Penguin Books, 2016

عدد الصفحات : 464

لغة الكتاب: الإنجليزية

أخبار ذات صلة