تدخلات محفوفة بالمخاطر: مجلس الأمن وسياسة الفوضى

Picture1.png

 

لهارديب سينغ بوري

 

فينان نبيل

كاتبة وباحثة مصرية

 

 تبلورت فكرة هذا الكتاب مع بداية الدورة السابعة لعضوية الهند الدائمة في الأمم المتحدة عام 2011-2012. ويخلُص مؤلفه إلى أن استخدام القوة- بتفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو بدونه- أسفر عن الكثير من التداعيات غير المقصودة، والتي كانت- في معظم الحالات- كارثية. وقد يكون الاستثناء الذي يتم الاستشهاد به على إنجاز المنظمة الدولية هو قرار التدخل في كوسوفا عام 1999، حينما شن حلف الناتو ضربات جوية بدون إذن مجلس الأمن، ونجح في وقف التطهير العرقي بحق المواطنين الألبان.

 

جاء صدور هذا الكتاب في لحظة محورية بالنسبة للأمم المتحدة، والنظام العالمي ككل؛ ففي ظل عالم يموج بالقلاقل والنزاعات، ويحفه قدر كبير من المخاطر وعدم الطمأنينة. يتناول الكتاب قرارات مجلس الأمن خلال اللحظات الحاسمة في العصر الحديث، وكيف أثر سلوك الدول الأعضاء على أمن العالم واستقراره؟ وكيف كان التدخل في أغلب الأحيان يسبق الدبلوماسية الوقائية والوساطات؟ مما يدفعنا إلى التفكير في الهدف الأول الذي من أجله تأسست هذه المنظمة الدولية في سان فرانسيسكو(1945) والتي كانت أحد أهدافها الرئيسة نزع السلاح، والحفاظ على حقوق الإنسان، ويدفعنا للتساؤل حول وكيفية إصلاحها لتواكب التحديات التي نواجهها في الحاضر في ظل المتغيرات العالمية.

 

يكشف" هارديب سينغ بوري" النقاب من خلال عمله كدبلوماسي متميز وممثل دائم للأمم المتحدة في جينيف(2002 -2005) عن عمليات التدخل في صنع القرار فيما يخص التدخل العسكري في مجلس الأمن. يوضح الكتاب كيف تمّ اتخاذ القرار غريب الأطوار، باستخدام القوة في ليبيا، ويسلط الضوء على الجدال غير المدروس من جانب بعض أعضاء المجلس الدائمين.

"يوضح كاتب" تدخلات محفوفة بالمخاطر "كيف أنّ بعض الحالات التي استُخدِمَت فيها القوة مؤخرًا- ليس فقط في ليبيا ولكن أيضًا في سوريا واليمن والقرم، فضلا عن مغامرة الهند في سريلانكا خلال ثمانينيات القرن الماضي- خلفت وراءها خرابا مدمرا، يكشف " تدخلات محفوفة بالمخاطر" رؤية تشريحية لثورات الربيع العربي، وتحليلا عميقا لصنع القرارات المسؤولة عن الوضع الخطير السائد، واستخدام القوة العسكرية وتسليح المتمردين، وما ترتب عن ذلك من التشرد والتهجير. كشف المؤلف اللثام عن الخلفيات المريبة خلف قوات حفظ السلام الدولية، وحذر من التسليح غير الرشيد للمتمردين وتفويضهم لاستخدام القوة منذ غزو العراق 2003 مما أدى إلى ترسيخ وجود جماعات وحشية مثل داعش.

يستند هذا الكتاب على رؤية المؤلف "كشاهد عيان"، حيث يقدم لنا تفاصيل تبادل الأدوار بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا – فرنسا- الصين-أمريكا- المملكة المتحدة) ولكل منها حق النقض (الفيتو) على قضايا التدخل بالقوة في منطقة الشرق الأوسط.

يؤكد المؤلف أيضا على أن الهند حذرت من مغبة تغيير النظام في ليبيا وسوريا، ويرى أن الهند لو أصبحت عضوا دائما في مجلس الأمن لأحدثت فارقا كبيرا جنبا إلى جنب مع غيرها من الدول الطامحة في عضوية دائمة بمجلس الأمن كالبرازيل وجنوب إفريقيا.

ويقدم الكاتب أمثلة لاتخاذ قرارات باستخدام القوة، منه القرار الذي اتخذه جميع أعضاء مجلس الأمن في الشأن الليبي، فقد تم تبرير القرار باعتبار القذافي ديكتاتورا يحكم بلاده منذ عام 1969 بشكل دموي، وأنه يعمل على تهديد معارضيه بالتصفية الجسدية، وهكذا أصبحت هذه الدول - مع وجود قدر من الصعوبات- قادرة على الاتفاق (سواء بالموافقة الصريحة أو الامتناع عن التصويت) بشأن التدابير الجوية لحماية السكان المدنيين في ليبيا، والتقطت دول حلف الأطلسي هذا التفويض (قرار مجلس الأمن 1973) وجعلت بني غازي مؤمنة بشكل فعال، ثم تطور الوضع، وتم إعلان الهدف الحقيقي وهو إجبار "القذافي" على التخلي عن السلطة من خلال الهجمات الجوية المتواصلة على العاصمة طرابلس وغيرها من معاقل النظام، ودفع هذا الوضع عددا من مستشاري القذافي ومساعديه إلى الفرار من العاصمة إلى أن تم قتل القذافي نفسه يوم 20 أكتوبر من قبل الليبيين بعد محاولته الهروب إلى سرت في عملية هزت الصين وروسيا، وأفاقت واشنطن وباريس ولندن وفي غضون أيام على انتزاع تفويض مجلس الأمن لاستخدام القوة في ليبيا، ولكن حلف شمال الأطلسي تجاوز في تنفيذ التفويض المحدود الذي منحه له مجلس الأمن لحماية المدنيين الليبيين مما أدى إلى عواقب وخيمة.

يسوق الكاتب مثالا آخر فيما يتعلق بالشأن السوري، استطاعت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حشد مواقف مشتركة بشأن التدخل في سوريا بالقوة، والتي قد كانت تفجرت فيها المعارضة ضد النظام الديكتاتوري الذي يحكمها، وأيضا أدى هذا التدخل إلى تدهور الوضع في سوريا وتشريد وقتل مواطنيها. بوري على قناعة بأن تدخل قوات دولية إلى أزمات سياسية داخلية يؤدي إلى نتائج مريعة. يتصاعد الحرج من عجز الأمم المتحدة عن بذل المزيد من الجهود لمساعدة السوريين بتوفير الإغاثة الإنسانية بتمويل كاف للبعض داخل البلاد.

 وعلى الرغم من الخلافات بين الدول الأعضاء إلا أنهم حريصون على إخفائها من أجل تحقيق التوافق نحو قضايا عديدة، فلقد اتحدوا على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ويبدو أنهم اتجهوا نحو تسوية مؤقتة بشأن أزمة أوكرانيا، والاتفاق حول التحديات الأمنية المتعددة في إفريقيا عن طريق الدخول في حوار مع الاتحاد الإفريقي، إلا أنّهم تشاركوا في الحفاظ على السيادة المشتركة خالصة لهم في مجلس الأمن وتركوا الكثير من الإحباط للهند والتي برزت بوصفها أكثر الدول المرشحة (من الناحية الاقتصادية والسياسية) للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، فضلا عن علاقتها الوثيقة والنشطة بالولايات المتحدة في مواجهة الصين.

تحدث الكاتب عن دور الأمم المتحدة "الصامت" في الحرب باليمن، وكيف ساعدت القوى الغربية، بشكل جيّد، المملكة العربية السعودية في التستر على مسارات الحرب الكارثية؟ مشيرًا إلى أنّ اليمن في دائرة الاستهداف السعودي، فمنذ بداية هجوم قوات التحالف التي تقودها السعودية على اليمن، قتل أكثر من 6000 شخص، نصفهم من المدنيين، كما دمرت المنازل والمستشفيات والطرق والمدارس ومخيمات اللاجئين. ونتيجة لهذه الحملة العسكرية، تسببت في مجاعة كبيرة للسكان اليمنيين، وقد نزح نحو 2.5 مليون شخص.

ويرى الدبلوماسي الهندي هارديب، أنّه وعلى الرغم من أنّ التدخل العسكري لقوات التحالف التي تقودها السعودية، لم تحقق نجاحاً حتى الآن، فقد انضم إليه الجهاديون السنة أيضاً، ما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وذكر أنّ بيتر موير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد زيارة للبلاد في أغسطس من العام الماضي، لاحظ بدقة كارثة إنسانية خطيرة: "واصفا الوضع في اليمن بعد خمسة أشهر من التدخل بالقوة، وكأنّها تبدو سوريا بعد خمس سنوات من الحرب".

يتساءل الدبلوماسي هارديب: هل سيكون الوضع أفضل في اليمن، وكذلك في دول أخرى في المنطقة، إذا لم تتدخل القوى الغربية في السياسة الداخلية لهذه الدول؟ ويقول هارديب، إنّه في محاولة لإعادة حكومة هادي، و"منع نمو النفوذ الإيراني في المنطقة عن طريق إضعاف "الحوثيين"، تم إطلاق عملية "عاصفة الحزم"، الطويلة والمكلفة والمتسرعة -على حد قوله- والتي لا تزال حتى يومنا هذا. وقال الدبلوماسي الهندي هارديب، إنّ الدعم اللوجستي والمخابراتي والدعم العسكري الأمريكي والبريطاني للسعوديين، جنباً إلى جنب مع دول الخليج، حوّل الحرب الأهلية اليمنية إلى صراع دولي ممتد، مضيفاً أنه على الرغم من أن مصلحة الولايات المتحدة "الأولية" في اليمن كانت محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لكن المفارقة العجيبة أنّ الولايات المتحدة ألزمت نفسها بمحاربة الحوثيين على الرغم من أنّها مجموعة تعتبر قادرة على محاربة القاعدة وداعش .وأشار إلى أنّ التدخل غير المدروس الذي تجاهل النظام القضائي في اليمن فضلاً عن المجتمع الدولي لم يواجه أي إدانة صريحة من قبل مجلس الأمن للأمم المتحدة - وهي الهيئة الدولية المسؤولة عن ضمان السلام والأمن العالميين .نبه الكاتب إلى أن جمال بن عمر، المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، كان على مشارف حل سلمي تفاوضي بين الأطراف المتحاربة في مارس 2015، لكن الإعاقة المنتظمة والتدخل والإجبار من قوى خارجية التي مورست ضده، جعلته يستقيل بعد شهر من تدخل السعوديين عسكرياً في اليمن. مؤكداً أنّ الأمم المتحدة لعبت دور "المتفرج الصامت" في حين سلح السعوديون مختلف الجماعات المناهضة للحوثيين وحلفاءهم، وبالتالي تكرار الأخطاء التي ارتكبها الغرب في ليبيا وسوريا. ولكن هذه المرة، قوة إقليمية، وليس قوة خارجية غربية.

يحلل الكاتب توازنات القوى داخل المجلس، فيرى أنّ واشنطن لا تزال الفاعل رغم تراجع بعض وزنها الاستراتيجي، ومن المتوقع أن تواصل الصين صعودها الحاد، فيما تعاني روسيا من التوترات نتيجة سياستها الحازمة وضعف قاعدتها الاقتصادية، كما أنّ القوى الأوروبية تتجه نحو اضطرابات سياسية داخلية ناجمة عن المخاوف من تدفق اللاجئين مما يضاعف من حالة الركود الاقتصادي، وقد تحتاج الهند لتقديم تنازلات من أجل تحسين قدرتها على الوصول إلى مجلس الأمن، على الأرجح محاولة إيجاد صيغة تضمن لها الوجود لفترات أطول كعضو حالي مع الوضع في الاعتبار هدف الحصول على مقعد دائم بالمجلس.

كتب مقدمة كتاب "تدخلات محفوفة بالمخاطر-مجلس الأمن وسياسة الفوضى)، دبلوماسي مخضرم آخر هو: عمرو موسى؛ مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عام 1990، ووزير خارجيتها عام 1991، وأمين عام الجامعة العربية عام 2001، تحت عنوان "إصلاح الأمم المتحدة لم يعد خيارا" .وإذ يؤكد "موسى" أن إصلاح الأمم المتحدة أصبح حتميّة لا فكاك منها، وأن هذا التغيير شرط أساسي لاستدامة النظام العالمي، ويشير أيضًا إلى التوصيات المتعلقة بتضييق الفجوة بين ما تتوقع المنظمة إنجازه وما تنجزه بالفعل على الأرض، فإنه في الوقت ذاته يؤكد على أن الإصلاح الحقيقي للأمم المتحدة هو في جوهره مسألة سياسية، تتطلب رؤية وجرأة، ناصحًا بأن يكون إصلاح مجلس الأمن الدولي على رأس أولويات هذه الأجندة الإصلاحية.

إن إصلاح المنظمة الدولية أمر ملح لاستقرار العالم، وحفظ توازن القوى، فحينما يخطئ طبيب في تشخيص المرض، ووصف الدواء؛ يكون هناك في الغالب علاج لهذا الخطأ، أو على الأقل طالما بقي المريض على قيد الحياة. وحتى لو فاضت روح المريض إلى بارئها؛ تظل الفرصة سانحة لمقاضاة الطبيب المخطئ بيدَ أن قضايا السلم والأمن الدولية تشكل معضلة من طراز مختلف تماما؛ ذلك أن تداعيات هذا النوع من الأخطاء ذات طبيعة أكثر خطورة واستمرارية، والمسؤولون عن هذه القرارات غالبا ما يتسترون وراء شعار "المسئولية الجماعية" وينتهي الأمر بخراب مدمر وشعوب مشردة، ودول أكثر فقرا واحتياجا.

 

----------------------

 عنوان الكتاب: تدخلات محفوفة بالمخاطر: مجلس الأمن وسياسة الفوضى

المؤلف: هارديب سينغ بوري

الناشر: هاربر كولنز المحدودة للنشر- الهند: 2016

اللغة: الإنجليزية
Perilous Interventions: The Security Council and the Politics of Chaos- harper Collins- India-September 13, 2016

 

 

أخبار ذات صلة