غرباء حينما التقينا: قرن من التواجد الأمريكي في الكويت

Picture1.png

لويلسون هاول

منى أحمد أبو زيد

مؤلف الكتاب هو W. Nathaniel Howell كان سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية إبان حرب الخليج وشغل هذا المنصب منذ سنة 1987 حتى 1991م. كما عمل في الشؤون الخارجية الأمريكية لمدة ثلاثين عاما، وتقلد مناصب متعددة في القاهرة وبيروت وأبو ظبي والجزائر، وقدم استشارات أمنية في منطقة الخليج العربي. وبعدما أنهى حياته الدبلوماسية قام بالتدريس لمدة ثلاثة وعشرين عاما في جامعة فرجينيا. وأنهى عمله كأستاذ في يناير 2015م.

ويدور هذا الكتاب حول التجربة الاجتماعية والسياسية التي مر بها المؤلف منذ وصوله إلى الكويت بين المجتمع الكويتي والمجتمع الأمريكي. ويرصد ملامح هذا المجتمع الذي عاش تحت الحماية البريطانية حتى 1961م، ثم بعد الاستقلال بدأت الشخصية الكويتية فى التطور والنمو إلى أن حدثت الأزمة العراقية. وقامت بتقديم هذا الكتاب السيدة/ حصة صباح السالم الصباح، المدير العام لدار الآثار الإسلامية بالكويت، والتي أشادت بالسفير الأمريكي وبتاريخ العلاقات الإنسانية التي نشأت بين الكويتيين والمجتمع الأمريكي في الكويت خلال الغزو العراقي.

يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول. يشير المؤلف في المقدمة إلى أنه منذ وصوله إلى الكويت سنة 1987 بدأ في دراسة الشخصية الكويتية قبل وبعد الأزمة، وحرص أثناء تلك الأزمة على حماية المواطن الأمريكي الموجود بالكويت، ولم يقلل هذا من تقديره للمواطن الكويتي، وحرصه على حمايته أيضا.

يتناول المؤلف فى الفصل الأول تاريخ الوجود الأمريكي في الكويت. ويذكر أن أول أمريكى وفد إلى الكويت في عام 1880م هو رحالة أتى من بومباي إلى الخليج، وقد وصف هذا الرحالة الكويتيين بأنّهم أكثر شعوب الخليج تفاعلا مع الحضارات الأخرى حيث تميّزوا بالضيافة وحسن المعاملة.

وفي منتصف القرن الثامن عشر تحولت الكويت من قرية صغيرة للصيد إلى ميناء تجاري، إذ تميزت منطقة الخليج بأهمية كبرى لبريطانيا، لوقوعها على طريق الهند، كما تميزت بأهميتها الاستراتجية والتجارية، خاصة بعد تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية للتجارة. وكان يعيش بهذه المنطقة قبيلة (بنى خالد)، وأول من حكم الكويت هو الشيخ الصباح، ومن بعده ابنه عبد الله، واستمرت هذه الأسرة في الحكم، ومن حسن حظ الكويتيين أن الفرس (الإيرانيين) كانوا في حرب سجال مع العثمانيين مما حول التجارة من البصرة إلى الكويت.

وبعد وفاة الملك عبد الله وتولي ابنه جابر استمرت العلاقة مع شركة الهند الشرقية البريطانية، واتبع هذا الشيخ أسلوب المهادنة مع جيرانه الأقوياء، من عثمانيين ووهابيين سعوديين، ومع محمد علي باشا في مصر، واتبع هذه السياسة أيضا ابنه عبد الله الثاني الذي شهدت البلاد في عصره ازدهاراً ملموسا. وخلف محمد الأول أباه عبد الله الثاني، إلا أنّ مبارك أخا عبد الله قام بانقلاب ضد ابن أخيه، وأعلن نفسه حاكما، وسمى نفسه باسم (مبارك الكبير). وحاول ابن الأخ نزع السلطة، واستعان بالعثمانيين إلا أنّ مبارك استعان بالسلطة الإنجليزية التي ساعدته على توطيد مركزه، وتغلغلت السيطرة الإنجليزية فى الكويت منذ ذلك الحين حتى الاستقلال.

وفي مطلع القرن العشرين أخذت الوفود الأمريكية تصل إلى الكويت في جماعات أسموها (المهمة العربية) أو (الحملة الأمريكية). وبدأت هذه الوفود في التبشير بالمسيحية، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وأخذ المجتمع الكويتي ينظر إلى هذا الوافد الأجنبي على أنه ملحد، ويرى المؤلف أن هذه النظرة كانت نظرة العامة، وهي نظرة عدائية اختلفت عن نظرة السلطة السياسية.

ومارست البعثة الأمريكية أعمالا طبية منذ عام 1914م، فقامت بإنشاء أول مستشفى أمريكى في الكويت، وكانت ذات أثر كبير فى الحياة العامة، إذ ساهمت فى إدخال أول مولد كهربائي في تلك المنطقة.

وفى عام 1919عين الملك عبد العزيز بن سعود ملكاً، وقامت مباحثات بين الشيخ جابر والملك عبد العزيز وفي محاولة لترسيم الحدود بين السعودية والكويت والعراق، جمع السير (كوكس) الدول الثلاث فى مؤتمر، وقام برسم الحدود بينها وأعطى العراق السيطرة على الفرات، ولم يعجب ذلك الملك عبد العزيز، فأعطاه السير كوكس الإشراف على الكويت كتعويض له.

ودفعت بذلك الكويت ثمنا غاليا، إلا أن هذا الاتفاق أنزل السلام على المنطقة وعلى البعثة والمجتمع الأمريكي بالكويت. ولم يرض هذا التقسيم الشيخ أحمد الجابر، كما أغضب هذا التقسيم العراق أيضا، التي ادعت أن لها حقوقا تاريخية في الكويت. ومنذ ذلك الحين والعراق ترغب في إعادة الكويت تحت سيطرتها، باعتبارها أهم ميناء لها في منطقة الخليج، وقد ازدادت أهمية الكويت في نظر العراقيين بعد اكتشاف البترول، وازدادت الأطماع في المنطقة منذ عهد عبد الكريم قاسم حتى صدام حسين، وأخذت ملامح هذه الأطماع تظهر بين الحين والآخر.

وجاءت الحرب العالمية الثانية، ولم تكن الكويت طرفا فيها، إلا أنها تأثرت بها تأثرا كبيرا، إذ اتخذ الطيران والبحرية الأمريكية من الكويت محطة لها منذ عام 1941م، كما ساعد ذلك التواجد على دخول أول (تليفون) إلى المنطقة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صار للبترول أهمية بالغة لكل من إنجلترا وأمريكا، وأصبح التواجد في السعودية ودول الخليج والكويت ضرورة قصوى من أجل السيطرة على منابع النفط. وبدأ عهد جديد للكويت منذ ذلك الحين، فازدهرت كميناء لتصدير البترول، وتحولت من مجرد ميناء إلى مدينة مزدهرة، وحدث تطور عظيم في البلاد، ووفدت إليها العمالة من العراق وإيران ومصر وسوريا ولبنان، وازدهرت المنطقة اقتصاديا وحضاريا.

ويرصد المؤلف في الفصل الثاني بداية الصراع الأمريكي الإنجليزي للسيطرة على الكويت، إذ حاولت انجلترا إرسال خبراء للسيطرة على مقاليد الحياة، إلا أن أمريكا كانت لها بالمرصاد، وأخذت في بسط سيطرتها، وأرسلت أول قنصل أمريكي في سنة 1951م وهو مستر (دونكان)، الذي أرسى قواعد صداقة مع الشيخ (فهد الصباح) أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، وساعد الكويت على التطور بتقديم خدمات في كافة المجالات وخاصة فى مجال النفط.

وأخذت حركة تثقيف وتعليم الشباب الكويتي في الازدهار، وراح يتلقى التعليم في العديد من جامعات العالم، ويعود بفكر جديد على المجتمع، وانعكس هذا على المجتمع الكويتي وعلى الجالية الأمريكية الموجودة هناك.

وعندما بدأ الصراع العربي الإسرائيلي في الظهور، أحاطت الأطماع بالكويت من الجيران الأقوياء، ومارست ضغوطا على الشيخ عبد الله سالم لدرجة أنه فكر في التنازل عن العرش. وحاولت بريطانيا التأثير على الشيخ عبد الله في قبول الهيمنة البريطانية. وأجرى ونستون تشرشل مباحثات مع الشيخ عبد الله أثناء وجوده في حفل تنصيب الملكة إليزابيث الثانية، إلا أن هذه الجهود ذهبت هباءً، واعتبر هذا اللقاء بداية التنفيذ لاتفاقية الاستقلال عن بريطانيا.

وبعد الاستقلال أخذت الكويت فى النمو، وقدم جمال عبد الناصر بعض المساعدات المتمثلة فى إرسال المعلمين المصريين للقيام بنهضة تعليمية، وعندما وقع الاعتداء على مصر سنة 1956م كان على الشيخ عبد الله أن يأخذ بالمخاطرة، ويعلن العصيان على إنجلترا. وبعد حرب السويس صار جمال عبد الناصر الرجل العربى القوي، زعيم المنطقة وأعلن الاتحاد بين مصر وسوريا، وأعلنت الكويت والعراق تأييدها لهذا الاندماج، ولكن لم تنس العراق حقها في الكويت، وأنها كانت بلدًا واحدًا حتى الحرب العالمية الأولى إلى أن قسمتها إنجلترا، وسعت إلى فرض سيطرتها إلا أن الكويت لم تعد كما كانت من قبل، فقد حدث بها تغيير جذري، فقد جعل الشيخ عبد الله من الكويت مجتمعا جديدا، بعيدا عن السيطرة الإنجليزية. وفي 19 يونيو سنة 1961م أعلن استقلال الكويت، وتمّ توقيع اتفاقية صداقة بين البلدين.

ويشير المؤلف إلى أنّه في تلك الفترة كانت البعثة الأمريكية موجودة للمساعدة في تأسيس الكويت الجديد على أسس ديمقراطية، وصرح الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم بأن المعاهدة الإنجليزية الكويتية التي تمت سنة 1899 غير قانونية، وأنه لا حدود بين العراق والكويت، وأخذ يخطط لمهاجمة الكويت، فاستعان حاكم الكويت بإنجلترا والسعودية وبعض الدول العربية لإفساد المخطط العراقى، وأفسدوا على قاسم ما فعله صدام بعد ذلك بثلاثين عاما.

وحاولت البعثة الأمريكية تقديم يد العون للكويت في مجالات التسليح والنفط والتعليم، وتم تأسيس ثلاث مدارس تحت الرعاية الأمريكية للتعليم المتوسط والعالي، وأخذ مستشفى البعثة الأمريكية في افتتاح عيادات ومستشفيات جديدة. وعندما بدأت الحرب بين العرب وإسرائيل سنة 1967م، جاء الأسطول الأمريكي لحماية دول الخليج، ثم تكرر هذا مرة أخرى سنة 1973م، ووافقت أمريكا على تزويد سلاح الطيران الكويتي بطائرات مقاتلة، وبعدها ارتفعت أسعار البترول، مما عاد بالأموال الكثيرة على الكويت، وساهم في رخائها.

وفي الفصل الثالث، يعرض المؤلف صورا من علاقة الكويت مع جارتها الشمالية العراق. فقد كانت العراق تضع عينها دائما على الكويت، وترغب في السيطرة عليها، وضمها إلى حدودها، وتقدمت العراق بشكوى إلى الأمم المتحدة لإثبات حقها المسلوب فى الكويت اعتمادا على وثائق إنجليزية قديمة.

وعقدت اتفاقية مالية بين الكويت والعراق، نشرت في جريدة الأهرام المصرية تتضمن التزام الكويت بدفع قرض كبير للعراق بدون فوائد يسدد على فترات طويلة، وانتهت بذلك أزمة الحدود.

وفي سنة 1977م تولى الحكم الشيخ جابر الأحمد، في الوقت الذي أصبح فيه صدام رئيسا للحكومة العراقية، وصارت المنطقة تسبح على بحر من المشاكل بين العراق من ناحية وإيران من ناحية أخرى. ووقعت موجة من العنف والتفجيرات والإرهاب في منطقة الخليج عامة والكويت خاصة، وعاصر ذلك النزاع العراقي الإيراني.

وتم تأسيس مجلس التعاون الخليجي الذي ضم البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات المتحدة، وعقد أول اجتماعاته فى أبو ظبي سنة 1981م وانتهت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988م، وعادت العراق إلى النغمة القديمة بأحقيتها في الكويت، وتم الغزو. وحاول كل جيران العراق أن يثنوا صدام عن نيته، ورغم تعهدات صدام للرئيس المصري حسني مبارك بالانسحاب إلا أنه لم يفعل، وأصبحت الكويت محاصرة لكنها ليست مهزومة حتى نهاية الغزو العراقي.

ويقدم المؤلف فى الفصل الرابع طرق معيشة البعثة الأمريكية والشعب الكويتي أثناء فترة الحصار، فيعرض ذكرياته عن تلك الفترة إذ قامت العراق بقطع الطاقة والإمدادات عن السفارة الأمريكية، وطال أمد الحصار. إلا أن أعضاء السفارة استطاعوا إعادة الحياة إليها مرة أخرى فكان منهم أصحاب خبرة في الكهرباء والنجارة، ولم يحتاجوا إلى المعونة العراقية لإصلاح الأوضاع المعيشية بالسفارة.

ولم يهتم صدام حسين بنداءات الأمم المتحدة المتكررة لإنهاء غزو العراق مما استدعى استخدام القوة العسكرية لإنهاء الاحتلال، وأعطيت مهلة للانسحاب العراقي، وبعدها بدأت الضربات الجوية، وقد مات في تلك الحرب حوالي ثلاثمائة كويتي، وقتل وشوه الآلاف خلال سبعة شهور أثناء فترة الحصار، كما وجدت مقابر جماعية للكويتيين في العراق، وكان هذا هو الميراث المر الذي تخلف عن الغزو العراقي.

لقد مس هذا العدوان الكويت بأكملها، بحيث لا توجد عائلة كويتية لم تفقد شخصا عزيزا لها. وعلى الرغم من أن الكويت قد سبق وواجهت مصاعب كثيرة إلا أنها لم تواجه مثل هذه الكارثة من قبل، واستطاعت فى غضون عدة سنوات - منذ تحريرها في فبراير سنة 1991م- علاج الأضرار الناجمة عن الغزو، وكان كبرياء الكويتيين نابعا من تمكنهم من التغلب على جارهم، وعدم قبولهم للاحتلال، حتى عندما كان الأمل معدوما.

لقد احتفلت الكويت في سنة 2011م بعامها العشرين للتحرير، وحتى هذا الوقت ما زال السكان فى الكويت يعانون من الآثار النفسية للعدوان، وعندما تم غزو العراق سنة 2003م سمحت الكويت للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام أراضيها ومرافقها، ولكن الهجوم على العراق لم يكن بضراوة الهجوم على الكويت، حيث تم إنذار العراق عدة مرات قبل الغزو.

وعاد التواجد الأمريكي مرة أخرى بصورة أكبر إلى الكويت، بعد أن تطورت تطورا كبيرا، وسمح للمرأة الأمريكية بالتواجد في مناصب متعددة، وشغلت وظائف مختلفة، وعملت بالاستثمار، ونمت التجارة الأمريكية الكويتية نموًا كبيرا، وتحول بوش إلى منقذ حقيقي بعد تحرير الكويت، وكان طبيعياً أن تتعلق قلوب الكويتيين بكل ما هو أمريكي.

ويختم المؤلف كتابه بوضع فهرس خاص بالعائلة المالكة الكويتية، وفهرس عن السفراء الأمريكان فى تلك الفترة، ويضع أيضا سجلا للبحرية الأمريكية، وسجلا للبعثة الأمريكية حتى الآن.
-----------------------------

اسم الكتاب: Strangers When We Met. A Century of American Community in Kuwait.

اسم المؤلف: W. NATHANIEL HOWELL

دار النشر: New Academia Publishing 2016.

عدد الصفحات: 728

اللغة: الإنجليزية

 

أخبار ذات صلة