طبيعة القبيلة وخصائصها: العراق والسودان نموذجًا

كاملة العبري

رغم ظهور الدولة العربية الحديثة في الوطن العربي وارتباط ظهورها بالنفط – في الخليج العربي خصوصا- لم تختف القبلية في المجتمع بل على العكس من ذلك انخرطت القبائل في الأنشطة الاقتصادية والسياسية وفرضت نفسها في العديد من المجالات، أي أنّها قد كيفت نفسها لتتفاعل مع الدولة الحديثة.

يتحدث العروسي العامري في مقاله (القبيلة: حجر الزاوية في فهم واقع المجتمع العربي راهنا ومستقبله القريب) عن واقع القبيلة في البلاد العربية مركزًا على العراق والسودان (دارفور) ودور القبيلة هناك في المجال السياسي والتطورات لتي لحقت بالقبيلة جراء الحداثة.

القبيلة العراقية بين الممانعة والموالاة:

لم يغفل الأمريكيون موضوع القبائل عند احتلالهم للعراق، لذا ذهب العقيد كينغ إلى العراق بهدف عقد صلات بن القبائل العراقية والقوات الأمريكية هدفها أولا حماية أنابيب النفط، كما نصح باحثون اجتماعيون مثل إسحاق نقاش وأميتزيا كرم بوش بعدم إهمال موضوع القبائل، فالقبائل العراقية قاومت الاستعمار البريطاني رغم عدد الشهداء الكبير.

تعامل حزب البعث مع القبيلة:

يميز العامري بين الصراع المقنع أو المستتر وهو الأكثر توترًا وبين المواجهة المكشوفة وهو الأقل توترا. في ما يخص الصراع المقنع، فقد لجأ صدام حسين إلى إعطاء صفة شيخ على كل من أراد أن يستخدمهم ضد الشيوخ الذين يعارضونه لجعل "المشيخة" وعاء فارغا خاليا من أي معنى، والنتيجة في ذلك أن وصل عدد الشيوخ إلى 7380 !! والوجه الآخر للصراع هو المواجهة وذلك عندما طلب صدام حسين من العراقيين عدم تقديم صفتهم القبلية في الهوية، وبدأ بنفسه عندما حذف نسبه "التكريتي" مكتفيا بصدام حسين. وقد استمر هذا الوضع لعقدين متتاليين إلى أن جاء عام 1990 وحدثت المواجهة بين العراق وخصومه عند ذلك عمد صدام حسين إلى إعادة القبلية في المجتمع العراقي بغرض التكاتف بين الشعب والبعث.

يشير العامري إلى التقارب في المشهد الجزائري (المغرب العربي) والعراق (المشرق العربي) من حيث طبيعة القوى الفاعلة، حيث هناك: الاستعمار، والدولة الوطنية والقبيلة، فكما في العراق عمدت القبائل الجزائرية إلى مواجهة الاستعمار الفرنسي والالتفاف تحت راية واحدة وهي الوطن.

القبائل الشيعية في العراق:

يوضح العامري كيف أنّ التنظيم الديني للشيعة مقارنة بالسنة ساعد الشيعة في سرعة الحركة عند وقوع الاحتلال، فعمد آية الله السيستاني إلى التعامل مع الاحتلال لإضعاف صدام حسين وضمان وصول الشيعة إلى السلطة، لكن بدأ الشيعة بعد ذلك يتحفظون على سلوك السيستاني الموالي للاحتلال، فتبدل الموقف من موالاة إلى ممانعة والتفوا حول جيش مقتدى الصدر، وحدث صراع بين جيش مقتدى الصدر وجيش المالكي في النجف والذي يدل على الشرخ الذي حدث بين الشيعة.

القبائل السنية في العراق:

كما سبق وأن تحدث الكاتب عن دور القبائل في مواجهة الاستعمار، فإنه هنا يشير إلى عنصر الموالاة فقط "مع عدم تميز طائفة عن أخرى في هذا".

عند بداية الاحتلال اقترحت قبيلة شمر على الاحتلال الأمريكي قائدها غازي الواعر رئيسًا للعراق، كما ساهمت القبائل في تحرير الرهائن من قبضة المقاومين فقد صرح الشيخ هشام ناجم الحسن الدليمي أنّ قبيلته ساهمت في تحرير الرهائن.

"علاوة على هذه الموالاة التي تمارس على الساحة الاجتماعية، ثمة موالاة أخرى تمارس على الساحة السياسية وفي بعض الأحيان عبر الوسائل الأكثر ضراوة ألا وهي الوسائل المسلحة". وافقت العديد من القبائل السنية على تكوين مجلس الإنقاذ في الأنبار والذي كان من أهدافه القضاء على تنظيم القاعدة، بينما هدفه الأساسي غير المعلن تخفيف حدة هجمات القبائل السنية على الجيش الأمريكي. وتكون بعد ذلك (صحوة الأنبار) كامتداد لمجلس الإنقاذ إلا أنه لقي معارضة كبيرة من طرف القبائل السنية.

وهناك نقطة أود توضيحها فيما يتعلق بالقبليّة في العراق، بعد انهيار الدولة العراقية وسقوط صدام كان خيار الشعب العراقي هو الالتفاف حول "القبيلة" لانعدام الشعور بالأمن بعد أن دمّر دور الدولة المركزية فلا عجب من انخراط القبائل في الحياة السياسية أثناء الاحتلال الأمريكي.

 

القبيلة السودانية والمطلبية الاقتصادية الاجتماعية:

تمّ تسطيح قضية دارفور من قبل الإعلام، وجعلها قضية اختلاف عرقي إثني، وإهمال باقي جوانب القضية، يتوزع إقليم دارفور بين قبائل إفريقية (المساليت، داجو، برتو، زغاوة، ميدوب..إلخ) وقبائل عربية الأصل (هبانية، بني حسن، الزريقات، الزيادية، بني هبلة، الحمر، خزام، خوابير، بني جرار، محاميد..)

ساهم الوضع الطبيعي المتمثل في شح الموارد، وقلة هطول الأمطار، وعدم توافر العلف الحيواني في تأزم الوضع في الإقليم. " لو توفر حد أدنى من التعليم والتمدرس في مختلف مستوياته بشكل معمم لأمكن التخفيف من وطأة المجتمع القاسي إلا أن نسبة التمدرس لا تتجاوز الثلث بالنسبة للبنات وأقل من النصف (44.5) بالنسبة للذكور".

ساهم تدهور القطاع التعليمي والثقافي في الإقليم في تدهور الوضع وعدم تحسين مستوى المعيشة أو البحث عن مصادر أخرى. وأود أن أشير إلى أن ضعف دور الدولة المركزية كان له دور في عدم تحسين الوضع في الإقليم من خلال عدم العمل على التنمية، وللتنمية دور في التخفيف من الصراع، فمن خلالها يشعر الشعب بأنّ للدولة جذورا في الإقليم ويشعر بتواجدها وهيمنتها، إلا أن الوضع في دارفور لم يكن هكذا.

وكان نتيجة الوضع الطبيعي والاجتماعي أن احتد الصراع بين القبائل الفلاحية "الإفريقية" والرعوية "العربية" فبعد أن كانت القبائل الرعوية تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثا عن المراعي للأغنام والأبل أصبحت مستقرة رغما عنها بسبب الجفاف وعدم توفر المراعي، مما أدى إلى صراع بينهم وبين القبائل الفلاحية التي رفضت أن تستقر القبائل الرعوية في أراضيها وتنافسها على الموارد.

وبعد أن كانت القبائل تحل المشاكل بينها بالرفق والنصح والمصالحة من خلال وسيط، انتقلت إلى استخدام العنف والأسلحة الحديثة، ومما ساهم في تأزيم الوضع في الإقليم هو إغراق المنطقة بالأسلحة فأصبحت للقبائل أسلحة تستخدمها في صراعها مع القبائل الأخرى. وهذه مسألة أخلاقية تتحمل نتيجتها الشركات المصنعة للأسلحة التي تستفيد من أي صراع في العالم لتجني الأموال منه.

ولم يقتصر الصراع داخل إقليم دارفور فقط، بل امتد إلى دول مجاورة مثل تشاد، فالقبيلة لها امتدادات خارج حدود الوطن، وأثناء الصراع لجأت بعض القبائل إلى أفراد قبيلتها في الدول المجاورة أي أنّ الصراع انتقل إلى بؤر أخرى مما ساهم في تدهور الوضع.  

مقال العامري هذا غني جدا بالتحاليل الوافية عن الوضع القبلي في العراق قبل الاحتلال الأمريكي وبعده، كما أنّه بيّن طبيعة الصراع في دارفور بأنه ليس إثنيًّا فقط، بل له أسباب طبيعية وتعليمية وثقافية. يحسب للعامري في مقاله هذا دراسته المستفيضة لوضع القبيلة في العراق والسودان وربطه بين مختلف العوامل التي شكلت هذا الوضع.

 

أخبار ذات صلة