أمل السعيدي
يفتتح الكاتب محمد بن سالم المعشني مقاله بعنوان "حوار التصحيح وتصحيح الحوار: رؤية لتصحيح النظرة إلى الذات والآخر" بالإشارة إلى التَّغير الذي طرأ على صورة المُسلمين والعرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لهجمات مُتفرقة في الحادي عشر من سبتمبر في عام ٢٠٠١، تبنتها جماعة تنظيم القاعدة التي تدعو للجهاد، وقامت بعدها الولايات المتحدة الأمريكية بحملتها الشهيرة ضد ما أسمته الإرهاب. ويكمل الكاتب عن اتجاه المسلمين بعد هذه الأحداث إلى تحسين صورتهم في الغرب محاولاً تقديم مجموعة من الحلول التي تُساعد على هذا التغيير، فهو يرى أنَّ البداية لابد وأن تنطلق من دراسة حالة الانحدار التي وصل لها المسلمون اليوم، مشيراً إلى أنّ إيماننا بأن تغيرنا يكفي لتحسين هذه الصورة إنما هو إيمان خادع لأنّ الغرب حتى يتقبلوا المسلمين من جديد ربما عليهم أن يصبحوا مثل العرب. مؤكداً على أهمية أن تتغير نظرتنا لذواتنا قبل أن تتغير نظرتنا للغرب.
ثم يطرح الكاتب في سلسلة من الإشارات مجموعة من الشروط التي أسماها "شروط التغيير "، وأولها تكوين صورة عن الذات وعن الغرب وعن غير الغرب. ثم يقترح الكاتب أن نأخذ من الغرب محاسنه وأن نتجنب مساوءه، ويدعو الكاتب إلى ما أسماه الذوبان في "الأنا الكلية" وتجاوز كل الخلافات والتناقضات بين المسلمين أنفسهم لكي يكونوا حضارة واحدة قادرة على أن تقدم نفسها للعالم كما هو الحال مع نماذج أخرى أشار إليها الكاتب مثل الصين وأوربا وغيرها.
لدي مجموعة من الملاحظات على ما أورده الكاتب في مقاله هذا، أولها الإشارة إلى موضوع "الرغبة في تحسين صورة المسلمين والعرب أمام العالم" . لقد ذكرني هذا التسليم الذي قضى الكاتب بأمره وهو اتجاه المسلمين لتحسين صورتهم وأهمية ذلك بما كتبه إدوارد سعيد حول إدخالنا في حرب صراع حضارات مفتعلة، فما يعد حادثة لا تمثل سوى من قام بها، يتم أدلجته بطريقة ما، بغية الوصول لتحقيق أهداف خفية وقد لا تكون خفية في حالتنا هذه، أمام رغبة هذا "الغرب" الذي يسميه الكاتب في الهيمنة على الموارد الاقتصادية لدى العرب والمسلمين "الإرهابيين" . إننا نعرف جميعا أنّ المسلمين يعيشون في ثقافات متباينة وأن المسلم في أندونيسيا يختلف عن المُسلم في السعودية أو المسلم في إيران فكيف يمكن بحال من الأحوال أن يكونوا على قدم المساواة أمام العالم؟ كيف يمكن أن يكون المسلم المتصوف مثل المسلم الوهابي؟ إنّ المسلمين ليسوا أمة واحدة ولا يمكن أن يكونوا كذلك، بل إنّ هذه الدعوة لتحسين صورة المسلمين هي التي فاقمت من حدة الرغبة في تمثيل المسلمين، حيث قدمت كل فرقة نفسها على أنها الصورة الأبلغ عن المُسلمين، فزادت حدة الصراعات والمواجهات.
نأتي بعد ذلك للاقتراحات والشروط التي قدَّمها الكاتب والتي من شأنها حسب قوله أن تحسن صورتنا، وهي الاشتغال على الذات والعمل على دراسات استغرابية على غرار الدراسات الاستشراقية أو الشرقية، وكأن المشكلة كلها تكمن في أنّ المسلمين والعرب لم يكتشفوا حتى اللحظة ذواتهم وكأن ما يفصلهم عن هذا الاكتشاف هو الإقدام عليه. لقد نسي الكاتب أو لعله تناسى تركة الغرب في المنطقة والتي لا زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم. لا أعرف كيف يمكن للكاتب أن يتجاوز الاستعمار وآثاره والذي لا يعد إرهاباً بطبيعة الحال حسب معايير الغرب الذي يسميه الكاتب. ولم يذكر الكاتب بأيّ شكل من الأشكال القضية الفلسطينية التي تعتبر خنجرًا في خاصرة العرب والمُسلمين والتي تتعرض إلى يومنا هذا إلى إرهاب لا مثيل له. الجميع يعرف تأثير القضية الفلسطينية واتفاقية سايكس بيكو على الكثير من أحداث المنطقة ليست البداية بالحرب الأهلية في لبنان ولا المساهمة في دفع حركة الصحوة الإسلامية في المنطقة وتراجع القوميين وجملة من الاتجاهات العلمانية لدى الشعوب العربية والإسلامية. لم يذكر الكاتب أيّ شيء عن الحكومات الاستبدادية التي تحكم العرب والمسلمين والتي تبقى تحت حماية هذا الغرب من أجل مصالح مشتركة فيما بينهم. لم يدعُ الكاتب لأيّ مواجهة حقيقية مع هذه الحكومات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنوير لهذه الشعوب الإرهابية. وبطبيعة الحال لم يشر الكاتب إلى العراق ولا الصراع بين روسيا وأمريكا في سوريا، ولا لإيران، ولا إلى الموارد الطبيعية التي تهم الغرب في المنطقة أكثر من الإنسان.
ربما على المسلمين أن يطالبوا بتحسين صورة الرجل الأبيض أو المسيحي في خطابهم على غرار ما يفعله هذا النوع من الخطاب الذي يطالبهم بتحسين صورتهم. لقد قرأت قبل فترة عن نهاية الدولة القومية، التي تقوم على الانصهار في ثقافة واحدة، لأن التباين بين الأفراد والاتجاه نحو الإنسان الكوني بفعل العولمة ساهم في إلغاء هذه الخصوصية، إذن لماذا يدعونا الكاتب لنسيان اختلافنا وتقديم الأنا كلية؟ وهل يمكن ذلك أمام فرق تعتقد أنها الفرق الناجية؟ هل يمكن أن يُقرر رجل متطرف دينياً لصالح مذهبه بعد كل هذه الصراعات في مجتمع منغلق يغذي تطرفه كل يوم عبر خطاب التعليم والإعلام هكذا من تلقاء نفسه أن يذوب في أنا جمعية؟ وما هي الآليات التي ستدفع فعلياً لتكوين هذه الأنا الكلية بعيداً عن التنظير؟ ألن تصطدم هذه الآليات مع الدولة ومصالحها في عالمنا العربي والإسلامي؟ وبالحديث عن النماذج التي يقول عنها الكاتب إنها ذابت في أنا كلية مثل أوروبا، هل هذا ما حصل فعلاً؟ لأنّ المعلوم أن هذه الدول وجدت روابط مشتركة يمكن أن تحقق مصالح مشتركة لكنها وجدت سقفاً قانونياً تستظل به، يكفل لكل فريق حقوقه وقدرته على التعبير . وما هو الاتجاه الذي ستسلكه دول الغرب التي ساهمت ومازالت تساهم في صنع ديكتاتوريات العرب والمسلمين أمام ما صنعته نحو تصحيح الحوار مع المسلمين؟.
