مريم العدوية
أُطر التحديث السياسي وعوائقه في المجتمعات العربية:
ناقش الكاتب طارق أحمد المنصوب، في مقال له نُشر في مجلة (التسامح) الجدل حول الإسلام، وإمكانية حضوره في إطار التحديث السياسي في المجتمعات العربية. مستهلاً مقاله بشرح مفهوم التحديث السياسي في الأجندة الغربية؛ فهو ذو أوجه متعددة تتفق غالباً في عدة شروط منها: فصل الدين عن الدولة والسياسة، وتذهب هذه الآراء إلى صعوبة قيام دولة ديمقراطية ما لم تكن رأسمالية وعلمانية، ويجد مؤيدو هذا الرأي في انهيار المنظومة الاشتراكية في القرن الماضي تأكيداً لأفكارهم. ولهذا يُرجع البعض سبب فشل الديمقراطية في المجتمعات العربية؛ حيث إنها تتبع نُظما سياسية منبثقة عن الإسلام. بينما يرى البعض بأن إشكالية الديمقراطية في الوطن العربي نابعة من التفكير التقليدي/ القبلي وأشكاله الاجتماعية. ومن هنا تأتي عدة تساؤلات حول إمكانية تحقق التحديث السياسي بإطاره الغربي في المجتمعات العربية التي تختلف كلياً عن الأولى من حيث البيئة. كما أثار (المنصوب) التساؤل حول إمكانية تطبيق مفهوم الحداثة وما يتبعه من محددات تبعاً لخصوصية كل بيئة. وللإجابة عن هذه التساؤلات عمد (المنصوب) إلى ثلاثية محمد عابد الجابري المعروفة بالعقيدة كمحدد ثقافي والقبيلة كمحدد اجتماعي والريع /الغنيمة كمحدد اقتصادي، ولقد قام (المنصوب) بدراسة هذه المحددات الثلاثة بطريقة تتجاوز ما ذهب إليه الجابري، حيثُ اتجه نحو الظرفية التاريخية الراهنة وذلك لخصوصية كل مرحلة تاريخية ودورها في كل بيئة على حدة. مُركزاً على الفعل/ السلوك السياسي في المجتمع العربي لبيان ما إذا كانت لا تزال المحددات الثلاثة تعمل بذات الكيفية في الوعي السياسي العربي/ اللاشعور السياسي حسب الجابري.
فالفعل السياسي هو ابن البيئة؛ فلا يمكن للسياسة التحرك بمعزل عن البيئة، بل غالباً ما تدفع ظروف البيئة الفعل السياسي نحو خطوته القادمة. ولا ريب أن الفعل السياسي في عالمنا العربي محكوم بتلك المحددات، ولقد باء الكثير من محاولاته بتجاوزها أو التقليل منها بالفشل الذريع لعدة أسباب منها: محلي/ ذاتي وموضوعي/ خارجي ناتج عن تدخل القوى الإقليمية والدولية. وإيماناً من الباحث بخصوصية كل بيئة عربية، فإنّه يؤكد على محدودية ومنهجية التعميم في دراسته التي اقتصرها على جانب واحد وهو العقيدة.
*الإسلام كمحدد قيمي/ ثقافي في التحديث السياسي في المجتمع العربي:
من اليسير على المرء ملاحظة الاختلاف الكبير بين المجتمعات حول مفهوم التنمية، فبينما تتفق المجتمعات غالباً على أن التنمية تشمل البنية الأساسية... إلخ، إلا أنّ المعايير الأخرى الجوهرية المتعلقة مثلا: بتصور الإنسان تشكل تضارب آراء بين المفكرين وبين المجتمعات.
وحسب أحد الباحثين فإنّ الدين من أهم قضايا النقاش في طاولة التحديث؛ وذلك لما خلفته التقنية من وسائل أدت إلى تمرد المرء على سلطة الدين في بعض جوانب الحياة. وتاريخياً تتوافق العلمانية مع التحديث فكلاهما يُعنى بالانتقال من الاعتقاد الديني إلى الاعتقاد الدنيوي. وليس من الممكن اعتبار الأمر مجرد تضاد بين الدين والتحديث؛ وذلك لأثر هذا الخلاف.
وهنا يبقى الإسلام مركز الحوار في التحديث السياسي بين مؤيد يرى أنه دافع للتحديث السياسي نحو الأمام ولا يمكن الاستغناء عنه، وبين معارض يرى أنّ الإسلام عائق أمام التحديث السياسي. ولقد تطرق الكاتب لبعض جوانب الموضوع في مقاله وأحال بعضها لدراسات أخرى نظراً لتشعب الموضوع.
1.كنه العلاقة بين الدين والتحديث السياسي
لطالما شكل الدين الإسلامي أساساً قوياً ومتيناً للحياة السياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية وما زال. ولكن هناك تباين في أبعاد العلاقة بين الدين والسياسة كما تثيرها الأدبيات التنموية في الاتجاهين التاليين:
1- الاتجاه الذي يرى أن الدين عائق.
2- الاتجاه الذي يجد في الدين محركاً.
*التحديث السياسي: بين الدين الإسلامي والعلمانية
لقد كان موضوع الدين الإسلامي وعلاقته بالتحديث من الوجبات الدسمة في ساحة المفكرين العرب بل وحتى المفكرين الغرب في القرن الماضي، وهذا إن دلّ على أمر فإنّما يدل على حجم التباين الكبير في الآراء من جهة وعلى الدور الكبير الذي يلعبه الدين في التحديث من جانب آخر. إلا أنّ المتفق عليه بأن تأثير الدين يعتمد على عدة عوامل ومنها: الفترة التاريخية والخصوصية الثقافية وغيرها. فالدين يشكل حجر الزاوية في كل شؤون الدول المعتمدة على الدين كمصدر تشريعي بينما في الدول العلمانية ينحصر دور الدين على المسائل الشخصية.
وتبعا للكثير من الأحداث التي شهدت صداما بين العلم والدين وما فيها من ظروف تاريخية خاصة بدأت منها العلمانية، أصبح الكثير من المفكرين الغربين يذهبون إلى أن الدين يناسب المجتمعات البدائية والمتخلفة، مما جعلهم يصنفون المجتمعات في إطار علاقة الدين بالسياسية إلى نوعين:
1-مجتمعات (ما قبل الديمقراطية): وهي مجتمعات لن تتمكن يوماً من إحلال الديمقراطية لتبجيلها للقيم الجماعية والقدسية.
2- المجتمعات الغريبة: -وهي كما يزعم أصحاب فكرتها- تتميز بتفوقها في التميز بين ما هو ديني وبين ما هو دنيوي.
وبهذا يمكن تصنيف الفكر الغربي وموقفه من علاقة الدين بالتحديث السياسي والتنمية إلى الاتجاهات التالية:
أولاً: اتجاه ربط الدين بالتخلف الفكري ومن أبرز مفكري هذا الاتجاه: نيتشه وماركس.
ثانياً: اتجاه يرى أهمية الدين ولا يجد فيه تناقضا مع العقل والعلم ومن أنصاره: إميل بترو.
ثالثاً: الاتجاه البراجماتي النفعي وهو يرى في المنفعة المادية مقياساً لكل شيء بما في ذلك الدين.
رابعاً: اتجاه يتجاهل الدين من باب التركيز على قضايا حرية الإنسان في الاختيار ومن أنصار هذا الاتجاه الوجوديون.
ومن الجدير بالذكر أن العلمانية قد ظهرت في المجتمعات العربية في ظروف مغايرة تماما عن تلك التي ظهرت بها في الغرب، حيثُ جاءت كشعار في منتصف القرن التاسع عشر بدعوة من مفكرين مسيحيين من الشام أرادو الاستقلال عن الدولة التركية التي كانت تحت مظلة الخلافة الإسلامية، ولذا فإن مفهوم العلمانية في المجتمعات العربية ملتبس وغير واضح. ومن ثم جاءت بعد ردهة من الزمن نداءات العلمانية من جديد نتيجة تعرض بعض المجتمعات لصدمات حضارية واستعمارية ولذا كانت نهضتها الفكرية تحاول الخروج من نفق التخلف متخذة محورين لها:
الأول: يعتبر النهضة ممكنة بمحاكاة الغرب
الثاني: يجد النهضة بمحاكاة السلف أي العودة إلى الإسلام
وما زال الجدل والتناقض بين المحورين السابقين حاضرا. ويرى (الجابري) بأن الطرحين السابقين يتجاوزان الواقع لأمرين:
الأول: لأنه يتغافل عن الواقع المتعدد وبالتالي يعمم المشكلة، بينما لكل قطر عربي بيئته الخاصة.
الثاني: يتجاهل الحقائق التاريخية المنطقية؛ فالعالم العربي لا يعيش بمعزل عن العالم والأمم الأخرى؛ ولذا فمن غير المنطقي الاكتفاء بفكرة الرجوع إلى السلف.
وختاماً يمكن القول إن المجتمعات العربية لا يمكنها التقدم دون الإسلام فهو بمثابة زيت لحركة مركزها، ولكن من جانب آخر ليس من المنطقي الوقوف على باب الدين في كل الأمور بينما الحياة تذهب بعيداً بالأمم الأخرى، ولذا يجد (المنصوب) بأن القضية ستظل حاضرة بين (تسييس) الدين أو (تديين) السياسة، وبأنّ الحل الأمثل يكمن في التداخل والاندماج الذي يكفل ميزان الكفتين.
