عبدالله العلوي
يعيشُ الإسلامُ في قارتيْ أوروبا وأمريكا عامَّة وفق إطار قانوني مُحكَم، وضعته الحكومات الأوربية والأمريكية؛ رغبة في المساواة بين الأديان، وعدم تفضيل دين على دين. والمسلمون ديدنهم كسائر الديانات الأخرى، لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه بلدهم؛ سواء كانوا مقيمين أو مواطنين لذلك البلد. وقد يُعانِي المسلمون في بعض البلاد الغربية من العنصرية المفرطة، وكلُّ ذلك ناتجٌ من النظرة المتشائمة والسلبية الزائدة ضد الإسلام من قبل بعضهم؛ مما جَعَل المسلميْن واقعيْن تحت تأثيرات عدة؛ منها: نظرة مُعتنقي الديانات الأخرى لهم، وتقنين وتشديد الحكومات عليهم. ويعطينا الباحث الإيطالي "ستيفانو آليافي" في مقاله "المسلمون في إيطاليا"، صورة واضحة للتجمُّعات الإسلامية، وحياة الإسلام عامة في إيطاليا.
إيطاليا هي دولة مُستقلة تقعُ في جنوب قارة أوروبا، وتعدُّ من أهم أعضاء الاتحاد الأوروبي الفاعلين، ونظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي، تشتركُ بحدودها مع جمهورية فرنسا وجمهورية سويسرا والنمسا وسلوفينيا، ويصلُ عدد سكانها إلى ما لا يقل عن 60 مليونا، وهي تعدُّ الخامسة من حيث عدد السكان في أوروبا، والثالثة والعشرين من حيث عدد سكان العالم، لغتها الرسمية اللغة الإيطالية، والديانة الأولى هي المسيحية (الكاثوليكية) لوجود المدينة المسيحية المشهورة مدينة الفاتيكان، عاصمتها روما العظيمة، روما التي تتجذَّر فيها الحضارة والثقافة والتاريخ عبر قرون بعيدة جدًّا، تُعدُّ الآن في المرتبة الثامنة عشر من بين الدول الأكثر تقدمًا، ويتمتَّع الفرد فيها بمستوى معيشي عالٍ جدًّا، وتعدُّ جزيرتا صقلية وسردينيا أكبر جزر جمهورية إيطاليا.
وتُعد جزيرة صقلية هي الجزيرة الأولى من الجزر الإيطالية التي وَصَل إليها الدين الإسلامي؛ وذلك في عهد دولة الأغالبة في أوائل القرن الثالث الهجري بقيادة أسد بن الفرات، وفي أواخر القرن الثالث الهجري احتل الأغالبة جزيرة سردينيا ونشروا فيها الدين الإسلامي، حتى جاءت الدولة الفاطمية واحتلتها من بعدهم، تبعهم ملوك الطوائف في الأندلس إلى أن استطاع المسيحيون استعادة حكمهم على الجزيرتين، وقد نكَّلوا بالمسلمين ممَّا اضطرهم للهجرة والهروب، وحاول بعدها المسلمون السيطرة لاحتلالها مرة أخرى لكن محاولاتهم باءت بالفشل، وما إنْ انتهت الحرب العالمية الثانية في العام 1946م حتى بدأ العرب والمسلمون بالهجرة إلى أوروبا عامة، وكان لإيطاليا النصيب الأوفر لقرب شواطئها من دول المغرب العربي لأغراض مختلفة للتجارة والبحث عن العمل والدراسة...وغيرها من الأغراض المختلفة، وكان تأثير المسلمين على الإيطاليين كبيرًا؛ مما تسبَّب في دخول عدد كبير من الإيطاليين في الدين الإسلامي.
يصل عدد المسلمين في إيطاليا إلى ما يزيد على 1.700000 مسلم ومسلمة، وفق بيانات المركز الإيطالي القومي للإحصاء، ومساهمتهم في النتاج القومي ما نسبته (4-5) بالمئة، كما أنَّ عددهم في تزايد متواصل، كما يوجد الكثير من الطلاب المسلمين المبتعثين الذين يدرسون في الجامعات الإيطالية. وقد أشهر الكثيرُ من الإيطاليين إسلامهم في السنوات الأخيرة، والعدد يزيد يومًا بعد يوم.
مسلمو إيطاليا كغيرهم من مسلمي أوروبا عامة، لهم تجمعاتهم وتكتلاتهم الخاصة، وتكثر مثل هذه التكتلات في الأوساط الأوروبية المختلفة، وأهم هذه التكتلات في أوروبا هي اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ويعدُّ اتحاد الهيئات الإسلامية بإيطاليا فرعًا من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وقد بدأ اتحاد الهيئات الإسلامية بإيطاليا في بداية العام 1990م في مدينة أنكونا الإيطالية، ويعد من أهم التكتلات الإسلامية في إيطاليا، ويهدف لتوفير الخدمات المختلفة لمسلمي إيطاليا، كما يهدف لتوحيد المسلمين في إيطاليا، وتمثيلهم وخدمتهم، ويهدف لترسيخ القيم الإنسانية والمواطنة الصالحة والتعايش بين كل مكونات المجتمع وبناء جسور الحوار بين الثقافات من خلال الحوار والمشاركة في الحوارات مع الأديان المختلفة، كما أنَّه لاقى قبولًا كبيرًا من اتحاد الطلاب المسلمين في إيطاليا الذي تم إنشاؤه في عام 1971م، ويعد أقدم تكتل إسلامي في أوروبا عامة وإيطاليا خاصة، كما أنَّ اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا يدير ما يزيد على 130 مسجدًا ومركزًا إسلاميًّا في إيطاليا عامة، وللاتحاد ممارسات سياسية مختلفة في إيطاليا؛ من خلال الرغبة الحقيقية في تمثل المسلمين في البرلمان الإيطالي، وقد حصل الاتحادُ على اعتراف من قبل الحكومة الإيطالية منذ إنشائه، ويصفُ بعضُهم هذا التكتل بأنه ناشئ عن منظمة الإخوان المسلمين العالمية.
ومن ضمن التكتلات الإسلامية في إيطاليا: المركز الثقافي الإسلامي، في وسط عاصمة إيطاليا روما، وقد سعى أعضاء هذا المركز قدر المستطاع للحصول على موافقة من قبل الحكومة الإيطالية منذ نشأته، كما أنهم سعوا لبناء مسجد خاص بهم وهو المسجد المشهور باسم مسجد روما الذي تم الانتهاء منه في عام 1992م. ويهدف المركز إلى تعزيز العلاقة بين المسلمين والمسيحين، ومساعدة المسلمين في إيطاليا في الناحية المادية والروحية، وليس له أي تحرك سياسي فهو مركز غير ربحي، كما نجد ذلك جليًّا في الرابطة الإسلامية بإيطاليا، وتنتشر الكثير من التجمعات والتكتلات الدينية الإسلامية في أنحاء متفرقة من إيطاليا، وكل له أهدافه ومراميه هي الإسلام، ويحاول أعضاء هذه التكتلات أن يبتعدوا قدر المستطاع عن المواجهة وخاصة مواجهة الحكومة الإيطالية.
وتتعامل الحكومة الإيطالية في ظل الظروف الراهنة التي يمر فيها المشرق والمغرب مع التكتلات الإسلامية بحذر كبير، وتحاول قدر المستطاع أنْ لا تُزيد منها في البلاد الأوروبية عامة، وقد يصل في أحيان كثيرة إلى التضييق على نشاطاتها، وهذا ناتج عن الأحداث الإرهابية التي أظهرت الإسلام بصورة الدم، ويعاني المسلمون في إيطاليا كثيرًا من هذا الاختناق الذي تمارسه الحكومة عليهم، فما إنْ تجد تجمُّعا للمسلمين حتى تجد حضورا أمنيا مكثفا على تلك المنطقة. ومن تلك المشكلات التي يعانيها المسلمون أيضا: هو قلة المساجد، والمشكلة هنا لا تكمن في وجود المساجد، وإنما تكمُن في كبت السياسة على المسلمين في إيطاليا، كما أنَّ مُطالبة الجمعيات الإسلامية بالاعتراف بالدين الإسلامي لا تزال قائمًا رغم رفض الحكومة لهذا المطلب، علمًا بأن الإسلام يعد الديانة الثانية في إيطاليا.
ويُمكن أن نقول إنَّ الجيلَ الجديدَ سيغيِّر نظرة الحكومة الإيطالية للديانة الإسلامية، فما عاد الإسلام بمنعزل عن المجتمع الإيطالي المسيحي، وصار هناك اندماج كبير بين الديانات المختلفة خاصة المسيحية والإسلامية، وهذا لا ينفي وجود العنتريين من كلا الديانتين تجاه الأخرى؛ فلكل تاريخ دموي ضد الآخر، وتبقى مسألة التعايش بين الأديان لا بد منها في بلد تتنوع فيه الديانات كي يعيش المجتمع على قدر من الوعي والتقدُّم والتطوُّر، وهذا يحكمه أبناء الشعب الواحد، والخوف الذي أذاعته المنظمات الإرهابية في العالم من خلال التفجيرات المتنوعة والمتفرقة لهو كفيل بأن يجعل دول أوروبا والعالم أجمع من الخوف على مصالح بلادها، والخوف على أرواح مواطنيها؛ سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وإيطاليا ضمن الدول المستهدفة من هذا الخطر الذي يجتاح الدول.
