عبد الله العلوي
الطفولة هي مرحلة مُهمة وأولية في حياة الكائن البشري، وفي المُقابل هي مرحلة تحتاج إلى رعاية خاصة، وإلى تعامل خاص، كما أنها مرحلة يبني الإنسان من خلالها تخيلاته، ونظرته للأشياء من حوله، ويقال إنّ المجتمع الذي يزيد فيه عدد المواليد أكثر من الوفيات هو مجتمع قابل للاستمرار والبقاء، والعكس صحيح، وإعطاؤه الأهمية والاهتمام في أيّ مجتمع دليل واضح على رقيه وحضارته؛ لذا أولى المجتمع العالمي الطفل اهتمامه في القرن العشرين من خلال الاتفاقيات العالمية لتأمين حياة الطفل بكافة أنواعها المُختلفة، وفي مقالة "حقوق الطفل حسب اتفاقية الأمم المتحدة والإسلام" للباحث المغربي جميل حمداوي توضيح لهذه الحقوق العالمية التي تكفل حق الطفل الاجتماعي والأسري والمدني والعلمي .... إلخ.
إنَّ من أهم المنجزات التي يجب أن يفتخر بها القرن العشرون اهتمامه الشامل والملحوظ بحقوق الإنسان عامة، فقد تم توقيع اتفاقيات دولية من أجل إقرار حقوق الإنسان الطبيعية بكافة أنواعها، وأهم تلك الاتفاقيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1984م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدر في عام 1966م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صدر في عام 1966م، فقد كفلت هذه الاتفاقيات والمعاهدات حق الإنسان الطبيعي، وأعطته الحماية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والعلمية رغم التحديات التي مرَّ بها العالم في القرن العشرين من الحرب العالمية الأولى (عام 1914 – 1916) إلى الحرب العالمية الثانية (1939 - 1947) إلى الحرب الاقتصادية والثقافية المسماة بالحرب الباردة.
لا يمكن القول إجمالًا إنَّ الاهتمام بالطفل بدأ في القرن العشرين فقط، ولكن يمكن القول إن المواثيق والعهود الدولية أولت الطفل اهتماماً كبيرًا، وأعطته الحقوق، وأُجبرت الدول على تطبيق الاتفاقيات، ولكن الحقيقة أن الاهتمام بالطفل مغروس في ذات كل إنسان سوي، وعندما نعود إلى الحضارات الإنسانية القديمة نجد اهتمامًا وإن كان بسيطًا إلا أنّه يستحق الذكر، فالحضارة الفرعونية كانت تحرّم وأد البنات، ويحصل الطفل على رعاية سليمة في السنوات الأولى من عمره، أما الحضارة اليونانية فقد لاقى الطفل الذكر عناية من خلال إرساله للمدرسة في سن السابعة، وفي المقابل لاقت الطفلة الأنثى نبذًا في الحضارة اليونانية فقد كانوا يئدون البنات، وكذا كان الشأن عند العرب قبل الإسلام، فإنهم يدفنون الأنثى حية خوفًا من العار.
اهتمت الديانات السماوية عامة بالطفل في نصوص كثيرة، ولكن يمكن القول إنّ الإسلام كان سبّاقا في إبراز حقوق الطفل العامة، فقد حرّم وأد البنات، وأجبر الأب المسلم أن يسمي ابنه بأسماء لائقة، كما أوجب عليه أن يختار له أمًا صالحة، وأوجب عليه أن يعلمه ويُدربه، وقصص تعامل الرسول الكريم مُنتشرة في سيرته في تعامله مع الأطفال، ولطفه، ولسنا هنا في صدد ذكر القصص والأحاديث التي يحث فيها الرسول الكريم على الاهتمام بالطفل، ولكن تكفي قصته مع الأقرع بن حابس عندما قال له: "أتقبلون أبناءكم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" فقال: والله لا نقبل، فقال رسول الله: وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة. كما أنه توجد نصوص في الكتاب المقدس تدعو إلى الاهتمام بالطفل.
وضع المجتمع الدولي الطفولة ضمن أساسيات اهتمامه، لأنها مرحلة بناء، ونقصد بالبناء هنا هو بناء المجتمع، وبناء العقل، وبناء الفكر، فالطفل مثل العجينة تستطيع أن تشكله وفق ما تُريد، وقديمًا قيل: "من شبَّ على شيء شاب عليه، ويقول الأصمعي:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوَّده أبوه
لذا كفلت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل حقوق الطفل المختلفة والمتنوعة، وقد صدرت الاتفاقية في 20/نوفمبر/ 1989م وبدأ العمل بها 02/ سبتمبر/ 1990م، وتعرف الاتفاقية في مادتها الأولى أنّ الطفل هو ما دون سن الثامنة عشرة. شملت الاتفاقية حق الطفل منذ أن يولد كالحضانة والرضاعة والنفقة، إلى ممارسته لحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والأسرية، كما كفلت له حرية الدين والفكر والوجدان، وحقه الإعلامي في أن يبث الإعلام برامج ثقافية تهتم بالطفل، كما منعت الاتفاقية استخدام الطفل في أغراض جنسية وسياسية مثل إدخاله في الحروب، واهتمت الاتفاقية بالطفل المُعاق وكفلت له حقه في التعليم والرعاية الصحية ويظهر ذلك جليًا في المادة (23) من الاتِّفاقية، ويمكن اعتبارها الاتفاقية التي لاقت موافقة شبه دولية.
مما يُعانيه العالم في الوقت الراهن كثرة المواثيق وكثرة العهود، ولكن عندما نأتي إلى أرض الواقع نجد خلاف كل هذا، وصدق فيه المثل العربي القديم: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا"، فرغم وجود الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل إلا أنَّه عندما تجد الحقيقة تسأل: أين الاتفاقية؟ فقد أصبحت الاتفاقيات مجر حبر على ورق، فأين الإنسان من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؟ وأين الطفل من اتفاقية الأمم المتحدة؟ فأصبح الطفل يمارَس عليه أنواع شتى من التعذيب واستخدامه في أمور غير مشروعة مثل الجنس والحرب والعمل والتشريد، فما عاد له وطن يلجأ فيه، وما عاد يمارس حقوقه الطبيعية بالطريقة الطبيعية التي ينبغي أن تكون، فقد هضم حق الطفل في التعليم، مما جعل مثل هذه المجتمعات مجتمعات غير مستمرة، وتفشى فيها الجهل والأمية والتشرذم وكل ذلك بسبب حكومات أرادت أن تخدم أهدافها السياسية. وقد تجد دولًا تهتم بأطفالها في الحيز الجغرافي لها، بينما في المُقابل تجدها تستغل هذه الفئة من دول أخرى لتحقيق مآربها، ويظهر ذلك جليًا في أوضاع الأطفال في الدول الفقيرة، وفي تقرير إخباري لقناة الجزيرة يتضح مدى الاستغلال الجنسي للأطفال في الفلبين من أشخاص من دول أخرى.
يُعاني الطفل العربي في أوطانه من نقص حاد في حقوقه الأساسية كالتعليم مثلًا، وفي ظل الحروب التي يمر بها العالم العربي الآن فلا شك أن الوضع قد وصل إلى هذه الفئة البريئة، وفي تقرير صدر في يونيو / 2016 لمنظمة اليونسيف العالمية أن هناك 3.6 مليون طفل معرضون لخطر الموت والإصابة والعنف الجسدي والتجنيد القسري في الحروب والاختطاف في العراق فقط، وفي تقرير صدر عن ذات المنظمة في مارس/ 2016م أن أكثر من 1560 حالة من الانتهاكات الجسدية ضد الأطفال في اليمن، وقتل أكثر من 900 طفل جراء الحرب، كما نقلت وسائل إعلامية أنه كل يوم يموت 125 طفلًا بسبب التلوث وعدم الرعاية الصحية، كما أنَّ نصيب العمالة في الدول العربية يصل إلى عشرة ملايين طفل، كما يوجد ما لا يقل عن خمسة ملايين طفل غير ملتحقين بالتعليم، وكل هذه الإحصائيات تتحدث عن الطفل السوي، فكيف إذن من الحال المزري للطفل المصاب بإعاقة جسدية؟!.
إن وجود كل هذا الإحصائيات المخيفة لا يجعلنا ننكر الدور الكبير الذي تقوم به بعض الحكومات العربية من تقويم الطفل السوي والمصاب، ولكن الأمر يحتاج إلى جهد جهيد لتحسين الوضع، وخاصة التعليم، فرغم وجود التعليم إلا أنه في بعض الدول ضعيف جدًا، وهنا لا نُحمل الحكومات فقط المسؤولية، ولكن المسؤولية في الاهتمام تكون مشتركة، فالمجتمع والأسرة والدولة كلهم يجب أن يقوموا بنفس الدور كي ينجح مشروع الجيل القادم، وهناك مبادرات فردية ومؤسسية في بعض الدول العربية، مثل الجمعيات أو المعاهد لتأهيل الأطفال، ولكن فوق ذلك نقول لا بد من تكثيف الجهد.
