مُحمَّد الحدَّاد
يقول محرِّرا الكتاب إنهما يُقدِّمان أوَّل مرجع أكاديمي شامل يدرس نهايات كل الإمبراطوريات الكبرى التي عرفها التاريخ، من إمبراطورية الإسكندر الأكبر إلى الإمبراطورية السوفييتية. ولم يكتفيا بتكليف عشرين مؤرخا مرموقا ليكتب كل منهم تاريخ إمبراطورية حسب اختصاصه، وإنما دفعوهم أيضا إلى تفكير جماعي حول الأسباب التي تقف وراء انهيار الإمبراطوريات، وإذا كان ممكنا وضع قواعد عامة بالمقارنة بالحالات التاريخية المعروفة.
والواقع أنَّ سؤال انهيار الإمبراطوريات والدول سؤالٌ قديم حَظِي بعودة قوية منذ أن نشر الكاتب الأمريكي بول كيندي كتابه "نشأة القوى الكبرى وأفولها" (1987)، مُتسائلا عن مصير الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل في نظر البعض آخر الإمبراطوريات القائمة، وهل سيشملها قانون سقوط الإمبراطوريات؟ وفُتِح الجدل واتسع لإجابات مختلفة، منها كتاب الفرنسي إمانويل تود "نهاية الإمبراطورية" (2002)، ولعله أراد بذلك أن ينحو نحو مواطنته الباحثة هيلين كاربر دونكوس التي تنبأت بسقوط الاتحاد السوفييتي في كتاب نشر سنة 1978 عنوانه "الإمبراطورية المتصدِّعة". لكن الجدل الذي أطلقه بول كيندي لم يقتصر على مناقشة مصير الولايات المتحدة، وإنما دفع أيضا إلى إعادة الاهتمام بتاريخ الإمبراطوريات الكبرى والتساؤل عن أسباب ازدهارها وانحطاطها، وهو مبحث قد غاب على مدى عقود بسبب الحكم القاسي على النظم الإمبراطوية التي حملت مسؤولية تخلف الشعوب وهيمنة الاستبداد، واعتبرت شكلا متخلفا بالمقارنة بشكل الدولة الوطنية الذي ظهر في الفترة المعاصرة.
لكنَّ العديدَ من الباحثين يتساءلون إنْ لم تكن دول معاصرة، مثل الاتحاد السوفييتي ثم روسيا حاليا، أو الولايات المتحدة، وربما الصين أيضا، نظم حكم أقرب للشكل الإمبراطوري منها إلى الدولة القومية التي يفترض أن تشمل شعبا متجانسا ثقافيا. وأصبح العديد من الباحثين يقرون بأن الشكل الإمبراطوري لم يتسن له النجاح، إلا لأنه قبل مبدأ التعددية والتسامح بين الثقافات والأعراق والأديان، عكس الدول الوطنية التي سعت دائما لصهر جميع مواطنيها في قالب واحد وإجبارهم على اعتماد لغة رسمية والخضوع لإرادة الأغلبية.
ونُشِيْر في هذا السياق إلى أن هذا التوجه الجديد لإعادة الاعتبار إلى تاريخ الإمبراطوريات قد دفع أيضا إلى الاهتمام بالمؤرخ العربي عبدالرحمن بن خلدون الذي رأى البعض أنه من المفكرين البارزين في الموضوع من خلال نظريته المشهورة في أعمار الدول. ونشير مثلا إلى كتاب للمؤرخ جابرييل مارتنيز جروس بعنوان "تاريخ مختصر للإمبراطوريات: كيف تنشأ وكيف تنهار؟" (2014)؛ فهو يستند إلى ابن خلدون ويعتبره رائد الدراسات التاريخية المقارنة في تاريخ الإمبراطويات. واستند باحثون آخرون إلى التراث الغربي وإلى رواد مثل مونستكيو الذي كتب كتابا حول نشأة الإمبراطورية الرومانية وانحطاطها (1737) وإدوارد جيبون الذي كتب كتابا مشهورا في الموضوع نفسه (عاش في القرن الثامن عشر) ثم خاصة أرنولد توينبي الذي قسم تاريخ البشر إلى 26 حضارة يحكمها قانون "التحدي والاستجابة".
ميزة الكتاب الذي بين أيدينا، وقد صدر في بداية السنة الحالية (2016)، أنه يتفادى الانطلاق من أفكار قبلية، مفضلا الاعتماد على مؤرخين متخصصين، ليعرضوا نهاية 20 إمبراطورية كبرى في التاريخ البشري؛ وهي: إمبراطورية الإسكندر الأكبر، والإمبراطورية الرومانية الغربية، والإمبراطورية الساسانية (الفارسية)، وإمبراطورية الكارولنجيين، والإمبراطوريات العربية، وإمبراطورية المغول، والإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، وإمبراطورية الأستاك بأمريكا الجنوبية، والإمبراطورية الجرمانية المقدسة، والإمبراطورية الإسبانية، والإمبراطورية الفرنسية في عهد بونابرت، والإمبراطورية الصينية، وإمبراطورية النمسا- المجر، والإمبراطورية العثمانية، والرايخ الثالث (ألمانيا)، والإمبراطورية اليابانية، والإمبراطورية الاستعمارية البريطانية، والإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد العرض الشامل الذي يمتدُّ على حوالي خمسمائة صفحة، تبدو النتيجة المستخلصة من هذا البحث المقارن هي أنه لا توجد قوانين عامة تحكم قيام الإمبراطوريات أو انهيارها، وإن وجدت نقاط تشابه بين حالات مختلفة. ومن هنا، يبدو الكتاب مفندا لكل المحاولات التي سعت أو تسعى إلى إيجاد قوانين طبيعية تحكم قيام الدول والإمبراطوريات أو يمكن الاحتكام إليها للتنبؤ بسقوطها الوشيك. فالعوامل عديدة ومتنوعة، وليس أقلها أهمية عامل الصدفة الذي كان حاسما في نشأة العديد من الإمبراطوريات التاريخية المعروفة وفي انحطاط أخرى أيضا.
إمبراطورية الإسكندر الأكبر -مثلا- تشكلت بسرعة فائقة، ففي حوالي عشر سنوات من الغزوات استطاع هذا القائد الفذ من السيطرة على مساحة شاسعة، لكن وفاته المفاجئة ولم يتجاوز الثلاث والثلاثين من عمره، حكم على الإمبراطورية بالانهيار بنفس سرعة قيامها، ولو أنه عمر أكثر من ذلك لوجد الوقت الكافي لإحلال نظام إداري محكم وقواعد لوراثة عرشه. وعلى العكس، شهدت الإمبراطورية الرومانية قيام تنظيمات محكمة في المركز وفي الأطراف، لكنها فشلت في صد هجومات البرابرة عليها، ومثل انهيارها المفاجئ (في القسم الغربي) صدمة للمؤرخين آنذاك الذين افترضوا أن هذا الانهيار كان عقوبة إلهية بسبب ما كان يقترفه الرومان من المعاصي. لكن حلم استعادة هذه الإمبراطورية التي جسدت آنذاك وحدة المتوسط ووحدة أوروبا في الآن ذاته، لم ينقطع على مدى قرون؛ إذ سَعَى شارلمان (القرن الثامن) إلى أن تكون الإمبراطورية الكارولنجية استمرارا لها. ثم أعاد الكرة شارلكان في القرن السادس عشر، دون جدوى. وربما كان نابليون بونابرت (القرن الثامن عشر) القائد الأخير الذي حلم بهذه الإمبراطورية العالمية التي يكون مركزها أوروبا، وكان مصيره الخيبة أيضا. لكن أوروبا لم تنجب بعد الرومان قادة أعلى مقاما من هؤلاء الثلاثة المذكورين.
لنأخذ مثالا آخر هو انهيار الإمبراطورية الساسانية (الفارسية) الذي جاء في غاية الغرابة، إذ كانت الإمبراطورية في أوج ازدهارها الحضاري، لكنها شهدت أزمة في وراثة العرش كان يمكن أن تكون عابرة لولا أنها تزامنت مع ظهور الإسلام وبداية الفتوحات الإسلامية. ولقد أقامت الإمبراطوية كل تنظيماتها الحربية والإدارية على أساس التصدي لغريمتها الرومانية ولم يخطر لها أن تحترس من جهة حدودها الجنوبية مع العرب، ناهيك عن أن نظم استخباراتها كانت تعد الأقوى في العالم آنذاك، لكنها لم تكلف نفسها إرسال جاسوس واحد لمتابعة ما كان يجري في الجزيرة العربية. فقد سقطت الإمبراطورية نتيجة استحكام شعور الاستهانة بالعرب لدى حكامها.
واستفادتْ الإمبراطوريات العربية من التراث الحضاري للإمبراطوية الساسانية، بعد أن قضت عليها سياسيا، لكنها وقعت بدورها في مُشكِل تحديد طريقة وراثة الحكم، فكثرت فيها الانقسامات والحروب على السلطة، وكان ذلك سببا أساسيا من أسباب انهيارها. أما الإمبراطورية العثمانية التي استولت بعد ذلك على الجزء الأكبر من الأقاليم العربية، إضافة إلى أقاليمها الشاسعة في آسيا وأوروبا، فقد بلغت أوج قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني (1494-1566)، لكنها لم تساير بعده التغيرات العميقة التي حصلت في العالم حولها، واستمر مسار انهيارها عقودا طويلة وترتبت على هذا الانهيار مشكلات كثيرة، لا تزال مُخلَّفاتها حاضرة إلى اليوم. بَيْد أن انهيار هذه الإمبراطورية لم يكن حدثا مفاجئا، إذا ما قرأناه في سياق التاريخ العالمي، فقد انهارت معها كل الإمبراطوريات التقليدية، وأهمها إمبراطورية النسما-المجر والإمبراطوية الجرمانية المقدسة. كل الإمبراطوريات التقليدية لم تنجح آنذاك في الصمود أمام حركات الانفصال القومية التي ظهرت في كل مكان نتيجة الثورة الفرنسية وإعلان مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.
ثم إنَّ الثورة الفرنسية نفسها قد فشلت في إنشاء إمبراطورية جديدة قائمة على شعارات الحرية والعدالة والأخوة، وجسَّدت حروب نابليون بونابرت ثم هزيمته هذا المسعى الذي أدى لاستعمال هذه المبادئ ضده؛ فانهارت إمبراطوريته سريعا، مخلفة أكثر من مليوني قتيل في الحروب التي أشعلها في العديد من مناطق العالم، من مصر إلى أمريكا الجنوبية مرورا طبعا بأوروبا ذاتها. وقد قرر مؤتمر فيينا سنة 1830 إعادة ترتب أوروبا حسب الشرعيات الملكية، وانتقلت القيادة العالمية إلى بريطانيا التي فرضت رؤيتها القائمة على التوازن بين الدول وتحويل المنافسات بينها من طبيعة حربية إلى طبيعة تجارية واقتصادية.
لكنَّ بريطانيا ابتدعتْ بعد ذلك شكلا إمبراطوريا جديدا يمكن أن نطلق عليه الإمبراطورية الاستعمارية. ففي حدود سنة 1920، كانت الإمبراطورية البريطانية تسيطر على ربع سكان العالم (حوالي 540 مليون نسمة) وربع الأقاليم المأهولة (حوالي 34 مليون كم مربع). ونتيجة الخسائر الكبرى التي تحملتها بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، اقتنع قادتها بأن بلدهم لم يعد قادرا على إدارة إمبراطورية بهذا الحجم. وتفاديا للدخول في مواجهات انفصالية من صنف ما خاضته الإمبراطورية سابقا بإعلان الاستقلال الأمريكي (1783)، فقد بادر قادتها بأنفسهم إلى وضع سياسة تفكيك الإمبراطورية، تضمنها "الكتاب الأزرق" الصادر سنة 1948، معتمدين منظومة "الكومنولث" لتصبح البديل المقبول عنها، وتضمن مصالح بريطانيا في مستعمراتها السابقة. ثمة أيضا عامل آخر دفع إلى هذا القرار هو ظهور السلاح النووي، فقد أفقد بريطانيا مناعتها التاريخية القائمة على وضعها كجزيرة يحميها أسطول بحري قوي. بادرت بريطانيا بالانسحاب من الهند قبل التورط في النزاعات بين المسلمين والهندوس التي أدت إلى انفصال باكستان، وبالتخلي عن انتدابها على فلسطين قبل التورط في النزاعات بين العرب واليهود التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل وحربها الأولى مع العرب. وهكذا اتسمت الإمبراطورية بالدهاء في فترة النشأة وفي فترة التفكك. وفي حدود سنة 1955، كانت منظمة الكومنولث التي أنشأتها تضم 520 مليون نسمة من مستعمراتها السابقة، لكن صعود حركة عدم الانحياز دفعتها إلى تقديم تنازلات جديدة، لا سيما بعد حرب السويس واضطرارها مع حليفتيها فرنسا وإسرائيل إلى الانسحاب من القناة، وأعقب ذلك تخليها عن بعض مستعمراتها الأخيرة في الخليج العربي وآسيا وإفريقيا، وألغت سنة 1967 وزارة المستعمرات واستبدلتها بوزارة التعاون مع الكومنولث. ويضم الكومنولث حاليا 53 دولة ويمثل 15 بالمائة من الناتج العالمي الخام، إلا أن بريطانيا لم تعد تتحكم فيها بصفة مطلقة.
وعلى عكس بريطانيا، لم يكن للفرنسيين نفس الحكمة في التخلص من إمبراطوريتهم الاستعمارية طوعا، فاضطروا لخوض حربين خاسرتين في الهند الصينية والجزائر. ولقد حاول بعض القادة الفرنسيين استباق الأمور بإنشاء منظمة الفرنكفونية على شكل الكومنولث وأعلن ذلك في برازافيل (عاصمة الكونغو) سنة 1944، ووقع أيضا قبول استقلال بعض الدول لتركيز الاهتمام على أخرى، مثل استقلال المغرب وتونس للاحتفاظ بالجزائر، لكن ذلك كله لم يجد نفعا. وقد ترتب على السقوط الفوضوي للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية تواصل مشاكل فرنسا مع مستعمراتها القديمة عبر ضغوط الهجرة الشرعية وغير الشرعية وسوء اندماج الجاليات المهاجرة في المركز. ولقد كان من المفارقات أن تصر فرنسا على الاحتفاظ بمستعمراتها رغم احتلال الألمان لأراضيها أثناء الحرب العالمية الثانية ومشاركة عشرات الآلاف من سكان مستعمراتها في تحريرها. بينما كانت بريطانيا البلد الأوروبي الوحيد الصامد أمام ألمانيا لكنها أدركت أن العالم قد تغير. وربما كان السبب في ذلك أن الرأي العام الفرنسي لم يكن مهيأ لتحمل مهانة التخلص من الإمبراطورية والمستعمرات بعد مهانة الاحتلال النازي لبلاده.
وإذا انتقلنا إلى الشطر الآخر للكرة الأرضية، أمكننا مُتابعة ثلاث إمبراطوريات كبرى في روسيا والصين واليابان. بالنسبة إلى الأولى، يمكن اعتبار الاتحاد السوفييتي استمرارا للسيطرة الروسية التي انتقلت من القومية إلى الشيوعية، لكنها ظلت في تواصل منذ عهد بطرس الأكبر سنة 1721. ويمكن أيضا على هذا الأساس اعتبار روسيا الحالية عهد فلاديمير بوتين مشروعا لاسترجاع المجد الإمبراطوري الذي من أهم ملامحه عقد المحالفات مع الشعوب والأعراق المجاورة تحت الهيمنة الروسية لمواجهة الغرب. أما الصين المجاورة التي لم تقبل قط بالخضوع إلى الهيمنة الروسية ولو في العهد الشيوعي، فإن تاريخها يبدو وكأنه تواصل لإمبراطورية قائمة على مساحة جغرافية لم تكد تتغير تغيرا كبيرا منذ سنة 221 إلى اليوم. ومن الطريف أن المؤرخين الصينيين كانوا قد كتبوا منذ أقدم العصور مؤلفات لتفسير أسباب قيام الإمبراطوريات وانحطاطها، وأبرزهم المؤرخ "سيما كيان" الذي توفي سنة 86 قبل الميلاد. وقد شهدت الصين تعاقب أسر حاكمة آخرها أسرة "كينج" التي أسقطها الشيوعيون سنة 1949 وحكموا على إمبراطورها الأخير (كان في سن السادسة من عمره) بأن يتحول إلى عامل في حديقة. ولئن انتقلت الصين من النظام الإقطاعي إلى الشيوعية، ومنها إلى الرأسمالية، فإنها لم تفقد خصوصيتها الجيو-ستراتيجية التي جعلتها بمثابة الإمبراطورية المتجددة، أو "الإمبراطورية ذات الأرواح التسعة" كما دعاها مؤرخوها القدامى.
أمَّا اليابان التي عاشت تاريخا مشابها، فقد اكتفتْ بحدودها التاريخية الضيقة وتخلت عن كل مسعى توسعي منذ هزيمتها القاسية في الحرب العالمية الثانية، بيد أن صعود القوة الصينية راهنا يدفعها شيئا فشيئا إلى التخلي عن سياسة الانكفاء وتعزيز قدراتها العسكرية تحسبا لمواجهات محتملة مع الصين وحليفتها كوريا الشمالية. بما يجدد "حلم الإمبراطورية" لدى اليابانيين المعاصرين، مع أن الإمبراطور في التاريخ الياباني كان في الغالب شخصية رمزية لا نفوذ حقيقيا لها، ولذلك لم يلغ الأمريكان النظام الإمبراطوري بعد انتصارهم على اليابان، بل على العكس تعاونوا مع الإمبراطور لإنهاء الحرب؛ إذ كان وحده القادر من خلال التحدث مع شعبه أول مرة عبر المذياع من إقناع الجنود اليابانيين بالاستسلام.
وأخيرا.. طَرَح الكتاب موضوع الولايات المتحدة، وهل هي إمبراطورية؟ وهل بدأت تلوح فيها علامات الأفول؟ وهذا يعيدنا إلى الجدل الذي أثاره بول كيندي في كتابه المذكور بداية المقال. وبما أن بعض الباحثين يعتبرون ابن خلدون رائد الدراسات المقارنة للإمبراطوريات، كما ذكرنا، فإن من المفيد للقراء العرب الاهتمام بهذا المبحث لتنزيل تاريخ الإمبراطوريات العربية والإسلامية في سياق التاريخ العالمي للإمبراطوريات والاقتناع بتغيُّر النظم عبر التاريخ. ذلك أن قراءة هذا الكتاب تدفع إلى النتيجة التالية: إن كل الإمبراطوريات تنتهي بالسقوط في مرحلة معينة لكن البعض منها يترك وراءه شعورا بالحنين إلى الماضي المجيد، أو ما يدعى بحلم الإمبراطورية، وإن هذا الشعور يتحول إلى عامل سياسي وإستراتيجي مؤثر في العلاقات الدولية وينبغي أخذه بعين الاعتبار عند تحليل الحاضر. وعلى سبيل المثال، يمكن التساؤل إذا لم تكن قضية استعادة الخلافة التي أرَّقت الفكر العربي المعاصر وجها من وجوه هذا الحلم بالإمبراطورية الذي ينبغي أن يخضع لنفس التحليل التاريخي لقيام الإمبراطوريات وأفولها في التاريخ البشري كله، وأن يتحول من جدل ديني إلى مبحث تاريخي يعالج بالروح الخلدونية التي كانت رائدة في هذا المجال؟
------------------------------------
- الكتاب: "نهاية الإمبراطوريات".
- المؤلف: مؤلف جماعي بإشراف باتريس جانيفاي وتيري لينتز.
- اللغة: الفرنسية.
- الناشر: دار بيرين للنشر، 2016.
