مريم العدوية
تطرَّقت الباحثة المصرية منى أحمد أبو زيد في مقال لها بعنوان:" الإمام محمد عبده وقضايا المرأة" نشرته في مجلة (التسامح) إلى المراحل المختلفة التي مرت بها قضايا المرأة وموقف الإمام محمد عبده منها.
*المرأة في القرن التاسع عشر
مرَّت المرأة العربية عموماً والمصرية على وجه الخصوص عبر العقود الماضية بتطورات عديدة؛ فلقد جاء الإسلام ليُزيل غبار الجهل عنها ويُعطيها مكانتها ولكن لم يلبث الحال على ما هو عليه حتى غير الحكم العثماني واقع الحياة الإسلامية والعربية بشكل عام. ناهيك عن تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية. كما أثرت الحملة الفرنسية على الحياة بجميع نواحيها، ومن هنا بدأت المناداة بقضايا المرأة.
وقد واجهت نداءات تحرير المرأة اتجاهين الأول قبل بها وأيدها، بينما الثاني رأى بأن الواجب أن يتم غربلت الأمر أولاً، بحيث يتوافق مع الروح الإسلامية. ومن أصحاب هذا الرأي محمد عبده وأستاذه الأفغاني ومن بعدهم الطهطاوي الذي يُعد رائد حركة تحرير المرأة؛ فقد أيد خروج المرأة للعمل. بينما الأفغاني تحدَّث عن النقاب ولم يجد مانعًا في السفور ما لم يكن باعثاً على الفجور كما تطرق إلى الحقوق في العلاقة الزوجية، لكنه من جانب آخر رفض المساواة إلا فيما يتعلَّق بالوقوف أمام الله والقانون. ومن ثم جاء عبد الله النديم وهو خطيب الثورة العرابية؛ ليُؤيد آراء محمد عبده من خلال مقالات له نشرها في مجلة (الأستاذ).
كما كان للمرأة دور وذلك من خلال بعض النساء أمثال: عائشة تيمور التي ناقشت مفهوم القوامة من خلال كتابها (مرآة التأمل في الأمور). وكان للصالونات الأدبية من جانب آخر دور فعّال في إنعاش قضايا المرأة وذلك عبر الصالونات الأدبية كصالون نازلي فاضل الذي جمع بين القضايا السياسية والاجتماعية.
كما أسهمت الدولة في دفع قضايا المرأة إلى الأمام من خلال فتح المدارس الحكومية التي كان للبنات نصيب فيها. وكان للصحف دور بارز كذلك في تعزيز قضايا المرأة من خلال مناقشة دور المرأة وواجباتها وحقوقها.
*منهج محمد عبده في تناول قضايا المرأة
شغلت قضايا المرأة جزءًا كبيراً من كتابات محمد عبده الأخيرة؛ حيثُ كان شغله الشاغل سد الفجوة بين واقع المدنية الحديثة التي فتحت الباب على مصراعيه لحقوق المرأة وبين الواقع الذي تعيشه المرأة المُسلمة في عصره؛ فسعى بداية إلى تحديد ما هو جوهري وغير قابل للتغيير في الإسلام، وبين ما هو غير جوهري وقابل للتغيير. مؤكداً على ضرورة الانفتاح على الآخر في ظل مظلة الإسلام؛ فالإسلام مرن وصالح لكل زمان ومكان. ومن باب تأييده لحاجة المجتمع للتغير رأى الإمام أن يتم المواءمة بين المدنية الحديثة ووضع المرأة المسلمة في مصر.
ويرى الإمام أن القرآن والسنة بهما أحكام تفصيلية فيما يخص العبادات ولكن من ناحية المُعاملات فهي تدخل في دائرة الاجتهادات وإعمال العقل. ولذلك سعى إلى إيجاد فهم جديد للقرآن يعتمد على روح القرآن والفهم العقلي الواعي عوضاً عن الفهم الموجود في الكُتب والتفاسير الأخرى.
*الأسس الثلاثة لمنهج الإمام محمد عبده
الأول: فتح باب الاجتهاد.
الثاني: قراءة النصوص الدينية في إطار المتغيرات القائمة دون الخروج عن الثوابت.
الثالث: الخروج إلى سعة الشريعة من خلال الاتجاه إلى الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة، ويتميز هذا المنهج بأمرين هما:
الأمر الأول: توسيع نطاق الاستناد على مقاصد الشريعة الإسلامية، ولقد تأثر في هذا بمنهج الإمام الشاطبي.
الأمر الثاني: تفعيل القواعد الفقهية في تأصيل الحلول الجزئية، وهذا ما يمكن اعتباره عودة لمنهج الأوائل في استقصاء الأحكام.
وهكذا سعى محمد عبده إلى تصحيح وضع المرأة، من خلال الآراء والفتاوى التي جاء بها، والتي أدت إلى حل الكثير من المشاكل ومنها:
*المساواة بين الرجل والمرأة
أشار محمد عبده إلى أنّ الإسلام أكرم المرأة وأبلغها مكانة سامية لم تبلغها من قبل في أمة من الأمم، ويرى أنّ القرآن ذكر صراحة المساواة بين المرأة والرجل في عدة مواضع. ويؤكد محمد عبده أن القرآن أقر المساواة بين المرأة والرجل في الذات والعقل والإحساس؛ أي أن كلا منهما بشر تام، بينما يرفض الإمام ما جاءت به الإسرائيليات ومن ثم ربطه البعض بالقرآن.
ومن جانب آخر رأى محمد عبده أن ميزة الرجل على المرأة تتمثل في زاوية خاصة وهي القوامة.
*القوامة
المساواة وفق محمد عبده ليست مساواة على الإطلاق، فمثلما أوجب الله على المرأة شيئاً أوجب أشياء أخرى على الرجل، وهو ما يُفسر القوامة. حيث هي الرياسة التي ينصرف إليها المرؤوس بإرادته واختياره وليست من باب القهر وسلب الإرادة .
ولقد انتقدت عائشة تيمور فكرة القوامة ورأت أنّها تكون من حق المرأة متى ما أسقط الرجل شروطها كوفرة العقل والدين والإنفاق.
ووفق محمد عبده فإنّ القوامة لا تعني الاستعباد ولا الأفضلية. وهذه الدرجة التي رفعها القرآن للرجل على المرأة يُرجعها الإمام إلى أمرين الأول فطري والثاني كسبي. فالفطري يعود إلى بنية المرأة الضعيفة التي تحتاج إلى من يحميها ويُعينها، وفي هذا أيَّده الكثيرون، بينما رفضها البعض أمثال الطهطاوي ورأى بأن ضعف المرأة ليس سوى نتيجة تراكمات فرضها المُجتمع على المرأة.
أما السبب الكسبي فهو ناشئ عن واجب إنفاق الرجل على المرأة التزاماً منه بعقد الزوجية المُبرم بينهما وليس نتيجة لتفوقه عليها.
وينتهي الإمام إلى أنّ وضع المرأة شرعاً يستدل منه على أمرين:
الأول: إعطاء المرأة من الحقوق على الرجل مثل ما له عليها.
الثاني: جعل الرجل رئيساً عليها؛ لأنّ الله أعلم بهذا في حكمته.
*حقوق المرأة
وهي تنقسم إلى قسمين، الأول تشترك فيه مع الرجل والثاني تختص به.
1-الحقوق المدنية:
حيث يرى بعض المُفسرين أنّ المرأة غير كاملة الأهلية بناءً على أنَّ شهادة رجل تعادل شهادة امرأتين، بينما يرى محمد عبده الأمر متعلق فقط بالأمور المالية، فلقد أقر الإسلام مساواة المرأة في الدية مع الرجل ومنحها حق البيعة كذلك.
2-الحقوق المالية:
فلقد منح الإسلام المرأة حق التَّصرف في مالها، وحق الميراث.
3-الحقوق الدينية:
وذلك من خلال مُخاطبة الله النساء والرجال على حدٍ سواء في الأمور المُتعلقة بالإيمان والأعمال الصالحة.
4- حق التعليم:
حيثُ أكد الطهطاوي على أهمية تعليم المرأة من أجل مُجتمع وحياة أفضل.
5-حق المرأة عند الطلاق:
جعل محمد عبده للطلاق أبعاداً عدة منها تقييده كما وضع له شروطاً وحقوقاً لكل طرف.
*تعدد الزوجات/
كتب الإمام مقالاً بعنوان: (حكم الشريعة في تعدد الزوجات) أوضح فيه أن التَّعدد ليس من سمة الإسلام فقط بل هنالك أمم أخرى تبيح التَّعدد، ومن ثم ذكر أنّ التعدد في الإسلام منبعه طبيعة الحياة الشرقية وما تتطلبه الحياه الاجتماعية، كما شدَّد الإسلام على شروط التعدد وأوضح أن تحقق الشروط أمر صعب مضيقاً بذلك بابه.
وهكذا سعى الإمام محمد عبده إلى تفسير القرآن وفق مُقتضيات العصر ممهداً الطريق للحركة النسائية في مصر والوطن العربي، من خلال مجموعة من تلاميذه في مُختلف المجالات الاجتماعية والدينية والسياسية.
