قيس المعولي
"العقل العربي الأخلاقي قراءة في فكر محمد عابد الجابري" لتركي علي الربيعو مقالة ناقش فيها كاتبها كما هو ما واضح في عنوانها العقل العربي الأخلاقي عند الجابري. إن المقالة وإن كانت خاصة بالعقل العربي الأخلاقي عند الجابري لكنها لم تخلُ من أفكار اقتبسها الجابري أو الربيعو للمفكرين العرب الذين أبقوا كتبا ومناقشات توزن بالذهب لكلية العلم والفكر التي لابد للمفكر العربي الناشئ أن يراجعها ويقرأها ويتابعها خصوصا إذا كان مهتما بالفكر العربي السابق ويقارنه بالفكر العربي الحديث. في هذه الكلمات سأناقش فكرة طرحها الجابري في فكره وهي ارتباط الفكر الأخلاقي للحضارات التي جاورت وخالطت العرب خلال الفترة السابقة وكيفية التشابه والاقتباس من تلكم الحضارات والدول العربية الإسلامية التي مرت على هذه الأمة العربية الشامخة. بداية يجب أن نعلم أن الجابري قد أفنى عمره وهو ينقد ويحلل ويناقش العقل العربي وثقافته بشكل عميق جدا وهو ما جعله أستاذ الفكر العربي المعاصر وله مؤلفات كثيرة تناقش الفكر الأخلاقي والسياسي والاجتماعي للمجتمع العربي.
إن أكثر الحضارات التي أثرت على المجتمع العربي هي الحضارة الفارسية وهي حضارة ضاربة في القدم والتاريخ ومثال قديم على الدول المتمدنة في ذلكم الزمان البعيد ولكن ما ذكره الجابري هو أخلاق الطاعة وأضيف عليها أنا الولاء الذي هو شدة الانتماء وغالبا ما يكون مبالغا فيه غير الطاعة التي عهدت عن الإسلام والعرب. ويصف الجابري هذا الخلق أنه كان عائقا في بعض الفترات من الوصول والاتصال بالحاكم لمناقشة أمور الدولة المدنية بل إن الشعب راضيا أو مكرها عليه الانصياع لأمر الحاكم أو الولي أو الوصي دون مخالفة أو إبداء رأي، ولكن هذا لم يكن عاما أبدا، بل اختصت به فترات دون أخرى ودول دون دول وحضارات غير أخرى. إن اختفاء التأثير الأردشيري بحد تعبير الكاتب هو الطريق الوحيد لكتابة نهضة عربية جديدة، ولكن لو أردنا مواجهة الواقع فإن هذا يحتاج إلى الكثير والكثير من العمل الديموقراطي والشعبي الذي لربما يحتم على هذه الدول الخوض في مسائل أمنية كبيرة تعرض حياة الناس للخطر فالحل السريع ليس هو الأفضل دائما ولكن انحلال هذا الجانب من الفكر يجب الرجوع فيه إلى النهج النبوي المحمدي الذي تخلص من السيادات القرشية والهاشمية على مكة والعرب عن طريق الدعوة إلى المساواة واحتكام العدل في كل جوانب الحياة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.
قبل النظر في الموروث الثاني وهو اليوناني يجب أن نفرق كما ذكر الكاتب بين هذا الموروث وسابقه مثل ما قال الجابري بأن هناك فارقًا في البحث عن الأخلاق بین الموروث الفارسي والموروث اليوناني. فـإذا كـانت أخلاق الطاعـة ترتبط بالموروث الفارسـي بالسياسة فإن البحث (العالم) في الأخلاق عند الیونان قد ارتبطت تاریخیًا بالفلسـفة، ببناء تصور للكون، ولیس بتشیید إمبراطورية. عودة للموروث اليوناني وهو أخلاق السعادة والذي كان في الجهة الأخرى المقابلة للموروث السابق الذي لا يمثل جانبا نفسيا أكثر منه جماعيا. ما المقصود بهذه السعادة عند أغلب الفلاسفة اليونانيين وهل هي نفسها التي أخذها العرب عنهم؟ والإجابة هي "من أهم أعمال أرسطو هي عمله في الأخلاق وفيه يعرض نظرية في السعادة لا تزال تصلح ليومنا هذا. السؤال الأساسي الذي يسعى أرسطو للإجابة عليه في هذه المحاضرات هو "ما هو الهدف النهائي للوجود الإنساني؟ ما هو الهدف أو الغاية التي يجب أن نوجّه نحوها كل نشاطاتنا؟ في كل مكان نرى الناس يبحثون عن السعادة، والثروة، والسمعة الحسنة. ولكن مع أن كل واحدة من هذه لها قيمة، فإن أيا منها لا يمثل الخير الرئيسي الذي يجب أن تهدف له الإنسانية. لكي يكون الفعل غاية نهائية، يجب أن يكون نهائيا ومكتفيا بذاته، " هو المرغوب دائما بذاته وليس لأجل أي شيء آخر ويجب أن يكون قابلا للتحقيق بواسطة الإنسان. يدّعي أرسطو أن كل شخص تقريبا يتفق بأن السعادة هي الغاية التي تلبي كل هذه المتطلبات. إنه من السهل رؤية أننا نرغب بالنقود، والمتعة، والشرف فقط بسبب أننا نعتقد أن هذه الخيرات سوف تجعلنا سعداء. إن كل الأشياء الخيرة الأخرى هي وسائل للحصول على السعادة، بينما السعادة هي دائما غاية بذاتها" بعد هذه الإجابة المطولة نجد أن السعادة التي سعى إليها العرب هي نفسها التي وضحها أرسطو في فلسفته للأخلاق وهي أيضا ما أيده الجابري في كتاباته عن واقع العقل الأخلاقي العربي.
إن الكاتب تركي الربيعو قد كتب عن ثلاثة أبواب أخرى تخص المواريث الثلاثة المتبقية عند الجابري ولكني سوف أختزلها في محور واحد أبين من خلاله تقارب أفكارها وتصوراتها. المواريث المتبقية هي الموروث الصوفي والموروث العربي الخالص والموروث الإسلامي. من هذه النقطة سوف نبدأ بنشأة التصوف الإسلامي لأنه الأحدث من حيث النشأة، وهنا يجب أن نعلم ما يعكسه هذا التصوف من الأخلاق التي بينها الجابري ووضحا الربيعو في مناقشته وهنا قد ذكروا أخلاق الفناء وفناء الأخلاق وهي بمعنى ابتعاد التصوف الذي دخل إلى المجتمع العربي خلال فترة هوان في الحضارة العربية على حسب رأي الجابري وغير من نظرة الفرد العربي الحياة وتبصره فقط للفناء دون غيره وهو ما أبعده عن الأخلاق الأخرى وهو ما أشار إليه الكاتب بقوله فناء الأخلاق. تباعا لذكرنا للمجتمع العربي فقد أنشأ هو ذاته أخلاق المروءة التي كانت تعد ولازالت عند البعض من الأخلاق التي يجب أن ينشأ عليها الرجل العربي منذ نعومة أضافره ولكن ما يكمل هذا هو الأخلاق الإسلامية التي هي أخلاق الدين الحنيف فقد جاء النبي متمما لمكارم الأخلاق وقد وصف عليه الصلاة والسلام بأن خلقه القرآن فمن هذا الوصف نجد ونستنتج أن الإسلام يأخذ أخلاقه من كتاب الله وسنة نبيه الكريم. رجوعا للأخلاق الإسلامية فهي توحد جميع الأخلاق التي تم ذكرها سابقا ولكن بمنهج الوسطية والاعتدال والحق.
إن الفكر العربي المعاصر يجب أن يتخذ منحنى آخر غير الذي ينهجه الآن لأن الحضارة العربية أصبحت منقادة لا قائدة ولا رائدة، بل هي تعتمد على غيرها ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ إن الوحدة التي يجب أن تكون الأساس المشترك بين الدول العربية التي أيضا يجب أن تنظر إلى أخلاق المروءة التي تدعو إلى المؤاخاة التي أيضا يحض عليها الخلق الإسلامي. وأيضا ما يجب أن ينتبه إليه العربي هي التنشئة الاجتماعية السليمة التي دعا إليها النبي الكريم وأيضا تعلم الفكر العاقل المتعقل الذي يطلق للعقل العنان للتفكير الصالح المستقيم الموافق للفكر العربي بشكل عام.
