«الرَّفاه»

الرفاه، ماري دالي.jpg

 لماري دالي

مُحمَّد المحفلي

على الرغم من أنَّ الرَّفاه يبدو مفهوما واضحا، فإنَّه يمتلك الكثير من الغموض؛ كونه واقعاً عند نقطة التقاء علوم مختلفة: فلسفية وسياسية واجتماعية. ويرتبط في هذا الجانب بمصطلح آخر وهو دولة الرَّفاه، وهي الدولة التي يكون عليها مسؤوليَّة توفير الرَّفاه لشعبها، مرتكزة على أصول فكرية وفلسفية وسياسية معيَّنة.

ويعدُّ هذا الكتاب مرجعا أساسيا في الرَّفاه حيث يتناول هذا المفهوم ابتداء من جانبه الفلسفي والفكري، ثم الوصول إلى ترابطاته الفكرية والسياسية، وتجلياته الاجتماعية، ومن ثم رصد آثاره على المجتمع. وعلى الرغم من صغر حجم الكتاب -مقارنة بأهميته العلمية- فإنَّه يُقدِّم خلاصة لأبحاث استقصائية أجرتها الباحثة معتمدة على مقارنات علمية، متخذة في الأصل ثلاثة نماذج رئيسية للدراسة؛ وهي: نموذج الرَّفاه في الدول الإسكندنافية، ونموذج الرَّفاه في أوربا الغربية، والنموذج الثالث: في أمريكا وكندا وبريطانيا.

وينقسمُ الكتاب إلى سبعة فصول، بَيْد أنَّه يشمل في بنائه ثلاثة أقسام مركزية، تمرُّ بصورة منطقية ابتداءً من التأصيل الفلسفي حتى التداخل الفلسفي مع السياسي للرفاه، وصولا إلى الرَّفاه بوصفه ممارسة. فيُركِّز القسمُ الأول على الرَّفاه بوصفه مفهوما وموضوعا للعمل الأكاديمي، ويشمل فصلين: يعرض الأول الأفكار الأساسية في الرَّفاه ووجهات النظر الرئيسية التي تطور عبرها المفهوم، مع توضيح عدد من الاضطرابات الكامنة فيه. فيما يركز الفصل الثاني على مفاهيم أخرى كالرخاء والرعاية والفقر والإقصاء الاجتماعي ورأس المال، وما تكشفه هذه المفاهيم والمقاربات بشأن الرَّفاه، ودراسة الأسباب التي جعلتها تحجب مفهوم الرَّفاه نفسه. أما الفصلان الثالث والرابع اللذان يُشكِّلان القسم الثاني، فيناقشان ارتباط الرَّفاه بالأفكار الفلسفية والمواقف الأخلاقية من ناحية وبالسياسات ومؤسساتها من ناحية أخرى. وفي القسم الثالث من الكتاب -والذي يشمل الفصلين الخامس والسادس- تتوجه المؤلفة إلى فعل الرَّفاه وممارساته، في محاولة لاستكشاف الرَّفاه بالنظر إلى بعض السياقات التي يعمل فيها. في حين خُصِّص الفصل السابع والأخير للخاتمة وتقديم خلاصات ما توصل إليه الكتاب.

وعلى الرغم من هذا التقسيم المنهجي، فإن القارئ يجد مزجا وتداخلا لا سيما بين القسمين الأول والثاني، وحتى في القسم الأخير المتعلق بالرَّفاه بوصفه ممارسة، فإن التأصيل الفلسفي يظل حاضرا وبالقوة نفسها التي سيطر فيها على الجزء الأول. وإن كان هناك من ملاحظة ليس على التقسيم فحسب بل على المضمون، فإن الملاحظة ينبغي أن تركز على القصور الذي اعترى الكتاب فلم ينظر إلى نماذج أخرى من الرَّفاه لا سيما تلك التي تنطلق من خارج التأطير الفلسفي، ولدينا نماذج دول الريع النفطي في الوطن العربي، وبعض الدول في شرق آسيا وإفريقيا.

 

- ما هو الرَّفاه؟

تُناقش المؤلفة ظهورَ المصطلح وتعيده إلى بداية القرن الرابع، حين كان يعني بداية رحلة جيدة كما تقول (ص:24)، ولكن هل بالفعل يمكن لهذا المصطلح أن يكون قد ظهر بداية في القرن الرابع فقط؟ ماذا عن الثقافات الأخرى، وفي اللغات الأخرى؟ ماذا عن الرَّفاه بوصفه معنى وليس بوصفه لفظا؟ إن المؤلفة قد تركتْ كل هذه التساؤلات، وسعتْ إلى تأصيل الكلمة كما تبدو في اللغة الإنجليزية، فالرَّفاه بوصفه فكرا أيضاً موجود في الفلسفات الكلاسيكية والفكر الديني؛ وهذا ما كان ينبغي التطرق إليه، وإن كان على سبيل التأصيل التاريخي لحركة المفهوم. وتقدِّم المؤلفة بعد ذلك عددا من التعريفات الحديثة، ثم تقول إنها في مجملها تنبهنا إلى أسس المفهوم وإلى مجموعة إشارات أوسع، وأولها اعتبار الرَّفاه متعلقا بالجماعة، أو بالموقف الذي يجد المرء نفسه فيه بدلاً من الإشارة إلى مجموعة مطلقة من الحاجات أو الظروف. والثانية أنَّ هناك ملاحظة تشير إلى المستوى الجمعي وكيف يرتبط نشاط الفرد بموارد ونواتج المجتمع والعكس بالعكس. وتوجز للرفاه ثلاثة معاني جوهرية (ص:28): الأول اقتصادي كلاسيكي: الرَّفاه بوصفه إشباعا للتفضيل، والثاني فلسفي سياسي، الرَّفاه بوصفه مثلا أعلى سياسيا وهدفا للتنظيم السياس بالحكومي، والثالث: سياسي اجتماعي، فالرَّفاه هنا يكمن في الاستجابة لمجموعة من المشكلات الاجتماعية.

وتبيِّن المؤلفة أن الرَّفاه في الليبرالية الجديدة يرتبط بالنفعية القائمة على إرضاء التفضيلات؛ فالأفراد يحققون الرضا من السلع والخدمات التي يشترونها؛ وهذا يظهر من الأسعار التي يبدون على استعداد لدفعها مقابل الخدمات والسلع، وهكذا فهم الرَّفاه هو فهم رضا الأذواق المرتبط بالاستهلاك. وفي المجال الاجتماعي أيضا التفضيلات هي التي تحدِّد القيم. فصاحب التفضيل الأعلى هو صاحب القيمة الأعلى. كما يتم وضع الكفاءة في دراسات الاقتصاد الكلاسيكي الحديث، فالرَّفاه يزداد على نحو واضح كلما ازداد دفاع أي عضو في المجتمع دون أن يتراجع رفاه أحد. ولكن هل هذا المبدأ حقيقة هو ما هو عليه في الليبرالية الجديدة؟ أم أنَّ الليبرالية الجديدة خرجت عن طور فلسفة الليبرالية الكلاسيكية، وترمي بمسؤولية الرَّفاه على السوق بشكل منفرد دون أن يكون هناك للدولة أي مسؤوليات مباشرة عدى التنظيم، وهي تسعى إلى تكريس الفردية؟

وتؤكد دالي ارتباط الرَّفاه في علم السياسة بغيره من المبادئ والشواغل كالمساواة والعدالة والحرية والحقوق، وكيف أنَّ الرَّفاه هدفٌ للحياة السياسية (ص:32). وفي التوجه الليبرالي الفرداني يكون الرَّفاه في الاستقلالية الفردية وإشباع الرغبات. وهذا يذكر بالنفعية أو التنافسية، الجميع ضد الجميع، ولكن التعاون يكون أنفع للمصلحة العامة. أما عند المنادين بالمساواة من أجل الشرط الجماعي ويبررون على أسس متعددة كحماية القصر والأطفال والعجزة وسد التفاوت الاجتماعي ويحظى العمل الحكومي بدور حيوي ضمن وجهة النظر هذه (ص:33).

وبالنسبة للرفاه من منظور اجتماعي، فيركز على الاجتماع والسياسة الاجتماعية، وعلى مكافحة الفقر والعوز والحرمان وتعزيز الأشكال المختلفة من الاستجابة الاجتماعية للعوز والمشكلات الاجتماعية.

وبما يتعلق بالمبادئ المحددة لحاجة الفرد في الرَّفاه، فتُبَيِّن المؤلفة كما تنقل عن ماسلوم (ص:40) أنَّ الحاجات الإنسانية، تبدأ بالحاجات الفيسيولوجية: الأكل والشرب والمنام، ثم الأمان: منزل، وطن أسرة، ثم الانتماء: الترابط الاجتماعي، ثم التقدير: تقدير الذات والاحترام والثقة بالنفس، وتحقيق الذات: فضيلة، إبداع، حل مشكلات. وكلها متصاعدة، فلا نفكر بالأمان إلا بعد إشباع الحاجات الفيزيولوجية. كما تعرض رأيا آخر يبين أنَّ هناك حاجات أخرى، بترتيب مختلف عن الأول، وهي ترى أنَّ الحاجات نسبية ليس لاختلاف الآراء ولكن أيضا لوجود حاجات غير معيارية ويصعب قياسها. أو كما تقول ترجمتها.

 

- بين الرَّفاه والسعادة:

وتناقش المؤلفة السعادة بوصفها مفهوما رائدا في ميدان الرَّفاه، حيث تنقل الزعم بأن السعادة تحاول أنْ تصبح علما جديدا (ص:56). وتُعدُّ الحالة الفردية أو الحالة العاطفية مؤشرا رئيسا على جودة الحياة والرخاء. ومع أنَّ المؤلفة لم تتناول هذا الأمر فيمكن في هذا الجانب النظر إلى ما تقوم به بعض الدول، لا سيما ما قامت به دولة الإمارات العربية التي أنشأت وزارة للسعادة، كون الأمر هنا ينطلق من مفهوم البحث عن السعادة للفرد، ولكن خارج السياقات الفلسفية والفكرية للرفاه، وفي حدود توفير الرَّفاه الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع. بَيْد أنَّ الكاتبة تؤكد الفرق بين المعنيين بأنَّ الرخاء هو المفهوم السائد وليس السعادة، فالهدف الأعلى هو أن تعاش الحياة جيدا بمعنى أن يحقق الأفراد ذواتهم ويشغلون أنفسهم في مساع تُمثِّل قيما ومعاني لهم. أي أنَّ الرَّفاه يعدُّ منظومة متكاملة لا ترتبط بالحالة الاقتصادية الجيدة فحسب، بل هناك توسيع للمفهوم داخل المجتمع يشمل جوانب حياتية واجتماعية وسياسية مختلفة تحقق -في الأخير- التوازن النفسي والاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمعات.

 

- فلسفات الرَّفاه:

وتناقش المؤلفة مكانة الرَّفاه في الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية والماركسية والمحافظتية؛ بوصفها فلسفات رئيسية انبنت عليها معظم سياسات الرَّفاه في العالم. فالليبرالية: تعني أنَّ الاستقلالية والفردية وحرية الاختيار، وتبادلات الأسواق، والمساواة أمام القانون، والحقوق المدنية والسياسية هي الأشكال السائدة للحقوق. أما الاشتراكية الديمقراطية، فترى الأفراد والمجموعات أنَّهم فاعلون سياسيون ضمن الدولة، التي هي المزود الرئيس للرفاه، والمساواة نتيجة من العدالة الاجتماعية. والماركسية: تهتم بالعلاقة بين الدولة والنظام الاقتصادي، ونظام الأفكار، وانتقاد السوق والدولة وترابطهما؛ إذ ترى أن دولة الرَّفاه تؤدي وظائف رأسمالية، أهمها الإسهام في استغلال الطبقة العاملة. أما المحافظتية: فتركز على النشاط الفردي والتنظيم، فيركز الرَّفاه في أشكال التقاليد في المجتمع، واستقلال الأسرة والمؤسسات، وتأكيد الواجبات والالتزامات، والمساواة فرص وصول متساوية وإجراءات عادلة. ويتَّضح أنَّ المؤلفة في عرضها لبعض الفلسفات السابقة قد انطلقت من منظورها ورؤيتها لها كممارسة، لا بوصفها مجموعة قيم وأفكار، أو كما تقدم الفلسفة نفسها. وتوضح المؤلفة أخيرا أن الفلسفة تضعف بفعل العمليات السياسية والمشروعات السياسية والخصومات السياسية. وهذا التداخل بين الفلسفة والسياسة يؤدي إلى تنظيم جديد من التزاوج ينتج عنه تنظيم مختلف للرفاه. إذ تُبيِّن أن الليبرالية نفسها تدخل فيها أربع مقاربات مختلفة بفعل تأثيرات السياسة وهذه الثلاث مقاربات تختلف بتباينات عدة فيما بينها، داخل الفلسفة الليبرالية ذاتها.

- دولة الرَّفاه:

يُعدُّ مصطلح دولة الرَّفاه أكثر شيوعا، واستعمالا من مصطلح الرَّفاه ذاته، وتستعمله المؤلفة بوصف دولة الرَّفاه البديل لدولة السلطة التي يحكمها الديكتاتور؛ وهذا يعني أنَّها تستبعد الرَّفاه من أي نظام يستثني الخيار الديمقراطي، فلا معنى للرفاه في ظلِّ الديكتاتورية والاستبداد. وتستعرض المؤلفة العديد من الأشكال المختلفة من حيث البنية لدولة الرَّفاه، وتتعرَّف عليها من خلال عدة معايير، أوسعها انتشارا وشيوعا هو إدراك معايير المعونة الواسعة وعناصرها المكونة، ولكن هنا نتساءل عن معايير ذلك في دولة الرَّفاه العربية وعن الفلسفة التي تتبعها تلك الدول، وهل بالفعل الرَّفاه هو بمقدار ما تقدمه الدولة من معونة لشعبها، أم يتمثل في منظومة متكاملة من بناء الوعي والتعليم والتثقيف والصحة والتنمية؟ أم أن المعيار الديمقراطي سيخرج هذه الدول من فكرة الرَّفاه؟ وماذا عن مؤشرات السعادة العالمية التي تضع بعض الدول العربية على مؤشراتها بحيث تمثل السعادة جزءا أساسيا من فكرة الرَّفاه؟ وتقدم المؤلفة نموذج الدول القومية في أوروبا الغربية التي تتحمل مسؤولية حصول المواطنين على بعض خدمات التعليم والإسكان والخدمات الاجتماعية والصحية، وبينما قد لا تكون تلك الدول المزود المباشر لتلك الخدمات على الدوام، إلا أنَّ معظمها يأخذ على عاتقها ضمان أن الخدمات متاحة على نطاق واسع، بوجود مستوى خدمات مرض، وهذا ربما أقلُّ ما يحصل عليه المواطن في بعض الدول العربية، إذا استثنينا البعد الديمقراطي الذي يبدو أنه حاسمٌ في هذا الأمر.

- من يُوفِّر الرَّفاه؟!

تُثير الباحثة تساؤلا مُتعلِّقا بمن يكون عليه توفير الرَّفاه، هل السوق أم الدولة. حيث تدرس بداية سوق العمل ثم تدرس أداء الدولة من خلال الإعانات وتأثيرها في الرَّفاه المادي. فالرَّفاه عن طريق السوق يكون بالأجر الذي يعد المصدر الأساسي للرفاه، ويشكل النصف إلى الثلثين في أغلب البلدان من مصادر الدخل. كما تُعدُّ البطالة أكبر خطر يهدِّدُ الرَّفاه وتزيد نسبتها من بلد إلى آخر (ص:152)، ففي حين ظلَّتْ البطالة محافظة على نسبتها في أوروبا، فقد زادت في الولايات المتحدة. كما أنَّ العمل ليس مرادفا بالضرورة للرفاه، فهناك ما يسمى "فجوة الرواتب". لأسباب مختلفة؛ منها: التعليم والتأهيل واختلاف القطاعات، كما تركز على خطورة سوق العمل فقد ثبت أنه أقلُّ أمنا وفاعلية بوصفها مصدر دخل وضمان مادي.

وهناك عمليات رئيسية تتمثَّل بتقليص الوظائف عبر تسريح الموظفين ليس بسبب انخفاض الطلب في المنتجات، بل لرفع الأسهم عبر تسريح العمال تسريحا نهائيا أو التعامل مع الضغوط التنافسية وإعادة تنظيم عملية الإنتاج، وكذلك نقل المصانع من أجل كسب المزيد من الأرباح فزادت البطالة وقلَّ العمل. ويلاحظ أنَّ الكاتبة هنا لم تشر إلى خطورة الليبرالية الجديدة المغرقة في الفردية التي بدأت لا تهدد سوق العمل والجانب الاقتصادي فحسب، بل تهدِّد الجانب الديمقراطي ذاته، الذي انطلقت المؤلفة منه لتضعه المعيار الرئيس للرَّفاه. كما أنَّها لم تضع متقرحات لتعزيز دور الدولة التي تحاول الحفاظ على التوازن وعدم السماح للسوق بالانجراف نحو الفردية المفرطة التي تنعكس سلبا على الرَّفاه.

- علاقات الرَّفاه الشخصية والاجتماعية:

كما تبحث المؤلِّفة مفهوم الرَّفاه بما يتجاوز الجانب المادي، وتوضِّح أنَّ النشاط المولِّد للرفاه يعقد عليه أيضا في المجال غير الرسمي للأسرة والمجتمع المحَلِّي. حيث تعد الأسرة أو المنزل موقعا لإعادة توزيع الدخل. وتُبَيِّن أنَّ هناك طرائق مختلفة لمقاربة قضية العلاقة بين الأسرة والرَّفاه، تتجسَّد عبر مفهوم التكافل الأسري؛ إذ يساعد هذا المفهوم المعياري على التمييز بين العون المتبادل المادي والفعال من جهة والصلاة الاجتماعية والاندماج في شبكات العلاقات من جهة أخرى (ص:184). كما أنَّ هناك جانبا ماديا لثقافة الأسرة يتمثل في فكرة التكافل الأسري المتمثِّل في نقل الملكية بين الأجيال عبر تحويل الأموال من الآباء إلى أبنائهم في أوروبا وأمريكا بنسب كبيرة، أو نقل الملكية عبر الإرث. كما ينظر إلى الشبكات والصلاة الاجتماعية والموارد الثقافية في الأسرة على أنَّها شكل من أشكال رأس المال. ويمكن استخلاص أنَّ الرضا عن الحياة الأسرية في بلدان الاتحاد الأوربي -حيث الرضا عن الحياة مرتفع جدا عموما- هو المحدِّد الأقوى لجودة الحياة الذاتية (ص:188). ومن ثم فإنَّ مستوى الرضا داخل الأسرة واحد من المحددات الرئيسة لصنع الرَّفاه داخل المجتمع.

كما تُبيِّن المؤلِّفة أنَّ الأسرة تسهم بشكل أساسي في صنع الرَّفاه من خلال ما يُسمَّى "الاقتصاد الأسري" أيضا، وليس فقط التكافل بين أفرادها. ولكنها تحذر من خطورة اعتبار الأسرة مانحة للرفاه فحسب. وخطر هذا المنظور الإيجابي يتمثَّل في أنَّ الأسرة موقع سلطة ومعاملتها بهذه الطريقة الموحَّدة يتناقض مع المعرفة بشأن أوجه عدم المساواة بين أفراد الأسرة. فالأطفال مثال واضح على أفراد الأسرة الذين يفتقرون إلى السلطة والنفوذ والموارد الخاصة ضمنها، كما أنَّ الأسرة ميدان معروف للعنف. وهذه الأسباب تؤدِّي إلى التحفظ في شأن الاطمئنان إلى دقَّة دخل أهل البيت وإعادة توزيعه بينهم مع عدم الأخذ في الحسبان بالخلافات الفردية في الحصول على الموارد.

وتؤكد، أخيرا، على أهمية المجتمع المدني بمختلف تشكُّلاته ومؤسساته في صنع الرَّفاه. حيث يمتلك نشاطا موجها غالبا لتحقيق المصلحة العامة. وهي تردد أصداء الديمقراطية وتعتبر عموما منتجة للرفاه، من حيث قدرتها على التعبير، وتوفير الاحترام للأفراد والمجموعات، وحشد المقاومة لبنية السياسة الرسمية ومصالحها.

--------------------------------

- اسم الكتاب: "الرَّفاه".

- المؤلِّف: ماري دالي.

- المترجم: عمر سليم التل.

- الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2015.

- عدد الصفحات: 246 صفحة.

أخبار ذات صلة