الحرب الأمريكية من أجل الشرق الأوسط الكبير

غلاف كتاب الحرب الأمريكية من أجل الشرق الأوسط الكبير.jpg

فينان نبيل

كاتبة وباحثة مصرية

يقدم الكاتب إعادة تقييم للسياسة العسكرية الأمريكية المدمرة في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الماضية، ويرصد التحول الكبير في السياسة الأمريكية بعد انحسار الحرب الباردة، وبداية صراع جديد، وتبني أمريكا الحرب من أجل "الشرق الأوسط الكبير" والتي لا تزال دائرة حتى اليوم، الحرب الجديدة امتدت لتشمل العالم الإسلامي من شرق أفريقيا إلى البلقان والخليج العربي ووسط آسيا، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال الحملات على امتداد العالم الإسلامي- والتي يبدو أنّها لن تنتهي- حقق القليل منها نجاحا حاسما، كما أنتجت الإجراءات التي اتخذتها من أجل تعزيز السلام والاستقرار نتائج عكسية. ونتيجة لذلك، أصبحت عبارات مثل "الحرب الدائمة" و "الحرب المفتوحة" جزءا من الخطاب اليومي.

 

يلقي المؤرخ العسكري باللوم على "جيمي كارتر" الرئيس الأمريكي ويحمله مسؤولية خمس وثلاثين سنة من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث ارتكب عدة أخطاء أدت إلى إهدار الكنوز الأمريكية على مدى ثلاث عقود، الخطأ الأول: دعوة كارتر الأمريكيين لوقف عبادة "الانغماس في الذات والاستهلاك"، والانضمام إلى جهد وطني للحفاظ على الطاقة، مؤكدًا فيما يُعرف "بخطاب الشعور بالضيق" أنّ تحرير الأمريكيين من اعتمادهم على النفط الأجنبي" يساعد على التغلب على أزمة الروح في بلدنا". وأضاف كارتر أنّ عدم القدرة على التحكم في الصراع والسيطرة على المصير الأمريكي وصيانته ستقود المجتمع الأمريكي للفوضى والجمود. وأكد أنّ المشكلة الأساسية هي إدمان المجتمع الأمريكي على النفط.

الخطأ الثاني: عندما تولى كارتر الرئاسة كان عليه أن يواجه ما يسمي الخوف المفرط من "الشيوعية" والذي اجتاح الولايات المتحدة، فارتكب خطأه الثاني حيث قام بالتوقيع على مذكرة تعاون لدعم المتمردين الأفغان ضد النظام المدعوم من السوفييت في كابول، بميزانية صغيرة فقط 500000 ألف دولار. في شكل إمدادات طبية أولية في المقام الأول ومعدات اتصال، بينما رأى البعض أنّ هذا الأمر كان ضروريا لردع السوفييت من التدخل في الخليج العربي، يرى باشيفتش أنّ السماح للدعم الأمريكي للمجاهدين الأفغان ضد النظام المدعوم من السوفييت في أفغانستان خطوة ساعدت في نهاية المطاف على زيادة انتشار الإسلام المتطرف، كما أعلن كارتر أنّ الولايات المتحدة سترد بالقوة العسكرية على أي جهد خارجي للاستيلاء على حقول النفط في الخليج العربي، هذا الإعلان افتتح حرب أمريكا في الشرق الأوسط الكبير. وأخيرًا يرى باسيفتش أنّ كارتر في سلسلة متصلة من الأخطاء قد تورّط في علاقات قوية مع أنظمة وصفها باسيبفتش على حد قوله (بالقمع والفساد) ذاكرا أنّ وكالة المخابرات الأمريكية CIA)) ساهمت في إعادة شاه إيران إلى السلطة والإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا. ويصف سياسته تجاه إيران بأنّها غير حكيمة. وأنها وضعت بذور الحرب من أجل الشرق الأوسط الكبير، وضاعفت أخطاء تم توارثها حتى اليوم.

حاول كارتر إقامة علاقات إيجابية مع إيران، في حين نظر المعارضون الإيرانيون إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنّها متطفلة، ولشاه إيران على أنّه صنيعة أمريكية، ومع نفور بعض شرائح المجتمع من الشباب والليبراليين والعلمانيين والمحافظين الدينيين من سياسة الشاه قامت الثورة الإيرانية ضده، وهرب الشاه إلى المنفى عام 1979، مما أدى لأزمة النفط الثانية، وانخفاض الإنتاج الإيراني من النفط بشكل حاد، وأعلنت منظمة الأوبك سلسلة من الزيادة في الأسعار.

جدير بالذكر أنّ "أزمة النفط الأولى" كانت عقب حرب أكتوبر سنة 1973، حيث دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في الحرب، وعلق العرب صادراتهم النفطيّة للولايات المتحدة والغرب، وبعد انتهاء الحرب تم استئناف استيراد النفط، ولكن بعد أن أصبح توفر النفط وسعره مصدر قلق على الأمن القومي الأمريكي. وتبدّل التسلسل الهرمي في أولويات الأمن القومي وتحول عن الأسلحة النووية والاتحاد السوفييتي إلى الشرق الأوسط. تحول هدف كارتر بعد ذلك إلى الحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة، وأضاف الخليج العربي إلى قائمة الأولويات الاستراتيجية الأمريكية إضافة إلى الدفاع عن أوروبا الغربية وشمال شرق آسيا.

ذهب نيكسون في ذات الاتجاه حيث باع أعلى خطوط الأسلحة الأمريكية لإيران مقابل دعم استيراد النفط بالأموال متصورا أنّ إيران هي ضمان الاستقرار في الخليج إلى جانب المملكة العربية السعودية.

اجتمع الغزو السوفييتي لأفغانستان وانتخابات "ريجان" كأسباب وجيهة لأحياء الحرب الباردة وازداد الأمر تعقيدا، فأضحت الدول الني تلقت الحماية من الولايات المتحدة مثل إيران لا تريد التعاون معها، بدأت الولايات المتحدة بتطوير الموانئ التي كانت وعدت بوصولها إلى مصر وكينيا والمغرب وعمان والصومال وقامت ببناء قواعد أبعد من احتياجاتها، أو قدرتها على العمل في المملكة العربية السعودية. وأقامت سلسلة من البرامج التدريبية في المنطقة من أجل تشجيع وتعزيز التسامح على وجودهم المتزايد في المنطقة. بدأت أيضا في إنفاق بلايين الدولارات في شكل مساعدات عسكرية في المنطقة بلغت 9.1 دولار في1984 و11 بليون دولار في العام التالي.

قام قادة الكرملين بعد تولي ميخائيل جورباتشوف بدور بارز في العمل على إنهاء الحرب الباردة منذ عام 1985، وقبل جورباتشوف الشروط الأمريكية 1987 لمعاهدة نزع الصواريخ النووية متوسطة المدى من أوربا، كما أعلن خطة لإنهاء الاحتلال في أفغانستان في فبراير 1989، وغادرت آخر الوحدات السوفييتية أفغانستان مع نهاية العام، فوجد الجيش الأمريكي نفسه أمام دبابات وأطقم الدبابات الزائدة عن الحاجة التى لا يعلم ماذا سيفعل بها بعد النهاية المفاجئة للحرب الباردة، فبدأت الولايات المتحدة توجه أصابع الاتهام لصدام حسين باعتباره عدو الشعب الجديد (رقم1)، ومعوق السلام الذي لم يتحقق أبدا.

 وجهت الولايات المتحدة جهودها نحو دول الخليج مستغلة عنصر الدين )السنة مقابل الشيعة(، في ظل استياء الشعوب من تدخل الغرب. أصبحت الولايات المتحدة تلعب دورا أقوى بكثير من أي وقت مضى في العراق، وإسرائيل وفلسطين، وباكستان، واستحقت ليبيا مكانًا بارزا في قائمة الدول الراعية للإرهاب نتيجة دعم القذافي للقضية الفلسطينية -على حد قول المؤلف-.

يرى المؤلف أنّ أحد الأسباب الجذرية "للحرب من أجل الشرق الأوسط الكبير" هو توفير الطاقة الرخيصة للولايات المتحدة الأمريكية. الحفاظ على الطريقة الأمريكية في الحياة.

يرى باسيفتش أنّ الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية انغماس الرأي العام الأمريكي في "الحسابات الرقمية الضحلة، وعبادة المشاهير". ويرى أنّ الأمريكان يدعمون الحرية والديموقراطية والازدهار في الدول الأخرى مادامو يحصلون منها على نصيب الأسد، وضمان أن يتمتع الأمريكان بحصتهم فيها - حتى وإن كانت أكثر من حصتهم الشرعية العادلة-. تحتل الحرية، وتوفير الأمن المقام الأول لدى المواطن الأمريكي، وكل ما عداهما يأتي في مرتبة لاحقة.

يعد هذا الكتاب لباسيفيتش امتدادًا لسلسلة من الكتب النقدية للدور الخبيث الذي تعكسه السياسة الخارجية للمادية الأمريكية. يشحذ باسيفتش فكره في هذا الكتاب بلا خوف، مهاجما بعنف الصحفيين وخبراء السياسة الخارجية والجنرالات أيضا، ويربط بين أكثر من عشرات التدخلات العسكرية الأمريكية التي تمت على مدى خمسة وثلاثين عاما، ويعلن أنّها حرب واحدة. حلل باسيفتش كل تدخل أمريكي باحثا عن الموضوعات المشتركة بين تلك التدخلات منذ عثرات كارتر 1970، إلى انتشار باراك أوباما على نطاق واسع في ظل التطور التكنلوجي في التسليح مستخدما الهجوم بالطائرة بدون طيار.

يعلن باشيفتش أنّ ميل واشنطن للتدخل مدفوع بتعطش أمريكا للنفط، وتطور الصناعات الحربية المعقدة التي تظل في حاجة دائمة لأعداء جدد، بالإضافة لهذين العاملين يضيف التفكك والتنافر العميق بين "الجمهوريين والديموقراطيين" الذي يولد تدخلات عسكرية محكوم عليها بعدم التماسك والارتباك.

تناول باشيفتش الاستراتيجية العسكرية برؤية ثاقبة، وأورد أمثلة عديدة يناقش من خلالها الأساطير المدمرة حول فعالية القوة العسكرية الأمريكية، من الصومال 1993، إلى اليمن اليوم. والقادة الأمريكان وصناع السياسة يبالغون في تقدير تقدم القوة التكنولوجية العسكرية الأمريكية، ويفشلون في أن يقرروا ما إذا كانت في حالة حرب أم لا، على الرغم من أنّها في الواقع في حالة حرب، كما يعلن القادة العسكريون الأمريكيون الانتصارات مبكرا – وفي خطأ متكرر- بدون تأكد أو إدراك أنّ خصمهم انسحب بسهولة من أجل العودة للقتال في أيام أخرى فيما يسمى "بحرب العصابات"، كما حدث في أفغانستان في 2001، كما أنّهم يلجؤون "لشخصنة العدو" في افتراض خاطئ أنّ إزالة أشخاص مثل صدام حسين وأسامة بن لادن ومعمر القذافي سينهي الصراع على الفور.

أوضح الكاتب أنّ استخدام القوة الساحقة المميتة لن يسبب إيقاف أذيال الديكتاتورية أو الإرهاب، وهذا ما لا يريد أن يصدقه السياسيون في واشنطن وصناع السياسة العمياء من الجنرالات والناخبين، وإنما غالبا ما يؤدي إلى الاستياء والفوضى. يقول باسيفيتش: "من الآن فصاعدا، يجب أن تكون القوة العسكرية بمثابة خادمة الدبلوماسية، وقد يكون العكس صحيحا، يجب أن يستوعب "المسؤولون الأمريكيون أنّ القوى التاريخية التي عملت في الشرق الأوسط تختلف في الديناميّات التي قادت الأمريكان للنصر في الحرب العالمية الثانية، وأكثر من ذلك أنّ سياسة واشنطن الخادعة التي تأسست على أنّ الطريقة الأمريكية في الحياة القائمة على (الاختيار، والاستهلاك) يمكن قبولها في العالم الإسلامي مع الوقت، يرى أنّ تأسيس الحياة في المجتمع الإسلامي على فكرة (الاستهلاك والاختيار) ربما لن تكون فعّالة مع نمط الحياة الإسلامي، وإن كان ذلك ممكنا لديانات أخرى في "العالم المسيحي"، أو "العالم "الهندوسي" أو "العالم اليهودي"، ولكن الأمر يصعب تطبيقه مع مئات الملايين من المسلمين في العالم.

تعثر باسيفتش في وصفه للعالم الإسلامي، وافتقر الكتاب لوصف شعوب العالم الإسلامي ولشخصية المسلم الأكثر تطورا، فيما عدا شخصيتي صدام حسين، يعقبه بفارق كبير الرئيس الأفغاني الرسمي حامد كرزاي. يتعامل مع باقي العالم الإسلامي الذي يقدر بـ1,6 بليون مسلم على أنّه مجرد أرقام. جمع باسيفيتش بين عدد من الجنسيات من البوسنيين والعراقيين والصوماليين تحت وصف "المسلمين" في المقام الأول متناولا التعقيدات السياسية والاقتصادية والثقافية لكل دولة بينما حين طرح تساؤلا عن كيف يرى المسلمون العالم؟ أجاب ببساطة أنهم يتهمون واشنطن بمحاولة فرض التبعية.

ألقى باشيفيتش الضوء على نقطة حيوية في الشرق الأوسط اليوم، وهي الصراع الوحشي التاريخي بين الراديكالية والحداثة وتأثيره على مستقبل المنطقة، ويمكن القول إنّ الولايات المتحدة ليس لها مكان في هذا القتال. وضع باسيفتش حدودا للقوى التي تعمل في المنطقة واصفا إيّاها بأنّها أيضا تلعب بأيادي المتطرفين الذين يسعون لتقسيم العالم دينيا.

 يتساءل باسيفتش عن "التعددية" كأحد التساؤلات المثيرة للجدل في العصر الحاضر، مؤكدا أنّ اختلاط الحضارات في الأصل أمر جيد، ويعزز التعددية ويثريها، سواء كان التحريض على التعددية ولد تلقائيا أو بتحريض من الديماغوجيين والمحرضين؛ فالعالم كتلة واحدة مترابطة لا محالة. واختلاط الثقافات لا يمكن وقفه، ولا ينبغي.

باشيفتش عسكري مخضرم وأحد المواطنين الأمريكيين ممن يحترمون العلاقات الخارجية بشدة.

يصف باشيفيتش التدخل العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالحمق، وأنّ الإذعان الكامل للإيمان بالقوة العسكريّة ونقص استثمار الدبلوماسية يكبل سياسة واشنطن. يدعو باسيفيتش الأمريكيين لإعادة النظر في النهج العسكري لبلادهم في الشرق الأوسط كأمر ملح وضروري

الكاتب: اندرو جي باشيفتش- وهو أستاذ متقاعد في التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن. تخرج في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، خدم ثلاثة وعشرين عاما كضابط في جيش الولايات المتحدة. حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ، وقبل انضمامه إلى هيئة التدريس في جامعة بوسطن في عام 1998، عمل أستاذا في ويست بوينت وفي جامعة جونز هوبكنز.

-------------------------------------

الكتاب: America's War for the Greater Middle East: A Military History

الحرب الأمريكية من أجل الشرق الأوسط الكبير: التاريخ العسكري

المؤلف: أندرو جي باشيفتشAndrew J. Bacevich

الناشر: New york-random house-2016

اللغة: الإنجليزية

أخبار ذات صلة