طرق السالكين عند جماعة المتصوفين

هند الحضرمي

من خلال تتبع تاريخ نشأة الصوفية أو لنقل التصوّف في الإسلام بشكل خاص نجد أنّ هذه الحركة ظهرت في القرن الثالث الهجري وهناك من يرى أنّ بدايتها كانت في نهاية القرن الثاني الهجري ورغم أنّ الفكرة الجوهرية للتصوف وجدت منذ القدم وفي مختلف الديانات والفلسفات العقائدية المختلفة متمثلة في الرهبنة والزهد عن الحياة المادية وما سمي في الفلسفة اليونانية بحب الحكمة الإلهية إلا أنّ التصوف في الإسلام تطور منذ القرن الثالث والرابع الهجري وظهرت مجموعة من الطرق الصوفية التي وإن اختلفت عن بعضها في جوانب إلا أنّها تشترك في جوانب أخرى وقد استعرض علي دحروج في مقاله المعنون بـ " الطرق الصوفية: أهداف وغايات" بعض هذه الطرق وأهم تعاليمها.

وقد بيّن دحروج ماهيّة الطريق عند الصوفيين موضحا بأنّه ذلك الدرب الذي يجب أن يسلكه كل من أراد الوصول إلى النور الإلهي من خلال ترك كل ما هو دنيوي وفانٍ ليحقق المريد بذلك لروحه الرقي في مدارج الكمال، ولأنّ هذا الدرب ليس من السهولة بمكان يجب أن يدرك كل مريد بأن الوصول لهذه الغاية العليا يتطلب سلامة وصحة بداية المسلك لكي تستقيم حينها النهاية "ولأنّ البداية كلما كانت أحكم كانت النهاية أتم وأسلم".

ويمكننا فهم معنى الطريق كما ذكر الحارث المحاسبي – أحد أبرز أعلام الصوفية – من خلال معرفة السلوك الذي يمارسه الصوفي، والذي يرفض فيه الملذات الدنيوية ومجاهدته للنفس وأهوائها ومواجهته لكل ما يعيقه عن تحقيق أعلى درجات القرب من الله، كما بيّن إمام المتصوفين شهاب الدين السهرودي أنّ أهم شروط السالكين في هذا الطريق هي "الإنابة" لله حتى يهديهم الله سبله "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" ولكي تتحقق الإنابة التي يستحق بها المريد هداية الله عليه أن يكابد كل المشقات والمعيقات.

ومن خلال ما سبق يمكننا فهم الإطار العام للصوفيّة الذي إذا اتبعه المريد فإنّه سيصل للسعادة التامة وهذا الإطار يستوجب كما أوضح دحروج "الإنسلاخ كليًا عن عالم الحس والمشاهدة والتخلص من مادية الحياة والارتقاء بالنفس والروح إلى مصاف الأنبياء " وقد تطور مفهم الطريق لدى الصوفيين إلى أن وصل لاشتراط وجود عهد بين المريد والشيخ الذي سيتعلم منه خلال سيره على هذا الطريق وقد ذكر الشيخ الجزائري ذلك بقوله "إنّ الطريقة تعني اتصال المريد بالشيخ وارتباطه به حيا أو ميتا وذلك بواسطة ورد من الأذكار يقوم به المريد بإذن من الشيخ أول النهار وآخره، ويلتزم به بموجب عقد بينه وبين الشيخ، وهذا العقد يعرف بالعهد..." كما بين دحروج طبيعة هذا العهد بين الشيخ والمريد إذ يشترط "التوبة والاستقامة والدخول في طريق ذكر الله والالتزام بآداب الطريقة والالتزام بأوراد وأحزاب شيخ الطريقة في المواعيد والمناسبات التي يحددها له".

وقد عرض دحروج بعضا من الطرق الصوفية ومن بينها ما يلي:

  1. الطريقة الشاذلية وتنسب هذه الطريقة إلى أبي الحسن الشاذلي ولها ظاهر وباطن فأمّا الظاهر فهو ما يتعلق بإصلاح الجوارح وأمّا الباطن فهو ما يتعلق بإصلاح الباطن، وتقوم هذه الطريقة كما ذكر دحروج خمسة أصول وهي "تقوى الله في السر والعلانيّة واتباع السنة في الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق في الإقبال والآدبار، والرضا عن الله في القليل والكثير والرجوع إلى الله في السراء والضراء، كما لها أربعة أركان وهي محبة وذكر وفكر وتسليم" وأهم هذه الأركان هي المحبة لأنّ المريد إذا تحقق لديه الحب الإلهي فإنّه سيسعى لتحقيق باقي الأركان.
  2. الطريقة النقشبندية وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية انتشرت في فارس وبلاد الهند. وحقيقة هذه الطريقة كما ذكر دحروج في مقاله تقوم على "الحضور مع الله بدوام الذكر والفكر وعدم الغفلة عنه في جميع الأوقات إلى جانب الحرص على إخفاء الذكر"وقد حدد أصحاب هذه الطريقة جملة من الشروط لابد أن يعييها المريد ويلتزم بها حتى يصل للتوافق الداخلي والخارجي ومن بين هذه الشروط : (التوبة الصادقة ورد المظالم واسترضاء الخصوم، أن يأخذ المريد البيعة والعهد الصحيح من شيخ عالم كامل، التخلق بالحلم والتواضع ولين الجانب، وأهم هذه الشروط هو الوقوف القلبي وهو "حراسة القلب لكي يذكر الله دائمًا ولا يغفل عنه ويكون القصد من الذكر (المذكور) لا الكلمة وينتظر السالك البركة متوجها إلى السماء ومع أنّ الله سبحانه في كل مكان فإنّ السماء بالاعتبار الإنساني هي مركز العلو والبركة" وقد رأى شيخ النقشبندية بهاء الدين أن هذا الوقوف ضروري جدًا فإذا فقده السالك الذاكر أصبح ذكره مجرد حركة لسان أو قلب دون وعي ودون أن يحصل على شيء).
  3. طريق الدرقاوية وهي كما بين دحروج تشابه طريق الشاذلية بين الأهداف والغايات والتنظيم وتنسب إلى محمد العربي الدرقاوي، وقد كان لهذه الطريقه نشاط تربوي في المجتمع المغربي.
  4. الطريقة القادرية وتنسب إلى الإمام محيي الدين عبدالقادر الجيلاني، ومن أهم خصال هذه الطريقه  "ترك الحلف بالله مطلقا، اجتناب الكذب في الجد والهزل وعدم إخلاف الوعد والحذر من إيذاء الخلق ولعنهم وتحمل الظلم واجتناب الدعوة عليهم - أي على الظلمة - ورفع المؤونة عن الخلق والاستغناء عنهم وقطع الطمع عن النفس جملة والانقطاع إلى الله والتواضع لأنّه أصل كل الطاعات وغاية شرف الزاهدين الناسكين".
  5. الطريقة التيجانية أسسها أبو العباس أحمد التيجاني 1230هـ، يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفيّة ويزيدون عليها الاعتقاد بإمكانية مقابلة النبي مقابلة مادية واللقاء به لقاء حسيا في هذه الدنيا، فمؤسسها كان يرى "أنّ جميع الأمور صادرة عن الرسول صل الله عليه وسلم فهي معصومة عن الخطأ والزلل ولا يمكن أن تناقش".

وبعد ذلك العرض لبعض الطرق الصوفية على - سبيل المثال لا الحصر – بيّن دحروج المفاهيم العامة الكبرى التي يتضمنها المنهج العملي والذي تشترك  فيه كل الطرق الصوفية ومن تلك المفاهيم ما يلي:

  • الشيخ المريد أو (الوارث المحمدي) والذي يجب أن يحيط به قدر كبير من العلم والوقار والهيبة.
  • البيعة أو العهد وتستوجب اتباع المريد لشيخه اتباعا مطلقا.
  • الخلوة أي العزلة والانقطاع عن الخلق "وبدون الخلوة لا يمكن أن يعرف الإنسان الصوفي حقيقة التصوف".
  • المجاهدة من خلال التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.
  • الزهد قطع العلاقة بالدنيا والانصراف الكلي إلى الله، فمتاع الدنيا وزينتها تحجب العبد عن ربه.
  • العلم وقد قسمه الصوفيه إلى علم ظاهر وعلم باطن وميزوا بين الشريعة والحقيقة.
  • أمّا البناء العلمي فقد تمثل في الأذكار ومجموعة الأوراد التي تنطلق من القرآن والحديث والأدعية المأثورة عن الصحابة والتابعين.

 

 

 

 

أخبار ذات صلة