العدالة: ما الجدير أن يُعمل به؟

غلاف كتاب العدالة.jpg

لمايكل ساندل

سميح عز الدين

كتاب في فلسفة الأخلاق التي تقوم عليها الاتجاهات العادلة، يطرحه كاتبه من خلال عرض نظريَّتَين في العدالة ونقدهما: نظرية النفعية ونظرية الليبرتارية. وذلك بأسلوب مبسَّط يستعرض فيه الأمثلة الواقعية طارحًا الأسئلة المنطقية قبل استنباط الإشكالية وتحليل منطلقاتها.

الفصل الأول: فِعل ما يجدر فعْلُهُ

ثلاثةُ مذاهب في العدالة

أن تسأل ما إذا كان المجتمع عادلاً، هو أن تسأل كيف توزَّع الأشياء التي يؤمنها الدخل والثروة، والواجبات والحقوق، والسلطات والفرص، المناصب والتشريفات. والأسئلة الصعبة تبتدئ حينما نسأل: ماذا يستحق الناس ولماذا؟ هناك ثلاثة مذاهب في توزيع المنافع: الرفاه، والحرية، والفضيلة. وكل فكرة من هذه الأفكار تُشير إلى طريقة مختلفة في التفكير بالعدالة. والجدالات فيها تعكس اختلافات في معنى تعظيم الرفاه، أو احترام الحرية، أو إشاعة الفضيلة. وبعضها الآخر يعكس اختلافاً في طريقة التصرف إذا تعارضت هذه المثل. وليس بمقدور الفلسفة السياسية أن تحسم هذه الخلافات نهائياً، ولكن يمكنها أن تصقل حججنا، وتقدِّم وضوحاً أخلاقياً للخيارات التي تواجهنا بصفتنا مواطنين ديمقراطيين.

وضرب الكاتب أمثلةً للتوضيح: فالرفاه والحرية هما قيمتان يتحكَّمان بالسوق، فهل يجب في أوقات الأزمات ترك السوق على تسعيرته أم تقييده ومكافحة التحايل في الأسعار بناء عليهما أيضًا بسبب انتفاء الحرية بالضرورة ومناقضتها للفضيلة؟ وهل على التدبير السياسي أن ينطوي على حكم أخلاقي؟ ومَن المخوَّل بتقريره؟ أم يُمكن للقانون التزام الحياد؟

والميدالية التي تُعطى لمَن أُصيب جسديًا فقط في المعارك باعتبار ذلك شرفاً في مواجهة العدو، أم لها معنى نفسي رغم صعوبة التشخيص واحتمال كونها علامة ضعف في الجندية؟

وإعطاء مبالغ ضخمة للبنوك بعد الأزمات بما فيها علاوات المديرين، هل هو مكافأة للفشل؟ أم وسيلة جلب مواهب فعلت ما بوسعها لتفادي الأزمة وتمتين ثقتها بالنظام الاقتصادي؟

هل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص من حادث هو مبرِّر لقتل أبرياء أقل عددًا؟

هل يكفي التخمين في الحرب بأنَّ الأسير قد يُشكِّل خطرًا مبرِّرًا لقتله؟.

الفصل الثاني: مبدأ تعظيم السعادة، النفعية

إذا تناولنا قيمة الرفاه بدايةً، نجد أنَّ مذهب النفعية اعتبرها قيمته الأساس، فجعل أخلاق المجتمع (حقوق الجماعة) تقوم حصرًا على الرغبات (السعادة). وقد نشأت بسبب ذلك تعارضات بين الحقوق الفردية وحقوق الجماعة، وجدالات بين التقليديين والإصلاحيين.

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح: هل أخلاقية العمل تعتمد على تبعاته (وضعية أفضل)، أم أنَّ هناك واجبات وحقوقاً يجب علينا احترامها، بغض النظر عن تبعاتها الاجتماعية؟

هل الأفراد في المجتمع مهمون، أم مهمون فقط في سياق احتساب خياراتهم ضمن الجماعة في المجتمع؟ فالمجتمع قد يسرُّه النظر إلى مشهد يتألَّم فيه الإنسان، والتعذيب عند الاستجواب يُسبب الألم للمشتبه به بهدف حماية آلاف الأبرياء، وإذا أرادت الأغلبية حظر مذهب ديني فهل يحق لها ذلك؟

إنَّ الأخلاق هي مسألة واجبات وحقوق إنسانية أصلية، سواء أكانت طبيعية أم مقدسة أم ثابتة أم مطلقة.

الفصل الثالث: هل أنفسنا ملك لنا؟ الليبرتارية (أصالة الحُريِّة والمِلكيّة)

وإذا تناولنا قيمة الحرية، نجد أنَّ مذهب الليبرتارية (المنادية بأصالة الحرية والملكية) اعتبرها قيمته الأساس، فذهب إلى تأصيل راسخ للحقوق الفردية.

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح: يرفض الليبرتاريون القوانين التي توضع لحماية الناس من أنفسهم (كحزام الأمان مثلاً)، لأنَّها تنتهك حق الأفراد في اختيار المخاطر التي يريدون أخذها على عاتقهم. كما يرفضون استخدام القوة القاهرة للقانون في تعزيز مفاهيم الفضيلة أو التعبير عن القناعات الأخلاقية للأغلبية (منع البغاء). كما يرفضون سنّ قوانين ملزِمة لمساعدة الآخرين ماديًا (الضرائب). فتُصبح الدولة عندهم تعمل بالحد الأدنى: دولة تنفيذ العقود وتحمي الناس من العنف والسرقة والخداع.

ولكن بالمقابل، نبَّه الكاتب إلى أنَّ لفكرة مِلكية النفس جاذبيةً هائلةً، خصوصاً في معرض تأصيل راسخ للحقوق الفردية. ففكرة أني مِلكُ نفسي ولست مِلكاً للدولة أو للجماعة السياسية، هي إحدى طرق توضيح لماذا من الخطأ التضحية بحقوقي لأجل رفاه الآخرين. تبرز دعوى مِلكيّتنا، وشخصياتنا، فإن لنا مطلق الحرية في تسييرها كيفما نشاء (شريطة ألا نؤذي الآخرين)، وعلى الرغم من أن لهذه الدعوة سحراً وجاذبية، ولكن هناك فارق بينها وبين حرية التصرُّف في المملوك.

وضرب الكاتب مثالا بيع الأعضاء الإنسانية للتوضيح: فغالبية البلدان تمنع بيع وشراء الأعضاء لأجل زراعتها، وعشرات الآلاف من الناس يموتون سنويّاً في انتظار زراعة الكلية، وإن العرض سيزداد لو توفَّر سوق حر للكلى كذلك. يقولون: إن الناس المعوزين إلى المال، يجب أن تكون لهم حرية بيع كُلاهم إذا أرادوا. إن كنت تؤمن أننا نملك أنفسنا، فسنجد صعوبة في قول: لا. فالذي يهم ليس الغاية، وإنما الحق في التصرف بملكيتنا كيفما نشاء. طبعاً، قد تُبغض الاستخدام الطائش للأعضاء وتستحسن بيعها لغايات إنقاذ الأرواح فقط.

الفصل الرابع: الخدمة المستأجرة: الأسواق والأخلاق

وإذا تناولنا قيمة الفضيلة، يتبيَّن كونها سببًا في انقسام أصحاب النظريَّتَين السابقتين أيضًا، بسبب كونها تعلو على السوق الحر الذي تُشكِّل كلٌّ من النظريَّتَين السابقتَين -على حِدة -دعامة له.

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح حول مدى أخلاقية دفع مال لأناس مقابل تأديتهم لنوعَين مختلفَين من العمل: قتال الفقراء في الحروب مقابل الأغنياء الذين دفعوا لهم، والحمل البديل.

فيتبيَّن أنَّه رغم توفُّر الرفاه والمنفعة، إلا أنَّ حرية الاختيار لا يُمكن ممارستها إلا عندما لا يكون أحد أطراف العقد في حرج شديد. كذلك، هناك حاجات لا يُمكن أن تدخل في التفاوض المالي كالأطفال والقدرات الإنجابية، لأنَّه من الخطأ معاملة كل الأشياء كما لو كانت سلعاً، فالبشر أشخاص جديرون بالتوقير، وليسوا أشياء تُستخدم. والاستخدام والتوقير؛ ضربان مختلفان في التقدير.

الفصل الخامس: ما يهم هو الدافع: إيمانويل كانط

في سعي أوَّل لإيجاد أُسس محايدة للعدالة والحقوق، يتم عرض مذهب كانط الذي جعل الدافعية من وراء الأفعال هي سبب جدارتها الأخلاقية. على أن يقوم العقل بتحديد إرادة الفعل وفق المبادئ المطلقة التي يبتغيها وليس نتائج الفعل، ليتوصَّل إلى مذهب العدالة القائم على العقد الاجتماعي.

ففكرة كانط عن الأخلاق أن التصرف بحرية لا يعني اختيار أفضل الوسائل لتحقيق غاية مفروضة مسبقاً، بل هو اختيار الغاية ذاتها هي المقصد فحسب. وهو اختيار باستطاعة الكائنات الإنسانية القيام به.

من هنا، فالقيمة الأخلاقية لفعل من الأفعال، وفقاً لكانط، لا تتوقف على عواقبه، بل على النية التي فُعِل لأجلها الفعل. المهم هو أن تفعل الصحيح لأنّه صحيح، لا لأجل دافع خفي. يقول كانط: "الإرادة الخيّرة بسبب تأثيراتها أو إنجازاتها". إنها خيّرة بذاتها، سواء انتصرت وراجت، أو لم تفعل.

إنَّ الحرية والاستقلالية تقضي أن يتصرَّف العقل وفق ما أسماه الآمرية المطلقة، أي آمرية لا تتصف بالمشروطية ولا التقييد لأنَّها تنظر إلى الفعل على أنه صالح في حد ذاته، وبالتالي ضروري على الإرادة التي سايرت العقل.

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح حول مناوأة كانط للجنس العابر الذي يحدث خارج إطار الزوجية على أساس أنه يحط ويشين الطرفين، لأنه في جملته إشباع للرغبة الجنسية وحسب، بلا احترام لإنسانية الطرف الآخر. وحول واجب قول الصدق لذاته مهما كانت أضراره.

الفصل السادس: قضية المساواة: جون راولز

وفي سعي ثانٍ لإيجاد أُسس محايدة للعدالة والحقوق، يتم عرض مذهب راولز الذي فصَّل الكاتب من منظوره المبادئ الأخلاقية للعقد الاجتماعي الافتراضي، وعوامل القوة الأخلاقية في العقد الأمثل.

غالبية الشعب في بلد ما لم يوقِّعوا على عقد اجتماعي. فمن أين شرعية إطاعة القوانين؟ وكيف تكون الحكومة قائمة على رضى المحكومين؟ يقول جون لوك: إن رضانا هو رضى ضمني. ويجادل راولز على هذا المنوال: لنفرض أننا اجتمعنا، بوضعنا الحالي لنتفق على مبادئ تحكم حياتنا الجماعية، أي لأجل أن نكتب عقداً اجتماعيا. باعتباره اتفاقًا افتراضيًا يجري في الوضع الأصلي للمساواة. ويدعونا راولز للتساؤل عن المبادئ التي سنختارها -بصفتنا أشخاصاً عقلانيين مندفعين بالمصلحة الذاتية – وإن وجدنا أنفسنا في هذا الوضع إنه لا يفترض أننا مدافعون بالمصلحة الذاتية في الحياة الحقيقية، إنما يريد منّا أن نضع معتقداتنا الأخلاقية والدينية جانباً، لأغراض تتعلق بالتجربة الذهنية. ما المبادئ التي سنختار؟

يعتقد راولز أن هناك مبدأين للعدالة سينتجان عن العقد الافتراضي:

أولهما: يوفّر حريات أصيلة متساوية لجميع المواطنين، كحرية التعبير وحرية الدين. هذا المبدأ له أولوية على اعتبارات المنفعة الاجتماعية والرفاه العمومي.

ثانيهما: يتعلق بالمساواة الاجتماعية والاقتصادية. ولو أنه يقتضي توزيعاً متساوياً للدخل والثروة، إلا أنه يبيح تلك التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تعمل لصالح أفقر أعضاء المجتمع فقط.

وضرب الكاتب أمثلةً للتوضيح حول النطاق الأخلاقي للعقود الحقيقية ليُبيِّن عدم كونها منصفة بمجرَّد انعقادها، أو بمجرَّد رضى الطرفَين عنها بسبب احتمال كون أحد الطرفَين مغبوناً بلا علمه. ثمَّ يستنتج الكاتب أنَّ ما الذي تخبرنا به الخطوب التي مررنا بها في الأمثلة عن أخلاق التعاقد كونها تستمد قوتها الأخلاقية من عاملين، هما: الاستقلالية والتبادلية. ويُعقِّب: لكن أغلب العقود الحقيقية تعجز عن الوفاء بهما.

الفصل السابع: الحضُّ على التمييز الإيجابي

هل المساواة هي مبدأ شامل التطبيق، أم هناك مراعاة لقطاعات من المجتمع قد تظلمها مراعاة المساواة؟

هنا يأتي الحديث عن التمييز الإيجابي ودوره في حفظ حقوق متقدِّمة للأقليات لضمان انسجامها مع الأكثرية.

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح: كاعتماد بعض الجامعات التمييز الإيجابي لإعطاء الأفضلية للمتقدِّمين من الأقليات بتخفيض مقاييس قَبولهم لمتقدمي الأقليات، خلافاً لمتقدمي الأكثرية. مناقشًا فيها الأسباب التي يطرحها دعاة التمييز الإيجابي في اعتبار العرقية والإثنية.

ولكن يستنتج الكاتب بقاء السؤال الدستوري: هل تُشكّل سياسات التمييز الإيجابي في التوظيف والقبول انتهاكاً للدستور الذي يضمن حماية قانونية متساوية أم لا؟ والسؤال الأخلاقي أيضًا: هل من إجحاف اعتبار العرق والإثنية عنصرَين في التوظيف أو القبول؟ رغم محاولات فلسفتي كانط وراولز لإيجاد أسس محايدة للعدالة والحقوق أمام المفاهيم المتضاربة لكُنه الحياة الصالحة، في الوقت الذي ترتبط العدالة والحقوق بالغايات والمنافع والفضائل وجدالاتها.

الفصل الثامن: من المُستحق، وماذا يستحق: أرسطو

انتقل الكاتب للحديث عن الفلسفة التي سبقت كانط وراولز، وهي فلسفة أرسطو التي يُحاول فيها الإجابة على سجالات حول تحديد الصفات القمينة بالتشريف لتكون هي المعيار في الحكم بالعدالة.

في قلب الفلسفة السياسية لأرسطو فكرتان، كلتاهما حاضرة في سجال كلّي:

غائيَّة العدالة: إن معرفة الحقوق تحتاج منا معرفة غاية (مطلب، هدف، جوهر) الممارسة الاجتماعية محل البحث.

تشريفيّة العدالة: إنّ تعليل غاية ممارسة ما – أو مناقشتها – هو، ولو جزئياً تعليل أو مناقشة للفضائل والمناقب التي يجب أن تشرفها وتثبت عليها.

أرسطو لا يعتقد أن العدالة يمكن أن تكون محايدة، وهي تعني إعطاء كل ذي حق حقه. ولكن ما الذي يستحقه الشخص؟ وما هي قاعدة الاستحقاق؟ هذا يعتمد على الشيء الذي يتم توزيعه. والعدالة تتضمن عنصرين: "الأشياء، والأشخاص الذين يعزى لهم هذه الأشياء". وفي العموم نحن نقول "إن الاشخاص المتساوين يجب أن تنسب لهم أشياء متساوية".

والبحث في قاعدة الاستحقاق يوصل الكاتب إلى البحث عن الغاية من السياسة والاجتماع السياسي للتوصُّل إلى التمييز المتَّصف بالعدل وفقها. ويُناقش رأي أرسطو فيها بكونها زراعة الفضيلة في المواطنين، وتعلم كيفية عيش حياة صالحة. وأنَّه ليس للسياسة غاية أقل من تمكين الناس من تطوير ملكاتهم وفضائلهم الإنسانية المميزة لهم، لجعلهم قادرين على التفكير بالصالح العام، وامتلاك بصيرة عملية، والاشتراك في حكم ذاتي والاهتمام بالمصير المشترك للمجتمع، وإن غاية المدينة وغرضها هو الحياة الصالحة، والمؤسسات الاجتماعية هي وسيلة وأداة لتحقيق هذه الغاية وبما كانت غاية السياسة هي الحياة الصالحة، فلا بد من أن تذهب أعلى المناصب وأسمى التشريفات إلى أناس يحوزون أكبر قدر من الفضيلة المدنية وأحسن قدرة على تمييز الصالح العام.

ونتوصل في النهاية إلى أنَّ الامتياز الأخلاقي لا يكمن في الموازنة بين اللذة والألم، وإنما في ضبطهما بحيث نجد لذة في الأمور النبيلة وألمّا في الأمور الوضيعة.

وهذا التعلم يكون بالممارسة لأننا نمسي عادلين عبر القيام بأفعال عادلة، ومعتدلين عبر القيام بأفعال معتدلة، وشجعاناً عبر القيام بأفعال شجاعة.

ليخلص أنَّ العدالة عند أرسطو، هي قضية مواءمة. فلأجل تحديد الحقوق، يجب النظر في غاية المؤسسات الاجتماعية، ومواءمة الأشخاص مع الأدوار التي تليق بهم، تلك الأدوار التي تجعلهم يحققون طبيعتهم، وإعطاء كل ذي حق حقه يعني إعطاءه المناصب والتشريفات التي يستحقها والأدوار الاجتماعية التي توائم طبيعته. وهذا المفهوم للعدالة باعتبارها مواءمة هو مفهوم أقوى أخلاقياً وأكثر نقداً للأشكال القائمة لتوزيع العمل، من النظريات المقامة على الاختيار والرضى.

الفصل التاسع: بمَ ندين لبعضنا البعض؟ معضلات الولاء

يعرض فيه الكاتب دور التضامن المجتمعي المقبول وتأثير ذلك على حيادية العدالة. ويُناقش بشكل محدَّد رابطة الوطنية كمبدأ مقيّد يُقوي مشاعر الأخوة من خلال قوة جديدة ليرَوا بعضهم من خلال المصلحة المشتركة التي توحدهم. فيُصبحوا يدينون لبعضهم البعض، أكثر مما يدينون للأجانب. وبالهوية الوطنية ترتبط مفاهيم الشعور بالفخر جراء ثقافة البلد أو العار من ممارساته. وهذا الشعور يتَّصل بالقابلية للمسؤولية الجماعية.

واستنتج الكاتب في النهاية أنَّه لا مشكلة في أن يساعد الأب ابنه بدلاً من ابن الآخرين، شريطة ألا يدهس ابن أحد في طريقه للإنقاذ. وعلى نحو مماثل، لا توجد مشكلة في أن يقدم بلد غني دولة رفاه كريمة لمواطنيه، شريطة أن تحترم حقوق الإنسان لكل الأفراد وفي كل مكان. إن واجبات التضامن مستهجنة فقط إن كانت تقودنا إلى انتهاك الواجب الطبيعي.

الفصل العاشر: العدالة والصالح العام

يناقش الكاتب -في إطار بحثه عن مجال حيادي للعدالة -دور الدين في السياسة والشأن العام. فهل هناك إنسان يُمكنه عزل تديُّنه عن قراراته، وأن يُخضعها إلى ضميره فقط؟ أم أنَّ الضمير نفسه بل والقانون يستمد قيمه من الأعراف الدينية ذاتها؟

وضرب الكاتب أمثلة للتوضيح حول الإجهاض والخلايا الجذعية وجدالات تحريمهما أو إباحتهما.

الخاتمة

إن كان المجتمع العادل يتطلب تفكيراً جماعياً في طبيعة الحياة الصالحة، فإنّ علينا أن نسأل أي نوع من القول السياسي سيذهب بنا هذا المذهب. ليس عندي جواب جاهز تماماً عن هذا السؤال، لكن بمقدوري تقديم بعض من الاقتراحات التوضيحية. أولاً الملاحظة: أن غالبية جدالنا السياسي، اليوم يتمحور حول الرفاه والحرية، أي: زيادة الدخل، واحترام حقوق الناس. وأن أغلبية الناس عندما تسمع كلاماً عن الفضيلة في السياسة يتبادر إلى ذهنها متدينون يخبرون الناس كيف يجب عليهم أن يعيشوا حياتهم. لكن هذه ليست هي الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها لمفاهيم الفضيلة والصالح العام أن تنشِّط السياسية وتنفخ فيها الروح. إن التحدي يكمن في تصور سياسة تتعامل مع المسائل الأخلاقية والروحية تعاملاً جدياً، وأن تحتكم إليها في الهموم الاقتصادية والمدنية الواسعة، لا في مسائل الجنس والإجهاض فقط. خلال الحملة الرئاسية 2008، طرق باراك أوباما موضوع التوق الأميركي لحياة عامة ذات مغزى أكبر، وقال بسياسة لها تطلعات أخلاقية وروحانية. إلى أي مدى قد تمنعه الحاجة إلى التعامل مع الأزمة المالية والكساد العميق من تحويل الدفعة الأخلاقية والمدنية في حملته الانتخابية إلى نوع جديد من سياسة الصالح العام هو أمر لم يحسم بعد.

----------------------------------------------------

الكتاب: العدالة: ما الجدير أن يُعْمَل به ؟

تأليف: مايكل جوستيس ساندل

ترجمة: مروان الرشيد

الناشر: مؤسسة ‫‏مؤمنون بلا حدود 2015.

أخبار ذات صلة