بين عالمين مذكرات فيلسوف عالم

بين عالمين.jpg

تأليـف: ماريو بونج

مراجعة: محمد الشيخ

من أمتع ما يُمكن للمرء أن يقرأه في الفلسفة مذكرات الفلاسفة ويومياتهم وسيرهم الذاتية ورسائلهم. فهي معين لا ينضب لشرح ما غمض من مؤلفاتهم، وتتمة ما نقص من كتاباتهم. وما كان الفيلسوف الأرجنتيني ماريو بونج ـ الذي تنيف كتاباته عن المائة، والذي لا يكاد يعرفه الكثير في العالم العربي، اللهم إلا الفيلسوف المصري مراد وهبة الذي كان قد دعاه إلى أن يحاضر بجامعة القاهرة حيث لقي فيها عنتا كبيرا من لدن الإسلاميين ـ ما كان هذا الفيلسوف ببدع من الفلاسفة. إذ طلع علينا هذه السنة بمذكراته الموسومة "بين عالمين: مذكرات فيلسوف عالم" (2016). وهي مذكرات لا شك سوف تكون لها ضجة في الأوساط الفلسفية الغربية، لأنّها حبلى بالمفاجآت والأحكام والنوادر والإفضاءات حول أبرز العلماء والفلاسفة المُعاصرين.

وكيف لا يكون الأمر على هذا النحو وهو يصف بعض كبار الفلاسفة المُعاصرين الذين علموا صغارهم سحر الهدم والتفكيك وما بعد الحداثة بالمشعوذين؟ ألم يصف هايدجر بأنّه فيلسوف مشعوذ؟ وألم يفعل كذلك مع فرويد ومع فوكو ومع غيرهم كثير؟.

في تقديمه لمذكراته، يُعلن بونج أنه خالف وعداً كان قد قطعه على نفسه في ما مضى بألا يكتب أبداً مذكراته، وذلك بحكم علمه أن ذاكرة الإنسان لا "تحفظ" فقط ما مضى وإنما "تخيله" تخييلا. أَوَ لم يشرع النقاد المعاصرون ـ إثر الناقد الأدبي الكبير والروائي الفرنسي سيرج دوبروفسكي ـ في الكف عن الحديث عن مفهوم "السيرة الذاتية"، منذ عام 1977، لكي يستعيضوا عنه بمفهوم "التخييل الذاتي"؟ لكن بونج ـ ولحسن حظ قرائه ـ راجع موقفه لما قرأ بعض السير "الغريبة" التي وضعت له، والتي تمّ فيها "تشويه" بعض وقائع حياته، حتى شمل ذلك اسم أمه قبل زواجها. فضلاً عن هذا، يذكر أنّ بعضا من أقاربه وأصدقائه ألحوا عليه بتدوين سيرته، وذلك بحكم اعتقادهم أنّ الرجل الفيلسوف والعالم لديه شيء مهم يقوله للقراء.

ومثل ما يحدث لطالب مُجدٍ أوّل وهلة عشية النظر في ورقة الامتحان، فتسول له نفسه أنّه ما عاد يذكر شيئاً مما حفظه، فإذا ما هو أمسك بالورقة آبت إليه ذاكرته، كذلك حدث لماريو بونج؛ إذ على العكس من كل توقعاته، ما أن أمسك بالقلم حتى انثالت عليه ذكرياته أرسالا ... وقد استنتج من ذلك أنّه لربما كان قد استمتع ـ ولا زال يستمتع وهو ابن السابعة والتسعين ـ بالحياة أيما استمتاع، على الرغم من كل المحن التي تخللتها.

وكيف يكون الأمر على خلاف هذا، وقد عاصر الرجل وعاشر أهم فلاسفة زمنه وناظرهم، وزار أعظم الجامعات الغربية وحاضر فيها، وألَّف العشرات من المقالات والكتب، وحصل على عشرين دكتوراه فخرية، وترجمت كتبه إلى عشرات الألسن ... وفي الحين نفسه عايش الانقلابات الأكثر مأساوية في وطنه ـ وما أكثرها! ـ واعتقل المرار العدة، وشهد كبار العلماء والفلاسفة والفنانين يطردون من بلدانهم شر طردة، ويلجؤون هاربين كالمهربين والمجرمين ... وعانى الحرمان والبؤس واستجداء المنصب وطلب الوظيفة؟.

تنقسم مذكرات بونج إلى 16 فصلاً وضميمة عبارة عن انطباعات زوجته عنه وعن حياتهما معا ـ "ضميمة مارتا: حياتي مع ماريو" ـ وهذه بادرة ودودة لم أر لها نظيرًا في ما قرأته من سير الفلاسفة الذاتية ومذكراتهم الشخصية! فضلاً عن ألبوم صور وببليوغرافيا وكشاف بالأسماء والموضوعات. وقد ألف بونج في ترتيب الفصول بين اعتبار الزمان واعتبار الموضوعات المعالجة: الطفولة، المراهقة، جامعة إت آليا، التلمذة العلمية، التلمذة الفلسفية، الوظائف الأولى، مسار أستاذ، كندا والواقعية العلمية، الفلسفة الدقيقة، المادية النسقية، الفلسفة البيولوجية، الواحدية النفسية، الفلسفة الاجتماعية، أفكار عجيبة وأماكن غريبة وأحداث مذهلة، الفلسفة العلمية، الخلاصة.

ولد الرجل يوم 19 سبتمبر من عام 1919 من أم ـ ماريا ميزة ـ مهاجرة ألمانية ممرضة في ثاني مدينة أرجنتينية (روزاريو)، وأب ـ أوغسطو بونج ـ طبيب وسيم أنيق مُثقف. كان الأب ينحدر من أسرة رفيعة، وكانت الأم تنحدر من أسرة وضيعة. وكان الوالدان معًا حسني المنظر ـ منظرانيين ـ محبين للسفر، متحدثين الألمانية بطلاقة، عاشقين لجوته وشيلر، مُتعطشين للقراءة، مولعين بالطبيعة، موسوسين بالمرض، مهتمين بالصحة، معجبين بألمانيا كارهين لنزعتها العسكرية. ولا زال الابن ماريو يتذكر جيران الطفولة، وحدائقها، وعطلها، ورياضاتها، وأطعمتها. كانت الوالدة موسوسة لا تُقبل أحداً، وتعتبر القبل "ولع القردة"، بما في ذلك ابنها الذي لم يحظ منها بقبلة. وحسناً فعلت، لأنّها لو فعلت لاكتشفت تدخينه ـ في سن جد مبكرة ـ للسجائر المصرية الرخيصة! وما قام الوالدان بتدليله أبدًا، وإنما كانا يغضبان إذا ما هو تراخى عن دروسه التي كانت تقدم له في البيت لا في المدرسة. ولما بلغ سن المراهقة كره المدرسة التي أدخل إليها بسبب نظامها العسكري الذي كان يُعامل التلاميذ وكأنهم جانحون، ويعتمد على الترهيب بدل الاحترام. وكان أن ثار التلميذ على عوائد التدريس وسجن الثانوية، هو الذي نشأ على الحرية، بأن أنشأ مجلة ضد الأساتذة، وصور أستاذ الخط في صورة قرد، فصودرت المجلة وكاد أن يطرد صاحبها. وما زال ماريو اليوم ـ وقد قارب المائة من عمره ـ يرسم صورة طرية لأساتذته ولزملائه في الصف ... ويحكي كيف أنه كان صديقا لأصدقاء والديه ـ وبينهم عالم الاقتصاد والشاعر والطبيب والصحفي ـ أكثر مما كان صديقًا لأبناء جيله، بحيث أفاد من مناقشاتهم المتنوعة. وتبنى وهو يافع اشتراكية والديه، وبدأ النشاط السياسي مبكرا، حتى إنه تعرف على السياسة وهو ابن السابعة من عمره. وضد الحكومة الفاشية لمانويل فريشكو (1936) ولفرانكو الإسباني رافق أصدقاء والده في اجتماعهم ببيته للإدانة، فكان أن اعتقل الوالد وما ولد. ولما أطلق سراح الولد بداية أبى إلا أن يبقى معتقلا مع والده. وكان أن انفض الأصدقاء جبناً، فاستبدلهم الوالد والولد بأصدقاء جدد: فيفالدي وباخ وهايدن وموزار وبيتهوفن وشوبرت وبرامز ... وفي سن المراهقة هذه قام بما سماه "اكتشافاته المذهلة": الذات والحب الرومانسي والأدب والموسيقى الكلاسيكية والماركسية. وكان أن التحق بالحركة الشيوعية عام 1935، لكنه لم يكن عضوا في أية لجنة ... وسرعان ما خاب أمله فيها وفي مثقفيها لنزوعها التسلطي ولضعفهم. وكان قد سأل الوالد لِمَ لَمْ يلتحق بالحزب، فما كان منه إلا أن أجاب: "كي أحفظ حرية فكري" ... ثم حدث أن شُغف بالفلسفة لما طالع كتاب الفيلسوف البريطاني برتراند راسل "مشاكل الفلسفة" الذي أقنعه بأن التحليل النفسي ـ شغفه المبكر ـ مجرد استيهام. وكان ذلك فاتحة عهد قراءات فلسفية مكثفة علق ببعضها (سبينوزا وفلاسفة التنوير الفرنسيين) واعتبر بعضها مضيعة للوقت (هيجل ونيتشه). وسرعان ما انفتح على العلوم وعبر إلى الفيزياء بتوسط من الكيمياء، وشب فيه الهدف الذي ظل يرافقه طيلة عمره المديد: الجمع بين الفلسفة والعلم ـ وهما شغفاه الفكريان. وقد حصل على الثانوية العامة عام 1937، وكان باكورة أعماله كتيب "ماركس ضد فرويد" أمارة على تحوله. وكان اكتشافه للفيزياء وشغفه بها عاملا حاسما في تبنيه "الواقعية العلمية" وفي تطليقه كل "الفلسفات المثالية" التي لا نفع من ورائها. وقد درس فيزياء الكوانطا وتخصص فيها. وتخرج مدرساً حرا لها في جامعات شعبية بسيطة أنشأها. وحدث أن توفي الوالد عام 1943، وكتب على الأم المناضلة ضد الديكتاتورية أن تدخل السجن. وبما أن الرجل كان ولا يزال يقول عن نفسه بأنه "خلق متفائلا بالولادة"، فإن هذه المصائب لم تفت من عضده، ولم تمنعه من إصدار أشهر مجلة فلسفية في أمريكا اللاتينية، ومن مواصلة تلمذته العلمية والفلسفية بإعداد رسالته للدكتوراه في مجال تخصصه، رغم ما تخلل فترة الإعداد من اعتقال (1951) كان السجن فيها مناسبة للقراءة. وهي الأطروحة التي لا أحد في الأرجنتين قبل بنشرها إلا بعد مضي ما يناهز العشر سنوات (1960)، لأنه لم ترافقها بطاقة الحزب. أكثر من هذا، حرمت هي صاحبها لمدة من كل توظيف، ودفعته إلى طلب التوظيف المؤقت في جامعات بأمريكا اللاتينية وبالولايات المتحدة الأمريكية. ولما انتهت عقدته عاد إلى بلده لكي تتلخص حياته في: إعطاء دروس خاصة، كتابة مقالات للموسوعات، القيام بترجمات زهيدة الأجر... وبما أن: "الأرجنتين لا تأكل أبناءها وإنما تمنحهم إلى جيرانها"، فقد كان لا بد من السفر مجددا. وقد وشت هذه الفترة عن تقلب شديد في حياته، لم يضئها إلا تخلصه من زواج فاشل بالزواج من طالبته مارتا التي كانت تصغره بحوالي عشرين سنة، ضدا على أهلها، هي الكاثوليكية وهو غير المُتدين ...

وبالجملة، توهت الرجل المتاوه وطوحت به المطاوح خلال ثلاثين سنة، كان فيها كلما قدم رجلا يؤخر أخرى في بلاد انقلابات لا تكاد تنتهي. فكان أن صار أستاذا جوالا بامتياز. وكان أن انتهى به المطاف إلى الاستجابة إلى النداء الأخير: نداء كندا ممثلا في جامعة ماك جيل (1966). وفيها قام بتدريس العلميات والفلسفيات إلى أن "أجبر" على الإحالة على التقاعد وهو ابن الخامسة والستين؛ لأنه كما يقول: ارتكب خطيئة كبرى عبارة عن خيانة أكاديمية لم تُغفر له: أصدر من المؤلفات ما بَزَّ به كل المؤلفات التي أصدرها زملاؤه مجتمعون! ولا شك أنّ في ما ذكره هنا شائبة من جنون عظمة. ما كانت هي الأولى، بل أعلن في مناسبات كثيرة ألا أحد من زملائه بالجامعة المذكورة أفاد منه فتيلا! وقد تحول ـ من حيث يحتسب أو لا يحتسب ـ من فيلسوف إلى داعية ـ وهو ما يعد خيانة لوظيفة الفيلسوف النقدية ـ حين أعلن فرحه فرحة طفل بفلاحه في تحويل طالب من "تجريبية" أستاذه إلى "واقعيته" هو، وكأن الرجل الذي أمضى سحابة حياته في محاربة الشعوذة والمشيخة والدروشة داعية ليس إلا. أَوَ ليس لنا هنا أن نتذكر دستور الفلاسفة الذي وضعه نيتشه في هذه العبارة التي تفضل عن قراءة عشرات الكتب في الدعوة والداعية: "عادة ما تكون القناعات سجونا"؟

والشيء بالشيء يُذكر، يسمي ماريو بونج المذهب الذي ارتضاه لنفسه تارة "الواقعية العلمية" وطورا "الفلسفة الدقيقة". إنما الفلسفة عنده هي التدقيق، وإنما الفلسفة العلمية هي التي تستند إلى العلوم الدقيقة: "تاريخ الفلسفة مقبرة للمذاهب التي بادت بسبب من سوء التغذية العلمية". وفي هذا يبقى الرجل وفياً لفلسفة الأنوار الفرنسية ـ لا سيما منها فلسفة الفرنسي دولباخ ـ ويعيب على الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين ما بعد الحداثيين ـ أنظار لوي ألتوسير وميشيل فوكو وجاك دريدا وبرونو لا تور ـ شيطنتهم للتنوير الفرنسي بالعودة إلى أعداء التنوير: هيجل ونيتشه وهوسرل وهايدجر ومدرسة فرانكفورت. والذي عنده أنه ما كانت "الواقعية النسقية" و"الواقعية العقلانية" التي يدعو إليها سوى "الدقة"، وكل فلسفة افتقدت إلى الدقة ـ كائنا من كان الفيلسوف الذي يدعو إليها: أكان فيلسوف علم شأن كوهن أو فايرباند أو حتى بوبر ... ـ ليست على شيء، وليس صاحبها على شيء. إنما الفلسفة الدقيقة هي تلك التي تقام بمساعدة سخية من المنطق الرياضي ومن الرياضيات. وهي فلسفة سياقية، نسقية، حجاجية. ومن ثمة نقده لكل فلسفة تحضر فيها نواقض هذه الصفات: في حل من السياق، شذرية، نبوئية ... وحدها الفلسفة الوضعية المنطقية تحظى لديه بنوع من التوقير، حتى وإن انتقدها بدورها.

والحال أن لهذه الفلسفة الأم ـ الواقعية العلمية ـ فروعا أنشأ القول فيها ماريو بونج: هي أصلا فلسفة في علم الفيزياء، تنقسم بدءا إلى علم دلالة (سيمنطيقا) وعلم وجود (أنطلوجيا). ومن فروع هذه الشجرة الوارفة تتنزل فلسفة في الأحياء وفلسفة في الذهن وفلسفة في الاجتماع وفلسفة في السياسة [الديمقراطية الشاملة] وفلسفة في الاقتصاد وفلسفة في القانون وفلسفة في الأخلاق [الخيرية] وفلسفة في الطب وفلسفة في التقنية وفلسفة في الفلسفة ... اللهم باستثناء "فلسفة في الفن" أو إستتيقا امتنع ماريو بونج عن القول بها، وذلك لاعتراض منه مبدئي: غياب العدة. ولذلك لا زال الرجل ينتظر أن يقوم فنان فيلسوف بإنشاء هذه الفلسفة، وإلا فإن الفلاسفة ـ الذين ما كانوا أبدا فنانين ـ الذين أنشأوا جماليات ـ من أفلاطون إلى هيجل مرورا بكانط وغيره ـ ليسوا على شيء.

والحقيقة أن الكتاب ـ وبصرف النظر عن مسحات من جنون العظمة التي اعترت صاحبه، وبعض الوخزات المؤلمة التي وخز بها أغلب الفلاسفة الذين عاصرهم ـ لا يخلو من ظرف شديد، وكأننا أمام واقعية كتاب أمريكا اللاتينية السحرية: خذ مثلا ما نقله عن صديق أرجنتيني له لما وجد صاحبنا ماريو يتظلم من كونه غير معترف به في الأوساط الفلسفية ببلده، قال له: "لن يتم الاعتراف بك فيلسوفا، لأن كتاباتك مفهومة"! وثن بعتابه على صديق له أستاذ كيمياء ـ تشارلز كولسون ـ كان قد درس الكيمياء لمارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، وعرقل إتمامها لرسالة الدكتوراه، فقال ماريو معلقا: لو تركها تتم رسالتها لدفنت نفسها في مختبر كيمياء أو صيدلة ولأراحت البريطانيين مما سامتهم من عذاب تقشف اجتماعي. وثلث بمثال طفله الصغير إريك الذي لما كان رافق والده إلى ندوة فكرية في القدس، كان الإسرائيليون يشترون مجلة ابن السابعة التي كان يضمنها بعض خربشاته الجميلة، فلما كتب في مجلته بأن للفلسطينيين الحق في الأرض والماء ما عاد إلى شرائها منه إسرائيلي واحد. وربع بقصة الفيلسوف لوشيو شيارافيليو الذي شغف بالفلسفة ـ ولم يكن له بها عهد ـ في غرفة انتظار طبيب أسنان حيث عثر على كتاب نقد العقل الخالص للفيلسوف كانط. وإذ لم يكن أحد ليصدق هذه الحكاية، فإن المؤلف يعلق: "صدقتها أنا لأنني أعلم أن الأرجنتينيين أرض الشغوفين الغريبي الأطوار".

هو ذا الرجل، وهذه أعماله. رجل جال في العالم أكثره محاضرا بخمس لغات. ورجل عاصر أهم ثورة علمية في القرن العشرين، بل وفي تاريخ العلم، وناقش أهم صناعها وفلاسفتها. ورجل أسهم إسهاما جليلا في عشرات المؤتمرات الفلسفية. ورجل عايش التغيرات الدرامية التي وقعت للعديد من العلماء والفلاسفة: من العقلانية الصرفة إلى تبني بعض مذاهب الهنود القائلة: "الفكر هو المنبع الأقصى للشر كله"! ورجل أنشأ في كل فرع من فروع الفلسفة نظرية. ورجل أطلعنا على عشرات من أسماء فلاسفة أمريكا اللاتينية الذين لولاه ما كنا لنعلم عنهم شيئا، نحن المفتونين بغيرهم، بل وبأقل منهم. وأخيرا، رجل منذ أن قرأ ما كتب عن سقراط تأثر به وأعاد إدخال منهجه ـ منهج السؤال التوليدي التهكمي ـ إلى فصول العلم والفلسفة، طارحا السؤال على طلبته أكثر منه مقدما للجواب. وما زال يفعل حتى أمسى حاله مع السؤال كحال الشاعر دعبل الخزاعي مع خشبته والذي ما فتئ يردد: ""لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك"!

------------------------------------------------------------------------------------------

العنوان : بين عالمين مذكرات فيلسوف عالم

اسم المؤلف : ماريو بونج
سنة النشر : 2016

دار النشر :springer
بلد النشر : سويسرا
عدد الصفحات : 496

 

 

 

أخبار ذات صلة