محمد السالمي
لا أحد منا يريد أشياء سيئة أن تحدث، سواء أكانت تلك كوارث طبيعية أو مالية، ولكن ما الذي يحدث عندما يتم اتخاذ قرار بمنع أو تخفيف الأزمات، والذي قد يكون هو الخطر بعينه في الخروج من المعادلة؟ وماذا إذا كانت المشكلة ليست أننا قد فشلنا في جعل النظام المصرفي أكثر أمناً، ولكن الذي حققناه هو آمن جدا بحيث إجراءات متهورة تفشل في تحريك انضباط السوق؟ فقد قضى المعلق الشهير لصحيفة وول ستريت جورنال جريج ايب "Greg Ip" في بعض الوقت في التفكير ذلك، حتى توصل لكتابه الجديد "غَيرُ خَطِر: لماذا السلامةُ يمكن أن تكونَ خطيرة وكيف الخَطَرُ يجعلنا في أمان".
الغوص مع ايب في عمق هذه الأسئلة لا يوفر لنا مرجعا من أكثر الكتب الغنية بالمعلومات حول الأزمة المالية فحسب، ولكنه يمنحنا أيضا تسلية وسهولة في القراءة. الكتاب يذهب إلى أبعد من القضايا الاقتصادية في كثير من مناحي الحياة الأخرى حيث الخطر هو في اللعب. واستطاع الكتاب أن يكون من أفضل الكتب الاقتصادية برأي النقاد لعام ٢٠١٥م وأكثرها مبيعاً.
البصيرة الأساسية لكتاب ايب الجديد، هو أنّ الاعتقاد بالأمان بذاته كان عاملا رئيسيا في الفترة التي تسبق وقوع الحادث؛ فالكتاب يدرس هذه الظاهرة من خلال مجموعة من الأمثلة. فمثلاً بناء السدود العملاقة لاحتواء الأنهار أو إنتاج الطاقة، يجعل الناس يشعرون بالأمان الكافي لبناء منازلهم بالقرب من الفيضانات، مما يجعل عواقب الفيضانات في المستقبل أسوأ بكثير. كما أنّ مجون وحماس كرة القدم الأمريكية يمكن للخوذات المستعملة في اللعبة جعل رؤوسنا أقل أمناً. وأيضاً حزام الأمان أثناء السفر الجوي لا يقلقنا، فهو حقا آمن، وكذلك حرائق الغابات، وخوذات الدراجين، والشيء نفسه مع إطارات الثلوج، وجودها يقلل القلق، ولكنّها أكثر عرضة للمناورات الإهمال. وغيرها من الأمثلة. فأحيانا جهودنا تكون آمنة ولكن يكون له تأثير عكسي.
يري آيب أن سبب كتابته لهذا الكتاب لتوضيح الصورة السائدة عن الأزمة، ويؤكد أنّه خلال السنوات السبع الأخيرة ظهرت عدة كتب بشكل تنافسي لتفسير الأزمة المالية ويقول: "إنه يمكن تبسيطها على النحو التالي: الأمر كله خطأ من المصرفيين الجشعين، ولذا يتعين علينا تنظيمها على نحو أفضل؛ أو إنّه كله خطأ من حكومة عاجزة تحاول تحفيز المستهلكين لشراء المنازل التي لا يمكن تحملها، وأعتقد أنّ ما تعلمته هو أنّ القصة هي أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، وأنّه ليس في الحقيقة أنّ الناس يتصرفون بشكل سيئ في بعض المعنى، وأنها تقريبا نتيجة من أن الناس يتصرفون بشكل جيد".
يؤكد آيب في كتابه أن المخاطرة هو سلوك طبيعي للإنسان، وأنه لا يوجد حل جذاب وأنيق للتحدي المتمثل في الحد من مخاطر الحياة الحديثة. ولكنه يقول إننا في حاجة ماسة إلى اتخاذ نهج أكثر مرونة، وقبول أن بعض المخاطر لها ما يبررها، حتى لو كان ذلك يعني حدوث كارثة في بعض الأحيان. وعلينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكننا تحقيقه: فأخذ المخاطر أمر أساسي لتحقيق التقدم الاقتصادي". أو كما يقول الاقتصادي هيمان منسكي: "الاستقرار هو زعزعة الاستقرار". فرؤية آيب هي أن هذه المناطق تبدو متباينة ترتبط جميعها من خلال الطرق المختلفة للتعامل مع المخاطر التي تولد. وعلاوة على ذلك، يؤكد الكاتب أنه إذا حللنا الموضوع بما فيه الكفاية فإن لدينا تاريخا في محاولة تحقيق التوازن بين المخاطر والسلامة، ويمكننا العثور على النقطة المثلى التي لا تسمح بالتنظيم المفرط والعزوف عن المخاطرة.
في كثير من الأحيان، عندما نحاول جعل اقتصادنا، أو بيئتنا، أو أنفسنا أكثر أمناً، ما نقوم به فعلا هي الأشياء التي قد تجعلنا راضين في اتخاذ المزيد من المخاطر المختلفة، والتي تنتهي بوجود أنواع مختلفة من الكوارث. وكانت تلك قصة الأزمة المالية. فتعاملنا مع المخاطر عرفنا مثل التضخم والركود وانهيار البنوك، وفي هذه العملية قمنا بتشجيع المستهلكين على اتخاذ المزيد من المخاطر مثل زيادة قروض الرهن العقاري أو قروض يوم الدفع الضخمة والتي قد لا تكون قادرة على السداد في أوقات الأزمات. حتى البنوك قد تتخذ مزيدا من المخاطر بتوسيع دائرة الأدوات المالية المعقدة لتنويع المحفظة النقدية والذي من شأنه أن ينفجر في نهاية المطاف في وجوههم.
يشير الكاتب إلى أن أغلب صناع القرار في عالم الأعمال والمال يودون اتخاذ القرار بعيدا عن المخاطر، ويقول: "لا أستطيع أن أفكر في طريقة لجعل الاقتصاد خالياً من الأزمات والمخاطر كونه مرتبطا ارتباطا وثيقاً به، ولكن هناك بعض الثوابت المعقولة التي يمكن أن تساعدنا على أن تكون غير خطرة"fool proofers"، كما يسميها آيب - وعلى الأخص،" أنها مساحة تجعلنا أكثر أمنا ". ففي مجال التمويل، هذا يعني شيئا واحدا: إجبار البنوك على قبض المزيد من الأموال المستثمرة من قبل المساهمين، والذي بدوره يعمل على امتصاص الصدمات عندما تسوء الأمور.
ففي الجانب الاقتصادي يضرب آيب مثالا لما فعلته الحكومة الأمريكية في الثمانينيات. فتحت رئاسة بول فولكر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وكان ينظر إلى أن ارتفاع معدلات التضخم يمثل مشكلة كبيرة لمصحة الاقتصاد، ولذلك قرر المجلس خفضها. فعلى الرغم من أن الأمر استغرق فترة من الركود، ولكنهم نجحوا في كبح التضخم؛ حيث تشير الأرقام إلى أن التضخم بقي في مستوى دون 3%. ومن خلال القضاء على التضخم، والقضاء على أكبر مصدر للتقلب في الدورة الاقتصادية، قام البنك الاحتياطي الفيدرالي بتوجيه اهتمامه، للتركز على الحفاظ على الاقتصاد من الركود والحفاظ على معدلات البطالة منخفضة. ولأن هناك أقل تقلبا في الدورة النقدية، تشجع الناس للقول: حسناً، إذا فمن غير المرجح أن يكون هناك ركود، لا بأس بالنسبة لنا لتحمل المزيد من المخاطر واقتراض المزيد من المال لشراء منزل. هذا النوع من الشعور بأن الدورة النقدية قد تم ترويضها قادت الناس إلى زيادته واتخاذ المزيد من المخاطر.
يؤكد آيب أن مشكلتنا تكمن في مشكلة "الخطر الأخلاقي"، وهذا كما يراه الاقتصاديون أن كثيرا من سلوكياتنا هي التي تحرك رغباتنا في تحقيق أقصى قدر من الفوائد على التكاليف أو ما يسمى"maximizing utilities". نحن نريد أن نفعل الأشياء بسهولة ويسر ولكننا لا نريد أن نعاني من التبعات "، فأعمال البشر تميل إلى أنهم لا يستذكرون بما فيه الكفاية من عبر الماضي وعدم القلق من المستقبل. فمثلاً نود أن نعيش بجوار النهر ولكن لا نريد أن نغرق. نود أن نقود سيارتنا بسرعة ولكن لا نريد أن نتضرر، البعض يرغب في لعب كرة القدم الأمريكية من دون خوذة مرهقة على الرأس، ولكن لا يريد ارتجاجات في الدماغ، نرغب في شراء منزل بدون دفعة مقدمة ولكن لا نريد أن نواجه الرهن حيث مخططات الرهن العقاري تعطينا شعورا زائفا على قدرتنا في خدمة دين الإسكان. ومن هنا يأتي الخطر الأخلاقي في اللعب عندما فشلنا في الأخذ بالاعتبار المناسب لهذه المفاضلات. ومن الناحية الاقتصادية البسيطة، يحدث الخطر الأخلاقي عندما كنا لا نواجه الثمن الحقيقي لأعمالنا. فتحقيق التوازن بين المخاطر والسلامة مهم جداً، حتى لو أخذ واضعو السياسات بعين الاعتبار معايرة نظام المقايضة، فإنه لن يتم تغيير السلوك في المستقبل على نحو كاف. وهو أيضا السبب في صعوبة اتخاذ إجراءات ضد تغير المناخ، على الرغم من التهديدات الوجودية التي يمثلها. فهذه المخاطر لا تزال بعيدة جدا بالنسبة للكثيرين منا لقبول فرض ضريبة على الكربون اليوم. هذا لا يعني تجاهل الخطر الأخلاقي. آيب يخبرنا أن الوسيلة للحصول على التوازن الصحيح، هو حاجتنا للاستماع إلى كل من "المهندسين وعلماء البيئة." فالعلماء بشكل عام يذكرونا بأن الحرائق الصغيرة تحتاج لحرق لتجنب أكبر منها، كما أن المضادات الحيوية يجب أن تستخدم، وأن التخطيط السليم للاقتصاد قد ينمو أكثر سلاسة ولكن على المدى الطويل، وأنها سوف تنمو ببطء شديد. آيب يؤكد لنا أن المقايضة الصحيحة بين المخاطر والسلامة تحقيق أقصى قدر من وحدات الابتكار لنصل للهدف الأمثل. وهذا طموح جيد ولكن التاريخ يوحي أننا غير قادرين على إيجاد هذا التوازن، وبالتالي نحتاج إلى توسيع هذا النموذج ليشمل ارتفاع نسبة الخصم، والذي بدوره سيؤدي إلى فرض سياسات خصم عالية، مثل فرض ضريبة على الكربون وسياسات حكومية تتفق فيها ضرائب الدخل مع خطط الإنفاق على المدى البعيد. فالقادة السياسيون الحقيقيون في هذا المعنى براي آيب هم من يدركون معرفة كيفية الحصول على عدد كاف من الناس لفرض الأعباء على أنفسهم في الوقت الحاضر لتقليل المخاوف بما يتضمنه المستقبل من كوارث.
واحدة من نقاط القوة الإبداعية لكتاب آيب هي البحث عن ظواهر مماثلة عبر ما يبدو أنه على عكس الظروف. إنه قادر على رؤية الاستمرارية، وكيفية استمرار الأفراد والمؤسسات في تغيير سلوكهم، عن غير قصد أو عن قصد، ضد تلك التدابير الرامية للسلامة. فهناك دائما احتمال لحدوث تأثير جيفونز "Jevons paradox"، ولكن قد يكون هناك أيضا عدة طرق يمكن من خلالها تحييد التأثير. يؤكد آيب للعالم أن علينا أن نقبل الخطر في بعض الأحيان، كون الكوارث تحدث باستمرار. ووظيفة واضعي السياسات هي التقليل من أثرها، وليس هندسة وجودها. أو كما يقول المثل: "عالم بلا حوادث السيّارات أو تحطم طائرة شأنه أن يكون عالمًا مع أي سيارة أو طائرة."
اسم الكتاب: Foolproof: Why Safety Can Be Dangerous and How Danger Makes Us Safe
المؤلف: Greg Ip
عدد الصفحات: ٣٣٦ صفحة
الناشر: Little, Brown and Company (October 13, 2015)
اللغة: الإنجليزية
لماذا السلامةُ يمكن أن تكونَ خطيرة وكيف الخَطَرُ يجعلنا في أمان
محمد السالمي
لا أحد منا يريد أشياء سيئة أن تحدث، سواء أكانت تلك كوارث طبيعية أو مالية، ولكن ما الذي يحدث عندما يتم اتخاذ قرار بمنع أو تخفيف الأزمات، والذي قد يكون هو الخطر بعينه في الخروج من المعادلة؟ وماذا إذا كانت المشكلة ليست أننا قد فشلنا في جعل النظام المصرفي أكثر أمناً، ولكن الذي حققناه هو آمن جدا بحيث إجراءات متهورة تفشل في تحريك انضباط السوق؟ فقد قضى المعلق الشهير لصحيفة وول ستريت جورنال جريج ايب "Greg Ip" في بعض الوقت في التفكير ذلك، حتى توصل لكتابه الجديد "غَيرُ خَطِر: لماذا السلامةُ يمكن أن تكونَ خطيرة وكيف الخَطَرُ يجعلنا في أمان".
الغوص مع ايب في عمق هذه الأسئلة لا يوفر لنا مرجعا من أكثر الكتب الغنية بالمعلومات حول الأزمة المالية فحسب، ولكنه يمنحنا أيضا تسلية وسهولة في القراءة. الكتاب يذهب إلى أبعد من القضايا الاقتصادية في كثير من مناحي الحياة الأخرى حيث الخطر هو في اللعب. واستطاع الكتاب أن يكون من أفضل الكتب الاقتصادية برأي النقاد لعام ٢٠١٥م وأكثرها مبيعاً.
البصيرة الأساسية لكتاب ايب الجديد، هو أنّ الاعتقاد بالأمان بذاته كان عاملا رئيسيا في الفترة التي تسبق وقوع الحادث؛ فالكتاب يدرس هذه الظاهرة من خلال مجموعة من الأمثلة. فمثلاً بناء السدود العملاقة لاحتواء الأنهار أو إنتاج الطاقة، يجعل الناس يشعرون بالأمان الكافي لبناء منازلهم بالقرب من الفيضانات، مما يجعل عواقب الفيضانات في المستقبل أسوأ بكثير. كما أنّ مجون وحماس كرة القدم الأمريكية يمكن للخوذات المستعملة في اللعبة جعل رؤوسنا أقل أمناً. وأيضاً حزام الأمان أثناء السفر الجوي لا يقلقنا، فهو حقا آمن، وكذلك حرائق الغابات، وخوذات الدراجين، والشيء نفسه مع إطارات الثلوج، وجودها يقلل القلق، ولكنّها أكثر عرضة للمناورات الإهمال. وغيرها من الأمثلة. فأحيانا جهودنا تكون آمنة ولكن يكون له تأثير عكسي.
يري آيب أن سبب كتابته لهذا الكتاب لتوضيح الصورة السائدة عن الأزمة، ويؤكد أنّه خلال السنوات السبع الأخيرة ظهرت عدة كتب بشكل تنافسي لتفسير الأزمة المالية ويقول: "إنه يمكن تبسيطها على النحو التالي: الأمر كله خطأ من المصرفيين الجشعين، ولذا يتعين علينا تنظيمها على نحو أفضل؛ أو إنّه كله خطأ من حكومة عاجزة تحاول تحفيز المستهلكين لشراء المنازل التي لا يمكن تحملها، وأعتقد أنّ ما تعلمته هو أنّ القصة هي أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، وأنّه ليس في الحقيقة أنّ الناس يتصرفون بشكل سيئ في بعض المعنى، وأنها تقريبا نتيجة من أن الناس يتصرفون بشكل جيد".
يؤكد آيب في كتابه أن المخاطرة هو سلوك طبيعي للإنسان، وأنه لا يوجد حل جذاب وأنيق للتحدي المتمثل في الحد من مخاطر الحياة الحديثة. ولكنه يقول إننا في حاجة ماسة إلى اتخاذ نهج أكثر مرونة، وقبول أن بعض المخاطر لها ما يبررها، حتى لو كان ذلك يعني حدوث كارثة في بعض الأحيان. وعلينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكننا تحقيقه: فأخذ المخاطر أمر أساسي لتحقيق التقدم الاقتصادي". أو كما يقول الاقتصادي هيمان منسكي: "الاستقرار هو زعزعة الاستقرار". فرؤية آيب هي أن هذه المناطق تبدو متباينة ترتبط جميعها من خلال الطرق المختلفة للتعامل مع المخاطر التي تولد. وعلاوة على ذلك، يؤكد الكاتب أنه إذا حللنا الموضوع بما فيه الكفاية فإن لدينا تاريخا في محاولة تحقيق التوازن بين المخاطر والسلامة، ويمكننا العثور على النقطة المثلى التي لا تسمح بالتنظيم المفرط والعزوف عن المخاطرة.
في كثير من الأحيان، عندما نحاول جعل اقتصادنا، أو بيئتنا، أو أنفسنا أكثر أمناً، ما نقوم به فعلا هي الأشياء التي قد تجعلنا راضين في اتخاذ المزيد من المخاطر المختلفة، والتي تنتهي بوجود أنواع مختلفة من الكوارث. وكانت تلك قصة الأزمة المالية. فتعاملنا مع المخاطر عرفنا مثل التضخم والركود وانهيار البنوك، وفي هذه العملية قمنا بتشجيع المستهلكين على اتخاذ المزيد من المخاطر مثل زيادة قروض الرهن العقاري أو قروض يوم الدفع الضخمة والتي قد لا تكون قادرة على السداد في أوقات الأزمات. حتى البنوك قد تتخذ مزيدا من المخاطر بتوسيع دائرة الأدوات المالية المعقدة لتنويع المحفظة النقدية والذي من شأنه أن ينفجر في نهاية المطاف في وجوههم.
يشير الكاتب إلى أن أغلب صناع القرار في عالم الأعمال والمال يودون اتخاذ القرار بعيدا عن المخاطر، ويقول: "لا أستطيع أن أفكر في طريقة لجعل الاقتصاد خالياً من الأزمات والمخاطر كونه مرتبطا ارتباطا وثيقاً به، ولكن هناك بعض الثوابت المعقولة التي يمكن أن تساعدنا على أن تكون غير خطرة"fool proofers"،كما يسميها آيب - وعلى الأخص،" أنها مساحة تجعلنا أكثر أمنا ". ففي مجال التمويل، هذا يعني شيئا واحدا: إجبار البنوك على قبض المزيد من الأموال المستثمرة من قبل المساهمين، والذي بدوره يعمل على امتصاص الصدمات عندما تسوء الأمور.
ففي الجانب الاقتصادي يضرب آيب مثالا لما فعلته الحكومة الأمريكية في الثمانينيات. فتحت رئاسة بول فولكر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وكان ينظر إلى أن ارتفاع معدلات التضخم يمثل مشكلة كبيرة لمصحة الاقتصاد، ولذلك قرر المجلس خفضها. فعلى الرغم من أن الأمر استغرق فترة من الركود، ولكنهم نجحوا في كبح التضخم؛ حيث تشير الأرقام إلى أن التضخم بقي في مستوى دون 3%. ومن خلال القضاء على التضخم، والقضاء على أكبر مصدر للتقلب في الدورة الاقتصادية، قام البنك الاحتياطي الفيدرالي بتوجيه اهتمامه، للتركز على الحفاظ على الاقتصاد من الركود والحفاظ على معدلات البطالة منخفضة. ولأن هناك أقل تقلبا في الدورة النقدية، تشجع الناس للقول: حسناً، إذا فمن غير المرجح أن يكون هناك ركود، لا بأس بالنسبة لنا لتحمل المزيد من المخاطر واقتراض المزيد من المال لشراء منزل. هذا النوع من الشعور بأن الدورة النقدية قد تم ترويضها قادت الناس إلى زيادته واتخاذ المزيد من المخاطر.
يؤكد آيب أن مشكلتنا تكمن في مشكلة "الخطر الأخلاقي"، وهذا كما يراه الاقتصاديون أن كثيرا من سلوكياتنا هي التي تحرك رغباتنا في تحقيق أقصى قدر من الفوائد على التكاليف أو ما يسمى"maximizing utilities". نحن نريد أن نفعل الأشياء بسهولة ويسر ولكننا لا نريد أن نعاني من التبعات "، فأعمال البشر تميل إلى أنهم لا يستذكرون بما فيه الكفاية من عبر الماضي وعدم القلق من المستقبل. فمثلاً نود أن نعيش بجوار النهر ولكن لا نريد أن نغرق. نود أن نقود سيارتنا بسرعة ولكن لا نريد أن نتضرر، البعض يرغب في لعب كرة القدم الأمريكية من دون خوذة مرهقة على الرأس، ولكن لا يريد ارتجاجات في الدماغ، نرغب في شراء منزل بدون دفعة مقدمة ولكن لا نريد أن نواجه الرهن حيث مخططات الرهن العقاري تعطينا شعورا زائفا على قدرتنا في خدمة دين الإسكان. ومن هنا يأتي الخطر الأخلاقي في اللعب عندما فشلنا في الأخذ بالاعتبار المناسب لهذه المفاضلات. ومن الناحية الاقتصادية البسيطة، يحدث الخطر الأخلاقي عندما كنا لا نواجه الثمن الحقيقي لأعمالنا. فتحقيق التوازن بين المخاطر والسلامة مهم جداً، حتى لو أخذ واضعو السياسات بعين الاعتبار معايرة نظام المقايضة، فإنه لن يتم تغيير السلوك في المستقبل على نحو كاف. وهو أيضا السبب في صعوبة اتخاذ إجراءات ضد تغير المناخ، على الرغم من التهديدات الوجودية التي يمثلها. فهذه المخاطر لا تزال بعيدة جدا بالنسبة للكثيرين منا لقبول فرض ضريبة على الكربون اليوم. هذا لا يعني تجاهل الخطر الأخلاقي. آيب يخبرنا أن الوسيلة للحصول على التوازن الصحيح، هو حاجتنا للاستماع إلى كل من "المهندسين وعلماء البيئة." فالعلماء بشكل عام يذكرونا بأن الحرائق الصغيرة تحتاج لحرق لتجنب أكبر منها، كما أن المضادات الحيوية يجب أن تستخدم، وأن التخطيط السليم للاقتصاد قد ينمو أكثر سلاسة ولكن على المدى الطويل، وأنها سوف تنمو ببطء شديد. آيب يؤكد لنا أن المقايضة الصحيحة بين المخاطر والسلامة تحقيق أقصى قدر من وحدات الابتكار لنصل للهدف الأمثل. وهذا طموح جيد ولكن التاريخ يوحي أننا غير قادرين على إيجاد هذا التوازن، وبالتالي نحتاج إلى توسيع هذا النموذج ليشمل ارتفاع نسبة الخصم، والذي بدوره سيؤدي إلى فرض سياسات خصم عالية، مثل فرض ضريبة على الكربون وسياسات حكومية تتفق فيها ضرائب الدخل مع خطط الإنفاق على المدى البعيد. فالقادة السياسيون الحقيقيون في هذا المعنى براي آيب هم من يدركون معرفة كيفية الحصول على عدد كاف من الناس لفرض الأعباء على أنفسهم في الوقت الحاضر لتقليل المخاوف بما يتضمنه المستقبل من كوارث.
واحدة من نقاط القوة الإبداعية لكتاب آيب هي البحث عن ظواهر مماثلة عبر ما يبدو أنه على عكس الظروف. إنه قادر على رؤية الاستمرارية، وكيفية استمرار الأفراد والمؤسسات في تغيير سلوكهم، عن غير قصد أو عن قصد، ضد تلك التدابير الرامية للسلامة. فهناك دائما احتمال لحدوث تأثير جيفونز "Jevons paradox"، ولكن قد يكون هناك أيضا عدة طرق يمكن من خلالها تحييد التأثير. يؤكد آيب للعالم أن علينا أن نقبل الخطر في بعض الأحيان، كون الكوارث تحدث باستمرار. ووظيفة واضعي السياسات هي التقليل من أثرها، وليس هندسة وجودها. أو كما يقول المثل: "عالم بلا حوادث السيّارات أو تحطم طائرة شأنه أن يكون عالمًا مع أي سيارة أو طائرة."
-----------------------------------------------------------------------------------------
اسم الكتاب: Foolproof: Why Safety Can Be Dangerous and How Danger Makes Us Safe
المؤلف: Greg Ip
عدد الصفحات: 326 صفحة
الناشر: Little, Brown and Company (October 13, 2015)
اللغة: الإنجليزية
