توماس جيفرسون فن السلطة

غلاف جيفرسون.JPG

قصّة الرجل - الرئيس الذي عشق الضياء دائما

إميل أمين

مدير مركز الحقيقة للدراسات السياسية والإستراتيجيّة

حصل هذا الكتاب على تصنيف أفضل كتاب للعام من "نيويورك تايمز" ويحمل مؤلف هذه السيرة جائزة "البوليتزر" في هذه السيرة الذاتية المميزة يعيد "جون ميشام" إحياء هذا الرجل غير العادي في فترة هامة من التاريخ. فيقدم لنا توماس جيفرسون، السياسي والرئيس الأمريكي الذي تجلت عبقريته بأنّه امتلك تفكير الفلاسفة ودهاء السياسيين واستطاع استخدام هاتين الملكتين ببراعة، وهذا هو فن السلطة.

كان جيفرسون إنسانا مليئا بالتعقيدات، ومهتما على الدوام بالصراعات التي تحدث من حوله، وكان يكره المواجهات وتعلم من أخطائه، وينتصر في النهاية، وفهمه للسلطة وللطبيعة الإنسانية مكنه من قيادة الرجال وتوحيد الأفكار.

تعلق جيفرسون بالكثير: النساء، وعائلته، والكتب، والعلم، والعمارة، والحدائق، وأصدقائه، ومونتشيللو، وباريس. ولكنه أحب أمريكا فقط.

يسمح لنا جون ميشام برؤية عالم جيفرسون كما رآه جيفرسون نفسه، ويكشف عن قدرة هذا الرجل على الصمود والتغلب على الانقسامات الحزبية، وضعف الاقتصاد، ومواجهة التهديد الخارجي المستمر.

لماذا تعوزنا قراءة قصة جيفرسون اليوم؟

الشاهد أنّ الأمر لا يتصل بالأمريكيين فقط، بل بالعالم برمته، لاسيما وأن أمريكا هي قاطرة العالم اليوم، اقتصاديا، وسياسيا، وعسكريا، وعلميا. وقصة جيفرسون تأتي في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة الأمريكية أزمات داخلية عديدة، وها هي مقبلة على انتخابات رئاسية مثيرة تغيب عنها الشخصية الكاريزماتية التي تستطيع انتشال البلاد من وهدتها الآنية.

قصة جيفرسون فريدة ليس فقط لأنه قاد الأمة في وقت التحديات الشرسة والصراع الثقافي والتغيرات الاقتصادية والمخاطر الخارجية، ولكن لأنها تجسد الكفاح من أجل قيادة أمة لتحقيق العظمة في عالم صعب ومعقد.

مؤلف هذا الكتاب الأمريكي "جون ميشام من مواليد عام 1969، رئيس التحرير التنفيذي ونائب المدير فيRandom House، وكان رئيس التحرير في New Week وأحد المحررين في مجلة التايم، ومعلق على التاريخ السياسي، حاز في عام 2009 على جائزة بوليتزر فرع السيرة الذاتية عن كتاب:" أسد أمريكا: أندرو جاكسون في البيت الأبيض".

هل يمثل جيفرسون قيمة ما بالنسبة للأمريكيين بادي ذي بدء؟

في كتابه:" تاريخ الولايات المتحدة.. أمريكا في ظل حكم توماس جيفرسون"، يحدثنا الكاتب الأمريكي الشهير "هنري آدمز" بالقول:" يمكن لبضع ضربات فرشاة غليظة أن ترسم صور جميع الرؤساء الأوائل، لكن مع استثناء وحيد هو جيفرسون، الذي لا يمكن رسم صورته إلا بلمسة بعد أخرى من قلم رصاص مرهف، ويتوقف اتقان شبه الصورة بالأصل على الاختلاج المتغير والمتردد للظلال شبه الشفيقة".

ولكي نعلم مدى أهميّة الرجل عند الأمريكيين، يلزمنا العودة إلى نص الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي "المغدور" جون كيندي، في حفل عشاء تكريما لجميع من حازوا جائزة نوبل وكانوا على قيد الحياة عام 1962، فقد قال:" أعتقد أنّ هذا الجمع نادر المثال، من أصحاب الموهبة والمعرفة الإنسانية، لم يسبق أن ضمه أي حفل عشاء في البيت الأبيض، ربما باستثناء شخص واحد يعادلهم جميعا، هو جيفرسون، حينما كان يتناول عشاءه هنا مفردا بنفسه".

كيف بدأ عصر جيفرسون؟

يعتقد مؤلف الكتاب أنّ عصر جيفرسون مثل إنجازا سياسيا لايضاهي في الحياة الأمريكية أحيانا ما يوصف كل من جورج واشنطن، وجون آدمز، والكسندر هاملتون على أنّهم الرجال العمليين والأكثر حكمة من جيفرسون، رجل الفلسفة من مونتيشللو. حتى ولو اعتمدنا في الحكم عليه بمعيار الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، فإن توماس جيفرسون يعد أنجح شخصية سياسية في الخمسين سنة الأولى من الجمهورية الأمريكية.

شغل جيفرسون، ومن صفوا أنفسهم بخلفائه، منصب رئيس الولايات المتحدة طيلة ستة وثلاثين سنه بين عامي 1800 و1840، وهم على التوالي: جيمس ماديسون، وجيمس مونرو، وأندرو جاكسون، (كان جون كوينزي آدامز، الذي حصل على الرئاسة لفترة واحدة استثناء)، ولن نجد في التاريخ الأمريكي كله شيئا شبيها بخط السلالة الجيفرسونية هذه، وإن كانت غير رسمية ولم تحظ بشهرة واسعة.

كان لجيفرسون رؤية محددة وهدف طاغ، ألا وهو بقاء الحكومة الشعبية في أمريكا ونجاحها، وكان يؤمن بوجوب سيادة إرادة الغالبية المستنيرة والمتعلمة. ولأن إيمان خصومه بالناس كان أضعف، فقد كان قلقا من أن الغالبية العظمى من المجتمع الأمريكي الواسع قد تكون غير مؤهلة للحكم الذاتي، ولكنه يعتقد أيضا أنّ هذا الجمهور نفسه يجسد الخلاص الذي تعد به الحرية، ويمثل الروح للأمة، والأمل للجمهورية.

في سعيه لتحقيق أهدافه، سعى جيفرسون إلى السلطة ونالها وسيطر عليها، وكان يبتغي السلطة التي تلوي عنق العالم لصالح إرادة المرء، وتعيد صناعة الواقع على الصورة التي يتخيلها.

إنّ أعظم قادة أمريكا لم يكونوا حالمين ولا طغاة، إنهم مثل جيفرسون، أولئك الذين صاغوا التطلعات الوطنية، لكن بعد إتقان آليات التأثير، وعرفوا متى يكون تجاوز الأفكار الجامدة أمرا ممكنا".

كانت لدى جيفرسون قدرة فائقة على حشد الأفكار وتحفيز الرجال، وتحقيق التوازن بين الطموح والواقع. ومن أجل تحقيق رؤيته، قدم تنازلات وحلولا وسطى. إن استعداده لفعل ما يتوجب عليه فعله في كل لحظة قد جعل منه شخصية تاريخية مراوغة، ولكن في العالم الواقعي، وفي الزمن الواقعي، عندما كان مسؤولا عن سلامة البلد، جعلت منه مرونته الخلاقة قائدا قادرا على صنع التحولات الكبرى.

 

جيفرسون بين المثالية والواقعية

 

لطالما كانت أمريكا ممزقة بين المثالية والواقعية، وبين الأهداف النبيلة والتنازلات الحتمية وهكذا كان جيفرسون، ففي عقله وفي قلبه، شأنه شأن أمته، تواصل صراع ما بين المثالي والجيد، ما بين ما هو فكري وعقلي وما هو جواني عميق. كان الصراع في داخله مثلما كان الصراع في داخل أمريكا حربا بلا نهاية. تبرز قصة جيفرسون لأنه يجسد دراما أبدية، يجسد نضال قيادة الأمة للوصول إلى العظمة، وسط عالم قاس ومضطرب.

لقد آمن جيفرسون بالإمكانات الموجودة لدى الإنسانية أكثر من كل الرؤساء السابقين عليه، أكثر من واشنطن، ومن آدامز كانت أحلامه كبرى، ولكنه يعي أن الأحلام تتحقق في الواقع فقط عندما يملك صناعها ما يكفي من القوة والدهاء لإخضاع التاريخ لأهدافهم. وكما يقال نبرة تعميم أن الفلاسفة:" يفكرون والساسة يناورون" تمثلت عبقرية جيفرسون في أن يكون الاثنين معا، وأن يفعل ما يفعله كلاهما، وبالتزامن بينهما غالبا. وهذا هو فن السلطة.

أحب جيفرسون زوجته، وكتبه، ومزارعه، والنبيذ الجيد، والهندسة المعمارية، وهوميروس، وركوب الخيل، والتاريخ، وفرنسا، ورابطة الكومنولث في ولاية فيرجينيا، وإنفاق المال، وأحدث الرؤى والأفكار. آمن بأمريكا وبالأمريكيين. قال في خطاب تنصيبه الأول عام 1801 أن الأمة كانت "أفضل أمل للعالم" كان يعتقد أنّ الأمريكيين قادرون على أن يحققوا بأنفسهم أي شيئا يضعونه نصب أعينهم، وقال واصفا مواطنيه عام 1814:" سيحققون ما هم قادرون عليه مهما كان".

 

جيفرسون أحد أعظم الرجال

 

بالنسبة لأصدقائه الكثيرين والمخلصين كان جيفرسون أحد أعظم الرجال، رمزا لعصر النهضة، ومحط الإعجاب من دون أن يبدو متعجرفا، وجذابا من دون أن يبدو مدعيا، وناجحا من دون أن يبدو كريها.

لكن في المقابل كان جيفرسون بالنسبة إلى خصومه، والذين كانوا كثيرا في ازدياد، ملحدا ومتعصبا، وديماجوجيا، وغوغائيا، ومواليا لفرنسا، لا يمكن الوثوق به في حكومة أمة عظمة. وكانت مهمته هي أن يغير تلك الآراء بقدر استطاعته. ظل تواقا لأن ينال محبة الآخرين وقبولهم.

كان جيفرسون خبيرا في التلاعب العاطفي والسياسي، وحساسا للنقد، ومهووسا بسمعته، ومخلصا لأمريكا، وكان منجذبا إلى العالم في ما وراء مونتشيللو (موطنه الأصلي)، يعمل بلا انقطاع، وحسب قوله :" كان يسعى لأن يرى معيار العقل هو المهيمن بعد مرور الكثير من العصور التي كان العقل الإنساني خلالها عبدا للملوك والقساوسة والنبلاء".

قضى جيفرسون جل حياته كمزارع ومحام ومشرع وحاكم ودبلوماسي ووزير خارجية ونائب رئيس ورئيس، ساعيا للتحكم في نفسه والسيطرة على حياة ومصائر الآخرين. بالنسبة لجيفرسون لم تكن السياسة مجرد انشغال مثبط للعزيمة ولكن عمل يجعل كل ما عداه أمرا ممكنا.

مستلهما  مثال والده، كان جيفرسون يسعى من وقت طويل لممارسة دور البطريرك متقبلا، بل محتضنا  الأعباء المترتبة على هذه المسؤولية. كان أبا لمثال الحرية الفردية، لعملية شراء مقاطعة لويزيانا، ولرحلة لويس وكلارك الاستكشافية، وللغرب الأمريكي، وقاد أول حركة ديمقراطية في الجمهورية الجديدة بهدف اختبار قوة وتأثير القوى المحققة.

وربما يكون الأهم من كل ذلك أنه قدم للأمة فكرة التقدم الأمريكية، قدم الروح المحركة التى تشير إلى أنه يمكن للمستقبل أن يكون أفضل من الحاضر أو الماضي، ومنذ ذلك الحين استفاد السياسيون الأمريكيون العظماء من إبراز هذه الرؤية الجيفرسونية التي ترى أن أفضل أوقات البلاد تكمن في المستقبل.

 

جيفرسون والعمل على مستويين

 

لا تزال قصة جيفرسون مبهرة جزئيا لأنه استطاع أن يجد وسائل للاستمرار وفي أحيان كثيرة استطاع أن ينتصر في مواجهة التحزب المتطرف وعدم الاستقرار الاقتصادي والتهديدات الخارجية، يمكن للزعامة السياسية لجيفرسون أن تقدم لنا مثالا للرئيس الذي يستطيع العمل على مستويين، مستوى يزرع الأمل في مستقبل مشرق بينما يحافظ على مستوى آخر من المرونة والمهارة السياسية من أجل رأب الفجوة بين المثل الأعلى والواقع بقدر ما أمكن.

إننا غالبا ما نتصوره باعتباره الشخص الذي صاغ وصمم أمريكا شخصية شكلت الرؤية المتعلقة بما يمكن أن تكون عليه البلاد، ولكنه كان أيضا حالما وشاردا، غير أنّ جيفرسون لم يكن يرتاح بعد أن ينتهي من كتابة كلماته أو صياغة أفكاره، فقد كان بناء ومحاربا.

 قال في أثناء رئاسته أن "ما هو عملي يجب أن يتحكم في النظري المجرد، وبالإضافة إلى ذلك"، أنّ عادات المحكومين تتحدد بدرجة كبرى ما يعتبر التصرف العملي".

حارب جيفرسون إلى جانب أعظم القضايا، لكنه عجز عن تحقيق العدالة لمن يعانون من الاضطهاد والاستعباد. في النهاية، بعد كل الجدل والانقسام والدراسة والندوات المتعلقة به، ربما يكون هناك شيء واحد فقط غير مختلف عليه حول توماس جيوسون وهو أنّ الرجل الذي عاش وعمل من عام 1743 إلى عام 1826 كان إنسانا يخضع للعواطف والتحديات والغرور والحب والطموح والأمل والخوف وكل تلك المشاهد التي تقود الآخرين من الناس.

إن موضوع هذا الكتاب هو استعادة الإحساس بذلك الإنسان الفاني في جيفرسون، الإنسان الذي سعى للسلطة، وصاغ حقوق الإنسان في عصر جديد، واستكشف مناطق جديدة في العلم والفلسفة، وأحب النساء، وامتلك العبيد، وساهم في تشكيل الأمة.

إنه ليس ابن زماننا ولكنه ابن زمانه، شكلته الوقائع التاريخية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، غير أنه من الصحيح أيضا أن العديد من الشؤون التي شغلته كانت ذات طبيعة عامة. لقد عاش حياة شديدة الخصوصية ومع ذلك تبقى لها أهميتها ودلالتها الدائمة.

 

جيفرسون والزمان غير المؤكد

 

عاش جيفرسون وعمل في زمن لم يكن فيه شيء مؤكد. كان يعرف ويشعر أن أعداء أمريكا في كل مكان، وكانت بريطانيا هي أعظم هؤلاء الأعداء، وليس هذا فقط في أثناء فترة النضال من أجل الاستقلال. وبدلا من استعادة الحرب الثورية بطريقتها التقليدية باعتبارها كفاحا مسلحا استمر من معركتي لكسنجتون وكونكورد حتى عام 1775 حيث انهزم البريطانيون في يوركتاون عام 1781، فمن المفيد أكثر لدى الحديث عن جيفرسون تأمل النضال ضد بريطانيا العظمى وتبعاته على الحياة الأمريكية على أنه نضال بدأ عام 1764، ولم ينته حتى معاهدة "جنت" ومعركة "نيواورلاينز" التي بدأت عام 1812 وانتهت الحرب في عام 1815.

يمكننا النظر إلى الأمر بهذه الطريقة - كما رأه جيفرسون أو كما عاشه ضمنيا - حيث عاش جيفرسون وحكم طوال حرب الخمسين عاما. تلك التي كانت حربا ساخنة أحيانا وباردة أحيانا أخرى، ولكنها كانت دائما تتكشف للعيان.

 لقد أخذت أشكالا عدة. كانت هناك مواجهات حربية تقليدية بدأت عام 1775 وحتى عام 1783، وتجددت من عام 1812 حتى عام 1815. كانت هناك معارك بالوكالة مع الموالين والحلفاء البريطانيين وسط الهنود. وكانت هناك ضربات تجارية وأخرى مضادة، وكانت هناك مخاوف من زحف سياسي في داخل الولايات المتحدة يمكن أن تساعده الحركات العسكرية البريطانية القادمة من كندا.. هل كان جيفرسون يتوهم هذه الاحتمالات خاصة في الفترة الممتدة بعد معاهدة باريس عام 1783 التي شهدت نهاية الحرب الثورية، وخلال رئاسته التي انتهت عام 1809م؟

 ربما كان ذلك صحيحا... هل كانت تراوده نظرية المؤامرة؟

 نعم ولكن في بعض الأحيان يكون للمصابين بالأوهام أعداء، ويتم السخرية من المؤامرات فحسب حين لا تتحقق.

أصابت جيفرسون المخاوف المحمومة من عودة النظام الملكي، الذي كان يمثل بالنسبة له اختزالا لاستعادة التأثير البريطاني ونهاية للمشروع الأمريكي الفريد في الحكم الذاتي، والذي كان مرفوضا باعتباره ضربا من الخيال من قبل شخصية في وزن "جورج واشنطن"، ولكن في المناخ الذي ساد في هذا الزمن زمن الثورة والتجسس والمخاوف الكبيرة التي قد تجعل الجمهورية الأمريكية تقصي مصير كل الجمهوريات الأخرى ـ لم يكن إحساس جيفرسون ببريطانيا كعدو دائم إحساسا مفاجئا أو عصيا على الفهم. كان يعتقد أنه في حرب دائمة، وإذا أردنا أن نفهم ما كان عليه، وما الذي كانت عليه الحياة بالنسبة له، إذن علينا أن نرى العالم كما رآه، وليس كما عرفنا ما انتهى إليه.

 

جيفرسون المتضور جوعا للعظمة

 

هل كان جيفرسون وعن حق يتضور جوعا للعظمة؟ هذا ما يقرره "جون ميشام" في كتابه هذا، وقد أتاحت له دراما عصره المسرحي الذي لم يغادره أبدا. كتب إلى "جون بيدج، زميله بكلية ويليان وماري، ورفيق الثورة، عام 1863، وكان بيدج حاكم فيرجينيا، وجيفرسون رئيس الولايات المتحد ـ قائلا:" لقد أخذنا من شغفنا الطبيعي للدراسة والهدوء، في أزمنة جردتنا من حرية الاختيار، ولكنها أزمنة تزرع العالم الجديد ببذور جديدة للحكم العادل، وستؤدي إلى عصر استثنائي في تاريخ البشرية. وبالتالي كان لزاما على هؤلاء الذين ولدوا في هذه الأزمنة، أن يتخلوا عن كل مساعيهم الشخصية وأن يحملوا عبء الحاضر".

أثناء تقاعده في "مونتشيللو" استعاد السنوات الماضية، سنوات الحرب والنضال والخطر، وعرف أنه أدى واجبه وقد أشار إلى زائر له قائلا:" ظروف بلدنا في لحظة مجيئي إلى الحياة، كانت لتدفع كل رجل مخلص إلى أن يؤدي دورا ما، وأن يقوم بأفضل ما في وسع قدراته:" لم يكن باستطاعته أن يفعل شيئا آخر. قال جيفرسون في إحدى المرات إن الثورة ليست أقل من أن تكون "انتخابات جريئة ومثيرة للشك.. وبالنسبة لبلدنا كانت انتخابات ما بين الخضوع أو حمل السيف.

 

جيفرسون ملهم الرؤساء الأمريكيين

 

يخلص المؤلف إلى أنّ جيفرسون، كان ملهما للرؤساء الأمريكيين، من روزفلت إلى ريجان، فقد ألهمهم فهما مختلفا للحكومة وللثقافة ولكن جيفرسون هو القدوة، من جيل إلى جيل، ومن سياسة إلى سياسة، ومن رؤية إلى رؤية، يتم الحديث عن براعته الأدبية مثلما يتم الحديث عما فعله عمله، فقد أمسك بدقة القيادة ووجه أمريكا وسط العواصف.

ولكن هناك شيء واحد، ثابت في فهم خلفاء جيفرسون له، لقد آمنوا مثله بقوة الكلمات في الحياة العامة، وفي تشكيل الرأي العام، وآمنوا بمركزية السلطة الرئاسية في الحفاظ على الوطن آمنا وقويا في أشد الأوقات صعوبة.

لم يتخل جيفرسون أبدا عن أمريكا الوطن الذي أوجده بالعديد من المعاني، والذي دعمه في الساعات الهشة والعصيبة، كتب عام 1824:" لقد راقبت هذه المسيرة الحضارية التي تقدمت من ساحل البحر، والتي تمر بنا كالبرق، وتزيد من معرفتنا وتدعم وضعنا ولا أحد يعلم أين سيتوقف هذا التقدم".

قام جيفرسون بتنظيم العالم كما أراده أن يكون حتى النهاية وفي ما وراء تلك النهاية. عندما توفي في منتصف صيف عام 1826، تمّ حمل جثمانه ليعبر الأرض الواسعة من المروج الغربية، وعبر أشجار الصفصاف، وهبط التل ليصل إلى قبره. بالطبع كانت المقبرة من تصميمه. هنا دفن أمه وزوجته وأطفاله وأقرب أصدقائه، وسوف يدفن هو أيضا:" تقع المقبرة الصغيرة على الجانب الغربي من الجبل".

عندما يأتي موعد الغسق، يحل الظلام ببطء تمتد الظلال من الشرق على نهر ريفانا ونهر سادويل.

ويسقط الليل على "مونتشيللو نفسها"، وعلى مزرعة مالبيري رو، وعلى مبانيه وعلى حدائقه، ويحل الظلام على رفات "توماس جيفرسون" الرجل الذي عشق الضياء دائما وأبدا.

-----------------------------------------------------------

اسم الكتاب: توماس جيفرسون فن السلطة

اسم المؤلف: جون ميشام

اسم المترجم: تماضر فاتح

الناشر    : دار التنوير للطباعة والنشر القاهرة

عدد الصفحات: 550

سنة النشر: 2016

أخبار ذات صلة