«الإمبراطوريَّات الجديدة: هل هي نهاية الديمقراطيَّة؟"»

الإمبراطوريات الجديدة.jpg

لآن سالمون
مُحمَّد المحفلي

حينَ خَرَج إلى العلن كتاب فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ.. والإنسان الأخير" في بداية تسعينيات القرن الماضي، فإنَّ الرأسمالية حينها كانت تعلن للعالم أنَّها النموذج الأكمل للبشر، وبوصف ديمقراطيتها النموذج الذي ينبغي أنْ يَعُمَّ العالم، خاصَّة بعد أنْ كانت قد حققت سيطرتها التامَّة إثر حربها الباردة مع الشيوعية التي انهارت أواخر الثمانينيات. تضع المُؤلِّفة آن سالمون هذه الحقبة ذاتها التي أعلن فيها فوكوياما نهاية التاريخ بداية حقبة جديدة؛ حيث بدأتْ تتشكَّل إمبراطوريات مالية جديدة، لا تسيطر على السوق فحسب، بل بدأتْ تُسيطِرُ على السياسية والاقتصاد والحياة بصورة شاملة، وتُشكِّل تهديدا حقيقيا للديمقراطية التي رأى فيها فوكوياما النموذج الكامل للبشرية. وكتاب آن سالمون يسعى لكشف أدوات تلك الإمبراطوريات الجديدة المتمثِّلة في الشركات الكبرى متعدِّدة الجنسيات والعابرة للقارات، والصناديق المالية الكبرى للمضاربة، وكذلك بيان رد فعل الديمقراطية لحماية نفسها، كما أنَّه -كما تذكر في مقدمتها للقارئ العربي- يسعى لمواجهة ما يسمَّى بالوحدة المطلقة، رائية أن الحلَّ يتمثَّل في إعادة صياغة مشروعات للحاكمية تهتمُّ بإقامة مؤسسات تحفظ التنوع الاجتماعي ضدَّ شياطين التوحيد، وتفترض برنامجا طموحا وذا نفس طويل.

وتبيِّن المُؤلِّفة أنَّ التسعينيات من القرن الماضي كشفتْ عن وجود إمبراطوريات ماليَّة تسعى لتثبيت مكانها في مواجهة الثوابت الديمقراطية، وتُذكِّر بما قام به صندوق كانتوم في بريطانيا الذي هاجم العملة البريطانية ليس لكسب مادي فقط، وإنما لكسب انتصار إمبراطورية ماليَّة على الديمقراطية؛ حيث يستطيع الفعل الخاص أنْ يؤثِّر في مسار أمَّة، وأنْ تُرغم الدُّول وسياساتها الاقتصادية والديمقراطية على الخضوع لنزوات السوق، وهنا يتبيَّن كيف أنَّ تلك الديمقراطية -التي أشار إليها فوكوياما بأنَّها نهاية التاريخ- قد مثَّلت تحولا خطيرا في حركة التاريخ، بمعنى إعادة التاريخ عبر تناسل جيل جديد من الرأسمالية أو كما تسمِّيها آن سالمون بالليبرالية الجديدة.

- تقسيم الكتاب:

تُقَسِّم المُؤلِّفة الكتاب إلى قسمين؛ يتضمَّن القسم الأول ستة فصول مخصصة للحديث عن تلك الإمبراطوريات الجديدة، وكيف يمكن لعدد محدود من الشركات المالية العابرة للقارات والقوميات أنْ تستعمل أدواتها المختلفة للتَّوجه نحو الفردانية، من خلال عدد من الإجراءات التي تستهدف خلق فضاءات اقتصادية، متجاوزة الالتزامات الاجتماعية، وهي بذلك تحاول إضعاف الترابطات المجتمعية للعمال، من خلال خفض الأجور وزيادة العاطلين، وتجزئة الكيانات الاتحادية والنقابية، وتشتيتها، والعمل على نموذج جديد من الإدارة يقوم على نظام الفصل بين العمال على أسس مختلفة. أما القسم الآخر، فيتضمَّن ستة فصول أيضا، يختصُّ بدراسة ملامح دفاع الديمقراطية عن ذاتها، عبر محاولة الحفاظ على التنوع والمنافسة بالرهانات الإنسانية أمام الرهانات الفردية لليبرالية الجديدة، والتأكيد على الغايات السياسية والأخلاقية وتوسيع الفضاءات العامة وفضاء الحريات، والبحث عن وسائل جديدة للعمل النقابي في ظل الوضع الإداري الجديد، وأخيرا التأكيد على أهمية الاقتصاد الاجتماعي القائم على التعاونيات والتشجيع على العمل في المشاريع المتوسطة والصغيرة.

وإنْ كان التقسيم قد وازن -في الظاهر- بين قسمين، شغل الجزء الأول منه بفصوله الستة الحديث عن إمبراطوريات المال الجديدة التي تحاول تغيير السياسة والاقتصاد بناء على نزعات فردية، والآخر الذي وضعته المُؤلِّفة للحديث عن مبادرة الديمقراطية الدفاع عن نفسها، في فصول ستة أيضا، فإنَّ الملاحظ أنَّ القسم الثاني قد أُثقل بهيمنة الجزء الأول مرة أخرى؛ حيث سيطر وصف مخاطر تلك الإمبراطوريات على الديمقراطية أكثر من سيطرة رد الفعل الوقائي للديمقراطية نفسها، كما أخذ التنظير التاريخي مساحة أوسع شملت فصولا أو بعضها. في حين كان القارئ بانتظار إستراتيجيات عملية تبيِّن كيف يمكن للديمقراطية أنْ تدافع عن نفسها في ظلِّ هذه الإمبراطوريات العابرة للقارات، والعابرة للأدوات التقليدية في السيطرة على الاقتصاد والسياسة، ومن ثمَّ تُصبح متحكِّمة في تشكيل المجتمعات وفق نزعات الأفراد المتحكمين بتلك الإمبراطوريات.

- إمبراطوريات جديدة:

وعلى الرغم من وجهات النظر على الرأسمالية بحد ذاتها، فإنَّ المُؤلِّفة لم تنظر إلى الأمر على أنَّ الليبرالية الجديدة امتداد -في الأصل- للرأسمالية، فإنَّها تستدرك هذا الأمر وتقوم بالتمييز بين الليبرالية والليبرالية الجديدة، فالليبرالية -بحسب منظورها- تنادي بسيادة حكم الشعب، والليبرالية الجديدة تنادي بسيادة المستبد؛ حيث يكون المنتج مواطنًا أيضا، تبعا للسياسة العامة التي يطالبون فيها بفصل الاقتصاد عن السياسة (ص:24و25)، ولكن ربما يكون هذا التفريق غير ذي جدوى؛ حيث يمكن النظر إلى أن هذا تطور طبيعي لانحراف في نظام اقتصادي كان عليه أن يحدِّثَ نفسه، بالانطلاق من الحاجات المجتمعية لا حاجات الفرد التي عزَّزتها الرأسمالية.

وعن المؤسسات العملاقة التي تُشكِّل أساس الإمبراطوريات؛ فقد بدأتْ السياسة الدولية تجاهها وبصورة واضحة بداية منذ العام 2000؛ حيث ظهر التحوُّل على المستوى الدَّولي متمثلا في إصدار الأمم المتحدة قائم بأكثر من مائة كيان اقتصادي عالمي، وكانت هذه المرة الأولى التي تقوم فيها الثروة كأداة مقارنة يُمكن أن يؤدي لتقدير قوة كيان سياسي بمقياس؛ حيث تمَّ تصنيف الدول إلى جانب الشركات، وهذا يرسخ فكرة إمكان مقارنة إمبراطوريات اقتصادية مع دول، كما يقبل بالمواجهة بين تلك الكيانات والدول.

وبروز مثل هذه المنشآت العملاقة لم يكن مستقلا، بل برز معها ما تسمَّى "جماعات الضغط"؛ حيث تمَّ رصد أكثر من عشرين ألف جماعة ضاغطة لدى مجلس النواب في الولايات المتحدة؛ من أجل أكثر من عشرين ألف منشأة. وفي العام 2005، وصلتْ نفقات أتعاب جماعات الضَّغط والاستشارة لحساب جوجل إلى نصف مليون دولار، وخصصت مايكروسوفت تسعة ملايين دولار للجماعات الضاغطة. وكذلك التدخل في الحملات الانتخابية، وهذه الممارسات تثقل الديمقراطية، ولكن في هذا الخصوص، ألم يكن من قبل موجودا ما يُسمى "جماعات الضغط" أو "اللوبي" الذي يخدم مؤسسات معينة حتى قبل ظهور هذه المنشآت الرأسمالية الحديثة؟ ألم تكن المؤسسات ذاتها فاعلة، ولكنها تختفي وراء الدول؟ ربما المتغير من هذا الجانب هو أنَّ هذه المنشآت صارت أكثر شفافية وقدرة على الحركة، وربما صارت بعض الدول تختفي خلفها وليس العكس كما كان.

- مخاطر الإمبراطوريات:

تُوجز المُؤلِّفة أهمَّ المخاطر التي تشكِّلُها الإمبراطوريات الجديدة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فمع الأزمة المالية في العام 2007م، تضاعف عدد العاطلين عن العمل في العالم، كما انخفضت مستويات الأجور. وتمَّ تجزئة الكيانات النقابية والاجتماعية داخل المؤسسات عبر منهج مدروس من قبل الرأسمالية الجديدة يتعرَّض لها الأُجَرَاء بشكل مباشر عبر إعادة تنظيم مستمر يهدف لتشتيتيهم وإرباكهم؛ مما يُزعزع عمل الفرق، يقطعون ماضي العمال عن حاضرهم.

وتُبيِّن المُؤلِّفة أنَّ هناك آثارا خطيرة على قدرات الفعل الجماعي بسبب التفريد والتنافس الداخلي وإعادة الهيكلة المتكررة والتغييرات الدائمة، وفصل دوائر الخدمات، وحركيَّة العمال، وفقدان العلامات، ومحو الهوية الثقافية، وزعزعة قيمة المهنة، وإضعاف تقدير الذات في زعزعة تجمعات العمل. ؛ يشعر الأُجَرَاء -في هذا الظرف- أنَّ كلامهم لا يمكن أن يُصغى إليه، وأنَّه لا يملك إلا القليل من الحظ في أن يؤخذ في الاعتبار. وتَتَضمَّن هيمنة الرأسمالية الجديدة مظهريْن مرتبطيْن بصورة وثيقة؛ فالترويج الأيديولوجي لثقافة الرأسمالية الجديدة يترافق مع ضعف التجمعات التي يمكنها الاحتجاج عليها. وتَسعى الإدارات الجديدة إلى ممارسة سلطتها على الأُجَرَاء وخلق إحباط مرتبط باستحالة التعبير؛ مما يفقدهم العزيمة والكرامة، وتحويل الأُجَرَاء المنظم إلى أطفال عبر مختلف تقنيات الاستنفار التي تكون أبعد ما تكون عن الحيادية، عبر خطوات معينة ومدروسة (ص:73و74). وأيضا بروز ظاهرة أخرى تُبيِّن الاحتقار إزاء شركات متعهدي العمل؛ من خلال الفصل بين عالمين: عالم العُمَّال الرسميين، وعالم عُمَّال الخدمات؛ حيث يفصل عمال الخدمات عن العمال الأساسيين في أوقات الطعام والخروج والنقل، وهذا يحول دون التواصل ويشجِّع على جهل الآخر.

- الديمقراطية والهُويات الجماعية:

في القسم الثاني من الكتاب الذي وُضعتْ له المؤَلِّفة عنوان "الديمقراطية تقوم بهجوم مضاد"، افتتحته بفصول نظرية عن العمل الجماعي الديمقراطي؛ من عدة زوايا: من المنظور الماركسي، ومن المنظور الرأسمالي، ولكن يبدو أنَّ هذه الفصول التمهيدية لهذا القسم مُتعلقة بمدخل تاريخي أكثر من كونها تتناول لبَّ الموضوع الذي تُريد التوصُّل إليه. وتبيِّنُ بدايةً -في الفكر الماركسي مثلا- يُمكن أنْ يكون المشغِّل الجماعي هو المواجه لرأس المال، بما أنَّ المصنع كلَّه صار يؤلِّف إنسانا واحدا. وهذا طبعا هو المنظور الماركسي للعمل الجماعي. ولكن لقد حطَّم تنظيم العمل الجديد الشروط المادِّية للتفكير بالتضامن على الطريقة الماركسية، وحطَّمَت القاعدة المادية لهذا الجسم الاجتماعي الموحَّد؛ من خلال بناء وحدات وظيفية صغيرة يتم عزلها عن بعضها البعض بأهداف الإنجاز المالي، فيتراجع الشعور بالتعاون.

كما تستعرض سالمون مُقترح لآن فور وجاك رانسيير لتكوين الهُوية العمالية ودوافع النضال. فهم يرون أنَّ لا المحرك ولا المصلحة الطبقية كافيان لتفسير شعور الانتماء إلى تجمُّع ما. فكانت الدوافع الأخلاقية حاسمة خلال فترة نسبية قصيرة في بداية القرن التاسع عشر. لقد أضفى تأكيد الذات والرغبة في أن يعترف بالمرء بحسب قيمته الحقيقية ورفض الاحتقار بُعدا أخلاقيا على النضالات الاجتماعية في هذه المرحلة، ومع ذلك تقول إنَّ التقنيات الإدارية الجديدة تضعف الأسس الأخلاقية لمجمَّع عمل يناضل من أجل الاعتراف.

كما تُقدِّم المُؤلِّفة نقد بولاني للرأسمالية الجديدة، من خلال إشارته إلى نشوء الفاشية في بداية القرن العشرين التي اعتمدت على نظام السوق، وأنَّ تقييد الفعل الاجتماعي ويديه ورجليه يؤدي إلى الدولة السلطوية، فينحصر المجتمع ويتعطَّل كليا حين ينحصر بين فكَّي كماشة نظام السوق المنضبطة ذاتيا من جهة، والحالة السلطوية بزعم المحافظة على النظام من جهة أخرى. كما يؤدي تدمير التنوع الاجتماعي إلى حضِّ المجتمعات على البحث في مكان ما وراءها هي نفسها عن الوسائل التي لم يعد تفعيلها في وسطها.

 

- الدفاعات الذاتية للديمقراطية:

ويتمثَّل أول رِهَان أمام الديمقراطية في رهان الإنسانوية لمنافسة الليبرالية الجديدة؛ من خلال المراهنة على التنوع الاجتماعي في الميدان الاقتصادي عبر لوائح فعل متنوعة، كما يؤدي الاتجاه الإنسانوي إلى تحديد الميدان الاقتصادي؛ فالغايات السياسية والأخلاقية هي التي يجب أن تحدد المكان الذي يحتله النشاط ذو الهدف الاقتصادي في حياة المدينة التي توسع -إلى ما لا نهاية- الفضاءات العامة، والتي يُمكن أنْ تنتشر فيها النشاطات المستقلة الفردية منها والجماعية. وتوسيع الفضاءات العامة وميدان الحرية، ويقوم الحل المقدم على خفض تدريجي للعمل ذي الغاية الاقتصادية الذي كان يمكن أنْ يسمح للنشاطات المستقلة أنْ تصير هي الغاية.

أمَّا بالنسبة للجانب السياسي -بوصفه جزءا رئيسيا من أدوات الدفاع الديمقراطية- فإنَّ المُؤلِّفة تعتمد على آراء الفيلسوفة الألمانية حنة آرندت التي ترى أن السياسة في السابق منذ أرسطو قد حاولت أنْ تحفظ جوهرها من الاستغراق في العملية الحيوية، ولكن حين صارت الحاجات المادية قضيَّةً عامة، وخرج الاقتصادي من المجال الخاص، وأقرَّ المجتمع التنظيم العام للعملية الحيوية، انتهى السياسي بأن وجد نفسه وقد كُلِّف بالقيام بعمل غير مسبوق، ليقوم في خدمة إعادة إنتاج الحياة، وإرضاء الحاجات، وهذا قطيعة هائلة مع الفكر القديم.

وتبيِّن ختاما أنَّ الحاجة الآن جاءت في ظلِّ الهجمة على العمل النقابي؛ لإيجاد فاعلين نقابيين، لمواجهة الإستراتيجيات الإدارية الجديدة، وإعادة إنشاء فضاءات ديمقراطية في العمل.

 

- الأدوات الفاعلة للديمقراطية في الدفاع عن نفسها:

تُبيِّن المُؤلِّفة أنَّ هناك أداتين فاعلتين في يد الديمقراطية لحماية نفسها؛ الأولى: العمل النقابي وتطوير آلياته في البيئة والظروف الجديدة، والأخرى: ظهور مؤسسات اقتصادية مختلفة، وهي تلك المشروعات الصغيرة والأصغر التي بدأت تغزو العالم كمَّا ونوعا.

ففي الجانب الأول، يُحاول النقابيون بناء فضاء ديمقراطي حول فعلهم الخاص بهم يعود إليهم؛ ذلك ليس من أجل دمقرطة المؤسسات بقدر ما هو تجديد طرق التعبير العمالي والنقابي. ومن أجل إعادة ابتكار عملية يمكن للأُجَرَاء اعتبارا منها تصوُّر أنفسهم بوصفهم مواطنين في الفضاء الديمقراطي الذي كونته المنظمات النقابية والذي يدخل في منافسة مع الفضاء الاقتصادي الذي كوَّنته المنشاة. فيتم الاعتراف بالأُجَرَاء بوصفهم فاعلين كاملي الفاعلية، وإعطاء الكلمة مجددا للعمال والاعتماد على هذه الكلمة الجماعية من أجل العمل على الصعيد النقابي؛ فتقود القيم الديمقراطية على هذا النحو إلى تأويل آخر لـ"الاستقلال الذاتي".

وما تُبيِّنه المُؤلِّفة أنَّ النقابات تستطيع الإسهام في إعادة الكرامة المفقودة؛ فحين يشعر الأُجَرَاء بأنفسهم معزولين ومرغمين وخاضعين وصامتين وطيِّعين، يمكن لكلامهم أن يقالَ في الميدان العام وأن يكون فيه مسموعا أكثر. وهو مالا  يتوصل إليه العنف أبدا. وهذا ما تشبه فيه المُؤلِّفة مع النضال السلمي ضد الحكومات المستبدة تماما؛ حيث لا يؤدي العنف إلى نتيجة إيجابية (ص:169)، فنجد المُؤلِّفة تؤكد على ما تسمية دمقرطة الممارسات النقابية.

وتقول المُؤلِّفة إنَّ تأثير الشركات مُتعددة الجنسيات يقلُّ على المجتمع ويصير نسبيا؛ بسبب زيادة المؤسسات الاقتصادية المتوسطة والصغيرة وانتشارها ونموها بشكل كبير، وبنسبة أكبر مما تستوعبه المؤسسات الكبرى؛ حيث سمحت المشاريع الصغيرة لظهور نوع من التنوع الاجتماعي الذي تمَّ خنقه في المنشآت الكبرى، يحفزه الابتكار والإبداع؛ لإنشاء تنوع اجتماعي في الاقتصاد؛ من خلال التعاونيات والشركات التعاونية وما يشبهها أو ما تسميه بالاقتصاد الاجتماعي الذي تعرِّفه بأنه: نُظُم حقوقية ومبادئ عمل تميِّزها عن المنشآت الرأسمالية؛ فغايته مُكرَّسة لخدمة الأعضاء بدلا من الربح، واستقلال ذاتي في الإدارة، مع وجود رقابة ديمقراطية للأعضاء بمعزل عن رأس المال (ص: 185و186). وهي ترى أنَّ هذا الاقتصاد يحرك المجتمع من داخله ويعمل على سحب البساط من تحت تلك الشركات المتعددة الجنسيات التي تخنق الاقتصاد والحريات.

إذا كان هُناك من تساؤل ختامي نابع من هذا الكتاب، فهو عن الديمقراطية التي ركَّزت عليها في مختلف جوانب الكتاب: هل هي ديمقراطية الدول، أم تلك الديمقراطية المتعلقة بفاعلية منظمات المجتمع المدني فحسب داخل النقابات والاتحادات؟! إذ لم تركِّز بشكل جوهري على السياسات العامة للأنظمة بقدر ما كان التركيز على ديمقراطية المؤسسات وأثر ذلك على العمال والأُجَرَاء.

--------------------

- الكتاب: "الإمبراطوريَّات الجديدة: هل هي نهاية الديمقراطيَّة؟".

- المؤلِّف: آن سَالمون.

- المترجم: بَدرالدين عَرودكي.

- الناشر: دار التنوير، بيروت - لبنان، 2015.

- عدد الصفحات: 216 صفحة.

أخبار ذات صلة