«الدولة الإسلاميَّة: الجذور والتوحش والمستقبل».. لعبدالباري عطوان

24591507.jpg

عبدالله المحروقي *

تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو ما يُعرف اختصارا بـ"داعش"، هو تنظيم جهادي متطرف نشأ في العراق، لكنه سرعان ما توسع ليشمل مساحات من سوريا. يهدف التنظيم إلى إعادة الخلافة على المنهج السلفي؛ لذلك يدعو المسلمين إلى الهجرة من شتى البلدان باعتبارها دار كفر والانضمام إلى الدولة الإسلامية. وقد استجاب لدعوة التنظيم كثير من الشباب المسلم المتحمِّس لتطبيق الشريعة الإسلامية واليائس من الأوضاع التي يعيشها المسلمون.

وقد أثار التنظيم ضجَّة كبيرة في الأوساط الإعلامية بالمقاطع التي نشرها والتي تحتوي على مشاهد إعدام عن طريق قطع الرؤوس أو الحرق...وغيرها من المشاهد المروعة. ولكن اختلفت وجهات النظر حول هذا التنظيم بين مؤيد له باعتباره شرعيا وثائرا على العدوان على الإسلام، وبين من يراه صناعة غربية تهدف لجر الشرق الأوسط إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.

 

وبَيْن يدينا كتاب "الدولة الإسلامية: الجذور، التوحش، المستقبل"، يجيب فيه الكاتب والصحفي عبدالباري عطوان عن كثير من التساؤلات التي ترد حول أصل هذا التنظيم، وسبب استخدامه للعنف المفرط، وأخيرا: ما مستقبل هذا التنظيم؟

يحتوي الكتاب على مقدمة وأحد عشر فصلا. في الفصول الخمسة الأولى تحدث الكاتب عن نشأة التنظيم وتوسعه، ومصدر قوته. فيما تحدث في الفصول الأربعة التالية عن التوحش والقسوة اللذين تميز بهما التنظيم، وكذلك عن علاقة التنظيم بتنظيم القاعدة. وفي الفصلين الأخيرين، استخدم المعطيات ليتنبَّأ بمستقبل الدولة الإسلامية. وفي المقدمة جاء الكاتب بما لا بد منه من التعريف بالدولة الإسلامية؛ فذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية ليس من صُنع أمريكا. يعتقد الكثير من المسلمين من المعارضين للتطرف والعنف الذي تمارسه "داعش"، أنَّ "داعش" هي صناعة أمريكية هدفها تشويه سمعة المسلمين، وكذلك جر الشرق الأوسط إلى مزيد من التقسيم والفوضى، بينما لا يرى الكاتب ذلك. وقد يتساءل سائل -كما كنت أتساءل من قبل- إن كان التنظيم ليس صناعة غربية، فلِمَ لم يطلق رصاصة نحو إسرائيل؟ وردًّا على هذا التساؤل، يقول أحد رجالات الدولة إن المسألة مسألة أولويات، والتنظيم الآن يركز على مسألة التمكين، وبعد ذلك سينتقل إلى أولوية التحرير، واستدلَّ بأنَّ المسلمين ما فتحوا القدس إلا في زمن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ويرى المؤلف أنَّ أمريكا تسببت في ذلك بسبب سياستها العدائية للعرب والمسلمين. وكذلك بسبب احتلالها العراق ودعمها لحكومة المالكي الطائفية. والبذور الأولى لنشأة التنظيم حسب رأي الكاتب قد زرعها صدام حسين عندما ألغى المظاهر العلمانية في الدولة، وأنشأ مجموعة عُرفت بميليشيا فدائيي صدام، وكتب بدمه على العلم العراقي عبارة "الله اكبر" علامة على تبنيه عقيدة الجهاد؛ وذلك عندما أدرك أن أمريكا تنوي الإطاحة به. ويختلف الكاتب مع وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون عندما قالت في أحد تصريحاتها إنَّ الدولة ليست دولة وليست إسلامية، بل يرى الكاتب أن "داعش" دولة، وهي أكثر من مجرد تنظيم. وقد يكون صائبا في ذلك؛ ففي معاهدة مونتفيديو عام 1933م أن الدولة التي تم تأسيسها والإعلان عنها لا تتطلب اعترافا من الدول الأخرى. أما عن نشأة "داعش" -وسأستخدم مصطلح "داعش" للاختصار، على أن الكاتب لم يستخدمه مُعلِّلا ذلك بالتزامه بالموضوعية والمهنية؛ إذ إنَّ التنظيم يرفض هذه التسمية- فقد كانت نتيجة عوامل كثيرة منها الاحتلال الأمريكي وطائفية الحكومة العراقية واليأس والإحباط الذي يعيشه الشباب الإسلامي الطامح لإعادة أمجاد الخلافة الإسلامية على المنهج السلفي المتشدد. فبعد غزو العراق، تحول الكثير من المسلمين إلى الفكر الجهادي حسب دراستين الأولى سعودية والثانية إسرائلية. وذكر أن عوامل نجاح "داعش" وسرعة توسعها تتلخص في التالي:

1- الفوضى، وعدم الاستقرار.

2- الظلم والطائفية والإقصاء؛ فالسنة وجدوا في الدولة الإسلامية خَلاصا من التهميش والإقصاء الممارس عليهم من قِبل حكومة بغداد.

3- صراحة جورج بوش في معاداة العرب ومناصرة إسرائيل ساهمت في تصعيد حالة العداء للغرب وشحذ همم الشباب للجهاد.

4- محاربة الجماعات الإسلامية من قبل حزب البعث في سوريا والعراق بشراسة ودموية.

مِمَّا تقدَّم يتبيَّن أن "داعش" ليست إحدى ثمرات الربيع العربي، وإنما هي نتيجة عوامل كثيرة سبقت الثورات العربية، ولكن التنظيم استغل فترة الثورات العربية للصعود والإعلان الرسمي؛ فـ"داعش" هي الحلة الجديدة من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي كان يقاتل ضد الاحتلال الأمريكي. وفي العام 2006م، وبعد وفاة أبي مصعب الزرقاوي تولى قيادة (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) أبو حمزة المصري الذي سلّم القيادة بدوره لأبي عمر البغدادي الذي أعلن قيام الدولة الإسلامية في العراق واستقلال الدولة عن تنظيم القاعدة الأم نظريا وشرعيا. وبعد وفاة أبي عمر البغدادي بويع أبو بكر البغدادي زعيما للتنظيم وذلك في العام 2011م. أبو بكر البغدادي هو إبراهيم بن عواد البدري القرشي، ولد سنة 1971م في سامراء. عُرف بهدوئه ورزانته، وهو صاحب إستراتيجيات ذكية في إدارة المعارك، وصفه المؤلف بأنه ذو حنكة عسكرية رغم أنه لم يقاتل خارج العراق. تم تنصيبه كخليفة في رمضان سنة 2014م. ويُعتبر الخليفة السلطة العليا في الدولة الإسلامية. وله نائب يُدعى أبو مسلم التركماني، وقد كان الأخير عقيدا في الاستخبارات العسكرية في زمن صدام. ولكن أبو مسلم التركماني قتل بعد تأليف هذا الكتاب، وقد بحثت عمن تولى منصب التركماني فلم أجد أي معلومة. وتحت البغدادي مجالس متعددة تشرف على إدارة الدولة كالمجلس العسكري، والمجلس الاقتصادي، والمجلس الشرعي...وغيرها. وللدولة ولايات يُعين عليها البغدادي ولاة، جميعهم تحت سلطة الأنباري والتركماني قبل مقتل الأخير. وليست الدولة كالقاعدة في اعتمادها على التبرعات؛ فالتبرعات لا تشكل سوى نسبة بسيطة من دخل الدولة. ومصادر دخل الدولة الأساسية هي عائدات النفط، ونهب البنوك، وأموال الفدية التي تحصل عليها مقابل إطلاق سراح الأسرى. وتوسع نشاط "داعش" ليشمل سوريا؛ لذلك تم تغيير مسمى التنظيم إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في إبريل 2013م.

وتتفق "داعش" مع تنظيم القاعدة الأم في أمور وتختلف معها في أمور أخرى. ومما يتفقان فيه ثلاثة أصول؛ هي:

- الحاكمية (تطبيق الشريعة الإسلامية حسب تفسير التيار السلفي).

- الكفر بالطاغوت (تكفير جميع الأنظمة التي لا تطبق الشريعة الإسلامية حسب فهم التيار السلفي).

- الولاء والبراء.

ونقطة الخلاف الرئيسة بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش أنَّ "داعش" لا تؤيد الحركات الإسلامية التي هي ليست جزءًا من الحركة الجهادية؛ فالذي لا يبايع البغدادي "كافر" في نظرهم! و"داعش" أكثر تشددا وعنفا مع المخالفين؛ ويتبيَّن ذلك من حادثة أسر 30 راهبة التي قامت بها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وبعدما تم الإفراج عنهن أعربت الراهبات عن حسن معاملة رجال الجبهة بخلاف المشاهد من قسوة معاملة أسرى "داعش". ولا تعترف "داعش" بالحدود الحالية بين الدول (الحدود المحددة حسب اتفاقية سايكس بيكو 1917م) لأنها من وضع الكفار.

أمَّا عن التوحش، المحور الثاني من محاور الكتاب الثلاثة، فقد ذكر المؤلف أن التوحش ليس من اختراع "داعش"، وإنما هي إستراتيجية استخدمها الكثيرون على مر العصور ومارسه جنود من مختلف الأعراق والأديان في حق أعدائهم ومخالفيهم. وذكر أمثلة كثيرة على ذلك، منها: ما قام به الأشوريون من سلخ جلود أعدائهم وقطع أطرافهم، ومجازر الصليبيين وفظاعاتهم إلى درجة أكل لحوم البشر، واغتصاب الجنود اليابانيين لربع مليون صيني وصينية ثم قتلهم وتقطيعهم. وذكر الكاتب أن القرآن أشار إلى الجهاد العنيف دون ذكر آية من القرآن تدل على ذلك، وربما غاب عنه وجهل أنه لا مثلة في الإسلام. وقد جاء في الفصل السادس من الكتاب أن التوحش والعنف المفرط هو أمر مخطط له لزرع الرعب في نفوس الأعداء، وهو جزء من حرب نفسية. وقد أثبتت هذه الحرب النفسية فعاليتها عندما زحف جنود "داعش" إلى الموصل، ففر منها الجيش العراقي وسيطرت الدولة على الموصل دون الحاجة إلى معارك.

ومما يُغذِّي التوحش -حسب رأي الكاتب- الفكر الذي تتبناه "داعش"، ألا وهو فكر محمد بن عبدالوهاب. فقد عُرف الأخير بعدم تسامحه مع المخالفين، ويظهر ذلك في حروبه الدموية ضد جميع الأطياف المخالفة، كالتي خاضها ضد كربلاء. ونقل المؤلف عن مؤرخ الوهابية عثمان بن بشير النجدي -دون أن يشير إلى المصدر- مقولته: "أخذنا كربلاء، وذبحنا، وأخذنا أهلها سبايا؛ إذن الحمد لله رب العالمين. لن نعتذر عن ذلك ونقول لكل الكفار: ستلقون المعاملة نفسها".

وأخيرا: ما مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؟

يَرَى عبدالباري عطوان أنَّ "داعش" تقدم البديل للشباب الإسلامي المحبط؛ لذلك فإن أعداد المنضمين إليها في ازدياد. وفرص استمرار الدولة أكبر من فرص أي تنظيم جهادي آخر، وذلك بسبب الاكتفاء الذاتي الذي تتميز به "داعش" عن غيرها من التنظيمات. ويرى أيضا أن فرص صمودها أكبر من فرص زوالها؛ لأن "داعش" بدأت تتأقلم مع الضربات الجوية كما تأقلمت حركة طالبان في أفغانستان، ورجال "داعش" متمرسون في حرب العصابات. ونظرا للعنف الذي اشتهر به رجال "داعش"، فإنَّ الدول تحسب ألف حساب قبل إرسال جيوش برية لمواجهة "داعش".

وفي الختام.. أرى أنَّ الكتاب موضوعي إلى حد كبير، والكاتب متمكن من موضوعه. ومن الضروري جدا قراءة الكتاب لأنه يعطي خلفية جيدة عن هذا التنظيم الذي أقام الدنيا ولم يُقعدها. غير أن على القارئ أن لا يأخذ بكل ما في الكتاب على أنه مسلم به؛ لأن ملف "داعش" لم يغلق بعد. والعجيب في الكتاب هو الصبغة الإيجابية التي انطلت على حديث المؤلف عن التنظيم، ويرجع ذلك حسب بعض القراء إلى التزام الكاتب بالموضوعية. ولا يفوتني أن أذكر تحفظي ومخالفتي لبعض ما ذكره المؤلف من مغالطات، منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر باغتيال بعض أعدائه، والصحيح أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالقتال وجوب الإعذار إلى العدو وإنذاره بالمقاتلة، قال تعالى في سورة الأنبياء "فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء". وذكر حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصه: "جئتكم بالذبح" وهو حديث صحيح ولكنه ليس عامًّا؛ فالمخاطب به أولئك الذين ساموا المؤمنين سوء العذاب، وإلا فمن يذكر اسما لرجل ذبحه النبي -صلى الله عليه وسلم؟!... وغيرها مما لا يسمح المقام بمعالجتها.

-------------------------------

- الكتاب: الدولة الإسلامية: الجذور، التوحش، المستقبل.

- المؤلف: عبدالباري عطوان.

- الناشر: دار الساقي 2015.

- عدد الصفحات 239.

 

 

* كاتب عماني

أخبار ذات صلة