إميل أمين *
على عَتَبات العام الجديد، صدرتْ هذه الترجمة المتميِّزة لكتاب المفكر والبروفيسور الفرنسي الشهير أوليفيه روا، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، عن دار الساقي في لندن. وقد جاء الكتاب مُواكباً لحالة الجدل الفكري العميق التي تدُوْر ليس في فرنسا وحدها، بل في كافة ربوع القارة الأوروبية، لا سيما بعد أن صارتْ المخاوف من العنف تكاد تَضْحَى مرتبطة بمن هو وما هو إسلامي.. والشاهد أنَّ إسلام اليوم هو الذي يُقارن نفسه بالعلمانية، داخلاً معها في اختبار قوة. حتى الأصولية استوعبت في العمق الفضائي الديني للغرب، وينبغي النظر إلى خطابها في الإطار نفسه الذي نضع فيه خطاب الأصوليين المسيحيين أو اليهود.
ويتركَّز النقاشُ حول العلمانية على الإسلام، مُفسحاً المجال أمام معركة كلامية بالغة العنف، تتعدَّى نقاش الأفكار وتستعيد النزاعات. على عكس الأفكار المسلَّم بها. ويُظهر هذا الكتاب أنَّ المشكلة ليست في الإسلام المعاصر والمُغرِب (من الغرب بضم الميم)، منظوراً إليه من هذه الزاوية يُمكنه أن يصبح مفهوماً في النهاية.
ويلفت أوليفيه روا -بدايةً- إلى أنَّ النقاش الدائر حالياً في فرنسا يُثير معركة كلامية بالغة العنف تتعدَّى النقاش الفكري ولا تتورَّع عن مهاجمة الأشخاص، فإلى القانون الذي يحظر ارتداء الحجاب وإبعاد الدعاة عن فرنسا، تُضاف مئات الآراء الحرة والمقالات الافتتاحية في الصحف، وعدد كبير من الكتب الأكثر رواجاً، والتي سرعان ما انحرفت إدانة الأصولية فيها نحو الهجوم المنظَّم على المسلمين والإسلام بوجه عام. لقد احتلَّ "الخطر الإسلامي" أغلفة المجلات، هذا العنف المشبوب، الذي سمَّاه بعضهم في الآونة الأخيرة "الإسلاموفوبيا"، والذي يصدر عن أوساط متباينة جدًّا على الصعيد السياسي، يظهر بوضوح أن مسألة الإسلام في فرنسا اليوم هي مسألة شبه وجودية: يبدو الإسلام وكأنه يطعن في هوية البلاد نفسها، أو على الأقل في طبيعة مؤسساتها؛ مما يستدعي التعبئة للدفاع عن "القيم الجمهورية" وعن العلمانية، ولكن لماذا يتركز النقاش حول الهوية الفرنسية على الإسلام؟
وفي جوابه، يذهب المؤلف إلى القول بأنَّ العلمانية المناضلة في فرنسا لها تاريخ طويل؛ فقد كانت في حالة حرب ضد المدرسة الخاصة الكاثوليكية منذ العام 1905 (ولا توجد حتى الآن مدارس خاصة مُسلمة بكل معنى الكلمة). وتزخر البلاد اليوم بالفِرق الدينية ذات الولاء المسيحي وبالكنائس الإنجيلية من كلِّ جنس ولون، بعيداً عن أجران الماء المقدس الكاثوليكية.
وفي الوقت ذاته يضع القارئ الأوروبي أمام عدة تساؤلات جوهرية؛ منها: هل يشكل الإسلام تهديداً إلى هذه الدرجة، أم أن الهوية الفرنسية بلغت من التأزم جدًّا أنَّ بضع مئات من الفتيات المحجبات والدعاة الملتحين يمكنهم القضاء عليها؟
الإسلام وحملة ترهيب غير مُبرَّرة
يُؤكد المفكِّر الفرنسي -عبر صفحات كتابه- على أنَّ حملة الترهيب التي يتعرَّض لها الإسلام اليوم في فرنسا غير مُبرَّرة، كما أنها تُسهم في إعادة تكوين المشهد السياسي والفكري الفرنسي؛ إذ نجد فيها العديدَ من المكونات المتنافرة. ولا شك أنَّ أكثر الناس عداءً لوجود المهاجرين وللإسلام في آن هم أولئك الذين يرون أن الإرث المسيحي يُشكِّل جزءاً من الهوية الفرنسية والأوروبية. وبناءً على ذلك، يرون أنَّ الإسلام غير قابل للاندماج، حتى في شكل علماني، وهذا الموقف التقليدي لليمين المسيحي ولليمين المتطرف (الذي غالباً ما يضيف إلى ذلك بُعداً "عرقيًّا"، لا بل "عنصريًّا" يتبدى في كتاب أوريانا فالاسي). ولكن إلى هذا العداء -ولنقل التقليدي- إزاء الإسلام، يُضاف اليوم عداء الأوساط التي تدَّعي الانتماء إلى الجمهورية والعلمانية، والتي لا تُقاتل المهاجرين، بل ما تتصور أنه أصولية أكثر تهديداً مما كانت عليه نظيرتها الأصولية المسيحية. وفي هذه الحملة التي يقودها بوجه خاص أناس من اليسار، يتبيَّن خطان: خط المتشائمين، الذين لا يؤمنون بوجود إسلام علماني، وخط المتفائلين الذين يميلون بالعكس إلى تشجيع، بل وبعث إسلام ليبرالي علماني وفرنسي حقًّا.
على أنَّ السجال الناشب على نحو سيئ، والمشوش، والمجحف، والحزبي، والمشبوب العاطفة، يطرح أسئلة أساسية لا يمكن التملُّص منها، ويتطرق إليها الكتاب؛ ومنها: إذا كان كل ما هنالك يدور حول عنصر واحد، فهل المشكلة هي الإسلام خاصة، أم الأديان عامة؟ بعبارة أخرى: هل أسهمتْ المسيحية في إرساء النظام العلماني والسياسي الحالي، حتى وإن وُضعت الكنيسة على الهامش، في حين أنَّ الإسلام مُمتنع جوهريًّا على كل شكل من أشكال العلمانية بل الدنيوة؟ أم أننا نعيش اليوم مع الإسلام ما عشناه مع الكاثوليكية منذ قرن من الزمان: مسألة ترتيب للمعطيات والضوابط القانونية والمفاوضات الآيلة أخيراً إلى ظهور إسلام حديث ليبرالي وأوروبي، وباختصار إسلام أوروبي مُدجَّن بكل ما للكلمة من معنى؟ أو هل أنَّ التشكُّل الذي أنتج إشكالية العلمانية يُعاني أزمة تبطل المحاولة الراهنة لترميم علمانية باتت خرافية من الآن فصاعداً؟
كتاب لا يتناول العقيدة الدينية
هل يتناول الكتاب الذي بَيْن أيدينا تحليلاً للعقيدة الدينية أيًّا ما يكن الدين؟ هذا الأمر ينفيه أوليفيه روا جُملة وتفصيلاً، ويضيف: من المسلَّم به عندي ألا يؤخذ على الإسلام ما يقوم به كل دين توحيدي منزل: توجد حقيقة فوق مستوى إدراك البشر، وجماعة من المؤمنين، أكانت تسمى شعباً مختاراً، أم أمة، أم كنيسة، أم اتحاد المؤمنين بالمسيح، وضوابط دينية يُؤدِّي انتهاكها إلى العقاب في العالم الآخر.
غَيْر أنَّ يقين المؤمن هذا لا يفيدنا في شيء عن مكانة الديني في المجتمع. يقودنا "روا" في كتابه إلى استخدام مفهوميْن ليسا مُترادفين: الدنيوة والعلمانية. أمَّا الدنيوة، فهي ظاهرة اجتماعية لا تتطلب أي استخدام سياسي؛ وذلك عندما يكف الديني عن احتلال مكان المركز في حياة البشر، حتى وإن استمروا في وصف أنفسهم بالمؤمنين، كما أنَّ ممارسات الناس والمعنى الذي يضيفونه على العالم لا تحمل التسامي الديني. وأعلى مراحل الدنيوة هي زوال الدين، ولكن بلطف (هكذا شهدت أوروبا طوال القرن التاسع عشر انحدارَ الممارسة (الدينية)، غير أن الدنيوة ليست ضد الديني أو الإكليروس: يكف المرء ببساطة عن الممارسة الدينية أو الكلام عنها، وتلك سيرورة.
أمَّا العلمانية -في المقابل- فهي صريحة: إنها خيار سياسي يُحدِّد بأسلوب سلطوي وقانوني مكان الديني. تنشأ العلمانية بمرسوم تصدره الدولة التي تنظم المجال العام.
إنَّ مسألة العلمانية هي قضية الفصل بين الدائرة الدينية والدائرة السياسية على صعيد المجتمع. بالطبع ليس على المؤمن أن يفصل بين الاثنين: إن ضميره هو الذي يُملي عليه مكان كل من النظامين. وليس الدين هو الذي يُحدِّد ما يتعلق بالديني، بل القانون هو المحدِّد لما يخص العلمانية، والمجتمع فيما يدخل في نطاق الدنيوة.. وتكمُن المشكلة في معرفة كيف يعيد الدين تعريف نفسه في مواجهة هذا التغير الحاصل في المجال الاجتماعي والسياسي: كيف يتكيَّف معه، وكيف يواجهه أو كيف يخلق مجاله الخاص.
تاريخ العالم المسلم ومجتمعه
يفردُ المؤلف في كتابه بضعة سطور مهمة تدفع عن الإسلام كَيْد الكثير من الكائدين المؤدلجين، ويمضي في طريق تأكيد ما أكده من قبل مؤرخون وعلماء، من أن الإسلام عرف الدنيوة بالفعل؛ سواء من وجهة نظر سياسية أو اجتماعية؛ ذلك أنَّ العقيدة الإسلامية غنية ومُعقَّدة بما فيه الكفاية للسير بها في اتجاهات مختلفة، كما أنَّها بناء بارع وسياسي جدًّا في غالب الأحيان، فتح إعداده المتنوع عدداً من السبل، وتقابلت فيه مدارس مُتعارضة؛ بحيث نجد فيه ما يمكنه من التكيف. ثم إنَّ جميع السلطات في الإسلام كانت دنيوية؛ بمعنى أنها لم تكن معينة من الديني، وفيما عدا عهد النبي لم تقم حكومة إلهية يُشرف عليها رجال الدين "ثيوقراطية".
لقد تبوَّأ السلطة سلاطين، وأمراء، وقادة عسكريون، ورؤساء، بناءً على اعتبارات زمنية تماماً، واكتفوا بالتفاوض على شرعيتهم مع هيئة من علماء الدين، محتفظين لأنفسهم بقانون الدولة الوضعي.
يتوقَّف المؤلف مع جزئية مهمة تدفع بعيداً كثيرا من المؤمرات السلبية التي تُحاك للمسلمين في الغرب؛ إذ يشير إلى أنه من بَيْن الترهات الخاطئة التي تتردَّد غالباً، القول بأنَّ الإسلام يمنع المسلمين من البقاء في ظل سلطة غير مسلمة: هنا يتعلق الأمر بالمفسرين مرة أخرى، وليس من باب المصادفة أن تلقى التفسيرات المتصلبة -كتفسير ابن تيمية- رواجاً اليوم في الأوساط الإسلامية الراديكالية، لكن ثمة تفسيرات أخرى جائزة هي أيضاً.
يُمكن في مجالنا أن نذكر فكر طارق رمضان الذي مهما كانت التحفظات التي يُثيرها، يُشكِّل نظرية في شرعية الإسلام الأقلي وممارسته، وما من مشكلة فيما يذهب إليه عدد من العلماء من أن إجازة كهذه ما هي إلا ذريعة، أو أن المثل الأعلى في نظر طارق رمضان يتحقق يوم يعتنق غير المسلمين الإٍسلام: إن الأمل الأخروي في انتصار الدين الحقيقي ملازم للوحدانية المسيحية والمسلمة، والمهم كما رأينا، هو تحديد قاعدة للعب يحترمها الجميع في الشأن الدينوي، ولكل ملء الحرية في أن يحلم بالثورة، وإلغاء الرأسمالية، ومجيء المهدي أو المسيح إلى الأرض، وسواء أعاش المرء بصفته مالكاً للعالم أم مجرد مستأجر فالمهم هو احترام العقيدة.
هل توجد ثقافة سياسية مسلمة؟
يتناول أوليفيه روا في كتابه القيِّم هذا مُعضلة المتخيل السياسي للإسلام، وهل هناك في عمق الإسلام ثقافة سياسية أم لا؟ وفي كل الأحوال يُؤكد أنه لا تشير الإحالة على الإسلام إلى استمرارية تاريخية دامت أربعة عشر قرناً، فهي إحالة مرنة جدًّا، لا تحدد أي نموذج قبلي وتتكيف مع منظومات سياسية مختلفة. غير أنَّ الإحالة المنتظمة على ثقافة سياسية مسلمة تعني أن ثمة ثابتاً لا يتغير، شكلاً متخيلاً للسلطة ينظم العلاقة التي يقيمها المسلم مع الشأن السياسي، والتي تعود اليوم مع صعوبة استيعاب نموذج الدولة الحديثة والديمقراطية.
كيف يتسنى والحالة هذه تصور عودة الديني إن لم يكن في شكل التقليد القديم المهجور؟ هذا التقليد يفترض دوام نمط من التفكير، مُغطى مؤقتاً بالحداثة، غير أنه يعود مجدداً كمكبوت مؤسسي، مثل حقيقة هُوية تبحث عن ذاتها. هكذا يتم السعي دائماً إلى تحديد ثابت ديني، عقيدة، عقلية أو ثقافة تفسِّر الإجابات المختلفة التي يقدمها كلُّ مجتمع بشأن النظام الاجتماعي، والشكل السياسي، والتطبيق الاقتصادي، والعلاقة بالمكان وتعريف الذات.
غَيْر أنَّ بعضَ المؤلفين -أمثال صموئيل هنتجتون (والرأي العام في الغالب)- يرون أنَّ ثمة صلة مُباشرة بين العقيدة والنظام السياسي، صلة تتجسَّد في "ثقافة": الثقافة المسلمة أو "العربية الإسلامية"، وبالجملة حتى مع التفكير في أن المجتمعات الإسلامية ربما تكوَّنت عبر سيرورات دنيوية فقد طبع الإسلام ثقافته السياسية، بل الذهنية الفردية للفاعلين، تماماً كما أن أوروبا المدنيوة تبقى مسيحية في العُمق. هكذا تبقى الرؤية التمامية للإسلام حيَّة في الأيديولوجيات السياسية للشرق الأوسط (حيث جامعة العروبة ما هي إلا دنيوة للجامعة الإسلامية، وتبقى صعوبة التفكير في قيام مؤسسات سياسية مستقلة، وتصور المواطن بمعزل عن روابطه العشائرية أو ذوبانه العاطفي في الطائفة: كل ذلك كما يزعمون هو علاقة دوام ثقافة عربية إسلامية صعبة الانقياد لإقامة دولة حديثة.
كيف تدار الأصوليَّة الجديدة
يتوقَّف المؤلفُ مع الأصوليات التي تتصاعد اليوم حول العالم، أصوليات تقوم بناءً على مُنطلقات للأديان الوضعية، وأخرى تمتدُّ جذورها من الأديان التوحيدية، وفي الحالتين يُنظر إلى الأصولية الجديدة اليوم كما لو أنها تهديد مجتمعي، أي عنصر إضافي في عملية تهديم بين النسيج الاجتماعي. لكن لا علاقة لذلك بـ"صدام الحضارات". وما لا يفهمه مُنتقدو التعددية الثقافية والطائفية هو أنَّ الطوائف المعاد تأسيسها على يد الأصوليين الجدد، ليست هي التعبير عن ثقافات تقليدية. كانت هولندا قد صدمت بمقتل "ثيو فان جوج": لكن إذا كان القاتل مغربي الأصل فقد كان هولنديًّا يكتب باللغة الهولندية ويدافع عن إسلام "إجمالي" ويحيا بالأحرى هذا الإسلام المُعرَّض للخطر والذي لم تعد له حدود إقليمية: هوهوية مجردة، من دون تجذُّر في مجتمع وثقافة، والذي يتحقق في هذه الحالة، بفعل إيمان المؤمن الذي يرسم الحدود بضربة سكين على عنق المجدف. إنَّ طائفية هذه الأيام هي إعادة بناء طائفية خيالية تندرج في مجال آخر غير مجال الدولة ـ الأمة.
يستلفت الانتباه إقرار واعتراف "روا" بأنَّ تاريخ العالم المسلم كله يُثبت أن السلطة كانت علمانية بالفعل، ولم تكن موضوع تقديس البتة. والحال أن إعادة الأسلمة في القرن العشرين هي التي طرحت للنقاش الموازنة بين سياسة ودين، في مقابل إعادة قراءة للإٍسلام تظهر كعودة إلى الأصول، ولكنها في الواقع أدلجة للديني، وعندما يلح الإسلاميون، وكذلك الأصوليون، على ضرورة العودة إلى زمن النبي، فهم أول من قال بأنَّ ما من تشكيل سياسي قام في العالم المسلم يوافق دولة إسلامية حقيقية. وعلى ذلك فإن إشكالية الدولة حديثة العهد.
لقد درس "روا" معضلة الدولة الإسلامية، ويكفي القول بأنَّه وجد تعريفها -سواء لدى أبي الأعلى المودودي، أو الخميني، أو الإخوان المسلمين- ليس مأخوذاً من الشريعة أو من تقاليد سياسية في العالم الإسلامي، لكنه يمثل عمليًّا قراءة إسلامية للمفاهيم السياسية الحديثة (دولة، ثورة، أيديولوجيا، مجتمع)، ويقدم على وجه الدقة تفكيراً في استقلال السياسي وتفشيه، مُتخذاً الأيديولوجيا كمفهوم وسيط.
وعليه.. فإنَّ الدولة الإسلامية ليست الدولة التي تعترف بالشريعة كقانون فحسب، بل هي أيضاً الدولة التي تجعل من الدين أيديولوجيًّا.
المسلمون ومعضلة العيش في الغرب
يخلُص "روا" في نهاية كتابه إلى أنَّ الإسلام قد تحوَّل بفعل الدنيوة والعلمانية معاً. وقد توصل الليبراليون، والمعتدلون، والزنادقة، أو الذرائعيون، منذ زمن بعيد إلى حل مسألة عيشهم الإيمان أو غيابه في المجتمع الغربي، وما أصولية هذه الأيام بكل أشكالها إلا محاولة للرد على هذا التحدي بوضع الهوية الدينية في الصدارة. وهي تنتشر كخطاب وتسعى إلى إيجاد مجال، ومكان يعيش فيه الفرد إيمانه كاملاً.
غير أنَّ هذا المكان افتراضي، بين وهم أمة لا توجد إلا في الإنترنت أو في طائفة محلية، مُنكفئة على ذاتها ولا تبقى على قيد الحياة، إلا أن العالم الخارجي يبدو لها عدائيًّا.
واليوم.. لا ينبغي للإسلام الذي يقارن نفسه على محك العلمانية والدنيوة، وغطرسة بعض الشبان حديثي العهد بالإسلام الذين يظنون أن العالم الغربي -الغارق في ماديته- لا يمكن إلا أن ينضم بكثافة إلى معسكر المؤمنين الحقيقيين، أنْ ينسينا أنَّ هذا الإسلام يخضع للتشكُّلات الجديدة، ومن زوال الحدود الإقليمية إلى الفردنة، لا بسبب إصلاح لاهوتي، بل نتيجة تعلمه أن يعيش كأقلية من الآن فصاعداً.
خلاصة روا القيِّمة في السطور التالية: "المشكلة ليست الإسلام بل الديني، أو بالأحرى الأشكال المعاصرة لعودة الديني. وهذا ليس سبباً لإبداء الترحيب والتضامن مع أولئك الذين يبدون كمنبوذين، ولكنه على العكس حث على النظر إلى الإسلام في الإطار نفسه الذي ننظر فيه إلى الأديان الأخرى والظاهرة الدينية في ذاتها. هذا هو الاحترام الصادق للآخر والحس النقدي الحقيقي".
* مدير مركز الحقيقة للدراسات السياسية والاستراتيجية
--------------------------------
- الكتاب: "الإسلام والعلمانية".
- المؤلف: أوليفيه روا.
- المترجم: صالح الأشقر.
- الناشر: دار الساقي، لندن، 2016.
عدد الصفحات: 200 صفحة.
