الإسلام الديمقراطي المدني.. الشركاء والموارد والإستراتيجيَّات

غلاف كتاب الإسلام الديمقراطي المدني.jpg

مُحمَّد المحفلي

كتابُ "الإسلام الديمقراطي المدني" موجَّه إلى صانع السِّياسة الأمريكيَّة بوَصْفه تقريراً صادراً عن مؤسَّسة "راند" الأمريكيَّة -الذراع البحثية شبه الرسمية للإدارة الأمريكيَّة والبنتاجون بوجه خاص- والمؤلِّفة هي الباحثة شيريل بينارد، واحدةٌ من أكبر باحثي مؤسَّسة "راند" الأمريكيَّة، نمساويَّة الأصل، وحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسيَّة من الجامعة الأمريكيَّة في بيروت، زوجة الدبلوماسي زلماي خليل زاد، الأفغاني الأصل، والذي عمل سفيرا للولايات المتحدة الأمريكيَّة في كلٍّ من أفغانستان والعراق. وما دام هذا الكتاب ذا طابع رسمي أشبه بالتقرير، فإنه يهمُّ في البداية صانع القرار الأمريكي الباحث عن أدوات تساعده على وضع إستراتيجيَّات معينة للتعامل مع العالم الإسلامي بكل تناقضاته وصراعاته، التي تشكل حاضره ومستقبله.

ولكن ما دام قد ظهر الكتاب إلى القارئ العربي، فإنه مُطالب بفحص محتواه، والاطلاع على تفاصيل البيانات الواردة فيه، وتبيُّن المعطيات والمقترحات والمعالجات، ومن ثمَّ محاولة فهم ذلك، وتوضيح ما يُمكن له أن يدور في كواليس السياسة الأمريكيَّة، واتخاذ القرار المناسب من قبل مؤسسات البحث العلمي، والمؤسسات الثقافيَّة والفكريَّة العربيَّة والإسلاميَّة. فإذا كان من حقِّ الإدارة الأمريكيَّة ومؤسساتها البحثيَّة أن تحدِّد ملامح شريكها الإسلامي الملائم، فإن على المؤسسات الثقافيَّة الإسلاميَّة أن تحدِّد ما يُلائم شعوبها؛ كونها الأقرب إلى روح اهتماماتهم وإدراك مشكلاتهم.

 

يبتدئُ الكتابُ بتصنيف المسلمين إلى أربعة أصناف من حيث رؤيتهم للقضايا المركزيَّة المتشكِّلة في الفكر الإسلامي؛ فالصنف الأول الأصوليُّون الرافضون لقيم الديمقراطيَّة والثقافة الغربيَّة المعاصرة، ويبحثون عن سلطة ملتزمة بتطبيق رؤيتهم للشريعة، وهم تياران: أصوليُّون نصوصيُّون متجذِّرون في المؤسسات الدينيَّة كما في إيران والسعودية. وأصوليُّون متطرفون أقلُّ اهتماما بالدلالة الحرفيَّة لنصوص الإسلام ويتعاملون بانتقائية، ويبيحون لأنفسهم حريات أكبر، ونموذجهم: "القاعدة"، و"طالبان"، و"حزب التحرير".

أمَّا الصنف الثاني، فهم التقليديِّون الذين -كما تقول- ينقسمون إلى: محافظين على التطبيق الحَرْفِي للشريعة وتشجيع مؤسَّسات الدولة عليها، ويهتمُّون بالتفاصيل للحفاظ على نفوذهم وتأثيرهم، ولكن لا يؤيِّدون العنفَ. وإصلاحيِّين يقبلون فكرة عدم التطبيق الحَرْفِي للإسلام، وهم مستعدُّون لمحاولة الإصلاح وإعادة تفسير النصوص.

الصنف الثالث: الحداثيِّون الذين يسعون لإحداث تغييرات جوهريَّة في الفهم والتطبيق للإسلام، ويؤمنون بتاريخانيَّة الإسلام، وبوجود جوهر للإسلام، وبقاء ذلك الجوهر في مقابل تغيير الشكل.

الصنف الرابع: العلمانيون الذين يرون الدين أمرًا شخصيَّا يجب فصله عن السِّياسة ومنع تعدي أحدهما على الآخر.

وعلى الرغم من أن الباحثة تعترف بأنَّ هناك تداخلا بين هذه التصنيفات، إلا أنَّ التصنيف -بحد ذاته- مشوبٌ بالقصور، ناهيك عن أن المعايير التي يتم بها غير منضبطة؛ وهو ما يجعل من النتائج المترتبة عليه عُرضة للتساؤل والاعتراض، ومن ثمَّ فإن آلية التعامل مع نتائجها، ستكون عُرضة للوقوع في أخطاء تنعكس سلبا على مستوى السِّياسة الأمريكيَّة وعلى مستوى العالم الإسلامي. فيبدو الفرز الواضح على قسمين: القسم الأول الذي ترى الباحثة أنه يمثل الإسلام الديمقراطي -من وجهة نظرها- (الحداثيِّون والعلمانيّون)، والآخر المتمثل في التقليديِّين والأصوليِّين، وهو الطرف الذي ينبغي التعامل معه بحذر أو حزم، وهكذا يبدو الفرز واضحا على طرفين: مع وضد.

 

تقسيم الكتاب

ينقسمُ الكتابُ إلى أربعة أقسام رئيسة، وهي ثلاثة فصول وملاحق؛ ففي الفصل الأول حاولتْ الباحثة وَضْع تحييد للقضايا المركزيَّة في العالم الإسلامي والمواقف العقديَّة إزاءها؛ من خلال استعراض آراء تلك الأصناف الأربعة بما تحمله من تباين واختلاف وصراع. والفصل الثاني تبحث فيه عن الخيارات المتاحة لإيجاد شريك مُلائم للإسلام الديمقراطي المدني؛ من خلال البحث في التصنيفات المذكورة. والفصل الثالث تضع فيه إستراتيجية مقترحة لصانع السياسة الأمريكيَّة تبين فيها كيفية التعامل مع كل الأصناف المذكورة؛ إمَّا بالمواجهة أو المراوغة أو الدعم؛ بحيث تصل في الأخير إلى نسخة حديثة من الإسلام تتماشى مع قيم العصر، بحسب تعبيرها.

وقد ضمَّنت الفصل الأول جدولا شبه تفصيلي تحت عنوان: القضايا المحوريَّة والمواقف العقديَّة إزاءها، وتضمَّن القضايا الآتية: الديمقراطيَّة، وحقوق الإنسان، والحريَّات الفرديَّة، وتعدد الزوجات، والحدود الجنائيَّة الإسلاميَّة، والحجاب، وضرب الزوجات، ووضع الأقليَّات، والدولة الإسلاميَّة، ومشاركة النساء في الحياة العامة، والجهاد، ومصادر التشريع. وكان المحور العمودي للجدول يتضمن رؤية الفئات المختلفة العقديَّة من هذه القضايا الإشكالية، وهذه الفئات هي: الأصوليُّون المتطرفون، والأصوليُّون النصوصيُّون، والتقليديِّون المحافظون، والتقليديِّون الإصلاحيُّون، والحداثيِّون، والعلمانيُّون الجزئيُّون، والعلمانيُّون المتطرفون. ويُلاحظ على هذا الجدول الأحكام العامة التي وزَّعت الأفكار على المحاور، وهو الخلل المترتِّب على التصنيف السابق؛ فكما أنَّ الأصوليَّة هي سلوكٌ قائمٌ على معتقدات مختلفة، وكما يكون المتشدِّدُ دينيَّا أصوليَّا، فقد نرى اليساري أو الليبرالي مُتشدِّدا في أصوليَّته أيضا. فمثلا قضيَّة الحجاب التي تستعرض الاختلافات حولها، فإن الخلاف يبدو أكثر تعقيدا مما ذُكر، ولا يرتبط بالمعتقد الديني فحسب، بل يأخذ حيِّزا في العادات والتَّقاليد الموروثة، ومثل ذلك يُمكن أن تبرز ملاحظات على القضايا الأخرى. ثم إن القضايا المطروحة ذاتها ليست هي العمق الجوهري لكل هذه الخلافات، بل إنَّها عناوين ولا يمكن الجزم بأنَّها العمق الحقيقي الذي يتسبب بكلِّ تلك الخلافات في الوسط الإسلامي؛ حيث يُمثِّل الصراع السياسي لبَّ تلك الاختلافات من حيث الولاية والإمامة وما بينهما، فلا تمثل هذه القضايا المطروحة إلا التجلِّي الأبرز لعناصر الخلافات الكامنة.

 

التعامل مع الأصوليِّين

من خلال الكتاب يتبيَّنَ أنَّ مفهوم الأصوليِّين لديها، يعني من يسعون لتشكيل رؤية موحَّدة متمسِّكة بالدِّين ومصادرة الحياة الفرديَّة، وإنشاء مجتمع متقشف يفصل بين الجنسين؛ بإزاحة المرأة من الحياة العامَّة ونشر الإسلام على الجميع في سبيل السيطرة على العالم. وللتعامل معهم تُوصي بأن يكون ذلك بحسب نوعي الأصوليَّة؛ فالمتطرِّفون منهم ينبغي التعامل معهم بحزم وينبغي التصدِّي لهم وعدم التعامل معهم أو دعمهم "إلا لاعتبارات تكتيكيَّة عابرة" (ص:11)، إنَّ هذه الفقرة من التَّوصية تبيِّنُ بشكل واضح الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة للتعامل مع الأصوليَّة، بل تعزِّز الرأي القائل بأنَّ الكثيرَ من الجماعات الأصوليَّة هي في الحقيقة نتاجٌ لتلك التَّكتيكات التي أنتجت "القاعدة"، وما تلاها من تنظيمات إرهابيَّة، بدأت كتكتيك وانتهت بتنظيمات تعيثُ في الوسط الإسلامي فسادا قبل أن تصل إلى غيره. إذ ينبغي أن يكون المبدأ واحدا، ولا تكتيك في دعم الأصوليَّة أو العنف والإرهاب.

الأمرُ نفسه يجرُّ إلى التعامل مع ما تسمِّيه "الأصوليَّة النصوصيَّة"، والتي تضمُّ المؤسَّسة الدينيَّة الإيرانيَّة والمؤسَّسة الدينيَّة في السعوديَّة، وهم الذين يؤمنون بالتطبيق الحرفي للنص الديني، ولكنَّهم لا يؤمنون بالعنف كما يفعل المتطرِّفون. وعلى الرغم من التوصيات التي تتضمَّنها لكيفيَّة التعامل معهم، فإنَّ السِّياسة الأمريكيَّة لا تستطيع أن تتجنَّب الفكر البرجماتيّ الذي يخدم المصلحة الأمريكيَّة بعيدا عن مصالح المجتمعات مهما كانت تلك التَّوصيات، وهذا ما يتبيَّنُ من السِّياسة تجاه تلك الأنظمة التي تقول الكاتبة إنَّها تتبنَّى الأصوليَّة، ناهيك عن أنَّها استبعدت الأصوليَّة الصهيونيَّة القائمة على العنصريَّة والعرقيَّة، بل وبناء دولة على هذا الأساس، وهذا الأمر له الدور الأبرز في كلّ الأحداث والصراعات في المنطقة.

 

التقليديِّون

تبيِّنُ الكاتبة مفهومها للتقليديِّين الذين ينقسمون -كما تقول- إلى جماعتين أيضا: محافظين على التطبيق الحرفي للشريعة وتشجيع مؤسَّسات الدولة عليها، ويهتمُّون بالتفاصيل للحفاظ على نفوذهم وتأثيرهم ولكن لا يؤيِّدون العنف. وإصلاحيِّين يقبلون فكرة عدم التطبيق الحرفيّ للإسلام، وهم مستعدُّون لمحاولة الإصلاح وإعادة تفسير النصوص. والاختلاف بين التقليديِّين المحافظين والإصلاحيِّين أن الجميع يؤمن بالكتاب والسُنَّة والإجماع، لكنَّ التقليديِّين لا يتركون مساحة واسعة للاجتهادـ فيما الإصلاحيُّون يفتحون مجال الاجتهاد ليتناسب الإسلام مع قيم العصر (ص:32). وتكمُن الإشكاليَّة هنا في غياب الحدِّ الفاصل بين القسمين، والحدِّ الفاصل بين التقليديِّين المحافظين، والأصوليِّين النصوصيين؛ وهذا ما سيترتَّب عليه بعد ذلك من أنَّ صانع السِّياسة الأمريكيَّة سيضع له شخصيات معينة تشكِّل -بحسب رغبته هو- التقليديّ المحافظ من الإصلاحيّ. والخطورة أنَّ ذلك يرتبط بحياة المجتمع الإسلامي ذاته؛ فالسِّياسة الأمريكيَّة تحكمها التكتيكات والمصالح، فلا يعنيها بعد ذلك ما سيحصل في هذا المجتمع بعد ذلك، وكان ينبغي الموازنة بين المصالح الأمريكيَّة من جهة، ومصالح الشعوب التي تسعى -كما تقول- لمنحها حياة أفضل وتصدير قيم الحريَّة والديمقراطيَّة وحقوق الإنسان إليها.

وترى الكاتبة الميزة في التقليديِّين أنَّهم يرفضون العنف، وأنَّ لهم ثقلا مكافئا للأصوليين، يميلون للتوسط، منفتحون لحوار الأديان، ويمثلون شرائح واسعة من المجتمع، (ص:71،72)، ولكن تكمُن أوَّل إشكالية في صعوبة التمييز بين التقليدي والأصولي؛ فهم متقاربون في القيم التي يؤمنون بها، كما أنَّ هناك ضغينة تجاه الولايات المتحدة والغرب المعاصر عموما، فلا يمكن الفصل بينهما إلا استخباريًّا وليس عبر الأجندات والأيديولوجيات والأفكار.

وتهاجم الكاتبة قضية التغاضي عن تسرُّب الكثير من المفاهيم التقليدية من الثقافة الإسلاميَّة إلى الأمم المتحدة؛ مثل: مصطلح تدنيس المقدَّسات، بما يتجاوز القوانين العالمية لحقوق الإنسان. وتقول إنَّ هذا التواطؤ لا يستند إلى أيِّ قانون. ولكنها تغضُّ الطرف عن مصطلحات تسرَّبت إلى الأمم المتحدة أيضا، كمصطلح معاداة السامية التي تُستعمل في كثير من الأحيان بما يتجاوز القوانين، فيبدو التعامل المتناقض مع المشكلات نفسها.

 

الشركاء

من خلال ما تبيِّن الكاتبةُ، فإن الحداثيِّين والعلمانيِّين، يبدو أنَّهما الخيار الأقرب إليها لتشكيل الإسلام الديمقراطي المدني؛ إذ يتطلع الحداثيِّون إلى مجتمع يعبر أفراده عن تديُّنهم بالطريقة التي تروقهم، ويرغبون في الفضيلة بوازع داخلي وليس بالإرغام وإقامة نظام يرتكز على العدل والمساواة، ويرى العلمانيّون ضرورة فصل الدين عن الدولة، والمعتدلون منهم يرون التديُّن حرية شخصية مع عدم تعارضه مع حقوق الإنسان، أما المتشدِّدون منهم، فيرون حظره تماما.

وهي حين تؤكد أن التديُّن حرية شخصية بما يتسق مع منهج الاعتدال الذي تراه، فإنها تقف مُنتقدة الحكومة الأمريكيَّة التي لم تمنع الحجاب في الحياة العامة، فتقول: إن الحكومة الأمريكيَّة "داعمة للحجاب باعتباره أمرا اختياريَّا قليل الشأن في مجال الملبس، يمكنها من التعبير عن تسامحها دون كلفة تذكر، فإنَّها في حقيقة الأمر تلتزم موقفا خطيرا دون وعي في قضيَّة محوريَّة ورمزيَّة مثيرة للجدل. وهي بذلك تصطف إلى جانب المتطرِّفين في أقصى يمين الطيف الفكري؛ مع الأصوليِّين والتقليديِّين المحافظين، في مواجهة التقليديِّين الإصلاحيِّين والحداثيِّين والعلمانيِّين" (ص:35). إنَّ هذا الاعتراض من قِبَلها يجعلها تأخذ مبدأ الفرض ذاته الذي يتخذه الأصولي أو التقليدي، ويبقى الاختلاف في المرجع فقط، أما السلوك فهو ذاته.

وهي إذ ترى العلمانيِّين بأنَّهم شركاء محتملون، تشير إلى وجود إشكاليَّة أنَّ هناك عداءً من قبل بعض العلمانيِّين لأمريكا بسبب الأيديولوجيَّات المختلفة من يساريَّة وقوميَّات متباينة وبهيكليَّات تتزيَّن بالزخارف الديمقراطيَّة (ص:64)؛ بما يعني أنها تريد علمانيَّة على الطريقة الأمريكيَّة، وتحت الوصاية، دون أن يكون هناك أي اعتبار للحريَّة أو الخروج على الخطوط التي ترسمها الإدارة الأمريكيَّة للعالم.

 

الإستراتيجيَّة المقترحة

في إطار وضعها إستراتيجيتها المقترحة لإسلام مدني ديمقراطي، تُوصي ببناء قيادات حديثة، وخلق زعامات ومثل للاحتذاء؛ لتكون مدافعة عن الحقوق والحريَّات بوصفهم قادة شجعان كما كان مع نوال السعداوي، وكذلك ضمّ الحداثيِّين المسلمين إلى فعاليَّات التوعية السياسيَّة، وجعل الإسلام مكونا واحدا من مكونات الهوية. ثم دعم المجتمع المدني في العالم الإسلامي، على وجه الخصوص في الأزمات وبين اللاجئين، وتطوير الإسلام الغربي بأشكاله المختلفة أمريكي وألماني. من جهة أخرى، توصي باستمرار الهجوم على الأصوليِّين عبر نزع الشرعيَّة من الأفراد والجماعات المرتبطة بها، وفضح أعمال النفاق واللاأخلاقية التي ترتبط بهم، وفضح الممارسات الشخصيَّة لهؤلاء الأصوليِّين عبر تشجيع الصحفيين على إعداد تقارير تكشف عاداتهم الشخصيَّة وفسادهم وإبراز وحشيتهم، ونفاقهم وتناقضاتهم.

وعلى الرغم من أنَّها لم تتطرق إلى تحويل شعار أمريكا في الترويج للقيم الديمقراطيَّة بشكلها النموذجي، إلا أنها تُوصي بتعزيز قيم الحداثة والديمقراطيَّة الغربيَّة بشكل حاسم؛ من خلال خلق نموذج للإسلام المعتدل المزدهر العصري، والترويج له بدعم الدول والجهات والجماعات ذات الرؤى المناسبة من جهة، ونقد التقليديَّة عبر الربط بينها وبين التخلف، وبين التقدم والحداثة. وكذلك التركيز على التعليم والناشئة؛ بغية التأثير على الجيل الجديد، وتشكيل وعيه عبر إدماج رسالة الإسلام الديمقراطي في المناهج ووسائل الإعلام.

ومن جهة أخرى، تبيِّن أنَّ هناك أنشطة مُحدَّدة لدعم الإستراتيجية؛ عبر: دعم الحداثيِّين والعلمانيِّين لنشر وتوزيع أعمالهم على نطاق واسع، وتشجيعهم على الكتابة لجموع الجماهير والناشئة، وإقحام آرائهم في مقررات التعليم الإسلامي، ومنحهم منبرا إعلاميا، وتمكينهم من منافسة الأصوليِّين عبر الترويج لأفكارهم فيما يتعلق بالقضايا الأساسية. وعرض الحداثة بوصفها البديل للنشء الإسلامي الساخط كخيار بديل لهم، وتشجيع البرامج الثقافية المدنية والمؤسسات.

كما أنَّها -وبدون مسوِّغ واضح- تُوصي بالتركز على قضية تيسير وتشجيع الوعي بتاريخ وثقافة ما قبل الإسلام في الإعلام والمناهج الدراسية في الدول ذات الصلة، دون أن توضِّح فائدته التنويرية، سوى أنَّها -كما يبدو- تريد مواجهة الديني باللاديني، وليس قضية تهذيب الديني وجعله جزءا من الحياة الحديثة.

وتُوْصِي كذلك بدعم التقليديِّين ضد الأصوليِّين؛ عبر نشر انتقادات التقليديِّين للعنف والتطرُّف، وتشجيع الخلافات بين التقليديِّين والأصوليِّين، والحيلولة دون التحالف بينهما، وتشجيع التقارب بين التقليديِّين والحداثيِّين، وكذلك التمييز بين قطاعات التقليديِّين، وتشجيع التيارات التقليديَّة الأقرب إلى الحداثة، وكذلك تشجيع تقبُّل الصوفيَّة وزيادة شعبيتها. لكنها لا تبيِّن أنَّ الصوفيَّة أنواع مختلفة، وأنَّها سيطرت بصورة أو بأخرى على الوعي البشري الذي قد يبني أتباعا أكثر مما يبني حرية، وأنَّ الحال هنا يبدو تكتيكيا لمصلحة أمريكا، وليس لصنع وعي حقيقي في العالم الإسلامي. ومن توصياتها أيضا: الدعم الانتقائي لبعض العلمانيِّين؛ بحيث يبدو الأمر هنا صنع رموز تَدِيْن بالولاء للمنتج السياسي الأمريكي، وليس لوضع تنوير حقيقي قادر على الخروج من ربق الهيمنة بأي تمظهر كان.

وأخيرا.. يُمكن القول بأنَّ الكتاب بحاجة لبحث مؤسَّسي مقابل، يصدر عن المؤسَّسات في العالم الإسلامي، يُقدِّم الإسلام بصورته الحديثة المتوائمة مع العصر، ومن داخل العالم الإسلامي وحاجة المجتمع فيه، وليس كما تريد المؤسَّسات السِّياسيَّة والعسكريَّة الأمريكيَّة.

----------------------------

- الكتاب: "الإسلام الديمقراطي المدني.. الشركاء والموارد والإستراتيجيَّات".

- المؤلفة: شيريل بينارد.

- المترجم: إبراهيم عوض.

- الناشر: مركز نما للبحوث والدِّراسات، بيروت، 2015.

- عدد الصفحات: 158 صفحة.

أخبار ذات صلة