الصين ورحلات أهل المغرب

ناصر الحارثي

استعرض الكاتب محمد سعيد صمدي في دراسة حول "مغاربة دخلوا الصين" عددا من مظاهر ودلائل التواصل المغربي الصيني، ولقد استطاع الكاتب أن يبرز هذا الجانب من خلال جمعه لمعلومات وردت في عدد من كتب السير والجغرافيا وأدب الرحلات.

ولقد بدأ الكاتب موضوعه بذكر عدد من العوامل التي ساهمت في وصول رجالات وشخصيات من المغرب العربي إلى أقصى الشرق رغم الظروف والعوامل القاهرة والتي تجعل من مهمة السفر شبه مستحيلة، ومن أهم الأسباب التي أشار إليها الكاتب هو حب أهل المغرب للسفر والترحال وكذلك الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب وما تسبب ذلك من اطلاع أهل المغرب على عدد من الثقافات وكذلك النزعة الدينية حيث أن القرآن يدعو الناس إلى التعارف "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " أضف إلى ذلك النزعة الصوفية التي تدعو إلى التأمل والسير في الأرض، وأشار إلى سبب مهم لا يمكننا تجاهله حيث أن أهل المغرب في شدهم للرحال إلى بلاد الحجاز حيث مكة المكرمة والمدينة المنورة تتشكل عندهم الدافعية إلى مواصلة المغامرة، فهم جربوا السفر في هذه المهمة الدينية بكل تحدياته ومتعه، لذا تجد عددا منهم يكمل رحلته سواء إلى العراق أو إلى خراسان وفارس والهند والصين.

ومن النماذج التي أشار إليها الكاتب حول شخصيات مغاربية عاشت في أقصى الشرق رحلة أبي البركات البربري المغربي إلى جزر "المالديف، ووجود أسر مغربية كاملة استوطنت بالهند مثل بيت خلابة الفاسي وبيت علي اللعبي الفاسي وذكر في حديثه أيضا حول عدد من الجنود المغاربة في الجيش الفرنسي قاموا بالهرب من الجيش والانضمام للشعب الفيتنامي والتزاوج والانصهار معهم، واعتبره أمرا يستحق الفخر والإجلال بحيث استطاع المغاربة بروحهم السمحة بأن يتحولوا من أدوات حرب إلى صانعي رسالة حب وسلام.

وتعتبر شخصية عبد الرحمن المغربي من أهم الشخصيات التي جرى الحديث حول سفرها في الصين ولقد ورد في كتاب تحفة الألباب ونخبة الإعجاب لأبي حامد الأندلسي عن هذه الشخصية وحول أهم القصص والأخبار الغريبة التي رآها في الصين، ومن ثم انتقل الكاتب في حديثه لذكر عدد من الشخصيات المغاربية وأهم ما ورد عنها في السير والكتب ومن تلك الأعلام الشيخ الفقيه أبو الحسن سعد الخير الأندلسي، والشيخ الفقيه قوام الدين السبتي البشري من عائلة السبتي المشهورة بحبها للعلم والسفر، والرحالة الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد اللواتي الطنجي المشهور بابن بطوطة وكذلك أبو محمد ابن فرحان التوزري، ولقد طغت اللغة الدينية عند الكاتب في تحليل السير والشخصيات المغربية فلم تتسم بالموضوعية والعلمية فأخذ يطنب في مدح الشخصيات المغاربية ودورها الكبير في التأثير على الناس وما لاقته من حسن استقبال وتعظيم ويرجع الكاتب الأمر إلى هيبة الشخصية الإسلامية المغربية وصلابة عقيدتها ورغبة أهل الصين في تصدير ثقافة طيبة للغرباء حول مجتمعهم، ولقد وصف الكاتب أغلب الشخصيات المغربية التي سافرت إلى هنالك بأنّها تتسم بسعة العلم والمعرفة وفي الوقت ذاته بالتجارة وحب السفر، وإذا ما أردنا أن نفسر ذلك فإنه إمّا يعود إلى غلبة القومية والعرقية لدى الكاتب وانتصاره لأبناء جلدته ودينه أو أنّ الرحلات كانت أشبه بالرحلات الرسمية وذلك لقدرة أغلب من زاروا المشرق الآسيوي الحصول على حسن الضيافة من قبل ملوك تلك البلاد.

إنّ هذه الدراسة تفتح لنا آفاقا لدارسات أخرى حول طبيعة الشخصيّة العربية ومدى قدرتها على التكيف ورغبتها في الحصول على المعارف من شتى الأقوام والثقافات، فرغم افتخار الكاتب واعتزازه بالقومية والافتخار بالثقافة التي يتمتع بها الرحالة المغربي وذلك من خلال المحافظة على النظم الغذاء والعادات الثقافية والدينية، إلا أنّه يتضح ومن خلال الأسطر في وصف الشخصيات المغاربية التي سافرت إلى الصين والهند أنّها كانت ذات مقدرة عالية على التكيف والتفاعل مع المحيط الذي تعيش فيه من خلال الإقامة والزواج والقيام بمهام وظيفية أو تجارية، ومن الأمور التي يخلص إليها كل قارئ عن كثب لهذه الدراسة أنّ هناك غموضًا كبيرا حتى في الحصول على المادة المعرفيّة لذا نجد الكاتب يفتقر لعدد كبير من المعلومات فلم يركز في سياق حديثه حول قصص الشخصيات في الصين فقط بل ذكر فيتنام والهند وجزر المالديف، وهي إشارة موضوعية إلى أنّ هناك فراغا معرفيًا كبيرًا حول التوثيق المعرفي للشخصيات التي عاشت في الصين، ومن هنا يمكننا القول بأنّ هناك الكثير من الفراغات التي تحتاج إلى توثيق لدراسة تلك الشخصيات دراسة تتسم بالمنهجية العلمية الرصينة والتي تهتم بالتحليل الموضوعي لا بالإشادة والثناء، ومن النقاط المهمة التي أوردها الكاتب الاستدلال بالتواريخ والفترات الزمنية التي عاش فيها المغاربة في الصين، مما يسهل على الباحث لاحقا استكمال هذه الدراسة بدراسات أخرى.

 ولقد أشار الكاتب في معرض حديثه حول التعامل التجاري في الصين ومحاولتهم توفير الخدمات للتاجر العربي المسلم بما يناسب خصوصيته الدينية وكذلك محاولة ابن بطوطة الرحالة المغربي الشهير أن يظهر اعتزازه باللباس العربي من خلال السير في وسط المجتمع الصيني بلباسه العربي العراقي، وانتشار الإسلام في الصين في بعض المناطق مثل كانتون الصينية ووجود بعض المسلمين في بعض المناطق ومحاولتهم المستمرة لتعلم لغة القرآن واحتفاظهم بالألواح وحرصهم الشديد على تعليم أبنائهم لغة القرآن كلها عوامل ساعدت في استمرارية الإسلام في الصين وفي الاحتفاء بالرجل العربي المسلم عندما يقوم بزيارة الصين، ومن هنا يمكننا القول إنه وعلى حسب تحليل الكاتب نجد بأن الإسلام هو العامل الأقوى في قدرة الرجل المغاربي على كسب التقدير في المجتمع الصيني، رغم أنه وفي الوقت ذاته نجد أن المجتمعات الصينية كانت تحتفي بالشخصية المغاربية بوصفها مجتمعات تجارية وتجد من الشخصية العربية الإسلامية أنها صاحبة حضارة عظيمة وأن خسارة أحد التجار العرب هو خسارة لاقتصاد الصين.

يمكننا الإشارة في خاتمة المقال إلى أن الحديث حول الشخصيات المغاربية يحتاج لتنقيب أكبر ودراسة تخصصية أوسع تتسم بالشمولية في التحليل والقدرة على جمع معارف ومعلومات أكثر، حتى يمكننا تأمل القيم الحضارية والاجتماعية والدينية بطريقة علمية رصينة. إن الإسهام المغربي بلا شك كان عظيما فمن شيد حضارة الأندلس وسافر باستمرار عبر الصحاري والبحار إلى الحجاز سيكون ذا همة عظيمة لمواصلة روح المغامرة والاطلاع على ثقافات وحضارات متعددة ومتباينة في الآن ذاته.

أخبار ذات صلة