إشكالية العلم واستعصاءاته على التحديات الشائعة في العصر الحديث

ولـيد العبري

في مقاله "إشكالية التقدم العلمي – دراسة في فلسفة لاري لودان" والمنشور بمجلة "التفاهم" يشير الكاتب أحمد عبدالفتاح محمد أن الفيلسوف الأمريكي لاري لودان أوضح في كتابه "التقدم ومشكلاته" توجيه سهام النقد في فلسفة العلم المعاصر، معبرا في نظريته الخاصة في المحافظة على العلم في مراحله المتقدمة ذات الطبيعية المتفردة، من أجل مواجهة التحديات الشائعة في العصر الحديث.

وقد تضمّن الكتاب موجزا لنظريته المتعلقة بحل المشكلات، والاختيار العقلاني بين النظريات العلمية، وطبيعة التقدم في العلم، والموجز الآخر أخذ عنوان"تطبيقات" الذي يناقش العلاقة بين التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، ووجه اتهامه لفلاسفة العلم، بالانسياق وراء وجهة النظر السائدة بأن أساس الطبيعية العلمية هو البحث في أسس المشكلات، وطرقها مع التخلي عن بعص المفاهيم الضمنية. الكتاب نفسه له قيمة أساسية كبيرة لأنه يدفع الشخص إلى إعادة التفكير في القضايا المعاصرة من منظور وزاوية أخرى.

وتعد عملية حل المشكلات بناء على رؤى معينة ذات دور مهم في عملية التقييم، حيث حل المشكلة من الناحية الفلسفية يتحدد بمدى علاقتها بالتقييم النظري، وأوضح لودان بأن المشكلات تنقسم إلى نوعين مهمين وهما: تجريبية ومفاهيمية.

إن التقدم العلمي هو القضية الأساسية في المناقشات العامة، التي تتركز حول الطريقة التي يتغير بها العلم عبر الزمن، ومن هنا يبرز دور لودان وكتابه الشهير"التقدم ومشكلاته" في إسهام إضافي لهذه القضية المعاصرة، وأوضح الفلاسفة أن العلم هو أولا وأخيرا مجرد جهد لحل المشكلات، والهدف المحوري الذي يسعى لودان إلى أن يعالجه متمثلا في تفسير فكرة التقدم في العلم، وافترض أن العلم تقدمي، وأن هذا التقدم يكمن أساسا في الاختيار بين النظريات المتنافسة، فإذا فهم الشخص النظرية التقدمية فسوف يساعده في تحديد العقلانية العلمية.

وكما يرى لودان إذا كانت المشكلات تمثل نقطة أساسية في التفكير العلمي؛ فإن النظريات تعد بمثابة النتيجة النهائية، وكون المشكلات تؤسس تساؤلات العلم؛ فإن النظريات تؤسس الإجابات، وتحل الغموض، وترد الفوضى إلى النظام، ولكن الفيلسوف العلم المعاصر يعجز عن تقديم المعيار الملائم لحل مشكلة ما.

نحن نعلم أن العلم يزيد من مداركنا وفهمنا للأشياء والأحداث. لم ينكر لودان الإنجازات المعرفية للعلم، واعتقد أن الممارسة العلمية تجعل العلم أكثر وضوحا إذا ما وجد حل للمشكلة! وكل عمل ماديا كان أم ذهنيا يعد حلا لمشكلة ما، وقد ذكر لودان بأن المشكلة قد ترى غامضة أو غريبة وتحتاج لأسلوب معين يمكن تطبيقه على كل المجالات.

كيف تقدم النظرية حلا للمشكلات التجريبة؟ وبمعنى آخر كيف استطاع العلم زيادة المفاهيم والمدارك لدينا؟

يتعلق نموذج التقدم العلمي إما بالمشكلة التجريبية أو المفاهيمية، فالمشكلة التجريبية متمثلة في الطبيعة مما يلفت انتباهنا بغرابة، ولابد من إيجاد حل وتفسير واضح لهذه المشكلة بعد الاقتناع من قبل العلماء، ومثال على ذلك الأجسام الصلبة عندما تسقط نحو الأرض بانتظام مذهل فالمشكلة التجريبية هنا كيف ولماذا تسقط ؟ انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء يمثل مشكلة تجريبية وهكذا.

الوقائع تصبح مشكلات، فهي لا تكون مشكلات تجريبة إلا عندما نسأل عن الحل والتحليل والتفسير، وهي بدورها تقود إلى المشكلات التجريبية التي تخص الكون، أما المشاكل المفاهيمية إما أن تكون داخلية والتي تنشأ عن التناقضات أو الخلط، بينما الخارجية تنشأ عن التعارض مع نظريات أخرى مقبولة. واستفاد لودان من إغفال الفلاسفة في أخذ المشكلات المفاهيمية في الحسبان عند عرض النظرية العلمية.

لابد من التمييز بين النظريات العلمية الموجهة للتفسيرات، التنبؤات التجريبية والتقاليد البحثية التي تمثل مبادئ وفروضا. والجدير بالذكر أن التقليد البحثي أكثر شمولا ورحابة من النظرية؛ لأنه يحدد نظرية عامة للطبيعية وأسلوبا عاما لحل المشكلات في إطار مجال طبيعي معين.

بالإضافة إلى ذلك، التقليد البحثي يتألف من مكونيين أساسيين، وهما مجموعة اعتقادات عن العمليات التي تؤلف حقل البحث، ومجموعة معايير معرفية ومنهجية عن الكيفية التي يتم بها البحث، وقد ارتكز كذلك على توجهات لتطور النظرية عن طريق تحديد الكيانات الأساسية وطرق البحث الملائمة في مجال معين.

وفي رأي لودان تكتسب النظرية كفاءة وفقا لعدد المشكلات التي تنجح في حلها ولابد من مراعاة المشكلات التي عجزت النظرية عن حلها فعملية التقييم تأخذ في الاعتبار المشكلات المحلولة بحيث تعد في صالح النظرية.

إن الجزء الثابت من العقلانية العلمية تهتم بالكفاءة، ويعني مزيدا من الحلول التي تتطابق مع معايير المجتمع وتؤطر المعايير، فهي تتغير من وقت لآخر، ومن جيل لآخر ومن حقبة لأخرى، وغالبا ما يقبله العلماء على أنه حل ملائم في فترة معينة يصبح غير ملائم في فترة أخرى.

يمكننا القول بأن لودان لم يفعل شيئا لإضعاف الرأي التقليدي، وأن تقديم التفسيرات هو الهدف الأساسي للعلم، فقد رجح وجهة النظر القائلة بأن الهدف هو حل المشكلات، كونه أنسب لعمليات التقييم والوزن، وكلما كانت المشكلة أكثر عمومية كان حلها أكثر أهمية؛ لأنها تتعلق بموضوعات الحس المشترك.

إن مقياس الكفاءة النسبية لحل المشكلات يتحدد بناء على نقاط أساسية، لابد أن تكون المشكلة الحقيقية تطرح بشكل دقيق، تتم معالجتها ونوعها من حيث مشكلة تجريبية أو مفاهيمية. وهل النظرية صادقة؟ وهل هي ممكنة؟ وهل هي أكثر قربا من الحقيقة عن سابقاتها؟ السبب في ذلك أن معظم نظريات العلم في الماضي تعرضت للشك في مصداقيتها.

إن مفهوم التقدم العلمي عند لودان، هو هدف العلم في حل المشكلات المعرفية، وتقييم النظرية حسب الكفاءة في حل المشكلة، والبحث العلمي في إطار التقليد البحثي الذي يحدد النظريات والنظرية تميل إلى أن تكون قصيرة العمر.

وخلاصة الأمر يمكن أن نقول، إن كل ما يوجه إلى عقل الإنسان يختلط مع ما يوجه إلى إحساسه ومشاعره، ويؤثر بدوره في ثقافته الشخصية، فالعلماء حاولوا إثبات أن العلم ما هو إلا مشروع يسعى من أجل الحقيقة، ويتمثل نموذج لودان (النظرية- المنهج- القيم) في أن كل عنصر مرتبط بالآخر، وأن الهدف الأساسي للعلم؛ هو حل المشكلات بحيث يكون الهدف هو المسوغ الأساسي في العلم. وبناء عليه، نستطيع الحكم على عقلانية فعل معين، وعدم عقلانية الفعل الآخر في نطاق العلم، وأن الشخص الذي يفشل في تعزيز أهدافه من خلال تصرفاته يمكن أن يصبح في النهاية عقلانيا، قدم لودان في النهاية حلا مقبولا للمشكلات، فالتقدم العلمي ليس بمعنى الحصول على أفضل الحلول، وإنما مزيد من الحلول بحيث تتطابق مع معايير المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن الطبيعية المعيارية أمر افتراضي ووسائل مطلوبة، وهي عرضة للتعديل التجريبي، وفِكر لودان أسهم إسهاما جيدا في تشكيل وجهة نظر تتعارض مع الأهداف التقليدية القديمة، والتي يؤمن بها بعض من الفلاسفة والعلماء الذين يبدون جهودهم من أجل الوصول إلى مبادئ عامة ثابتة، مع الافتراض أن معايير التقييم للمبادئ والعلوم لابد أن تكون ثابتة، أي ليست تاريخية، وهناك وجود افتراض للمستقبل بحث تمكن الشخص من الإبداع ككتابة قصة مثلا بخيال واسع بمتعة جمالية، وتكون هدفا للعلم، لكن لودان أشار بالقول إنه لابد من التحقق في الوقت نفسه أو لاحقا، وشجع على تشجيع العلم للبحث التطبيقي من أجل التفاعل مع البيئة وتحقيق المصالح الخاصة؛ فتتحدد قيم الحياة وأهدافها بما يناسب عالمنا الحالي.

أخبار ذات صلة