منظومة القيم الإسلامية وعلاقتها بالمجتمع والدولة...وإسلاموفوبيا العالم

  هنية الصبحية

يناقش أستاذ الدراسات الإسلامية، ومستشار تحرير مجلة التفاهم رضوان السيد في مقاله- المنشور بمجلة "التفاهم"- "منظومة القيم القرآنية وتأثيرها في المجتمع والدولة...الإعراض عن الإسلام في الأزمنة الحاضرة"، وقد تضمنت مناقشته المنظومة القيمية في تجارب النخب، والدين وعلاقته بالمجتمع والدولة، واستخدام الإيمان في مواضع اللهو والتلاعب، واستعمال الإيمان في مواطن الاستهزاء والكراهية.

يناقش الباحث فكرة المنظومة القيمية في تجارب النُخَب، ويذكر بعض الروايات لأسباب تخلف العمل الصالح عن الإيمان، حيث عدّ الإيمان عند البعض على أنه معنى لا يزيد ولا ينقص؛ كونه تصديقا والتصديق يقين لا يختل في العادة، وبذلك ميزوا العمل عنه وأضافوه إلى قائمة القيم بحيث لا يؤثر على قيمة الإيمان، وعدّ الكبائر رذائل تؤثر على الأخلاق ولا تؤثر على الإيمان، وبذلك تصبح مدخلا للفعل الإنساني. وبهذا فإن ذلك الفعل يعبر عن عمل إنساني يحمل فعلا أخلاقيا لاعتباريين رئيسيين هما: اعتبار الحرية في الاختيار واعتبار العدل من جانب الله سبحانه وتعالى. والإنسان له حرية اختيار الفعل أو تركه؛ لأنه مسؤول عن اختياراته مسؤولية مطلقة، وفي الجهة الأخرى نجد الله تعالى يتصف بقيمة العدل المطلق فيسأله عن أساس حريته التي وفرها له ورتب عليها مسؤولية التفكير والفعل، وبهذا فإنه يؤجر الإنسان المحسن على نيته وأفعاله، ويؤثم المسيء على نيته وأفعاله؛ لأن في ذلك مقتضى العدل والإنصاف من الله تعالى. والجانب الآخر نجد البعض منهم نظروا للفعل الإنساني من جانب قيمة الرحمة ويرى أن الله خلق الإنسان ضعيفا وكتب على نفسه الرحمة؛ ولذلك فإن الإنسان يعامل برحمته وفضله وليس بمقتضى عدله.

من هنا يشير الباحث إلى ثلاث فئات عالمة وهي: المتكلمون، وفقهاء المالكية، والصوفيون. يُعدُّ المتكلمون أولى فئات النخب العالمة التي اهتمت بمسائل العمل الإنساني، واعتبروا قيمة العدل والرحمة مرتبطة بعلاقة الإنسان مع الله تعالى، وضمان الله له، وقد اختلفوا في تحديد مدى الحرية التي وهبها الله للإنسان، فالمعتزلة اعتبروا الحرية هي الضمان الأول، والأشاعرة اعتبروا الرحمة والعناية ذات اعتبار أول. وركزت الصوفية على علاقة الإنسان بربه باعتبارها أنها تدور بين الحب والرضا، فالله صاحب الفضل والمبادرة منذ الخلق إلى الوفاة وما بعدها، كما رأى الفقهاء أن تلك الأمور لاستعادة التوازن في منظومة القيم وتثبيت الترابط والتماسك في عالم المؤمنين لقيم الاختيار والفعل وقيمة الرحمة والعدل؛ حيث تشكل هذه القيم الكرامة الإنسانية التي جاء بها الدستور القرآني. أما فقهاء المالكية فقد ظهرت معهم فكرة مقاصد الشريعة التي تعنى بحفظ المصالح الإنسانية الضرورية كحقوق النفس والدين والعقل والنسل والملك.

ويذكر الباحث أن المجتمع يعد البيئة التي تتلقى الدين وتستجيب له، كما أنه يحافظ على قيمه وفرائضه وفضائله، وقد مثلت تلك القيم عقل المجتمع الإسلامي، وقد اختلفت في درجة توسطها بين النص والمجتمع باختلاف الحقب الزمنية لكل فئة من الفئات معتمدة على تقدمها في الاعتبار والملائمة؛ إلا أن المسألة تأزمت في المجتمعات الإسلامية نتيجة لسببين هما: تعرض المجتمعات للإغراءات الأوروبية الحديثة كالتكنولوجية والعسكرية والثقافية، وعجز النُّخب السياسية والفقهية والعسكرية عن حماية المجتمعات وتطوير مؤسساتها الموروثة. وفي سياق ذلك أشار الباحث لظهور ذلك عند الفقهاء والمؤسسات الدينية في أمرين هما: مؤسسات الأوقاف والخير العام التي قصرت في تنمية الثروة وإعادة توزيعها، ومؤسسات الرقابة التي ترعى القيم والعمل الاجتماعي والسياسي، وقد اقتصرت في مسؤولياتها وأهملتها وتركتها للسلطات التي حولتها إلى جهات أمنية بحيث أهملت الجانب الأخلاقي الذي يمثل فلسفة الاجتماع الإسلامي. ويؤكد السيد أنه كلما تمسك المسلمون بدينهم وشريعتهم؛ فإن الإغراءات الخارجية لن تنال منهم؛ كون أن أخلاق الدين هي أخلاق الثقة بالله تعالى والأمة والمجتمع وعناية الله ورحمته.

ويشير السيد إلى علاقة الدين بالدولة في ظل الظروف المختلفة، حيث يرى أن الماوردي أشار لمفهوم السلطة التي تعنى بحراسة الدين أي صونه على أصوله المستقرة، وسياسة الدنيا المتعلقة بإدارة الشأن العام، وبذلك فإن مهمة الحكومة والحكم في المجتمعات المسلمة هي إدارة الشأن العام؛ أي إدارة مصالح الناس الدنيوية وتنمية حرياتهم وصونها ومن بينها الحرية الدينية. ويؤكد الباحث أن المشكلة ظهرت في علاقة الدين بالدولة في عالم الإسلام حيث انحرف المجتمع الإسلامي عن الدين وكان لزاما استعادة الشرعية وتطبيق الشريعة المهجورة، مضيفا أن الشريعة موجودة ومستقرة وخالدة في المجتمعات الإسلامية وصالحة لكل الأزمنة الحديثة والقديمة من أجل إدارة الشأن العام، حيث أن مهمتها لا تقتصر على المهمة الدينية وإنما ينحصر واجبها في صون حريات العبادة والتعبير الديني.

إن منظومة القيم الإسلامية الأخلاقية تلعب دورا مهما في إدارة الشأن العام؛ باعتبارها منظومة مستقرة وباقية. وفي الجانب الآخر، يؤكد الباحث أن هذه المنظومة لا يحبذ أن تتفاعل مع قوانين النظام السياسي؛ لأنها لن تصبح على النهج الشعائري والقيمي، وإنما ستصبح ملجأ للتنافس والتفرقة بين الحزبيات التي تستخدمها السلطة وستخضع إلى تقلبات الأنظمة السياسية غير المستقرة.  

كما يشير الباحث إلى استخدام الإيمان في مواضع اللهو والتلاعب، حيث أن فكرة شراكة الإيمان والديانات الإبراهيمية الثلاث لم تختلف وإنما بعد انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني في بداية الستينيات من القرن الماضي أعلن عن اعترافه بالدينيين اليهودي والإسلامي، وفتح الحوار بين الديانات الإبراهيمية. وقد حاول العديد من المسلمين التفاعل مع ذلك وفق شروط ألا يكون النقاش والجدال عقائديا، مع طرح القضايا السياسية والاستراتيجية في منتديات الحوار من مواقع الحرية والعدالة والسلام، بحيث تصبح القيم المشتركة موقعا للتلاقي والتأثير المتبادل.

إن البابا يوحنا بولس بدأ خطاباته بالشكوى أن الحرب التي شنها الأمريكان ضد العراق والحرب في أفغانستان ما زالت مستمرة وقد تمتد إلى البلقان، لذلك أوضح أن الدين قد أسيء استعماله لهوا وتلاعبا وعلى المسلمين والكاثوليك أن يتمردوا على الاستخدام الاستراتيجي الأمريكي للأديان.

كما أوضح الباحث كيفية استعمال الإيمان في مواطن الاستهزاء والكراهية، حيث ظهر في أواسط الثمانينات تيار قوي في الدراسات الأكاديمية الإسلامية في الغرب الأوروبي يركز على أن الحرب والكراهية متجذران في القرآن والإسلام وأنه لم يمر بإصلاح ديني على خلاف اليهودية والمسيحية، وتواصل ذلك إلى التسعينيات رغم محاولة الكُتّاب المسلمين الدفاع عن حضارية الإسلام وحيوته وصلاحه، وانتشرت بعض وجهات النظر حول الإسلام وحقيقته من الغرب حسب وجهات نظرهم وتحليلها، خاصة بعد أحداث العقدين الماضيين بظهور القاعدة وداعش التي نصرت وجهات نظر بعض الكتاب الغربيين كهنتغتون ولويس، والذي يؤكد انتشار الإسلاموفوبيا في العالم الآن ولسنوات قادمة. دعم هذا الموقف عدةُ أسباب وهي: الكثرة الإسلامية الهائلة، والعنف الإســلامي المستشري في الشــرق والغرب، والهجرة بالملايين من الشرق الإسلامي إلى الغرب، وعجز المسلمين عن الدخول في حضارة العالم وتقدمه.

وأخيرا نؤكد أن مبدأ تأسيس الدين الإسلامي ودستوره القرآني قائم على وحدانية الله وتعالى في كل جوانب الوجود، التي تمثلت في العبادات والعمل؛ كون الإنسان مستخلفا ومسؤولا عن هذه الأرض ومنظومتها الأخلاقية التي تحمل فكره، مجسدا الإيمان بالله منهجا ربانيا يحتوي على آلية الدمج بين كل من العمل والإيمان.

 

أخبار ذات صلة