مشكلة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي

زهرة السعيدية

نُشر في مجلة التفاهم مقال بعنوان "حقوق الإنسان من خلال المواثيق والبيانات الدولية والإسلامية" كتبه محمد عبد الواحد العسري، تحدث فيه عن طبيعة الحقوق التي ظهرت في كل من المواثيق الدولية والإسلامية ونقاط الاشتراك والاختلاف بينهما. وكذلك تحدث عن الجانب الذي تفوقت فيه الحقوق الإسلامية من وجهة نظره على الحقوق الدولية.

بعد أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الأمم المتحدة في 1948، الذي كان بداية المشوار لإعلانات ومواثيق دولية أخرى، صدرت عدة وثائق إسلامية لإرساء حقوق الإنسان في العالم العربي. لكن هل كانت هذه الإعلانات أول تجلٍّ لاهتمام الإسلام بحقوق الإنسان أم أنّ النصوص الإسلامية القديمة قد اعتنت بها منذ القِدم؟ من المؤكد أنّ الإسلام قد اهتم منذ ظهوره بحفظ حقوق وكرامة الإنسان وحريته، لكن ما يميز الإعلانات الجديدة هي أنّها أكثر تركيزاً وتفصيلاً ووضوحاً في الصياغة، وكذلك أقرب للمعايير العالمية حتى مع مراعاتها للخصوصية الإسلامية.

من أهم الإعلانات الإسلامية لحقوق الإنسان هو إعلان القاهرة الذي تمت إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي في 1990 وقد صادقت عليه معظم الدول الإسلامية. أكدت ديباجة هذا الإعلان على ثوابت مرجعيته الدينية ونبّهت إلى أن الحقوق والحريات جزء أساسي من دين المسلمين. بالرغم من اتفاق هذا الإعلان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ وسيلة حفظ كرامة الإنسان هي احترام حقوقه إلا أن التمايز بينهما جلي، حيث إن الإعلان الإسلامي يركز على القيم الاجتماعية في حين يهتم الإعلان العالمي بالفردانية وبحق الحرية المطلقة.

هناك اتجاهان رئيسيان في حركة المقارنة بين الإعلانين العالمي والإسلامي، يقول الاتجاه الأول إنّ الإعلانات الإسلامية لحقوق الإنسان تتيح ضمانات أخلاقية ودينية تحمي الحقوق وتصونها، الأمر الذي تفتقده الإعلانات العالمية. يقول المفكر المغربي طه عبد الرحمن إنّ الإعلان العالمي يقوم على مبدأ التسامح ومبدأ الاعتراف، أمّا حقوق الإنسان في الإعلان الإسلامي فقد قامت على مبدأ التصويب ومبدأ الحياء "من الله ومن الذات ومن الغير" لذلك فهو يمنع الاستعلاء والتواقح على الغير الذي يمارسه الغرب بعدم احترامهم لاختلاف أفكار وبني مجتمعات الأمم الأخرى.

ومن ناحية أخرى يقول الاتجاه الآخر إن الإعلان العالمي والمواثيق الدولية الأخرى قد شملت جميع تفاصيل حقوق الإنسان في حين أنّ الإعلانات الإسلامية (إعلان القاهرة وما شابهها) لم تفعل. ومن أهم الأدلة التي يستدل عليها هذه الاتجاه هو أنّ حقوق الإنسان في الإسلام مقيدة بالشريعة الإسلامية وتفتقد إلى حقوق مثل "حق تدبير حرية الضمير أو المعتقد الديني وحق تدبير الجنس وتأسيس الأسر خارج أي قيد أو شرط". يقول عبد القادر أنيس في قراءة له في إعلان القاهرة ‘ن ديباجة الإعلان تخفي بين سطورها تمهيداً لـ "معارضة مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي لا بدّ أن حكومات العالم الإسلامي قد رأت فيها خطرا عليها وإحراجا كبيرا لو تبنتها بدون تحفظ".

يبدو أن الكاتب يعتب على الاتجاه الثاني ويتفق مع الاتجاه الأول، فيقول مثلاً إّن أهم ما يميز الإعلام الإسلامي عن الإعلان العالمي هو تقريره لحق استقلالية الشعوب وصيانة حريتهم وكرامتهم، وكذلك اشتماله على حقوق الوالدين والأقارب والجنين والميت. لكنّه لا ينكر فشل هذا الإعلان في حلّ مشكلة التمييز ضدّ المرأة المسلمة بعد أن صار وضعها الاقتصادي والاجتماعي رهينة التقاليد المجتمعية والتأويلات الذكورية للشريعة الإسلاميّة.

أمّا حق الإنسان في اختيار دينه وطريقة تعبده فهو وإن كان مكفولاً نظرياً ومقرراً في القرآن الكريم إلا أنّه موضع اختلاف كبير بين المسلمين وعلمائهم، حيث إننا لا يمكن أن ننكر أنّ الاختلافات العقدية تصبح أحياناً حجة لإهانة كرامة الآخر وإجحاف الأقليات المذهبية إلى درجة تؤثر على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

أود أن أنهي هذا المقال بفكرة تشاؤمية نوعاً، حيث إنني لا أتفق تماماً مع الكاتب في أن الحقوق الإسلامية قد تفوقت على حقوق الإنسان في العالم الغربي، أرى شخصياً أنه بالرغم من مثالية مواد حقوق الإنسان في المواثيق إلا أن الوضع بائس في كل من الواقع الغربي والإسلامي، فمن جهة أصبح الغرب اليوم يعاني من آثار النزعة الفردانية على الأسرة والمجتمع بسبب اهتمامهم بالحقوق الفردية على حساب القيم الاجتماعية. علاوة على أنه وإن بدت صورة حقوق الإنسان الأبيض في الغرب مشرقة إلا أن ما ارتكبته حكوماتهم في حق الشعوب المستعمرة يناقض كل ما نصت عليه إعلاناتهم، لأن تدخلهّم في تقرير مصير الشعوب الأخرى خلال الاستعمار وبعده (خصوصاً في إفريقيا) يعد أكبر إهانة لكرامة الإنسان التي تدّعي إعلاناتهم أنها تحفظها. أمّا الحقوق في العالم الإسلامي فهي تعاني مشاكل من نوعٍ آخر بسبب الغرور والنرجسية، حيث إنّ الاعتقاد السائد بين علماء المسلمين وممثلي الحقوق بأنّ الحضارة الإسلامية متفوقة على غيرها وأنها تحظى بسمات عصرية وأنها ستكون المنقذ الذي سيخلص البشرية من مشكلاتها، أشبه بالعيش في فقاعة، لأننا لا يمكن أن ننكر أن الكثير من الحقوق البديهة مغيبة في العالم العربي. لا أقول هنا إنّ هناك تعارضا كبيرا بين الدين الإسلامي وحقوق الإنسان، فالإسلام اهتم بكرامة الفرد وحرياته وبقيم المجتمع، إلا أنّ التاريخ والسلطة قد لعبًا دورا مهما في عملية تشكيل الحقوق؛ لذلك تظهر حقوق الإنسان في هذا العالم مليئة بالتناقضات. إن أول خطوة في اتجاه حل معضلة هذه التناقضات هو الاعتراف بالمشكلة والكف عن محاولة تلميع صورة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي ومن ثمّ النقد والتفكيك السليم للمشكلات المستعصية، وعلينا أن نسأل أنفسنا قبل كل شيء ما إذا كان العالم الإسلامي يحتاج فعلاً إلى شكل مختلف لحقوق الإنسان أم أنّ عولمة الحقوق هي الحل الأفضل؟

 

 

 

أخبار ذات صلة