عصرنة الحرية الدينية عند المسلمين

هنية الصبحية

يتناول الباحث والمفكر التونسي في علم الأديان المقارن محمد الحداد بمقاله- المنشور "بمجلة التفاهم"-"الإيمان والحرية عند المفكرين المسلمين المحدثين"، وقد تضمنت دراسته الاضطهاد باسم الدين، والمُفكرين المسلمين وقضية الإيمان والحرية، والتحول الديني وقضية الردة، وأشهر المفكرين المسلمين في الحرية الدينية، والمسارات الثلاثة لإعادة التفكير في القضية.

تعد ظاهرة الاضطهاد الديني قديمة منذ الأزل الإنساني، حيث إن الفيلسوف سقراط وقع في فخ الموت بتهمة ازدراء الآلهة، رغم أنَّ ذلك حدث في مجتمع إغريقي غربي لم يعرف بشدة الالتزام والتدين، واشتهر فيها تعدد الآلهة وتنوعها وبذلك فإنَّ هذا المجتمع كان يقبل مسألة التعدد والاختلاف إلا أنه يرفض الحكم المطلق للدين أو الإلحاد به. ويشير الكاتب إلى أن قضية الحرية الدينية لم تكن قضية مركزية إلا بظهور الأديان التوحيدية، بدءًا من اليهودية ومرورا بالمسيحية التي كانت حافلة بالعديد من الاضطهادات الدينية وصولا للدين الإسلامي، مؤكدا على وجود جدل قائم بين علاقة ديانات التوحيد والحرية الدينية. وقد اجتهد العلماء المسلمون بالنظر في هذه القضية منذ العصر الحديث وإلى يومنا هذا؛ من أجل إيجاد توازن إيجابي بين الإيمان الديني والحرية، على الرغم من أن هذا العصر متنوع دينيا وعقائديا، ودعمت العولمة البشرية للتعايش والتعارف مع بعضها البعض رغم اختلاف عقائدها ودياناتها، وأصبحت جميع النصوص الدستورية للأديان ملكا وعلما ومعرفة للجميع.

وتشكل النزاعات الداخلية للإسلام أثرا كبيرا في تكوين فرق وتيارات دينية أثرت سلباً في علاقة المسلمين بالأقليات الدينية التي عاشت بينهم وأصبحت تطالب بالمساواة، وفي ظل الظروف السياسية المنصرمة فإنَّ ذلك يستغل بظهور ظاهرة الإرهاب والخلط مع الإسلام وإسهامها في زعزعة صورته بين غير المسلمين. إن جمال الدين المُلقب بالأفغاني صاحب كتاب رسالة الرد على الدهريين، ناقش فيها قضية الإيمان والحرية ومن خلالها دعا إلى التحالف بين الأديان ضد نزعات الإلحاد التي انتشرت في القرن التاسع عشر، كما يشير الكاتب إلى أن فكرة التحالف بين الأديان ضد المادية والإلحاد قد دفعت إلى نوع من التسامح بين الأديان.

عُرفت قضية التحول الديني بين الأوساط المسيحية ولم تطرح بين الأوساط الإسلامية، فالنشاط المسيحي في الشرق الأوسط فتح المجال للتحول الديني والجدل فيه، وقد أثر ذلك في الرؤية الفلسفية للدين والتسامح من خلال نشر مبدأ الحرية بعدد من الفنون والأدب مع غياب الظاهرة في الوسط الديني على الرغم من ظهور الحداثة ووجود المنظمات التبشيرية وضغط الاستعمار ووجود الأيديولوجيا الشيوعية التي جذبت مجموعة من المتشككين في الدين. شكلت هذه الأسباب دعمًا لعدم طرح الوسط الإسلامي لقضية التحول الديني، ولم يحصل تحول أي شخصية إسلامية إلى دين آخر. أما فيما يعنى بالردة فقد اختلفت السياقات الفقهية في تحديد حكم الردة بشرطين هما: الأول، أن الشخص قد ثبت عليه الإسلام سابقاً، أما الثاني: أن يكون قد ثبتت ردته بعد ذلك. ويمكن أن يكون المرتد قد خرج عن دين كتابي أو دين غير كتابي أو إلى غير دين.

الشيخ عبدالعزيز جاويش صاحب كتاب الإسلام ودين الفطرة والحرية، والذي تلقى تعليمه الديني في الأزهر الشريف، قسم كتابه إلى ثلاثة أقسام هي: فطرية الدين الإسلامي، وموقف الإسلام من المرأة، والحرية في الإسلام. ويرى الكاتب أن جاويش ذكر في كتابه أن الحرية التي أرادها الإسلام هي التي سمحت باستعادة البحث الفلسفي والعلمي في الشرق الأوسط بعد إغلاق المدارس الكنيسية وأعيد اعتبار الفلاسفة سقراط وأفلاطون...إلخ، مؤكدا على احترام الإسلام للعقل والتفكر، وتوقف عند قضية الإكراه في الدين، مدافعا بشفافية عن رفضه لحد الردة، مشيرا إلى أن العقائد لا تتكون بالإرغام والقهر، ولا عقيدة الإسلام الذي هو دين البحث والنظر، مدللا على ذلك بآيات صريحة تؤكد على التفكر. ويرى أن الردة تعني الارتداد عن منازلة الأعداء، ولا تعني الخروج عن الدين، ومن يقوم بذلك فإنِّه يخزي ذاته ولا يتعرض للقتل إلا إذا قاتل المسلمين، فيحارب ويقاتل بسبب موقفه الديني، كما أوضح أن ذلك يعني التخلف عن نصرة المسلمين أو الغدر بهم، وهذا شيء لا يستحق الاحترام عليه.

ويذكر الحداد مجموعة من المفكرين في قضية الإسلام والحرية ومن بينهم المفكر محمد الطالبي الذي اشتهر بثلاثة كتب ناقشت القضية ذاتها، موضحاً موقفه تجاه مسألة عقاب الردة، حيث يرى أن المرتد له كل الاحترام والتقدير من الإسلام ويمكن الدفاع عنه في حال انسلاخه منه إلا أن قضيته تعتبر قضية ضمير، والضمائر حرة طليقة والله وحده يقلبها، وتجسيد الاحترام في ذلك يمثل احتراما لمشيئة الله ولحقوق الإنسان. وقد وضع الطالبي شرطين للاحترام المتبادل بين الطرفين وهما أولا: أن من فقد إيمانه بالإسلام مطالب بأن يحترم المسلمين ودينهم، ثانيا: من فقد الإيمان بالإسلام مطالب بألا يمنح نفسه الحق بعد ذلك في الحديث باسمه أو تأويله أو أنه يسعى إلى إصلاحه وتجديده. كما يرى أن حد الردة من أكثر التحديات التي واجهها الإسلام فأدت طمأنة المسلمين ووحدتهم إلى أن العديد من الأفراد في مختلف الفترات تخبأت ردتهم وتظاهروا بالإسلام ثم بدأوا ببث سمومهم من خلال ابتداع بعض الأدوار التخريبية في المجتمع؛ لذلك يطالب بأن يتم مسامحة من يريد مغادرة الإسلام أفضل طريقة لتنقية الإسلام من الداخل كردة فعل وإثبات للمتشككين فيه.

وأخيرا يلخص الحداد المسارات الثلاثة لإعادة التفكير في قضية الإيمان والحرية، فالمسار الأول مرتبط بالتجربة الغربية، والمسار الثاني مرتبط بمبدأ الدولة المدنية، والمسار الثالث مرتبط بآثار العولمة. فقد ظهرت الحرية الدينية في التجربة الغربية نتيجة الصراعات داخل المسيحية حيث إنها شهدت العديد من الانقسامات والحوادث بمختلف فتراتها، أما المسار الثاني فيفرض أن القضية محصورة في المسيحية ولا يمكن تعميمها على بقية الأديان والمجتمعات وهذا ما يسمى بالدولة الوطنية التي تعتمد فلسفتها على فكرة الاجتماع السياسي الذي محوره الوطن وليس العقيدة. وعليه، إذا كان الوطن الواحد يجمع أديانا ومذاهب يتم معاملتهم في إطار تشريعات مدنية، ولا يمكن لأي فرد أن يتميز لمجرد انتمائه؛ لذلك الحرية الدينية لا تنطلق من فكر ديني وإنما تنطلق باعتبارها إحدى لوازم الدولة الوطنية وإلا ستفقد الدولة أحد أركانها الرئيسة. وأخيرا مسار العولمة التي أثرت على أساليب التعايش بالإضافة إلى أنها أثرت بالشكل الإيجابي أو السلبي في آن واحد أي أنها أثرت في سلوكيات البشر المختلفة، فانتشرت العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية والسلوكية بين الأفراد بسبب الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

أخبار ذات صلة