التشابه والاختلاف المفهومي بين التفسير والتأويل في النص القرآني

هنية الصبحية

تُناقش باحثة الدراسات القرآنية والفكر الإسلامي بجامعة مولاي إسماعيل بالمغرب سعاد كوريم، في مقالها -المنشور بمجلة "التفاهم"- "التفسير والتأويل: الافتراق والتواصل وأبعادهما"، إشكالات الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل، الافتراق والتواصل على مستوى المفهوم وأبعادهما، وأثر الاضطراب المفهومي في الأبعاد المعرفية للافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل.

وتوضح الباحثة أنَّ التعدُّد والاختلاف بين التفسير والتأويل خلَّف نوعا من الاضطراب المفهومي، وبذلك يتأثر المستوى النظري؛ فإما أن يقوى أو يضعف، والمستوى المنهجي فإما أن يتضح أو به ضبابية، كما يتأثر المستوى التطبيقي فيقترب أو يبتعد عن المقصود به. ولهذا التأثير المتبادل والمعقد بينهما، توجب علينا التحلي بالتواضع المعرفي والوعي بالعجز عن الإلمام بأبعاد التواصل والافتراق، حيث إنه من البديهي صعوبة إيجاد حلول حتمية لهذا التعقيد خارج دائرة العمل الجماعي والمؤسساتي. وتؤكد كوريم أن العمل الجماعي وحده القادر على إضافة أوجه الاتفاق والالتزام للمفاهيم، وهذه القدرة قد توصله للمعنى الاصطلاحي، وبذلك قد تغيب الضبابية، ويكون اللفظ واضحا ذهنيا؛ حيث إنَّه وبوضوح اللفظ نستطيع أن نقيم على أساسه إطارا نظريا متماسكا، ومع اتضاح المعالم النظرية نستطيع أن نبني أساسا منهجيا، وبذلك نستطيع أن ننتج تطبيقات مناسبة للتفسير المناقش. كما أن العمل الجماعي يكون أكثر مصداقية وموضوعية لتقييم التفسيرات والتأويلات، وبذلك يضمن دقة موقعي التفسير والتأويل للنص الشرعي بشكل عام، وأن تلك الضبابية والاضطراب تغيب بوجود التصور الواضح لمفهوم التفسير والتأويل، حتى إن وجد التعدد التفسيري والتأويلي في مختلف المستويات النظرية أو المنهجية أو التطبيقية؛ فإنَّ ذلك التنوع والتعدد تُصبح أبعاده واضحة المعالم والظهور. وقد يحصل التعدد أيضا على المستوى المنهجي الذي قد يستخدم مختلف الوسائل والطرق لإيجاد نتيجة واحدة، وقد يحصل التعدد على المستوى التطبيقي؛ أي على مستوى نتائج ومخرجات المستويين النظري والمنهجي ونتيجة التطبيق مع النص المراد تفسيره أو تأويله، وبذلك فإنه يقتضي تعدد تلك التفسيرات والتأويلات. وعليه، فإن هذا الاختلاف يؤدي إلى الإثراء والتنوير وفهم المعنى. كما تشير الباحثة إلى أن غياب العمل الجماعي والمؤسساتي الملحوظ يبعدنا عن الوصول للاتفاق والالتزام بمصطلح واضح للتفسير والتأويل، وتؤكد أنه لكون هذه الدراسة فردية لا يمكنها وضع حدود الفصل والوصل بين التفسير والتأويل؛ إلا أنها حاولت تسليط الضوء على الإشكالات الموجودة التي يثيرها الافتراق والتواصل بينهما.

وتذكر كوريم الاختلاف والتواصل للمفهوم، موضحة أن العلاقة بين كل من التفسير والتأويل علاقة ترادف واختلاف يتجسد في التداخل والتكامل والتضاد، وعليه فإن الباحثة تسترشد في دراستها ببعض من العلماء لاستيضاح اللفظين؛ حيث بعضهم يرى أن التأويل يأتي بمعنى التفسير، فالكلمتان تدلان على إيضاح الكلام وبيان معنى اللفظ والكشف عنه، أي أن اللفظين يبحثان عن المعنى المختبئ وراء الظاهر من اللفظ، فيما يكون الاختلاف أحد أشكال العلاقة، ويعد التكامل واحدا من أشكال العلاقة بينهما؛ إذ يوجد نوعان من التكامل؛ هما: التكامل التعاقبي والتكامل التزامني؛ بحيث يحيل التكامل التعاقبي على التكامل الحاصل بين التفسير والتأويل حينما يراد بهما الدلالة على مرحلتين مختلفتين من مراحل الشرح؛ مرحلة سابقة هي التفسير ومرحلة لاحقة هي التأويل، كما يحيل التكامل التزامني على النظر إلى التفسير والتأويل بصفة كل واحد منهما منهجا مختصا بالتعامل مع نوع من النصوص غير النوع الذي يختص بالتعامل معه المنهج الآخر. فبعض التعريفات للتكامل التعاقبي ترى أن تفسير الكلام هو بيانه وشرحه وكشف معناه، وأن تأويله هو تحديد صدقه الخارجي أي أنه الحقيقة الخارجة، أما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية. كما يدخل في إطار التكامل التعاقبي تلك التعريفات التي تجعل التفسير يختص ببحث دلالة المفردات، والتأويل يختص ببحث دلالة التراكيب؛ حيث إنَّ التفسير يستخدم في الألفاظ ومفرداتها فيما يستعمل التأويل في المعاني والجمل. وفي الجانب الآخر، يقصد بالتكامل التزامني اختصاص كل من التفسير والتأويل بالتعامل مع نوع خاص من النصوص، أي أن التفسير بيان للفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا والتأويل توجيه للفظ متوجه إلى معان مختلفة بما ظهر من الأدلة، كما أن هذا التكامل يرى أن التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية.

كما تكشفُ الباحثة من خلال تعريفات التفسير والتأويل أنَّ العلاقة بينهما علاقة تداخل بين مجالات الاشتغال؛ بحيث يكون مجال أحدهما أعم من الآخر، أي أن علاقة العام والخاص بين التفسير والتأويل علاقة متبادلة؛ فبعض التعريفات تجعل التفسير أعم من التأويل والعكس صحيح. ويعتبر التأويل أعم من التفسير حينما يشمل مجال الكلام ومجال العالم الخارجي، بينما يختص التفسير بمجال الكلام فقط. ومن جانب آخر، يعد التفسير أعم من التأويل حينما يصبح التأويل خاصا بالنصوص الدينية فقط، بينما التفسير خاص بالنصوص الدينية وغيرها، أي أن التفسير أعم من التأويل وأكثر استعمالا في الألفاظ ومفرداتها، فيما يستعمل التأويل أكثر في المعاني والجمل.

وتبيِّن الباحثة أن بعض التعريفات كشفت علاقة تضاد بين التفسير والتأويل، ويبرز ذلك من خلال الأقوال التي ترى أن التأويل عمل ذاتي متحرر من الضوابط، بينما التفسير عمل جماعي على عكس الرأي السائد الذي يرى أن التفسير نشاط فردي؛ فالتفسير وفق الشروط الصارمة والتحديدات التفصيلية التي وضعتها مصنفات التفسير وعلوم القرآن جعله يخرج من إطار النشاط الفردي إلى النشاط الجماعي المنظم، أي بمؤسسة علمية تدعى مؤسسة التفسير. أما التأويل، فتختفي فيه الوساطة المنهجية بين النص وشارحه؛ فهو عملية تعتمد على حركة الذهن في اكتشاف أصل الظاهرة وتتبع عاقبتها، كما يمكن القول أنَّ التأويل نوع من العلاقة المباشرة بين الذات الموضوع، أي أن التفسير يهدف للوصول إلى المعنى عن طريق تجميع الأدلة التاريخية واللغوية التي تساعد على فهم النص فهما موضوعيا، أما التأويل فقد نظر إليه أنه يعتمد على تفسير غير موضوعي؛ لأنه لا يبدأ من الحقائق التاريخية، وبهذا فإنه جهد ذاتي  يخضع لتصورات القارئ ومفاهيمه وأفكاره السابقة.

أخبار ذات صلة