علاقة الحداثة بالديانات القديمة الثلاث

شيخة النهدية

 تعتبر الحداثة والعلمنة من القضايا المعاصرة التي شغلت بال الكثير من الباحثين والمُفكرين من حيث مفهومها والآثار والظواهر التي ترتبت على ظهورها؛ ولأهميتها البالغة في العالم نلخص مقالاً بعنوان:( الحداثة: تحولات الإسلام والمسيحية والهندوسية) وهو منشور في مجلة شباب التفاهم.

تحدث المقال عن الجدلية والخلط بين مفهوم الحداثة والعلمنة وتأثيرها على الديانات القديمة الثلاث: المسيحية والهندوسية والإسلام من خلال المتغيرات:الهوية، والقيم والأخلاق، والنظام السياسي، والأصولية، عبر بيان علاقتها بالحداثة، وعلاقتها ببعضها البعض.

بين المقال إشكالية العلاقة بين الحداثة والعلمنة في ظل انتشار مصطلح:( عودة الدين) فهل عودة الدين انتكاسا للعلمنة؟  وهل العلمنة هي العقلنة الشاملة للعمل الإنساني ومرجعه الفرد نفسه؟ أم هي الفصل بين الدين والدولة؟ أو الفصل بين الكنيسة والدولة؟

كما برز في المجالين الأوربي والأمريكي نقد للخطاب الاستعماري في الفلسفة والتاريخ والفكر والاستشراق والاقتصاد والإعلام والعلوم الاجتماعية وتوصل هذا النقد إلى أمرين هما: (الحداثة والدولة الحديثة)، والعلمانية بوصفها موقفاً من الدين المسيحي، وقد توصل إلى نقد جذري للدولة الحديثة، وآخر للمقولات العلمانية من جهة المفهوم أو مفاهيم علائق الدين بالدولة.

هناك اختلاف في وسم الحداثة بأنها علمنة فحسب، ووسم الدولة الحديثة بأنها كيان علماني، لكن ما لا شك فيه أن الظاهرة العلمانية إذا عدت عقلانية شاملة بحسب ماكس فيبر ومدرسته فإنه يكون علينا مراقبة تأثيراتها على الديانات القديمة في المشرق والعالم.

وممن درس تأثير ظاهرة الحداثة على الأديان: ماكس فيبر (فقد درس تأثير ظاهرة الحداثة على الديانات: المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية)، كما اشتغل تشارلز تايلور على البوذية والإسلام، كذلك ظهر كتاب مهم عن غاندي والعلمانية لبغرامي، كما ألف مايكل كوك كتاب:( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فقد تحدث فيه عن تأثيرات الحداثة على المسيحية والإسلام والهندوسية، كما تناول روث ماس في عمله تحولات وتحويلات الإسلام في فرنسا.

ومن خلال هذه الأعمال الخمسة سندرس المتغيرات والتحولات في الديانات الثلاث من خلال (علاقتها بالحداثة وببعضها البعض).

أولا: متغيرات الهوية:

1-الإسلام:

تأثرت هوية الإسلام بالحداثة في ظل انتشار الإسلام لمناطق غير عربية فقد نشب صراع بين الأخوة الدينية والأخوة الإثنية (عرقيا)، لكن ظل هناك تضامن إسلامي قبل التدخل الغربي وبعده.

  تأثرت الهوية الإسلامية بعد التدخل الغربي (دعوى لإنشاء كيانات قومية) منها: تركيا الكمالية (لكن خلت من الحساسيات الدينية)، وانفصال المسلمين بدولة باكستان عن الهند، واستعلاء الهوية الإثنية في البنغال، أما في مصر (نموذج للائتلاف بين الدين والهوية الوطنية).

لقد أظهرت الهوية الجديدة الغربية في الدول الجديدة تعارضاً مع الوحدة باسم الدين (الدولة القومية ككيان علماني مغترب).

2-الهندوسية:

لم تكن الهندوسية سوى نزعة قومية هندية هندوسية مغتربة ظهرت بشمال الهند أساسها سياسات حزب بهاراتي جانتا الذي يحكم الهند اليوم، كما أنها طبقية وحاول غاندي تجاوزها باسم (روح الهند).

كما أن هناك فرقاً بين الهوية الإسلامية في الدولة الحديثة (القدرة على التوحيد)، في حين أن الهوية الهندوسية تنقسم في الغالب بصورة لا يُمكن تجنبها لكن تتفق على العداء للمسلمين (بوصفهم غزاة) ؛ بسبب ارتباط المسلمين بانفصال باكستان عن الهند، لكن بشكل عام أثرت الحداثة كثيرا على إبراز القوميين الهندوس.

 

3-الكاثوليكية والهوية في أمريكا اللاتينية:

 

لم تتفاعل الهوية الكاثوليكية في المكسيك مع الهوية السياسية، فقد بقيت هوية عامة تواجه الاندفاع البروتستانتي القادم من أمريكا الشمالية.

فمعظم الناس في المكسيك ليس لديهم إحساس قوي بالحاجة إلى هوية مسيحية؛ لأن مشاكلهم في مكان آخر، فلذلك لم تؤدِ دورًا مهمًا في تكوين الهوية السياسية لأمريكا اللاتينية بخلاف بولندا.

ثانيا: متغيرات القيم:

ظهرت بعد الحرب الثانية لدى الغرب نزعات قابلة للتصدير: نزعة المحافظة المعتدلة، والنزعة اليسارية (مساواة وتضامن وتحرر)، والنزعة الليبرالية.

أما موقفها تجاه الدين:(المحافظون: إيجابيون تجاه التقاليد الدينية)، أما اليساريون سلبيون دائماً تجاه التقاليد الدينية، في حين الليبراليون انقسموا بين علمانيين يعارضون تأثيرات الدين في المجتمع والسياسة، ولا مبالين.

فقد تعرض الإسلام لتحديات مُتعلقة بالقيم (الحريات، والمرأة، والتحرر الاجتماعي، والتشريع والقانون، والليبرالية الأخلاقية بشكل عام) فلدى الإسلام تصور لمجتمع مثالي (ذو طبيعة أخلاقية فيما يتعلق بالفقر والمساعدات الاجتماعية الذاتية).

كما أثر الصحويون في ممارسات ومؤسسات مثل البنوك الربوية ونشطوا في المجتمعات الفقيرة متجاوزين حدود الحكومات كذلك أثر الليبراليون بالعلمانيات وببرامج تحرير المرأة وتجاوز التقاليد والقيم المحافظة وكان لهم سطوة إعلامية ووجود في جمعيات المرأة والنوادي الثقافية (خليط بين اليساريين والليبراليين).

أما على مستوى الهندوس فتشير تصوراتهم إلى كتاب مانو الذي قسم الطبقات لأربع، لكنه تصور طبقي مغلق فلا علاقة له بأي نظام أخلاقي حديث، وكان الأولى اختراقه بالتدريج وتحويله والاستبدال به (النظام الديموقراطي) الذي يفرض تساويا للمواطنين ـ وقد لاقى نجاحاً حتى الآن. كما أن هناك إيحائيات دينية منتشرة (تستنهض التقاليد القديمة وأخرى تعادي المسلمين).

أما الديانة الكاثوليكية فلا توجد نظرة مسيحية للخير فيها فالكنسية ليست مكانًا لجمع الأموال، أو إخراج المسجونين إنما للرهبنة، لكن ظهرت نخب دينية لديها برامج اجتماعية أخلاقية باسم الدين ولم يكونوا من رجال الدين.

 

ثالثا: النظام السياسي:

يفترض الشكل الغربي للدولة أن يكون دستوريا وديموقراطيا أو ملكيا دستوريا، وأن يتمتع مواطنو الدولة بالحرية والمساواة والأخوة فكيف أثرت في تراث الأديان:

الإسلام

ساد نظام الدولة القومية في بلدان العالم الإسلامي، وأثرت الحداثة فيها تأثيرات عميقة وقوية، لكن نظام الخلافة هو النظام السياسي للإسلام (يجمع سلطات الدين والدنيا) ولكنه ضعف منذ أزمنة، والأصوليات حاولت إحياءه في السنوات الأخرى (مأساة كبرى) بشكل إجرامي (داعش والقاعدة).

الهندوسية:

لم تعرف في تاريخها غير الملكية (كنظام سياسي)؛ لذلك نجحت الديموقراطية الهندية بسبب عدم وجود موروثات هندية سياسية (مثالات، وقيم، وأنظمة).

الكاثوليكية الأمريكية اللاتينية:

عندما استعمر الإسبان والبرتغاليون أمريكا نقلوا إليها نظام الملكيات (النموذج الملكي) لكنهم كانوا مكروهين بصفتهم مستعمرين؛ لذلك سادت الجمهوريات القومية، كما تراجعت شعبية الأحزاب الديموقراطية المسيحية ولم يبق غير العسكريين وحركات اليسار الديموقراطي وغير الديموقراطي.

رابعاً: الأصولية:

هو مصطلح بروتستانتي معني بالصحوات والنهضات البروتستانتية المتوالية في الولايات المتحدة بالذات منذ القرن الثامن عشر.

وبسبب اختلاف مظاهر التشدد في الإسلام والهندوسية والكاثوليكية في العلل والأهداف (تسمية الصحويات الدينية: إحيائية)، فالصحويون لا يرجعون إلى الأصول فقط، بل يضيفون تصورات جديدة بسبب التأثر الشديد بالعصر وتكوين تيارات مضادة له، فقد عاد الإسلام إلى الكتاب والسنة (بدأوا حركات هوية ضد الحداثة)، أما الهندوسية فاحتفظت بالأصالة والتقليد (قليلاً ما يتدخل الصحويون الهندوس في الشأن السياسي)، أما الكاثوليكية فقد تأثرت بالوضع البائس لفئات واسعة وأفادت من تكتيكات اليسار.

ونستنج أن العلمنة وجه للحداثة وتسببت الحداثة الشاملة في كل هذه المتغيرات والتشققات إما على سبيل المعارضة أو التقليد، ولكنها ما زالت مستمرة.

أخبار ذات صلة