وليد العبري
اسم غرناطة مُشتق من كلمة رومانية بمعنى الرمانة، ويقال إنه: أطلق عليها هذا الاسم نظرا لطبيعتها الخضراء الغنية والحدائق والبساتين التي تحيط بها. أُقيمت مملكة غرناطة على رقعة من الأرض تضم اليوم محافظات غرناطة وملقا وألميريا الإسبانية، تقع بمحاذاة جبال سييرا نيفادا أو جبال الثلج بالإسبانية في جنوب إسبانيا. ويشعر سكان هذه المحافظات الإسبان اليوم بفخر كبير؛ لوجود آثار الممالك الإسلامية الأندلسية في بلادهم اليوم، ويكنون لها ولمن أقامها الاحترام والتبجيل.
تأسست مملكة غرناطة بعد انهيار دولة المرابطين على يد أبي عبدالله بن يوسف بن نصر الأحمر، الذي أصبح أوَّل ملك لغرناطة تحت اسم محمد الأول، الذي استمر حكمه 41 عاما بين عامي 629 و671 للهجرة، وهذا ما ناقشه الباحث عصام السعيد في مقاله المنشور بمجلة "التفاهم"؛ حيث أضاف بأنَّ مملكة غرناطة هي الأطول عمرا بين ممالك المسلمين في الأندلس، واستطاعت أن تحقق نجاحات باهرة توازي نجاحات الأندلس التي سبقتها إن لم تتفوق عليها.
استطاع حكام غرناطة أن يحافظوا على السلام في مملكتهم في وقت حرج؛ حيث كانت ممالك الأوروبيين قد سعت بشكلٍ دائم لإسقاط غرناطة؛ وذلك بعد أن شجَّعهم سقوط قرطبة على إنهاء الحكم الإسلامي في الأندلس، وأُطلق على غرناطة لقب "الأندلس الصغرى"؛ حيث اجتمعت تحت ظلالها بقايا دولة الأندلس المنهارة وهاجر إليها عدد كبير من المسلمين بعد سقوط إماراتهم في يد المسيحين، وظلت إمارة غرناطة -بفضل ذكاء حكامها- نحو مائتين وخمسين سنة.
ومن أهم المعالم التي يجبُ الحديث عنها هي مدينة الحمراء، التي تعد متحفا للفن الأندلسي؛ لما تتمتع به من نفائس فريدة من نماذج العمارة الإسلامية. يرجع الفضل في إنشائها إلى ملوك بني نصر؛ حيث عمل كل منهم على إضافة مبنى أو برج أو بركة صناعية، أو زُوّد صحن أحد القصور بنافورة جذابة، وتعد مدينة الحمراء بحق مدينة ملكية؛ حيث تتخذ شكل الحصن الذي يقع في موقع مرتفع على مساحة خمسة وثلاثين فدانا.
كما أنَّ للمساجد مكانة خاصة في حياة المسلمين؛ حيث لم تكن مقرًّا للعبادة فقط، بل لعبت عددا من الأدوار؛ فكانت جامعا ومدرسة ومقرا للاجتماعات. وقد اهتم حُكام غرناطة كثيرا ببناء المساجد؛ حيث وجد بها حوالي مائتا مسجد، ومن أشهرها: مسجد الحمراء، الذي بُني في غرناطة وسط الهضبة جنوبي الروضة، وقد وصفه أحد المؤرخين بأن ثرياته من الفضة، ومحاربه به أحجار الياقوت، ومنبره من العاج والأبنوس.
ومن المعالم التي برَزَت كذلك في غرناطة هي المآذن، وكذلك القصور، التي أبدع الملوك والسلاطين في بنائها لتكون شاهدا على رخاء وعظمة حكامها، ومن أهم قصورها على الإطلاق: قصر الحمراء. وقد صُمِّم هذا القصر ليكون قصر الخلافة، ومسجدا جامعا كبيرا، كان في أوج ازدهار المملكة منبع العلماء، وملتقى الدارسين من بلاد الأندلس وبلاد المغرب، وتخرج منها علماء كبار منهم العلامة الأندلسي الغرناطي الشاطبي إبراهيم بن موسى.
أما ساحة الرياحين أو "السفراء"، فإنها من من عجائب الحمراء، بل أعجب ما فيها جميعا، حيث تتوسطها بركة مستطيلة الشكل، وأحواض تحفُّ بجوانبها أشجار الريحان، وقد بنى هذه الساحة محمد الخامس، وقد نُقشت في زوايا ساحة الرياحين هذه العبارة: "النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبدالله أمير المؤمين".
أسَّس سلاطين غرناطة نوعا مميزا من الفن أطلق عليه اسم "فن بني نصر"؛ نظرا لاسم مؤسس إمارة غرناطة، وبدأ الطراز المعماري في الأندلس بالطراز الأموي، وذلك نسبة إلى مؤسس إمارة الأندلس "عبدالرحمن بن معاوي"، الذي نقل إلى الأندلس الطراز المعماري الأموي وما يتميز به من فخامة.
أما في عصر ملوك الطوائف، والتي نشأت بعد سقوط الدولة الأموية، حيث عمل كل من أمراء الأندلس على إنشاء دويلة منفصلة، وأصبح الحكم فيها له ولذويه من بعده، في تلك الفترة تطور الفن والعمارة بشكل كبير، وبخاصة الزخارف المختلفة، والتي أصبحت السمة المميزة للفن الأندلسي.
أما دولة المرابطين، وهي الدولة التي أقيمت على يد المغاربة لمحاربة المارقين على الإسلام، والذين حكموا الأندلس نتيجة للاستعانة بهم؛ فقد تميزت العمارة في عهدهم بالطابع العسكري؛ نظرا للحروب التي خاضوها للحفاظ على دولة الإسلام؛ حيث أكثروا من بناء الحصون والقلاع، وأضافوا ممرات منكسرة تعوق الحركة في حال مهاجمة المكان.
ثم جاءت دولة الموحدين، وهم جماعة من الأمازيغ المغاربة الذين حكموا المغرب والأندلس تحت لواء توحيد بلدان الإسلام، فلم تختلف العمارة في عهدهم عن سابقاتها في عهد المرابطين؛ فقد تميزت أيضا بالطابع العسكري؛ ولكنهم أكثروا من بناء القصاب المحصنة، وأضافوا الأسوار لحماية المدن، واختاروا بناء مدنٍ في أماكن مرتفعة.
بعد سقوط عدد من الإمارات الإسلامية في يد الإسبان هاجر عدد كبير من المسلمين إلى غرناطة، ومن ضمنهم عدد كبير من العمال المهرة والصناع وأرباب الحِرف، فنهضت العمارة وفنون الخزف.
ومن خلال استعراض أهم آثار غرناطة، نجد الخط العربي -سواء أبيات شعر أو آيات قرآنية- هو ما يميز الزخارف الإسلامية؛ حيث كان الخط العربي ملازما للمد الإسلامي شرقا وغربا، وكان القرآن الكريم يلقن باللغة الأصلية، فانتشر الخط العربي، وساعد على ذلك علو مكانة الشخص الذي يتقن الكتابة العربية.
وصاحب انتشار الإسلام بالأندلس انتشار للغة العربية، وتجويد الكتابة باللغة العربية، وقد تطور الخط الأموي تطورا كبيرا، حتى إن أهل الأندلس بسطوا الخط الكوفي بطريقة أطلق عليها الخط الأندلسي، ومن الجدير بالذكر أن النساء برعن في كتابة اللغة العربية والبلاغة، واشتهرن بها وذاعت شهرة العديد من نساء الطبقة العليا بحسن الخط وكتابة المصحف.
وأخذت الكتابات في الأندلس في التطور لتصبح ذات سمات مميزة؛ ففي عصر ملوك الطوائف ازداد التطور في حروف النقوش، كما ازداد التوريق والتزهير الذي لحق بالحروف وأطرافها وبين الفراغات، وكان ذلك لبداية الزخرفة والتجويد في عصر بني نصر.
ولم يتفرَّد الفنان الأندلسي في الخط العربي فقط، ولكن أيضا في المواد المستخدمة في الزخارف؛ فقد استخدم الفنان الغرناطي مواد مختلفة مثل الخشب والرخام والجص، ومزجها في أشكال فنية متعددة، كما استخدم الفنان الأندلسي طريقة خاصة به عرفت باسم "نقش حديدة"، والتي يتم فيها النقش على المواد المصبوبة، مثل الجص بحديدة قبل أن تجف، كما استخدم أنواعا مختلفة من الرخام ناصع البياض والخمري والوردي، الذي يوجد في أماكن كثيرة في بلاد الأندلس، كما كان ينتشر في غرناطة الرخام الموشّى بالحُمرة والصُّفرة.
ومن سمات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر: استخدام العناصر الزخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، بل حتى بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء كابن زمرك، وتحيط بها زخارف من الجص الملون الذي يكسو الجدران، وبلاطات القيشاني الملوَّن ذات النقوش الهندسية، التي تغطي الأجزاء السفلى من الجدران. وفي العام 2007، أختير قصر الحمراء ضمن قائمة كنوز إسبانيا الاثني عشر، في استفتاء صوت فيه أكثر من تسعة آلاف شخص.
