هنية الصبحية
يناقش أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندريةومدير مركز الخطوط بمكتبة الإسكندريةعصام السعيد في مقاله - المنشور بمجلة "التفاهم"- "الأبجدية في العصور القديمة"، وقد تضمنت الدراسة، الألفبائية متمثلة فيالنظرية المصرية التي ظهرتبشكل مباشر أو غير المباشر، بالإضافة إلى الأبجدية الأوجاريتية متمثلة في مناقشة النظرية الأكادية والنظرية السينائية والأبجدية الفينيقية.
يوضح السعيد أن الشكل البيكتوجرامي أحد أشكال الكتابةالتي تمثل صورة الشيء المراد التعبير عنه، وبعدها انتقلت الصورة إلى فكرة،أي أصبحت الكتابة أيديوجرامية، ومن ثم أصبحت الصورة تمثل الحركات الصوتية في الكلام، وسميت بالكتابة الفونوجرامية. وتعد الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة أشهر كتابة في الكتابة البيكتوجرامية بالإضافة إلى الكتابة المسمارية التي نشأت في بلاد الرافدين؛ وبهذا نرى أن الإنسان بدأت مزاولته للكتابة عن طريق الرسوم والرموز، فأصبح من الضروري تطوير النظام الكتابي إلى نظام آخر أكثر مرونة وأسهل تعلما؛ لأنَّ الأنظمة السابقة لا تحمل في سماتها ما يجعلها سهلة التعلم والإتقان.
وعليه يجيب الكاتب أن أبجدية أصحاب النظام الجديد تم أخذها من خمس نظريات علمية منها المقبولة ومنها المرفوضة؛ لوقوع أصحابها في بعض الأخطاء العلمية. فالنظرية المسمارية والمصرية لاقتا التأييد، فيما نجد النظرية الكيرتية والنظرية القبرصية والنظرية الحثية رفضت بشكل تام من المختصين ولم تحظَ بأي قبول لضعفها العلمي. وتعد النظرية الكيرتية المدعومة من الباحث أفنز، وتقوم هذه النظرية في أنها تفرض الألفبائية انتقلت من كريت مع القبائل الفلسطينية التي استقرت بعد موافقة فرعون مصر في تلك الحقبة شمال فلسطين الحالية، فتم الاعتقاد أن الألفبائية انتقلت من كريت إلى الفينيقيين. أما النظرية القبرصية فيرى أصحابها أن الألفبائية ذات أصل قبرصي وأبرز مؤيديها العالم براتويوس، كما توجد علاقة وثيقة بين الكتابة الكريتية والقبرصية، واعتمد مؤيدوها على التشابه الواضح في الشكل الخارجي لعدد من رموزها مع حروف الألفبائية وهو من الأسباب التي أدت إلى رفضهما؛ لأن التشابه الخارجي لم يكن متطابقا في القيمة الصوتية، وموافقا للتسلسل التاريخي؛ فاختيار الإنسان للرموز والعلامات يأتي من الأشياء المحيطة بالبيئة. كما يؤكد الكاتب أن الكتابة الألفبائية تعود إلى ما قبل القرن الثالث عشر قبل الميلاد مدللا على ذلك بوجود عشر مخطوطات قصيرة جدا تعود إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد، وجاءت من مناطق مختلفة من فلسطين عرفت بكتابات فلسطين البدائية، بالإضافة إلى وجود كتابات أوجاريت ذات الشكل المسماري والمبدأ الألفبائي التي تعود إلى ما قبل القرن الثالث عشر ق.م، وتحديدا القرن الخامس عشر ق.م. وأخيرا وجود الكتابات السينائية التي تعود أيضا إلى القرن الخامس ق.م. وبهذا، لا يصح علميا ومنطقيا أن نقارن الأقدم بالأحدث. ويذكر الكاتب أنه تم استبعاد النظرية الحثية كليا، وقد كان أبرز الداعمين لها العالم الإنجليزي سايس، فيرى أن واضع الألفبائية متأثر بالحثية التصويرية، وسبب استبعادها كما أوضحها المعارضون لسايس، أنه وقع في أخطاء ثلاثة وهي إغفاله أن الحثية مقطعية وهندوأوروبية، وأخيرا الخطأ التاريخي الذي ارتكبه، أنه قد عد الحيثيين ساميين غربيين وأنهم الشعب الآموري.
أما النظريتان الأكثر قبولا هما المسمارية والمصرية، وقد دعمت بشكل واضح بالكتابات السينائية المبكرة وكتابة جبيل شبه الأبجدية، ويعد أبزر الداعمين للنظرية المسمارية، العلماء ديك وزيمرن ودل. ديك اعتبرها مأخوذة من الخط المسماري الآشوري الحديث وأكد عليه زيمرن مضيفا أن الترتيب الأبجدي لبعض أسماء الحروف الألفبائية مشترك بين الفينيقية والبابلية، أما العالم دل فيرى فقد ذكر أنها اشتقت بشكل مباشر من المسمارية الأكدية.أما النظرية المصرية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، ويرى بعض المؤرخين اليونانيين أن أصل الألفبائية مصري، فقد حظيت بالعديد من الاهتمامات العلمية والبحثية، وتعددت الآراء في الكيفية التي جاءت بها الألفبائية من المصرية القديمة. وقد قسم نشوؤها إلى طريقين مختلفين هما الطريق المباشر والطريق غير المباشر، فالطريق المباشريرى أصحابه أن الألفبائية جاءت مباشرة ودون وسيط من المصرية القديمة؛ إلا أنهم اختلفوا في تحديد نوع الخط المصري القديم، فمنهم من يرى أنها جاءت مباشرة من الهيروغليفية وأبرز مؤيديها هاليفي، ومنهم من يراها أنها جاءت مباشرة من الخط الهيراطيقي وقد أوضح مؤيدوها وجود تشابه خارجي بين الحروف الفينيقية وأشكال الرموز المصرية القديمة، بالإضافة إلى أن الخط الهيروغليفي خط تصويري كما أن الخط الفينيقي في بداياته كان تصويريا، وأن الكتابتيتن تتجهان من اليمين إلى اليسار ومن الأسفل إلى الأعلى، وأن الكتابتين كانت تدونان على قطع من الحجارة والمعادن وترسمان على الأواني الفخارية.فيما يؤكد أصحاب الطريق غير المباشر العلاقة القوية بين الألفبائية والمصرية؛ نتيجة اكتشاف نقوش من منطقتي سيناء في مصر وجبيل لبنان. ومن بينها النقوش السينائية التي تتألف من مجموعتين من النقوش يصل عددها إلى خمسة وأربعين نقشا قصيرا عثر عليها في سيناء، فتتألف المجموعة الأولى من أحد عشر نقشا، وقد اكتشفها العالم فليندرز بتري، أما المجموعة الثانية فتتألف من أربعة وثلاثين نقشا. كما يذكر الكاتب أن النقوش الأخرى جاءت من جبيل لبنان ويبلغ عددها عشرة من النقوش محفورة على لوحات بعضها من البرونز والآخر من الحجر والتي اكتشفها العالم الفرنسي موريس دونان.
