الأنساق القيمية العالمية الحاكمة للعالم المعاصر

وليد العبري

في مقاله "المسألة القيمية والمستقبل؛ الدين والمعرفة والأيديولوجيا والمسؤوليات المشتركة" والمنشور بمجلة التفاهم، يُشير الكاتب علي محمد المكاوي إلى قضية مُهمة عن طريقة عيش الإنسان في هذه الحياة وفق قيم معينة يطبّقها أو يسعى للوصول إليها، كما تعتبر القيم نوعاً من أنواع المحددات أو الغايات، ويعد الوصول إليها نوعاً من أنواع النجاح، فالقيم هي جملة المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها متى ما كان فيها صلاحهم، أو إلى إزهاقها متى ما كان فيها فسادهم عاجلاً أو آجلاً. وهي القواعد التي تقوم عليه الحياة الإنسانية.

 

ويعتقدُ الكاتب أن القيم ماهي إلا مجموعة مفاهيم وتصورات تحدد من خلالها طبيعة الأسلوب الشخصي المقبول وغير المقبول، وهذا بحد ذاته نتج من خلاله تباين في المجتمعات والأفراد.

وإن ظهور مصطلح العولمة قد بات أمرًا مقلقًا للغاية لما لها دور في إعاقة القيم والمفاهيم الإنسانية والتي ظهرت مؤخرا في جميع دول العالم، وهي غالبا ما تأتي من الدول المسيطرة، وتهيمن على جميع الثقافات الوطنية، لكن الأمر المقلق والذي لابد من أخذه بعين الاعتبار، هو أن القيم الاجتماعية لابد أن تصمد وتواجه جميع التغيرات التي قد تسهم في انحرافها أو تغييرها بما يواكب العصر الحالي، ومن منطلق الدين الإسلامي الذي يفرض وجود القيم الأخلاقية والإنسانية فلا بد من مراعاتها والتمسك التام بها مع المحافظة على الهوية والخصوصية، ودعم الإحساس بالمسؤولية بين جميع البشر في إعمار الأرض بما يرضي الله عز وجل، وهناك مفاهيم أساسية مرتبطة جدا بالقيم والمستقبل مثل الأنساق القيمية، والمسؤولية المشتركة، والأيديولوجيا والمعرفة والدين، وقد ظهر الآن مصطلح يدعى بالعلمانية قد يشكل خطرا على كافة المجتمعات الإسلامية ما لم تتغلب عليها بما فيها المذاهب الإسلامية، وهذا بدوره مرتبط ارتباطا وثيقا جدا بالمستقبل.

ومع بداية الربع الثاني من القرن العشرين تزايد الاهتمام بدراسة القيم الاجتماعية طبقا لوليام توماس ومنذ عام 1918م، أصبحت القيم من ضمن محددات السلوك الإنساني، وهناك اتجاهات وسلوكيات مرتبطة بالقيم قد تكون اتجاهات سلوكية. هناك ثمانية اتجاهات تصف القيم بأنها مجموعة من التصورات والمفاهيم الدينامية، قد تكون صريحة أو ضمنية تسهم في تباين الفرد والمجتمع، وهذا يكمن في الأساليب والأنماط السلوكية والمعتقدات التي يظهر بها الأفراد والمجتمعات.

المستقبل وعلم المستقبل: المراحل التي يمر فيها المستقبل هي متسلسلة ومنها التفكير الخيالي، ثم الغيبي، فالديني، فالفلسفي ثم التفكير العلمي كمرحلة أخيرة، ولكل مرحلة طابعها الخاص وإنتاجها المُعين، وكلمة مستقبل لها معانٍ باختلاف شخصية الإنسان، فالإنسان الضعيف تعني له المستحيل، والجبان تعني له المجهول، والمفكرون تعني لهم المثال، هذا الاختلاف قد ينتج عنه غموض يفسر بسببه الهزائم، لأن المستقبل لا يأتي لشخص أو مجتمع ما لم يسعيا معاً له، والاستكشاف والتطلع في الماضي مرتبط بالسؤال عن الماضي والحاضر معا ويكون الهدف عنه أمرا مستقبليا متعلقا بالأحداث التي جرت في الماضي والتي ستحدث وما نحن مقدمون عليه. ومن هنا كان "علم المستقبل" يتناول الأحداث التي لم تقع بعد، وعند حدوثها يصبح حاضرا. وعلم المستقبل يستهدف دراسة الاتجاهات طويلة الأجل في المجتمع من أجل تطوير وتنويع الأحداث الجديدة وطريقة التعامل معها.

العلمانية هي عبارة عن مجموعة من المُعتقدات التي تُشير إلى أنه لا يجوز أن يشارك الدين في المجالات السياسية والاجتماعية للدول، وتعرف العلمانية بأنها النظام الفلسفي الاجتماعي أو السياسي الذي يرفض كافة الأشكال الدينية، ومن هنا يقاس مدى تدهور الدين بالمشاركة في الممارسات الدينية أو حضورها، والتمسك بالمعتقدات الدينية الصحيحة، ودعم المؤسسات بالمال والعضوية.

والاحترام كالأعياد خير مثال على ذلك، وبعض المعايير فإن المجتمعات الحديثة مرت بعملية تحول علماني في القرن العشرين، إشارة إلى أن العلمانية مرتبطة بنشأة المجتمع الصناعي وتحديث الثقافة، وأدى تحضر المجتمع إلى خلق سمات فردية لا معيارية، وتآكل الحياة الأسرية، وجعل المؤسسات الدينية أقل شأنا. ومن منظور آخر، فإن ظهور التكنولوجيا بشتى أنواعها ساهم في تمكين الناس من السيطرة على بيئتهم بدرجة تجعل الإله كامل القدرة، وهذا أقل خطورة أو أقل إقناعا، لذا تستخدم العلمانية كمقياس ومعيار لما يقصده ماكس فيبر نحو التشييد والمجتمع.

ظهور نقاد النظرية العلمانية في أنها مبالغة في التمسك بالدين في المجتمعات التقليدية، وتقلل من أهمية الحركات الدينية في المجتمعات ووجود مجتمعات صناعية مثل بريطانيا والولايات المتحدة هذا بالإضافة إلى أن هذه المجتمعات قد أخفقت في دور الدين كما هو الحال مع إيرلندا وبولندا.

الأنساق القيمية العالمية الحاكمة للعالم المعاصر: يسود في العالم أنساق قيمية مختلفة كبعض الديانات السماوية مثل الإسلام والمسيحية، وبعضها ترجع جذورها إلى الديانات والمذاهب الأخرى، كالبوذية والهندوسية، والبعض الآخر ليس مصدره الأديان السماوية ولا الوضعية وإنما هي مستندة إلى مذاهب فكرية كالإنسانية الجديدة، ومن هنا فالأنساق القيمية ترجع إلى المصادر الأساسية ومنها: المصدرالأول: المتمثل في الديانات السماوية والتنوع الذي يسود بينهما كالديانة المسيحية والإسلامية، وتحوي الديانات رسالة واحدة، وهي أن الإله الواحد الحق وهي الحقيقة بحد ذاتها في العالم ومن هنا كان مصدر خلاف بين الديانتين، فمن المعروف أنّ الإسلام هو الدين الذي مكن الإنسان من عمارة الأرض مستمدا من شرع الله، ولكن السؤال يأتي هنا: كيف يكون الإنسان المسلم علمانيًا دون التخلي عن قيمه ومبادئه الإسلامية؟ يكمن في أخذ المستجدات والأمور النافعة بما يرضي الدين دون التخلي عن أركانه الأساسية، والمصدر الثاني الذي يختص بالديانة الهندوسية والبوذية والتي تؤكد أن القيم تستند إلى التغيير. وهناك مصدر ثالث مرتبط بالمذاهب العلمانية ترجع أصولها إلى الرومان وشرق آسيا، ومنذ زمن تدخلت الأطراف الأمريكية لتنسج طابعا ثقافيا في هذه الديانات مما شكل أمرًا مقلقًا لهذه الديانات.

القيم والمسؤوليات المشتركة والتنظيمات الدولية: ارتباط القيم بالدين أمر مهم يترتب عليه مصطلح "المسؤولية المشتركة" ومن هنا اتضح أمر المساواة في القانون الدولي نتيجة التفاهم بين الجنس البشري، وقد تصدرت بعض الدول معرفة المسؤولية المشتركة كالصين مثلاً تدعو بعض الدول إلىى ضرورة المشاركة والعمل في القضايا البيئية حتى يمكن حل المشكلات والتغلب على جميع التحديات العصرية، وقد اجتاح العالم موجة من العولمة الاقتصادية مما ساعد على ظهور القرية الكونية كمصطلح آخر للعولمة جعلت جميع بلدان العالم وكأنها قرية شاملة لجميع المفاهيم التي ساعدت على حل جميع المشاكل والتغيرات الكونية، والعولمة ماهي إلا مسؤولية مشتركة يمكن من خلالها تعزيز التعاون الدولي، والتزام الأحزاب بالمسؤولية المشتركة والأخذ بعين الاعتبار جميع البروتوكولات الدولية.

الدين والمسؤولية المشتركة ملامح المستقبل: لابد من التمسك بالدين لكونه مبدأ وقيمة إيمانية ينبغي الأخذ بها، لذا فإن العالم الإسلامي يمر بمراحل من التطور والتجارب، مع مراعاة وبذل جهد في معرفة الأصول والأولويات لهذا الدين، مقارنة بالدين المسيحي الذي يتجدد نتيجة العلمانية الغربية التي تهيمن عليه وتفرض آراءها على هذا الدين مما يعزز الجانب الإعلاني لكي تكون الحاضنة للعلمانية، بالمقابل فإن المجتمعات الأجنبية بحد ذاتها تدعو غيرها إلى التمسك بالدين والقيم الدينية في مواجهة التغيرات والعلمانية.

 

أخبار ذات صلة