الادعاء بأن حقوق الإنسان هي الدين الجديد

نوف السعيدية

يُحذِّر الباحث المصري أحمد محمد بكر موسى في مقاله "الأبعاد الاعتقادية لحقوق الإنسان" من تحول منظومة حقوق الإنسان إلى دين جديد يصل بالمتحمسين له إلى درجة التعصب.

حسب رأي الكاتب فإنّ مفكري فلسفة حقوق الإنسان ونشطاء حقوق الإنسان يتبنون نصوص وثائق حقوق الإنسان تبنياً أعمى يجعلهم يؤمنون بأنها صالحة لكل زمان ومكان، وهم بذلك يحولونه إلى نوع من المعتقد الذي يشترك مع الدين في مجموعة من الأبعاد، ذكر منها على سبيل المثال:

  1. التبشير: التبشير بالعقيدة والدعوة إلى الانضمام إليها
  2. المثال والواقع: وجود فارق بين منظومة حقوق الإنسان المثالية، وتطبيقها في كل دولة
  3. الأخوة: إحساس نشطاء حقوق الإنسان بالانتماء المشترك
  4. التضحية: التضحية في سبيل المعتقد
  5. مستويا التشريع: وجود مستويين للتشريع الأول هو مستوى التأبيد أي المبادئ العامة الصالحة لكل زمان ومكان، ومستوى التوقيت الذي يهتم بالجزئيات والتفاصيل
  6. التفسير: الحاجة إلى تفسير النص الأصلي
  7. المرجعية المطلقة: اعتبارها المرجعية الأعلى التي لا يجوز مخالفتها
  8. الوعي بالفلسفة: الوعي بفلسفة حقوق الإنسان والقدرة على استخلاص الحقوق منها
  9. الإيمان العلمي: مساواة هذه المبادئ في صحتها وثبوتها بالعلوم التجريبية
  10. الرؤية الكونية: تقديم تصور عن الإنسان والمجتمع والكون

من الملاحظ أولا – التعميم: إن هذا المقال مبني على التعميم وعلى الملاحظة الشخصية، فهو يطلق أحكامًا دون تعضيدها بالمصادر والأدلة. فمثلا حين يؤكد أن الحقوقيين يتعاملون مع نص تعاملا مقدسا أو أنهم لا يفترضون أن بنود الوثيقة قد تتغير فأنا حقيقة لا أعرف عن من يتكلم، ما هي العينة التي درسها؟ وكيف توصل لهذه النتيجة؟.

حيث إن فكرة المساواة بين الناس بدأت مبكرا، قام مجموعة من الفلاسفة بوضع الأطر العامة لها خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وقبل أن توجد أيّ وثيقة، وجدت المطالبات بإيجادها. إن تطور مفهوم حقوق الإنسان أعطى الشرعية لثورات التحرير، وأنصف العديد من الأفراد (الضعفاء أو من ينتمون للأقليات)، وساهم في وضع منظومة الحقوق المدنية. ما أحاول قوله إن الصياغة كانت تتغير مع الوقت، بل وتذهب في اتجاهات مختلفة كلياً، إذ إنها بدأت بمساواة الرجل الأبيض مع الرجل الأبيض، ثم الرجل الأبيض مع الملون، ثم الرجل مع المرأة. أما إن كان يتحدث عن الوثيقة العالمية التي ظهرت عام 1945 فهي ما تزال شابة وما تزال صالحة، وإن وجدت الحاجة لتعديلها فلا أستطيع تخيل أن أحداً سيعارض فقط لأنّه يجدها مقدسة وغير قابلة للمساس!.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ ناشط حقوق الإنسان هو من يعمل بشكل فردي أو ضمن جماعة لحماية الحقوق، وإشهار الاختراقات ضدها. العمل بشكل فردي يعني أيضاً أنّ هناك فهماً خاصًا لمنظومة الحقوق وكيف يجب أن تحمى، فكيف يفترض الكاتب أن جميع ملاحظاته تنطبق عليهم؟.

ثانيا – عدم ترابط الفكرة منطقيا: لإثبات أن وثيقة حقوق الإنسان هي دين فيجب أن يكون للوثيقة جميع خصائص ومكونات الدين وفي حال افتقر لواحد على الأقل منها فلا يمكن أن يعد دينا. فمثلا لا يمكن أن نقول إن البرتقالة وكرة القدم هما نفس الشيء لمجرد أن كليهما مستدير! عليه، بداية علينا أن نعرف الدين ومكوناته الأساسية – أو ما يطلق عليها الكاتب "أبعاد" – لنحدد بعد ذلك إن كان يمكن أن يعد دينًا. ولفعل ذلك سنلجأ للفصل الأول من كتاب "دين الإنسان" لفراس السواح، حيث يورد مجموعة من تعريفات الدين أوضحها وأشملها تعريف إيميل دوركهايم، الذي يمكن نقله بقليل من التصرف ليصبح كالآتي: الدين هو نظام متسق من المعتقدات والممارسات التي تدور حول موضوعات مقدسة... تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في مؤسسة واحدة. ونلاحظ أن جميع أركان التعريف لا تنطبق على منظومة حقوق الإنسان فلا وجود للمعتقد الذي يدور حول موضوعات مُقدسة، ولا وجود لممارسات أو شعائر، ولا وجود لمؤسسة تجمع المنتمين لهذه الفكرة إلا إن كنّا نعتقد أنّ الكنيسة والأمم المتحدة مؤسستان تؤديان الدور نفسه. لا أظن أن بالإمكان اعتبار منظومة حقوق الإنسان ديناً إلا بمقدار ما تعتبر قوانين المرور ديناً.

يمكن لهذه الأبعاد (كلها أو معظمها) أن تنطبق على أيّ نوع من الحماسة لأي فكرة، تماماً كتعصب مشجعي كرة القدم لفرقهم. السؤال هو ما هي الحالات التي يعد فيها هذا النوع من الحماسة خطيرا؟ يصبح خطيراً إن كان ينطوي على مضرة؛ فالتعصب (بالمعنى الاصطلاحي) بالضرورة ينطوي على أثر سلبي، أي التمييز أو الاستثناء على أساس ما (العرق، اللون، الجنس). فيما المدافعون عن حقوق الإنسان، يدافعون حتى عن حق هذا الكاتب في انتقادهم.

هناك أمر آخر وهو أن بعض المصطلحات يراد بها معاني مختلفة؛ فنحن حين نتحدث عن الرؤية الكونية للأديان فإننا نقصد بها الإجابة على الأسئلة الكبرى وتقديم تصور للغاية من الوجود. مثل هذه الأمور لا تقع أساسًا ضمن اهتمام منظومة حقوق الإنسان، واستخدام الكاتب لمصطلح "الرؤية الكونية" غير دقيق بالمرة.

ثالثا – الهشاشة: يمكن أن يكون رأي الكاتب قابلاً للجدل لو أنّه لم يلجأ للمبالغة (أي لو اكتفى بشرح تعصب النشطاء لحقوق الإنسان)، لكنه عوضا عن ذلك صاغ قضيته بطريقة يمكن تقويضها بسهولة، فإذا تم إثبات أن منظومة حقوق الإنسان ليست دينا (وهو ما يمكن إثباته بسهولة) يثبت أن رأي الكاتب غير صحيح.

رابعاً – نقد ما لا يصح انتقاده: ما العيب في أن "إن أغلب النشطاء ... آمنوا بها (أي حقوق الإنسان) عاطفياً بعد أن نظروا إلى معاناة الإنسان في ظل التشريعات المختلفة"، ما العيب في وضع الثقة والجهد في الحل الذي نرى أنه ينهي المعاناة الإنسانية؟.

 

في السطر الأخير من مقاله يقول الكاتب: عندما يقولون إنّ حقوق الإنسان لا تعد بديلاً لأي دين؛ فإنني أقول لهم راجعوا أنفسكم. وأنا أقول للكاتب راجع نفسك.

أخبار ذات صلة