المنظومة الإسلاميَّة فيما يتعلق بفروض العين والكفاية

عبدالله الشحِّي

يتحدَّث الكاتبُ وهبة الزحيلي في مقالته "الفرد والمجتمع بين المسؤولية الفقهية والدينية: فروض العين وفروض الكفاية"، حول مجموعة من الفروض وتقسيمها بين فروض العين وفروض الكفاية، ويتطرَّق لتفاصيل تطبيقها في زماننا الحالي مع ذكر الأمثلة من تاريخ السلف وكيفية تناولهم لها.

ففي البداية، يسردُ الكاتبُ الخصائصَ الموجودة في الإسلام، كالشمولية والعالمية والخاتمية، والتي ينبغي فحص استخدامها بدقة؛ منعًا من أن يتم تحميلها أكثر مما تحتمل. إنَّ الشمولية في أي دين أو فلسفة، تعني أنه داخل في كل تفاصيل الحياة من جهة، وأنَّه كل متكامل من جهة أخرى، وهي ليست بالضرورة نقطة حسنة على أية حال.

لكنَّ شمولية الإسلام تتعلَّق كثيراً بإمكانية التأويل المستمر حسب الزمان والمكان؛ بحيث يُمكنه مُواكبة ظروف التغيُّر. أما العالمية، فتعني هنا أنَّ الإسلام دينٌ عالمي، وليس خاصًّا لأناس معينين. وهذا طبيعي؛ فالكثير من الطرق الروحانية جاءت لإصلاح مشكلات البشر كافة، وهذا يعطي الحقَّ لكل دين أن يُمارس الدعوة لنفسه والتبشير بعقائده، والحوار بالتي هي أحسن.

هناك أيضا قضية الخاتمية، وهي أنَّ الإسلام هو الدين الخاتم للرسالات السماوية، بينما تَعْنِي هذه الفكرة بالنسبة لنا -نحن المسلمين- الكثير، قد لا تحمل ذات المعنى لغير المسلمين أبدا، وهي عكس الفكرتين السابقتين من حيث أنها لا يمكن أن تخضع للفحص الموضوعي؛ فيُمكن إثبات الشمولية بطرح القضايا المختلفة التي عالجها الإسلام، وتثبت العالمية عن طريق طبيعة التشريعات التي تقبل الوجود في أي مكان، لكن من غير الممكن إثبات الخاتمية بنفس آلية الاستدلال.

ومن المعلوم أنَّ الفروض في الإسلام تنقسم إلى قسمين اثنين؛ هما: فروض العين، وفروض الكفاية.. وفرض العين هو ما يجب على كل مسلم القيام به، أي أن جميع الأفراد مكلفون به كالصلاة وأداء الزكاة. أما فرض الكفاية، فهو ما يكفي جماعة ما تأديته ليسقط عن البقية كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف. غير أن تغيُّر الأزمنة وما صاحبه من تطور تقني وتقدم علمي أحدث معارف جديدة، وأنتج أدوات حديثة جعلت من المهم للفرد اكتسابها ومعرفة كيفية استعمالها.

وتُعتبر الدعوة للإسلام من الفروض الواجبة على جميع المسلمين، ويُمكنني القول بأنَّ الدعوة تكون لناحيتين مهمتين؛ الناحية الأولى: هي القيم والأخلاقيات الإنسانية المشتركة. والثانية: العقيدة والشعائر الخاصة بالإسلام. ويُوجد نوع من السهولة حاليا للدعوة نحو القيم الإنسانية؛ وذلك لأنَّ العالم كله يتجه نحوها، وأقصد بالقيم الإنسانية كل الأخلاقيات والمبادئ التي تحفظ الإنسان وتعلي شأنه، كالدعوة للمساواة بين البشر وتمكين الحرية وتأسيس حقوق العيش الكريم، فتلك مطالب عالمية والكل يتفق عموما حول أهميتها وإن اختلفوا في طريقة تطبيقها.

أمَّا الدعوة للعقيدة والشعائر الإسلامية؛ فتحتاج صبرًا وقدرةً على الحوار، خصوصا في ظل انتشار الأفكار والفلسفات المختلفة التي تقدم مختلف التفسيرات للكون والحياة؛ فمن الضروري أن يتحلَّى الداعية بالمقومات الأساسية في التفكير والمناقشة. كما أنَّ المجتمع الإسلامي عموما يُمارس الدعوة ككل، من ناحية تطبيق الأفراد للإسلام وعكسهم الصورة الحسنة التي تحبب الآخرين له.

كما يعتبر العلم والتعلم من أهم الأشياء التي تجِب على المسلم؛ فمن جهة العلوم الدينية فإنَّ المسلم مُطالب بتعلُّم المسائل الضرورية في الدين حتى يمارس العبادة بصورة مقبولة، وينبغي أن تنبري طائفة من المسلمين من أجل التبحر في المسائل الدينية فهما وشرحا وتبليغا. وهناك العلوم الدنيوية كالحساب والطب والفلك وغيرها، التي لابد من وجود جماعة من المسلمين تهتم بها وتشتغل عليها، وعلى عكس العلوم الدينية، فإنَّ العلوم المادية لا يُمكن أن تمارس داخل الأمة فقط؛ حيث لابد من مشاركة بقية العالم فيها وتبادل الاكتشافات معهم وتقبل النظريات المختلفة ومعالجتها في ضوء المناهج العلمية الحديثة، وإلا فإن الأمة سوف تخسر الكثير.

ويُضيف الكاتب إلى ما سبق فكرة وجوب مراقبة تطبيق الأحكام الشرعية من قبل الأفراد والدولة؛ فالدولة في نظرِه يجب أن تحفظ الدين بالقوة من المبتدعة، لكنَّ ذلك -حسب تصوري- قد يخلق عددًا من المشكلات قد تؤدي لاستغلال القوة بطريقة خاطئة، ومبدئيا هناك نوع من الضبابية وعدم الموضوعية حول مصطلح الابتداع؛ فقد تكون ممارسات فرقة ما بِدْعة بالنسبة لفرقة أخرى، وهذا بدوره سيؤدي بالضرورة لحلقة من الملاحقات والاتهامات. لكنَّ الدولة التي تريد المحافظة على أطياف الشعب سوف تَرْعَى الجميع، ولن تُطارد أحدًا بسبب معتقداته، بل تفسح المجال للحوار والإقناع بين التوجهات المختلفة.

ويترتَّب على ما سبق أنَّ القضايا التي لا تتعلق بعمل الدولة بشكل مباشر -أو توجهات الحكومة نحو التقدم المدني- وتتعلق بالاختيارات الفردية أو عقائد المجتمع، لا تحتاج عملَ مؤسسات رسمية لفرض أشكال مُحدَّدة منها على الناس؛ فمثلا لا يُمكن للحكومة منع شعائر طائفة دينية أو ممارسات شعبية قبلية بحجة أنها مُحرَّمة، أو لم تعجب طائفة أو قبيلة ما.

لكنَّ الأمر يختلف عندما يتعلق بالمعاملات والإخلاص بالعمل وأداء الأمانة؛ إذ من الواجب قيام الدولة بمراقبة الأفراد في أداء مهامهم، والتأكد من كَوْن موارد الدولة تصرف على الوجه الصحيح. وقد تقوم الدولة بتأسيس جهة رقابية خاصة لهذا العمل، وعلى الفرد الالتزام بشكل شخصي فيما يُوكل إليه من قبل جهة العمل.

ويقع في السياق ذاته: قضية تأسيس هيئة للرقابة الأخلاقية على الناس، تفرض عليهم مفهومها للفضيلة، وتجبرهم على فعل ما تراه صوابا.. فإنْ كانت هكذا هيئة خاصة في النظر بالمسائل الأخلاقية التي تُؤثر على المجتمع -كما في المثال السابق- فهو أمر مُرحَّب به، أما إن كانت هيئة تتدخل في خصوصيات الناس وتستخدم سلطتها للحد من الحريات الطبيعية للأفراد، فهو أمر مرفوض.

ومن الواضح أنَّ مسؤولية صلاح المجتمع تتطلَّب إنجازَ مجموعة من المهام؛ منها ما يخص جميع أفراد المجتمع على حدٍّ سواء، ومنها ما يخص مجموعة خاصة من الناس. والإسلام بخصائصه قد فعَّل منظومته الخاصة بهذا التقسيم، وحتى مع التطور الحاصل، فإنَّ تلك المنظومة تمكنت من التكيف والبقاء.

أخبار ذات صلة