المصطلح في علم الكلام

MAIN_Kalam2_218464.jpg

محمد بن عمر

تمهيد أولي:

-1- علم الكلام: النشأة والمسار:

 يعد علم الكلام من  أهم العلوم التي نشأت في الحضارة الإسلامية، لأسباب اقتضاها المسار الثقافي، والحضاري لهذه الحضارة، خاصة في تفاعلها مع الحضارات الأخرى، الوافدة على الإسلام خاصة، وكانت الغاية من هذا العلم هو الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وإبطال أقاويل الخصوم، ولا أدل على ذلك، هذا التعريف الذي جاء في كتاب إحصاء العلوم للفارابي، إذ عرف هذا العلم بأنه: "صناعة علم الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الأفعال  المصرح بها واضع الملة ،وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل "(1)

وهو التعريف الذي اختاره  الإمام أبو حامد الغزالي إذ عرف علم الكلام بأنه: "حفظ عقيدة أهل السنة،وحراستها من تشويش أهل البدعة ..."(2).

وفي الإحياء لعلوم الدين عرفه بقوله:"علم الكلام به يدرك ذات الله سبحانه وصفاته---"(3)

وهذه التعاريف رغم اختلافها في الشكل أحيانا، وتنوعها في المضامين، والمحتويات، فهي  تشترك  في  المضمون العام  المشكل لهذا العلم، وهو البعد الدفاعي، والحجاجي المكون لهذا العلم في بنائه العام  وهويته الخاصة، ولا أدل على هذا الاختيار في ربط خاصية  الدفاعية بعلم الكلام من أن يعرف هذا العلم  بأنه علم "إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ورفع الشيه..."(4)

ومن هنا فقد اختار ابن خلدون في المقدمة أن يعرف هذا العلم بقوله:"علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية، بالأدلة العقلية ،والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف..."(5)

 

2-علم الكلام ومشاغل الحضارة العربية الاسلامية

إن علم الكلاموهو من العلوم  التي جسدت مشاغل الحضارة الإسلامية في تفاعلها مع الحضارات الأخرى في مسارها التاريخي الطويل...وهو من العلوم  المتأخرة في النشأة، كما قال الفارابي وصرح به في كتابه الحروف ،لان الحاجة إلى الدفاع عن العقائد في وجه الخصوم، لم تكن قائمة في بداية الإسلام، وإنما نشأت الحاجة إلى الدفاع، في فترة مناخرة من حيث الزمن، خاصة بعد امتزاج حضارة الإسلام مع الحضارات الأخرى  الوافدة ، وبعد أن تداخلت الحضارة الإسلامية، وتفاعلت بغيرها من الحضارات، والثقافات الأخرى ،التي حملت كثيرا من عقائدها ،وثقافاتها ،ومللها ، وأفكارها إلى الحضارة الإسلامية(6)

 من هنا ندرك أن الحاجة إلى علم الكلام نشأت مع الحاجة في الدفاع عن العقيدة الإسلامية في وجه الخصوم المبتدعة، لكن هذه الحاجة لم تستمر،ولم تدم  طويلا بسبب غياب الباعث  الدفاعي  الحجاجي، قال ابن خلدون قفي المقدمة :"ينبغي أن يعلم  أن هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري، على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شانهم فيما كتبوا ودونوا ،والأدلة العقلية إذا احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا لكن فائدته في أحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بجاهل السنة بالحجج النظرية على عقائدها(7)

واختار الدكتور طه عبد الرحمان أن يصف علم الكلام، و أن يسميه بعلم المناظرة العقدي، لأنه يحمل الصفة الحجاجية (8) وهو ما جعل مباحثه  تستفيد من كثير من مباحث المناطقة المسلمين، خاصة في جهة الحجاج (9) كما  استفاد علم الكلام من مباحث المنطق، وتجلى ذلك أساسا في جهة التحديدات، والتعريفات ،وجهة البراهين، والاستدلالات، والأقيسة، وجهة الحجاج فهو بهذا الاختيار نموذج النظر المنطقي والعقلي،والفلسفي للعلوم التي نشأت في أحضانالتراث العربي الإسلامي.

وعلم الكلام من العلوم التي تأثرت،بغيره من العلوم، وأثرت على غيره من العلوم الأخرى، لأنه كان هو العلم  الأصل، بحيث كان ينعت  ويسمى بعلم أصول الدين والعلوم الأخرى كانت فروعا له، وهو ما جعل البعض ينعت تلك العلوم  بعلم الفروع، وعلم الكلام بعلم الأصول.

أما من حيث التسمية ،فسمي علم الكلام  بهذا الاسم  لارتباطه بكلام الله ،الذي هو من أبرز  صفات الخالق سبحانه، وهي صفة الكلام، وقيل إن سبب التسمية يعود إلى أبرز قضية وقع فيها الجدل والخلاف بين علماء الكلام  هي قضية كلام الله هل محدث أم مخلوق.

والسبب في هذا الإشكال يعود إلى أن الكلام  كما يطلق على  كلام الباري سبحانه،فانه يطلق على كلام الآدميين (10)

 

2-الدرس المصطلحي في علم الكلام:

إن الاهتمام بالمصطلح  في علم الكلام ظهر متقدما، ومتزامنا مع نشأة هذا العلم، ونال  المصطلح الكلامي الأسبقية من حيث النشأة على المصطلح الأصولي، خاصة من جانب الاهتمام، والعناية والمتابعة، لأن علم الكلام كان هو الأصل في نشأة  علم أصول الفقه، فهو من أحد روافده الأساسية ومرجعياته المكونة له؛ بل إن أصول الفقه قد  استمد مباحثه الكبرى من علم الكلام،كما دلت على ذلك  مقدمات،و مدونات الكتب التي  اشتغلت على علم الكلام ، وعلى علم أصول الفقه على حد سواء .خاصة الكتب التي تعد  من أساسيات  علم الكلام ،وعلم أصول الفقه (11)

وهذا  التأثير  الذي مارسه أصول الدين في علم أصول الفقه متفق عليه ، بين المشتغلين بالعلمين  والمهتمين بمسار العلوم في الحضارة العربية الإسلامية . وهو  ما  كشق عنه و صرح  به الإمام الآمدي، وفصل فيه القول في مقدمة كتابه "الإحكام في أصول الأحكام "(12)

 

3-المصطلح الكلامي:الدلالة والهوية:

والمصطلح الكلامي كما سبق الذكر نشا في بداية أمره مع نشأة علم الكلام، ويراد به المفاهيم المتداولة، والشائعة، والمستعملة بين المتكلمين خاصة.

بحيث أخذت هذه المفاهيم معان خاصة،بين المتكلمين، غير المعاني المعهودة  التي كانت عليها في اللغة، وهذا يعني أن المفاهيم هي المعاني الخاصة، اكتسبت دلالة خاصة غير الدلالة التي كانت عليها في اللغة العادية، أوفي اللغة  التخاطبية، والتواصلية

من هنا نقول  إن المصطلح الكلامي، هو في أصله  مصطلح  مكتسب، ومستمد من علم الكلام،له حمولة دلالية خاصة. فهو من المصطلحات الخاصة، من حيث انه يحمل معان خاصة، متداولة بين   المتكلمين خاصة، مما يجعله  مصطلحا مستقلا بذاته(13)

 وهذا مؤشرعلى أن المصطلح الكلامي يتجاوز الدلالة المعجمية ليأخذ دلالة خاصة ، بحيث يصبح مفهوما خاصا في المعجم الخاص لأي علم من العلوم (14)

 

4-المصطلح الكلامي: الرعاية والاشتغال:

والاشتغال بالدرس المصطلحي في علم الكلام، وبين  المتكلمين، ينبغي أن يعد، ويدرج ضمن الاشتغال بالمصطلح، بشكل عام. وهو اشتغال اكتسب أهمية البالغة،وعناية خاصة في التراث اللغوي العربي وهو ما يملي علينا من اعتبار وتقرير أن تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد عملا ملزما، (15) ومسلكا ملحا، في العلوم عامة  ،و العلوم الشرعية خاصة. وسبيلا ضروريا  ،لكل دارس، آو باحث ،يود مقاربة آية ظاهرة ثقافية، ومدارسة أية  قضية  فكرية في أي علم من العلوم. أو في أي تخصص من التخصصات .باعتبار أن لكل علم مصطلحا ته الخاصة به.و المميزة له  عن غيره من المصطلحات  المتداولة في العلوم  الأخرى ، و أن  لكل علم معجمه الخاص الذي ينفرد به، و يتميز به  عن غيره من العلوم (16)

و من ثم فان ضبط المصطلح عمل منهجي ملح ، وعمل  راشد للباحث. لان تحديد المصطلح هو  في حذ ذاته طريق العلم في أي تخصص من التخصصات المعرفية

5-أهمية المصطلح في العلوم :

ان لكل علم  لغته و مصطلحاته الخاصة به، والكاشفة  له،من  حيث المعاني والمفاهيم المتداولة  في ذلك العلم، بحيث لا يصح الدخول لأي علم من العلوم بدون ضبط مصطلحاته ومفاهيمه، ولهذا قيل المصطلحات هي مفاتيح العلوم.

ولقد شعر الأقدمون بأهمية المصطلح في ضبط المعرفة العلمية، ومن حيث تداول الألفاظ واستعمال المفاهيم بين الحقول المعرفية المختلفة، حيث نصوا على  ضرورة ضبط المفاهيم تبعا لحقولها المعرفية  المستعملة، أو المتداولة فيها

 

 وهذا يعني أن ضبطَ الألفاظ وتحديدها في أيِّ علم من العلوم يُؤدي بالضرورة إلى تماسكِ بنيان هذا العلم، ويؤدي كذلك إلى وجود لغة مشتركة بين الباحثين في ذلك العلم، وهذا الوضع من شانه  أن  يؤدي إلى منع الخلط، والبعد من  حدوث اللبْس والالتباس  في عرض المفاهيم ،والمصطلحات والأفكار

 وتبعًا لهذا الهدف ،فإنَّ أهمية تحديد المصطلح تكمنُ في أولوية لفظٍ بعينه وقابليتهِ ليكونَ مصطلحًا ذا دلالة متميزة وخاصة في العلم المستعمل فيه، بحيث يتسم المصطلح بالضبط والثبات إلى حد كبير .
 

إنَّ المصطلح مدخلٌ يرفع كثافةَ الألفاظ في ثروةِ اللسان، لكنه عند الحقيقة تاريخٌ يلخص عملَ العقل، وتراكمَ المعرفة، ووفرةَ التطبيق والتجريب، وحصادَ الحضارة في أزمنةٍ سحيقة ومتفاوتة.

6-مصتفات ومؤلفات في المصطلح

تبعا لهذا الغاية، العلمية ظهرت عدة مصنفات، ومؤلفات  تعتني بالمصطلح تحديدا وتصنيفا وترتيبا وتوصيفا، وجمعا وبيانا، وتدوينا، ومن المؤلفات الرائدة في هذا الباب:كتاب التعريفات للجرجاني، وكتاب الزينة في الألفاظ العربية الإسلامية، والكليات للكفوي، وكتاب اصطلاحات الفنون للتهاوني، وشرح الحدود النحوية لجمال الدين الفاكهي، وطلبة الطلبة لنجم الدين النسفي، وكتاب الحدود في علم أصول الفقه لأبي الوليد الباجي، وكتاب الحدود الفقهية لابن عرفة الورغمي. وكتاب الحدود لابن فورك .وغيرها  من الكتب الكثيرة، وهي كلها مؤلفات تدل،  وتشهد ،وتجسد ،وتكشف  على  مدى العناية الكبيرة ،والاهتمام البالغ والفائق الذي لقي المصطلح في التراث العربي الإسلامي و هذه الكتب تعكس  من جهة أخرى مدى الأهمية  الفائقة، والكبيرة التي لقيها علم المصطلح في التراث العربي الإسلامي عامة، و في مختلف العلوم  والفنون خاصة(17)

كما أن مقدمات المؤلفات الفقهية، والكلامية، والأصولية، جاءت حاملة لمقدمات مخصصة في المصطلح تحديدا وتوصيفا، وبيانا، فلا يكاد يخلو كتاب، أو مصنف من هذه الكتب إلا وتجده حاملا لمقدمة في المصطلح بشكل عام(18)

فالإمام العزالي اعتنى بالمصطلح الكلامي، والأصولي على حد سواء، في مقدمة كتابه المستصفى، مما دفعه  إلى أن يخصص فصلا خاصا سماه باب الحد، وفيه قارب عددا من المصلحات ذات الصلة بالعلمين معا (19)

وهو الاختيار الذي سار عليه الإمام الباجي في مقدمة كتابه إحكام الفصول في أحكام الأصول، فقد اختار للمفاهيم  اسم "في الحدود التي يحتاج إليها في معرفة الأصول "(20) و هو اختيار الإمام ابن حزم الأندلسي في مقدمة كتابه "الإحكام في أصول الأحكام "حيث سمى تلك المقدمة" بالألفاظ الدائرة بين المتناظرين"(21)

و هناك من اختار وجهة ومسلك  التحديد المنطقي للمصطلح الكلامي، لان التعريف المنطقي ينبني على الدقة، ويتأسس على الضبط، وعلى عدم الالتباس ، والابتعاد عن المجاز، وهي  الألفاظ التي قد تحتمل أكثر من معنى، في لغة التخاطب، أو إن تتعرض الخلط بالمصطلحات الناشئة في العلوم الأخرى، أو العلوم  الوافدة منها(22)

وعلى العموم  فقد لقي المصطلح الكلامي، عناية  كبيرة، و رعاية  خاصة  من لدن المشتغلين بعلم الكلام، ولا أدل على ذلك مقدمات الكتب الكلامية، والأصولية المشار إليها سابقا والتي اختارت تحديد أهم المفاهيم  المتداولة في العلوم، وتحقيق المبادئ الأولية  في علم المصطلح.

بل فقد، ظهرت عدة مصنفات، ومؤلفات تعتني بالمصطلح  الكلامي خاصة، تحديدا وتصنيفا وترتيبا، وتوصيفا، وجمعا وبيانا وتدوينا منها: كتاب الحدود في الأصول لابن فورك الاصبهاني(23) وكتاب الحدود الكلامية والفقهية على رأي أهل السنة الأشعرية لأبي بكر محمد بن سابق الصقلي ت:493هـ (24) وكتاب الحدود للباجي الأندلسي وهو كتاب في المصطلح الأصولي ألا انه كتاب جمع بين المصطلح الأصولي والكلامي.

 

تعريف المصطلح:

ويراد بالمصطلح :"كل لفظ بسيط ومركب لفظي قصد بع التعبير عن ماهية المفهوم"(25) والمصطلح هو عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل من موضعه الأول إلى موضع أخر(26)

 وعرف المصطلح القاضي عبد الجبار بقوله": قد تنقل اللفظة من أصل اللغة إلى ضرب من التعارف .على حال ما تعرفه من حال كثير من الألفاظ(27)

ومن التعاريف الحديثة للمصطلح :الاصطلاح هو نقل اللفظ من المعنى الذي استعمل فيه أول مرة الى معنى أخر مجازي اصطلاحي بسبب وجود علاقة بينهما(28)

 

-أهمية المصطلح في الحضارة العربية الاسلامية

ولقد شغل المصطلح الفكر العلمي قديما وحديثا. ولقد كانت للثقافة العربية الإسلامية مساهمة واسعة، ومشاركة كبيرة، وحضور رائد في وضع المصطلح، في مختلف العلوم والفنو؛ ولا أدل على ذلك الموسوعات المصطلحية التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي، وهو ما تمت الإشارة إليه سابقا.

والاشتغال بالمصطلح يعود أن العناية بالمصطلح من أبرز المداخل المنهجية الموصلة والهادية إلى العلوم ،هو معرفة اصطلاحات أهله"(29) -فالمصطلح-  هو مفتاح العلوم كما قال الخوارزمي.

فتحديد المفاهيم والمصطلحات، يكتسي أهمية بالغة على مستوى المنهج، لان هذا التحديد من شأنه أن يحمي، ويحصن المفاهيم، والمصطلحات من الالتباس والخفاء الذي قد يحدث لها، أو التي قد تشوبها في استخدامها، أوفي استعمالها، أو في تداولها. قال ابن حزم الأندلسي في هذا الشأن:"فلا شيء أعون على ذلك، من تخليط الأسماء الواقعة على المعاني "(30)

 

-نشأة المصطلح الكلامي وتطزره:

والأصل في المصطلح الكلامي  في نشأته، وتطوره  أنه  كان  في بادئ آمره، واصله في علم الكلام، وقد عبر المصطلح الكلامي، وانتقل من علم الكلام إلى غيره من العلوم خاصة علم أصول الفقه، وعلم النحو، والبلاغة(31) .بمقتضى التداخلية القائمة، والحاضرة بقوة  بين العلوم الإسلامية، عامة وبين علم أصول الفقه وعلم الكلام خاصة.

وهذا العبور يعود أساسا إلى اشتغال المتكلمين بعلم أصول الفقه في بادئ، ممارستهم العلمية لعلم الكلام بحيث يصعب الفصل بين المتكلم والأصولي في الحضارة العربية الإسلامية، وإلى اشتراك العلمين في مدارسة الدليل. فالمتكلم يحتج  على الدليل، والأصولي يحتج  بالدليل.

ويراد بالمصطلح الكلامي هو: المفاهيم الخاصة التي تداولها علماء الكلام فيما بينهم. في سياق اشتغالهم بعلم الكلام  والحجاج الكلامي، واستقرت دلالتها الخاصة بينهم، وبعبارة  أخرى مستمدة من القاضي عبد الجبار، فإن  المصطلح الكلامي  هو ما عبر عنه بقوله": قد تنقل اللفظة من أصل اللغة إلى ضرب من التعارف على حال ما تعرفه من حال كثير من الألفاظ(32)

والأصل في المصطلح الكلامي في نشأته الأولى كان في بادئ أمره من علم الكلام، فيه نشأ إلى أن استوى، وقد عبر المصطلح الكلامي من علم الكلام إلى غيره من العلوم خاصة إلى علم أصول الفقه وعلم النحو والبلاغة(33)  في إطار انتقال المفاهيم وعبورها من حقل علمي إلى أخ

وهذا العبور يعود إلى اشتغال المتكلمين بعلم أصول الفقه في بادئ أمرهم، ومنهم من جمع بين العلمين في هذا الاشتغال.

 

مظامن المصطلح الكلامي:

إن المصطلح الكلامي توزع في عدة مظان من أبرزها، مقدمات المؤلفات الفقهية، والكتب الكلامية، والمصنفات الأصولية، والتي جاءت حاملة لمقدمات مخصصة لعلم المصطلح، فهذه  المقدمات، التي في هذه المصنفات  خاصة، جاءت  مخصصة، لعلم  المصطلح تحديدا، وعرضا، وتوصيفا وبيانا، فلا يكاد يخلو كتاب أو مصنف من هذه الكتب، إلا وتجده حاملا لمقدمة في المصطلح الكلامي، والأصولي على حد سواء(34)

إضافة آن علماء الكلام خصصوا مؤلفات خاصة  لتحديد وتعريف المفاهيم والمصطلحات الكلامية المتداولة بينهم من ذلك : الحدود لابن فورك.

 

وقد انتقلت كثير من المفاهيم الكلاميين من حقلها الأصلي الأول الذي نشأت فيه، إلى علم أصول الفقه الذي استقبل كثيرا من هذه المفاهيم مثل:  العلة والتعليل – الكلام – الوضع – الحاكم - لعدة أسباب، ودواعٍ أبرزها:

ا- التداخلية القائمة بين العلوم، فهذه التداخلية بين العلوم، التي عرفها التراث العربي الإسلامي، في مساره وتطوراته. كان من أثارها ونتائجها، انتقال مفاهيم والمصطلحات بين العلوم  عامة، وبين علم الكلام وعلم أصول الفقه خاصة(35)

 

ب- اشتغال المتكلمين بعلم أصول الفقه، فبحكم اشتعال الأصوليين بعلم الكلام .فان كثيرا من مفاهيم الأصوليين ومصطلحاتهم، هي في الأصل ذات مرجعيات كلامية بحيث أصل المصطلح المتداول  في علم أصول الفقه، وعند الأصوليين. كان نشأته الأولى في علم الكلام، ثم انتقل إلى علم الأصول، بحكم اشتغال أغلب المتكلمين بعلم أصول الفقه، الذين أعطوا لهذا المصطلح معنى جديدا، بحكم تخصصهم، وتبعا لطبيعة علمهم، الذي يتحدد في الاستنباط، والاستدلال على الأحكام الشرعية.

ومما يدل على هذا الاشتغال، بالعلمين هو إن الريادة، والأسبقية في الاشتغال بعلم الكلام، والتأليف فيه، ودمج مباحثه بمباحث علم أصول الفقه، والجمع بين العلمين ، في الممارسة والاشتغال كان  يتقاسمهما كل من قاضي السنة وهو القاضي أبو بكر الباقلاني، وقاضي المعتزلة القاضي عبد الجبار الهمذاني ، قال الإمام بدر الدين الزركشي  في البحر المحيط :"وجاء من بعدهم ـ أي الشافعي والصدر الأول ـ فبينوا وأوضحوا، وضبطوا وشرحوا، حتى جاء القاضيان، قاضي السنة أبو بكر بن الطيب، وقاضي المعتزلة عبد الجبار، فوسعا العبارات وفكا الإشارات، وبينا الإجمال، ورفعا الإشكال، واقتنع الناس بآثارهم، وساروا على أخذ نارهم، فحرروا وقرروا، وصوبوا وصوروا فجزاهم الله خير الجزاء ومنحهم كل مسرة وهناء "(36)

من هنا ندرك أن هذه الممارسة المزدوجة، والاشتغال بالعلمين،معا ، وفي آن واحد عند علماء الإسلام ، كان من نتائجه وأثاره، أن يتأثر علم أصول الفقه بالمقولات الكلامية للمذهب العقدي، والكلامي  الذي ينتمي إليه  عالم أصول الفقه، والمشتغل بعلم الكلام، و هو ما كان دافعا ،لان  يحمل هذا المشتغل بعلم الكلام، الكثير من  مباحث علم الكلام ،ومفاهيمه  إلى علم أصول الفقه..."(37)

.....

المراجع والمصادر:

  1. إحصاء العلوم للفارابي :131.

  2. المنقذ من الضلال :16.

  3. إحياء علوم الدين:1/14

  4. المواقف للايجي:7

  5. المقدمة لابن خلدون:400

  6. كتاب الحروف للفارابي :129.

  7. المقدمة :467

  8. في أصول الحوار وتجديد علم الكلام لطه عبد الرحمان :8

  9. أصول الفقه عند ابن الفرس ومنهج إعماله في التفسير من خلال كتابه أحكام القرآن ":

  10. المعارف العقلية وأرباب الحكمة الالهية:3/103

  11. المصطلح الكلامي:قصاباونماذج:عبد النبي فاضل-ندوة الدراسات المصطلحية

  12. الإحكام في أصول الأحكام للامدي:44

  13. المصطلح الكلامي: قضايا ونماذج للدكتور عبد النبي فاضل مجلة ندوة
             الدراسات المصطلحية"2/569.منشورات كلية الاداب  فاس سايس.

  14. التراث ومشكل المنهج للدكتور محمد عابد الجابري.:71ضمن كتاب:المنهجية في
             الآداب والعلوم الإنسانية. دار توبقال المغرب 1988.

  15. المصطلح هو ":نقل اللفظ من المعنى الذي استعمل فيه ،أول مرة إلى معنى
             أخر مجازي اصطلاحي لوجود علاقة بينهما ...يراجع ندوة المصطلح التراثي
             "الدكتور محمد عابد الجابري العدد:6-السنة :1993.

  16. يراجع مقدمة الدكتور الشاهد البوشيخي لندوة المصطلح النقدي وعلاقته
             بالعلوم. كلية الآداب فاس الطبعة الثانية :1990.

  17. يراجع أعمال ندوة المصطلح النقدي وعلاقته بالعلوم.كلية الآداب فاس الطبعة
             الثانية :1990.

  18. يراجع أعمال ندوة المنتدى الإسلامي بالشارقة: المدخل إلى الدراسات
             المصطلحية ماي 2013.

  19. المصطلحات الأصولية في التراث الأصولي عند الإمام الغزالي:28.

  20. إحكام الفصول في أحكام الأصول :1/124

  21. الأحكام في أصول الإحكام :1/22

  22. مواصفات الحد المنطقي للدكتور مصطفى بنحمزة :13-ضمن ندوة قضية
             التعريف في الدراسات المنطقية .منشورات كلية الاداب وجدة.

  23. الحدود في الأصول لابن فورك الاصبهاني.دار الغرب الإسلامي تحقيق محمد
             السليماني: السنة :1999

  24. هذا الكتاب مطبوع ومحقق.

  25. تحديد مفهوم المصطلح :92

  26. التعريفات للجرجاني 28

  27. المغني :11/199

  28. المصطلح التراثي عدد خاص–مجلة المناظرة العدد السادس:2002-

  29. الموافقات :1/97.

  30. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الأندلسي :8/101.

  31. ندوة الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية منشورات كلية الآداب فاس
             سايس المصطلح الكلامي قضايا ونماذج للدكتور عبد النبي فاضل 2/564

  32. المغني :11/199

  33. المصطلح الكلامي قضايا ونماذج للدكتور عبد النبي فاضل 2/564ندوة
             الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية منشورات كلية الآداب فاس سايس

  34. يراجع أعمال ندوة المنتدى الإسلامي بالشارقة وكانت في موضوع :المدخل
             إلى الدراسات المصطلحية ماي، 2013.

  35. علاقة علم أصول الفقه  بعلم الكلام  لمحمد علي الجلاني:47.

  36. مقدمة البخر المحيط:1/22

  37. التعليل والمناسبة  والمصلحة للدكتور محمد الطاهر الموساوي.مجلة إسلامية
             المعرفة العدد"52.السنة :2008.

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة