الدين والأخلاق والمعروف: التمايز والتكامل

haidan-sOctm8gwAqQ-unsplash.jpg

أحمد زايد| أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة

مقدمة

يهدف هذا المقال إلى بحث مفاهيم الدين، والأخلاق، والمعروف، واستجلاء المعاني الكامنة فيها، والتعرف على أوجه العلاقة بينها من حيث التكامل والتمايز. ويتجه المقال إلى الإجابة عن سؤال أساسي مفاده: ماذا عسى أن تكون طبيعة العلاقة بين الدين والأخلاق والمعروف؟ وهل هي علاقةُ تمايزٍ وتغاير وتباعد، أو علاقةُ تكاملٍ وترابط وانسجام؟ وتتم الإجابة عن هذا السؤال عبر مستويات ثلاثة من التحليل؛ ففي المستوى الأول نتعرض للتعريفات المتصلة بمفاهيم الدين، والأخلاق، والمعروف. وفي المستوى الثاني نستخلص أوجه التمايز والاختلاف بينها. وفي المستوي الثالث نستخلص أوجه التكامل والترابط. وتتأسس المحاجة في هذا المقال على فرضية مفادها أن هذه المفاهيم تمثل أركيولوجيا أخلاقية، تتداخل مستوياتها في منظومة متكاملة، تبدأ من الكليات المطلقة للدين وتنتهي عند الأفعال الخيرة التي يُسديها المعروف، مروراً بالمنظومة الأخلاقية التي تحدد للبشر معايير الصواب والعقاب. وتعبر المستويات الثلاثة عن حاجة الإنسان إلى أن ينظم حياته، وهي تتخلق عبر تطلع الإنسان إلى العناية الفوقية التي تشع عدالة وإنسانية، والتي يأمل الإنسان أن تنظم له حياته المليئة بالظلم واللامساواة والقلق. وذلك ما عرف في الفلسفة بمعضلة الخير والشر أو معضلة البحث عن العدالة الإلهية Theodicy، بالمعنى الذي قصده لايبنتز Leibniz(1). وتلتقي في عناصر المنظومة ومكوناتها الثلاثة عناصر الاكتمال الأخلاقي الذي يعبر عن هذا السعي الإنساني، والذي مكنه من أن يعرف الله فيكونَ الدينُ، وأن يشتق من الدين ومن التطلعات المثالية مبادئَ أخلاقيةً فتكون الأخلاقُ، وأن يسعى إلى أن يكون في سلوكه عوناً للآخرين ونصراً لهم فيكونَ المعروفُ.

أولاً: مقدمات مفاهيمية

  1. الدين

يشكل الدين محور علاقة الإنسان بعالم المقدس، على اختلاف طبيعة هذا العالم ورموزه والطقوس التي يفرضها. ونظرًا لكون الظاهرة الدينية ظاهرةً معقدة، تشمل أبعادًا كثيرة- اجتماعية ونفسية وسلوكية ورمزية- فقد اختلفت تعريفاتُ العلماء للدين، وفقًا للمنظور الذي ينظر به كل منهم إلى هذه الظاهرة المعقدة. ونحاول – لكي نستجلي الأمر في تعريف مفهوم الدين- أن نقدم عددًا من التعريفات التي طرحها علماء كلاسيكيون وعلماء معاصرون، ثم نحاول أن نجمع المشترك بين هذه التعريفات؛ لكي نستخلص تعريفًا محددًا لمفهوم الدين، نستخدمه في المقاربة التي نطورها في هذه الورقة.

    مفهوم الدين في اللغة: مشتق من الفعل الثلاثي: (دان)، بمعنى اعتقد واعتنق، وهو عبارة عن الطاعة الكاملة، والانقياد لفكرٍ أو مذهب معيّن، والسير في ركابه وعلى هداه. وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء، ويختلف المعنى باختلاف ما يتعدى به؛ فإذا تعدى بنفسه يكون (دانه) بمعنى ملكه، وساسه، وقهره وحاسبه، وجازاه. وإذا تعدى باللام يكون (دان له) بمعنى خضع له، وأطاعه. وإذا تعدى بالباء يكون (دان به) بمعنى اتخذه ديناً ومذهباً واعتاده، وتخلق به، واعتقده. وهذه المعاني اللغوية للدين موجودة في (الدين) في المعنى الاصطلاحي كما سيتبين؛ لأن الدين يقهر أتباعه ويسوسهم وفق تعاليمه وشرائعه، كما يتضمن خضوع العابد للمعبود وذلته له، والعابد يفعل ذلك بدوافع نفسية، ويلتزم به دون إكراه أو إجبار(2).

أما في علم الاجتماع فيعرّف الدين على النحو التالي:

  • عرف جيمس فريزر (1854-1941) الدين في كتابه "الغصن الذهبي"(3) بأنه "عبادة أو تبجيل القوى المتعالية عن الإنسان، والتي يعتقد أنها توجه مجرى الطبيعة والحياة البشرية وتضبطها".
  • وعرف إميل دوركايم (1858-1917) في كتابه "الصور الأولية للحياة الدينية" الدين بأنه "نسقٌ مترابط من المعتقدات والممارسات التي تتصل بالأشياء المقدسة؛ أي الأشياء التي توجد على نحو مستقل، وهي معتقدات وممارسات تربط كل المؤمنين بها في جماعة واحدة تسمى الكنيسة"(4).  
  • ورغم أن ماكس فيبر (1864 – 1920) لم يقدم تعريفاً محدداً للدين- رغم اهتمامه به في مقالات عديدة- فإنه أكد- في بحثه عن الأخلاق البروتستانتية وقيم الرأسمالية- على أن الدين هو نسق من المعتقدات والأفكار التي تتعلق بما فوق الطبيعة، وهي معتقدات تؤثر على حياة الكائنات البشرية، وتجعلهم يضفون عليها معنى؛ إذ ترسم لهم الخطوط العريضة للسلوك، وتضع قواعد يتوقع من الأفراد أن يسيروا عليها(5)
  • ويميل جليفورد جيرتز (1926- 2006) إلى التركيز على الجانب الرمزي في الدين؛ فهو "نسق من الرموز تعمل على تشكيل صور ثابتة ومستمرة وقوية من الدافعية والمزاج... وذلك عبر تشكيل تصورات حول النظام العام للوجود، وهي تصورات يتم تغليفها بصبغة واقعية بحيث تبدو صور المزاج والدافعية وكأنها حقيقية"(6).
  • ومن ناحية أخرى يرى بيتر برجر (1929-2017) أن الدين هو مظلة مقدسة Sacred Canopy، تقف بين عالم الإنسان برؤيته للحياة وبنظام القيم الذي يضبط هذه الحياة، وبين عالم الكون الأوسع، وهذه المظلة هي التي تخلق "التوازن" في حياة الإنسان بحيث يكون لها معنى(7).

     ويتضح مما سبق أن ثمة اختلافًا في تعريف الدين اصطلاحاً ؛حيث عرفه كل باحث بحسب مشربه. وإذا عددنا أن هذه التعريفات الخمسة هي التعريفات الرئيسة للدين في تراث علم الاجتماع؛ لأمكن التوصل إلى عدد من العناصر أو المكونات الرئيسة التي تشكل صلب تعريف الدين، والتي يمكن اشتقاقها من هذه التعريفات.

  • فالدين هو الرابطة التي تربط السماء بالأرض؛ حيث المقدس الذي يقع دائماً خارج خبرة الإنسان وقدراته، إنه يتعلق بعالم ما فوق الطبيعة، حيث القدرات الأكبر والأكمل للعدالة الآلهية.
  • الدين هو إطارٌ عامٌ للوجود، يجدد مدركات الأفراد ورؤيتهم للعالم، ويضع الأكواد الأساسية التي يسيرون عليها في حياتهم. وبالانصياع إلى هذه الأكواد واحترامها تكتمل العلاقة بين السماء والأرض. وتتحول العلاقة الثنائية بين الأنا والآخر داخل الوجود الإنساني إلى علاقة ثلاثية يدخل فيها "الإله" المتعالي كطرف ثالث؛ ولكنه طرف أقوى وأكثر إجلالاً. فالإله بذلك يكون "متعالياً" و"متجلياً" في الوقت نفسه متعالٍ بحكم قوته وقبضته على العالم، وهو متجلٍّ، لأن الأحكام التي توحى منه على "خاصة" من البشر- هم "الأنبياء"- هذه الأحكام هي التي تفرض تجليه على الأرض.

ج. يشكل الدين الرؤية الفلسفية الكزمولوجية للعالم، وهو يحدد الأبنية الأساسية لهذا العالم وحددوه، والطرق الرئيسة التي تتخيل بها الثقافات والأفراد الطريقة التي تتشكل بها الأشياء والمعاني التي تضفَى على هذه الأشياء. الدين هنا يمثل إطارًا فكريًا فلسفيًا، أو عقديًا، يؤثر تأثيراً كبيراً في تشكيل الثقافات وأطر المخيال العام في المجتمع.

د. والدين رمزي طقسي بطبيعته؛ فلكل دين مجموعة من الطقوس التي يدل الالتزام بها على قوة الإيمان، كما أن الطقوس والممارسات ترتبط باستخدام نظام رمزي معين، لا يتبدى في النصوص المكتوبة أو الكلام المفسر له، ولا أثناء ممارسة الطقوس فحسب؛ بل تتبدى أيضاً في كثير من الممارسات الحياتية، والطريقة التي تطل بها الذات على العالم، وأشكال التمثيلات الثقافية.

هـ- وتكون الغاية الكبرى للدين هي إحداث تغير أو تحول في دنيا البشر ووجودهم، تحولٍّ نحو الأفضل والأكمل، (ارتفاعٍ نحو المتعالي، عبر تكوين علاقة مستقيمة مع الله، بإيمان أو إخلاص أو معرفة نورانية بحقائق الحياة وتحولاتها. إن الغاية الكبرى للدين هي الكمال الإنساني.

 

  1. الأخلاق

    أما الأخلاق لغة: فهي مأخوذة من الخلق وهو السجية(8). والأخلاق جمع خُلُق، والخُلُق -بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة- وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها- بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها(9). وعرَّف الجرجاني الخلُق بأنَّه: (عبارة عن هيئة للنفس راسخةٍ تصدر عنها الأفعالَ بسهولة ويسرٍ من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، فإن كان الصادرُ عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خُلقًا حسنًا، وإن كان الصادرُ منها الأفعالَ القبيحة سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خُلقًا سيئًا)(10). وثمة اشتقاقات لمعنى الأخلاق في اللغة الإنجليزية؛ فإذا استخدمت بمعنى Ethics فإنها تشتق من الكلمة الإغريقية Ethes ،والتي تعني العادة أو العرف؛ أما إذا استخدمت بمعنى Morality فإنها تشتق من الكلمة اللاتينية Mos أو Moris وتعني الأعراف أيضاً. ولذلك فإن الكلمتين تستخدمان بالتبادل للإشارة إلى الأخلاق بمعنى ما يتفق عليه الأفراد من حيث الصواب أو الخطأ أو القبول والرفض. ومع ذلك يميل بعضهم إلى التفرقة بين المفهومين، فالأخلاق بمعنى الـ Morality تشير إلى ما هو متفق عليه من الصواب والخطأ في ثقافة معينة، أما الأخلاقيات بمعني Ethics فإنها تشير إلى الأخلاق بالمعنى الفلسفي المجرد؛ أي إلى الأخلاق بالمعني الفاضل المثالي، أو إلى الأخلاق كمبحث فلسفي يسعى إلى تحليل وفهم المسائل المرتبطة بما هو مرغوب أو غير مرغوب، وما هو صواب أو خطأ(11)، وعلاقتها بسعادة الإنسان أو رفاهيته، وعلاقته مع بني جنسه.

ونحن أميل أن نأخذ الكلمة بالمعني الشامل الذي يشير إلى أطر السلوك الأخلاقية التي تقرر الصواب والخطأ، أو الخير والشر، أو الرديء والجيد. ويمكن أن نميز هنا بين مستويين من الأخلاق: المستوى الأول: هو المستوى الواقعي الوصفي؛ الذي يشير إلى المعنى الإمبيريقي للأخلاق، بوصفها أطراً واقعية للسلوك تقرر حالات الصواب والخطأ، أو الخير والشر، أو الرديء والجيد. والمستوى الثاني: هو المستوى المعياري أو المثالي؛ حيث البحث عن المبادئ المرتبطة بالأحكام الأخلاقية، التي يمكن أن يتم تطبيقها في الواقع على الأخلاقيات الحاكمة لمجالات الحياة المختلفة، كأخلاقيات العمل، وأخلاقيات حماية حقوق الإنسان أو المرأة، وأخلاقيات التجارة، وأخلاقيات الطب...إلخ. وثمة أنماط أخرى من التمييز داخل المنظومة الأخلاقية؛ كالتمييز بين الأخلاق بوصفها أطراً واقعية للسلوك، وبين مبحث الأخلاق الذي يهتم بدراسة الأخلاق فهماً وتحليلاً ومقارنة. والتمييز بين الأخلاق الواقعية، والأخلاق بوصفها مبادئ حاكمة لما ينبغي أن يكون داخل مجالات الحياة المهنية والعملية المختلفة. وأياً ما كانت صور التمييز داخل المنظومة الأخلاقية؛ فإن ثمة خصائصَ عامةً تسم هذه المنظومة الأخلاقية، وتكسبها تميزاً(12):

  • من أول هذه الخصائص أنها عامة تنطبق على الناس جميعاً؛ فجميعهم له أحكام أخلاقية؛ وذلك لأن التفاعل مع الآخرين والاتصال بهم يتطلب بالضرورة مراعاة بعض القواعد الأخلاقية.
  • وبناء عليه، فلا يوجد أخلاق خاصة بفرد واحد بعينه؛ فالأخلاق تتطلب وجود الأنا والآخر، ومن ثم فإنها جزء من تكوين المجتمع والثقافة. وتكتسب الأخلاق من هذه الصفة الجماعية أهميتها للجماعة والأفراد، فكل الاختيارات أو القرارات الأخلاقية لها تأثير على الآخرين، وعلى حياتهم وأوضاعهم الاجتماعية ومكانتهم وسعادتهم.

ج. ليس هناك من نهاية للأحكام الأخلاقية؛ فالاختلافات الأخلاقية ليس لها نهاية، وهي لا ترسو على نتيجة نهائية أو قرار نهائي.

د. تطرح الأخلاق اختياراتٍ متعددةً أمام الأفراد، ولذلك فلا يمكن ممارسة الأخلاق إلا عبر الاختيار، ومن هنا كان مفهوم الحكم الأخلاقي الذي يتضمن تكوين رأي محدد والاختيار في ضوئه. ويرتبط الحكم الأخلاقي بالقدرة على التبرير الأخلاقي Moral Reasoning.

         وإذا كانت المنظومة الأخلاقية عامة على هذا النحو، وتتطلب إصدار أحكام وإعمال العقل في تكوين رأيٍ أو في تبرير موقفٍ أخلاقي؛ فإننا يمكن أن نفكر في سلِّمٍ للأخلاق يبدأ بالأخلاق التي تبنى على فطرة وتلقائية، وينتهي عند الأخلاق التي تقوم على تبريراتٍ عقلية صارمة. وربما نتذكر هنا التصور الكانطي للبنية الأخلاقية التي تتدرج من الأحكام، إلى الأخلاق العملية، إلى العقل الخالص(13).

 

 

  1.  المعروف

المعروف لغة هو "اسم لكل فعل يعرف حُسنه بالعقل أو بالشرع"، وهو "الصنيعة التي يسديها المرء إلى غيره"(14).

وكلمة المعروف كلمة عربية بالمعني الثقافي؛ إذ يعدُّ المعروف أحد المكونات الأساسية في التعاليم الدينية الإسلامية؛ فجزاء الذين قتلوا في سبيل الله هو} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ{ (سورة محمد الآية 6)؛ أي عرف لهم منازلهم فيها، والقول المعروف هو القول الجميل، وهو لصيق بالعفو والمغفرة. والعمل بالمعروف هو أمر جلي من أوامر الوحي، فالقول الحسن أو الفعل الحسن ملازم لمعاملات كثيرة حضَّ عليها الشرع؛ فقد وردت كلمة المعروف في القرآن الكريم حوالي 25 مرة، وجميعها تحض على تعاملات وأفعال وأقوال حسنة تعارض المنكر والبغي والفحشاء؛ فالعفو بالمعروف، والوصية بالمعروف والمساواة بين الرجل والمرأة بالمعروف والتراضي بين الأزواج بالمعروف، والمؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...إلخ(15) كما عدَّ الحديثُ الشريف المعروفَ "صدقة"(16)؛ فقول المعروف وفعْلُه مثل منح الصدقة، وهكذا يشكِّل مفهوم المعروف مفهوماً محورياً في العقيدة الإسلامية.

ولا أظن أن كلمة المعروف توجد بمعناها الحرفي في اللغات الأخرى، ولكن يوجد ما يقابل معناها المعبر عن مضمونها. ومن أكثر التعبيرات قرباً من مفهوم المعروف تعبير الأفعال الحسنة أو الأفعال الخيرة (في الإنجليزية Good Deeds، وفي الفرنسية Bonne Actions)، وكذلك كلمة Favor (في الإنجليزية) وكلمة Favoriser (في الفرنسية)، وجميعها تعبيرات وكلمات تدل على فعل الخير؛ فهي أفعالُ معروفٍ أو أفعال لطفٍ تتجه نحو سلوك المساعدة والعون والعطاء والاحترام والمنح، كما تشير المعاني المرادفة لهذه الكلمات في اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية(17).

وبناء عليه يمكن تعريف المعروف بأنه أفعال خيرة، أو أفعال حسنة، يأتيها الأفراد عبر تفاعلاتهم اليومية، إما بناء على مبادئ دينية، أو على قواعد أخلاقية، أو حتى من خلال ميلهم الفطري نحو عمل الخير. ويختلف الأفراد في أفعال المعروف باختلاف ثقافتهم، وباختلاف استعداداتهم الفطرية نحو فعل الخير، ونحو الاندماج الحي في الجماعة.

ثانياً: الدين والأخلاق والمعروف: التمايز

قدّم لنا الجزءُ السابق تعريفاتٍ محددةً للدين والأخلاق والمعروف، وتكشف هذه التعريفات عن أن لكل مفهوم من هذه المفاهيم حدودَه التي تميزه. وتدلنا هذه الحدود على وجود تمايز بينها يجعل لكل منها مجاله الخاص، رغم التداخل والتكامل والترابط الذي سوف نشير إليه فيما بعد، ونحاول- عبر هذا الجزء من المقال- أن نبحث في أشكال التمايز التي يمكن أن تتجلى بين مفاهيم الدين والأخلاق والمعروف. وقد أمكن تصنيف هذه الأشكال من التمايز إلى أربعة أبعاد أساسية نعرض لها على النحو التالي:

  1. عالم القداسة في مقابل عالم الحياة

يتصل الدين بعالم المقدس، وقد أجمعت كل تعريفات الدين اللغوية والاصطلاحية على الجوانب المقدسة فيه، والتي تفرض على المؤمنين به رموزاً وطقوساً معينة ترتبط بأزمنة محددة وأمكنة محددة. صحيح أن القداسة في الدين تنتهي إلى الحياة الدنيا من أجل تنظيمها، أو ضبطها، أو من أجل تنظيم غرائزها وتوجيهها وجهةً روحية. ولكن مع ذلك تظل القداسة لصيقة بالشعائر الدينية، وهي قداسة تكتسبها من ارتباطها بعالم ما فوق الطبيعة وتجلياته في الحياة الدنيا، عبر النبوة البشرية.

وفي مقابل عالم القداسة المرتبط بالدين ترتبط الأخلاق وما ينبثق عنها من معروف بالحياة الدنيا، أو بعالم الحياة الدنيا. صحيح أن جانباً منهما (الأخلاق والمعروف) يشتق من التعاليم الدينية، بل إنه الجانب الأكبر؛ ولكن تظل الأخلاق وما يكتنفها من أفعال الخير واللطف والمودة- والتي يطلق عليها جميعاً أفعال المعروف- تظل لصيقة بهذا العالم الحياتي، تضع له معايير الصواب والخطأ، أو تنصح بالتدخل لفعل الخير؛ لكي يربو هذا الأخير ويزداد على حساب أفعال الشر.

ولا يتعلق الأمر بالتفرقة بين عالم القداسة وعالم الحياة الدنيا، أو عالم المقدس Sacred وعالم الدنيا (المدنس) Profane كما يقول علماء الاجتماع، بل تتعلق أيضاً بما لعالم القداسة من احترام خاص داخل البنية الثقافية القائمة. فالدين له احترام خاص، لذا فإن كل المجتمعات تتشدد في عقاب من يخرج على تعاليم الدين، وقد تتشدد أيضاً في مراقبة تنفيذ تعاليم الدين، وتوجيه صورٍ من العقاب المادي والمعنوي لكل من يخرج عليها(18). ويختلف الأمر فيما يتعلق بالأخلاق والمعروف؛ فرغم أن المجتمعات تراقب الأخلاق وأفعال الخير؛ فإن الأمور هنا متروكة للاختيار. صحيح أن المجتمعات تعمل على أن تحض أهلها على الاختيار الأصوب والعقلاني، وعلى فعل الخير، وصحيح أيضاً أنها قد تعاقب من يخرج خروجاً كبيراً عن مجريات الحياة الفاضلة في ضوء القوانين السائدة، ولكنْ هناك كثير من الاختيارات الأخلاقية لا تخضع كثيراً للمراقبة ولا تخضع لصور من العقاب. فالسلوك الفاضل الأخلاقي معروف؛ ولكن ما هو موجود هنا "في هذه اللحظة" من السلوك هو سلوك اختياري يقترب أو يبتعد عن الأخلاق أو الصورة المثلى من المعروف؛ ولكنه لا يبلغها في كمالها أبداً.

  1. التعالي في مقابل المحايثة

        تكشف لنا ثنائية التعالي-المحايثة عن بُعدٍ ثانٍ من تمايز الدين عن الأخلاق والمعروف؛ ذلك أن الدين – بما فيه من قداسة – ينتمي إلى عالم متعالٍ، عالمٍ موجود هناك، وليس هنا. أما الذي يوجد هنا فهو الأخلاق والمعروف، أما الدين فله عالم متعالٍ، ولا يقصد بالتعالي هنا البعد الفيزيقي عن الحياة الدنيا؛ وإنما يقصد به البعد بمعناه المجازي، والذي يمكن أن يستغرق خصائص ثلاثاً: الأولى: هو البعد بالمعنى الفكري المجرد؛ فالدين في النهاية هو عقيدةٌ وإيمان بمبادئ، قبل أن يكون طقوساً وممارسات، ويكسبها هذا طابعاً مجرداً مفارقاً أو متعالياً. أما الخاصية الثانية من تعالي الدين؛ فإنها ترتبط بخارجية المعتقد الديني. صحيح أن هذا المعتقد متجذرٌ في نفوس المؤمنين بالدين؛ ولكن الأفراد يذهبون ويبقى الدين في موقعه الخارجي. وإذا ما شاركت بعض القواعد الأخلاقية الدين في هذه الصفة الخارجية، فإن الدين هو أكثرها في هذا المضمار. فإذا ما أخذنا مفهوم "التخارج" أو "الخارجية" بالمعني الدوركايمي الذي يربطه بشدة قهر القواعد الخارجية لسلوك الأفراد ودرجة التزامهم بها، نقول: إننا إذا ما أخذنا هذا المعيار الدوركايمي(19)؛ فإننا سوف نجد أن الدين هو أكثر هذه القواعد قهراً لغرائز الأفراد وكبحاً لجموح سلوكهم، وهو بذلك يُعدّ أكثر العناصر الخارجية تعالياً وسلطة. وأخيراً فإن الدين يكتسب تعاليه مما يتمتع به من مكانة؛ فالدين في قلوب المؤمنين به يقع في أعلى مكانة وأجلّ مرتبة؛ ذلك أنه يتعلق بالحلال والحرام، وبعالم القداسة؛ وتكسبه هذه المكانة المرتفعة في قلوب المؤمنين به مزيداً من التخارج والتعالي.

ويقف هذا التعالي للدين في مقابل محايثة الأخلاق والمعروف لعالم الحياة والواقع. صحيح أن هناك عناصر متعالية ومتخارجة في القواعد الأخلاقية، وفي مبادئ المعروف؛ ولكن يبقى كلاهما مرتبطاً باختيار الإنسان، الأمر الذي يطرح إمكانية الخلاف حول القواعد الأخلاقية ومبادئ مثل الخير وطرائقه. وفضلاً عن ذلك فإن القواعد الأخلاقية ومبادئ المعروف لا تمثل بالضرورة عقيدة أو فكراً راسخاً إلا إذا كانت مرتبطة بالدين. كما أن مقارنتها بالدين على مستوى التخارج والمكانة يضعها في مرتبة أقرب إلى عالم الحياة، أو على الأقل في مرتبة أقل تعالياً من التعاليم الدينية.     

  1. الجبر في مقابل الاختيار

وهذا بُعدٌ آخر من أبعاد التفرقة بين الدين والقواعد الأخلاقية وأفعال المعروف؛ فالدين يضع من القواعد التي لا يكتفي فيها بتحديد الصواب والخطأ، أو الخير والشر، وإنما يطلب من المؤمنين به أن يلتزموا بحدود معينة في السلوك؛ فيحلّ لهم أموراً ويحرم أموراً أخرى. وتُعدّ قضية التحريم من القضايا المهمة المميزة للدين في ارتباطه بعالم القداسة؛ فكل الديانات تقريباً تفرض بعض المحرمات، وتتخذ هذه التحريمات صوراً عديدة تختلف في شدتها؛ حيث تتدرج في شدة التحريم من التحريم الكامل، إلى فتح الطريق أما الاختيار في نهاية سلم التحريم. وتكشف الديانة الإسلامية عن وضوح كامل في تحديد سلم الأحكام التكليفية، حيث يحتوي هذا السلم على درجات خمسٍ من الأمر والنهي؛ تبدأ بالمحرم والواجب، فالمكروه والمندوب، وأخيرًا المباح. فالمحرم هو الذي يمتنع المؤمن عنه امتناعًا كاملاً بنص قرآني أو حديث، ويأثم تاركه؛ أما الواجب فهو ما أمر به الدين على وجه الإلزام كالصلاة والصوم والزكاة...إلخ؛ ويأتي في المرتبة التالية المندوب وهو ما أمر بها الشرع دون إلزام كصلاة النوافل وقيام الليل، ويأتي المكروه، وهو ما نهى عنه الشرع بالترك أو الابتعاد، وأخيراً يأتي المباح، وهو ما لا يتعلق به أمرٌ ولا نهي(20).

والواقع أن قضية التحريم في الدين تُعدّ قضية هامة؛ إذ يكتسب الدين احترامه ومكانته بين المؤمنين به من خلال التزامهم بأوامره ونواهيه. وقد اختلف علماء الأنثربولوجيا والاجتماع في تفسير شيوعها في مختلف الديانات؛ فقد فسرها دوركايم- في دراسته عن الصور الأولية للحياة الدينية- بدورها في إذكاء الروح الجمعية، وتوحيد أوامر الجماعة حول مقدس واحد(21)، كما فسرها مارفن هارس M.Haris -في دراسته حول تقديس "البقرة" في الهند- في ضوء ارتباطها بالظروف الاقتصادية للمجتمع والمحافظة على ثرواته(22)، وربطها ماري دوجلاس بمفاهيم "الطهارة والنجاسة"؛ حيث يكون الإنسان أكثر تطهراً ونقاء كلما ابتعد عن المحرمات(23). وأياً كان التفسير الذي يقدم للمحرمات؛ فإن ثمة إجماعاً على أنها ظاهرةٌ معقدة، وهي تكشف عن أعماقٍ نفسية واجتماعية وثقافية، وتسهم أيضاً في أن يكتسب الدين، والأنبياء- الذين تأكدت المحرومات عبر توسطهم بين الإله والمؤمنين- قدراً كبيراً من الاحترام؛ فالتعاليم التي جاء بها الدين لا يمكن أن تتغير، وعلى الإنسان المؤمن أن يتقبلها كما هي.

ويمكن -في ضوء هذا التدريج للتحريم- أن نذهب إلى أن الأخلاق وأفعال الخير تقع في آخر هذا السلم المتدرج ؛حيث لا تكون هناك أوامرُ ونواهٍ (افْعَلْ ولا تفعل)، بل يكون الاختيار الحر بين الصواب والخطأ، أو بين الخير والشر. ينتفي الجبر في عالم الأخلاق والمعروف، ويصبح الاختيار- في ضوء إعمال العقل، ونداء الرشد، والفطرة- هو الحاكم الرئيس. 

  1. المطلق في مقابل النسبي

يشكل هذا البُعد نقطة محورية في العلاقة بين الدين والقواعد الأخلاقية وأفعال الخير (المعروف)؛ ذلك أن الدين -بحكم ما يتمتع به من قداسة، ومن وضع متعال- يشكل كياناً مطلقاً في مقابل القواعد الأخلاقية بوصفها قواعد نسبية تخضع للتغير في المكان والزمان. ويكتسب الدين صفة الإطلاق ضمن من صفات عدة يتسم بها الدين، كصفات: العمومية، وعدم الخضوع للعوالم الفردية أو الجماعية، وعدم الخضوع للتغير عبر الزمان والمكان، والغموض والتداخل. فأحكام الدين تتسم بأنها أحكامٌ عامة لا تدخل في التفاصيل إلا في النزر اليسير، وإذ تصاغ أحكام الدين بدرجة من العمومية فإنها لا تخضع- بأي حال من الأحوال- لآراء البشر. صحيح أن البشر يفسرون هذه الأحكام، وقد يختلفون في تفسيرها، وقد تتشكل حولها خطاباتٌ عدة؛ ومصالح عدة، ولكن تبقى الأحكام في عموميتها لا تغيرها تغيراتُ البشر. والذي يحافظ على هذه الاستمرارية وجود النصوص الدينية المقدسة، فهده النصوص تبقى ثابتة يتحرك حولها الناس، ويفسرها الناس، وقد يحفظونها عن ظهر قلب، وهي تبقى ثابتة لا تتلون بألوان البشر، إلا إذا تحولت إلى أشكال من الخطابات الدينية البشرية على ما سنجادل في القسم التالي من المقال. وبذلك تكتسب النصوص الدينية استمراراً ثابتاً عبر الزمن.

وفي مقابل هذه العمومية المطلقة تقف القواعد الأخلاقية وأفعال الخير (المعروف) في قلب نسبية الزمان والمكان، وهي تتغير بتغير الزمان والمكان، وهي سيالة متدفقة تواجه دائماً مواقفً جديدةً وتحديات جديدة، فتحاول أن تتوافق معها. ومن هنا يظهر الخلاف بين الثقافات في شيوع (أو عدم شيوع) بعض القواعد الأخلاقية، وينسحب الحكم نفسه على أفعال المعروف. وتخدم نسبية الأخلاق علاقتها بالدين؛ إذ تحاول أن تشتق من الدين مبادئ جديدة، وأن تنزل بالدين من عالم المطلق إلى عالم النسبية؛ فيصبح الدين مصدراً مهماً من مصادر القيم الأخلاقية، وذلك دون أن يتخلى عن عموميته وسمْتِهِ المطلق.

 

 

ثالثاً: الدين والأخلاق والمعروف: التكامل

رغم وجود أشكال من التمايز بين الدين والأخلاق والمعروف على النحو الذي شرحناه آنفاً؛ فإن هذا التمايز لا يلغي أبداً أشكال التكامل والتداخل والترابط؛ فكل المقولات التحليلية التي نستخدمها للتفرقة بين الدين والأخلاق والمعروف تبقى مجرد مقولات تحليلية، تفترض على المستوى المجرد وجود هذه الاختلافات أو التمايزات، أما الواقع المعيش فإنه يكشف عن تداخل كبير بين الدين والأخلاق؛ بحيث لا يعرف في بعض الأحيان إذا ما كان السلوك الذي نراه منطلقاً من الدين أم من قواعد أخلاقية عامة يعرفها الإنسان بالفطرة والعقل. وفضلاً عن هذا فقد كشفت التغيرات الحديثة في عالمنا المعاصر عن تفسيرات دينية تحولت إلى أخلاق، وعن تفسيرات أخلاقية وإنسانوية للدين؛ بحيث أصبحت التقاطعات بين الدين والأخلاق تقاطعاتٍ كبيرةً ومتشعبة. وعلى هذه الخلفية نحاول هنا أن نستجلي أوجه التكامل بين الدين والقواعد الأخلاقية وأفعال الخير(المعروف).

  1. دين الفطرة

لا أقصد بدين الفطرة هنا ما قصده جان جاك روسو من إعلاء مكانة الضمير الإنساني في العلاقة بين الإنسان والسماء، وقدرته على تطوير بناء أخلاقي يقوم على الصدق مع النفس، والإخلاص والتواضع وقول الحق وفعل الخير ،والابتعاد عن التعصب(24). ولا أقصد أن أذهب مذهب روسو بإحلال دين الفطرة – الذي يكتشف عبر رقي العقل الإنساني – محل أي شكل من أشكال الوحي؛ ولكني أقصد بدين الفطرة الأساس الروحي الذي يحقق أعلى درجة من النقاء، والتي تجعل الأديان، وكل القواعد الأخلاقية النبيلة، وكل أفعال الخير، تتجه نحو هدف واحد ،وهو تحقيق هذه الفطرة، وتوسيع قاعدتها في النفس البشرية، بحيث تتجاوز – قدر المستطاع – كل صور الشر.

يأتي الحديث عن الفطرة عندما ذكر أصل التدين أو سعي الإنسان نحو الدين، وتجُمع كثيرٌ من الأديان على أن فطرة الإنسان- بمعنى الخلقة أو الصبغة التي جُبِل عليها الإنسانَ تكون خيرة بالضرورة؛ ولذلك فإنه يسعى إلى معرفة الخير، ويصبو إلى العدل، والسعي إلى التمييز بين الحق والباطل. ويتم هذا السعي من خلال الفطرة التي تؤدي بالإنسان إلى صواب الحكم. وفي اعتقادنا أن هذه الفطرة السليمة هي التي مكنت الإنسان من أن يعرف الدين، وأن يكون قادراً على فهم طبيعة العلاقة بين السماء والأرض، بين الله والإنسان، وأن يفهم هذه العلاقة على أنها تهدف بالأساس إلى تنظيم حياة الإنسان الروحية. فالفطرة كما يتصورها ابن خلدون هي "خلقه زودها الله باستعداد للهداية الإلهية تمكّن الإنسان- متي توفرت الشروط- من التكيف والتفاعل مع محيطه الخارجي ومؤثراته المختلفة(25). فالفطرة إذن هي الأصل في الهداية؛ أي أنها هي الأصل في معرفة الله، وفي تلقي وَحْيِه بهدف إصلاح الحياة ونزع الشرور التي فيها، والتي جعلت البشر يبتعدون عن حياة الفطرة. يبدو الدين هنا وكأنه أداةٌ لبناء حياة روحية نقية، يُمكّن الإنسان من التكيف مع العالم الذي يعيش فيه، ويستغله لتحقيق مصالحه العليا. كما تبدو العلاقة بين الدين – بما يبثه من مبادئ وقيم – ودين الفطرة الإنسانية على أنها علاقة تطابق؛ فالفطرة تبحث عن المقدس للتخلص من الشرور التي تحاصرها، ويأتي المقدس؛ لكي يخلصها من هذه الشرور، ويعيدها إلى سيرتها الأولى. وفي هذه العلاقة تصبح الفطرة فطرةً دينية، ويصبح الدين دين فطرة.

هنا يمكن أن ننتقل إلى القواعد الأخلاقية، وأفعال الخير بشكل عام؛ فنجد أن هذه القواعد وتلك الأفعال هي من ضمير الفطرة الإنسانية السليمة. وإذا كان الدين يتلاقى مع الفطرة، ويتلاحم مع مبادئها؛ فإنه يعزز القيم الأخلاقية التي تقدمها هذه الفطرة، ويضيف إليها، ويحدد لها مسارات جديدة، ويطرح عليها أفعال المعروف التي يراها خيرة ونيرة. وإذا فهم الأمر على هذا النحو يمكن أن نتوصل إلى نتيجة مهمة – أحسبها مفيدة لحياتنا المعاصرة – وهي أن كل الأديان وكل المبادئ الأخلاقية الإنسانية، وكل أفعال الخير تلتقي على هدف واحد، وهي تقف جميعاً على أرض مشتركة؛ بحيث تمكن الإنسانية المعاصرة من أن تستعيد فطرتها، وتتغلب على مشكلات الاختلاف العقدي والفكري فيها، وتبحث عن المشترك الأخلاقي العام، بدلاً من البحث عن "المختلف الأخلاقي" الضيق والنسبي. وفضلاً عن ذلك فإن البحث عن دين الفطرة يقلص الاستخدامات السياسية للدين، ويحفظ للمقدس كرامته وتعاليه.  

  1. أركيولوجيا الدين والأخلاق

أكدنا في الجزء السابق من الورقة على عمومية الدين وإطلاقه، في مقابل جزئية الأخلاق ونسبيتها. والمحقق أن هذا الاختلاف الجوهري بين الدين والأخلاق- أو بين الدين وأفعال المعروف- لا يلغي التكامل بينها؛ فالمطلق يحتوي في داخله النسبيَّ، والنسبيُّ لا يمكن أن يعمل أو يتحرك إلا في ضوء ما يلقى عليه من تعاليم ومبادئ من جانب المطلق. ثمة علاقة احتواء تتدرج من المطلق إلى النسبي، فالدين الذي يوصف بأنه عقيدة مطلقة يحتوي الأخلاق التي توصف بأنها قواعد نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان، كما أن الأخلاق تحتوي أفعال الخير (المعروف) وتوجهها في ضوء تعاليم الدين أيضاً. هنا نستطيع أن نتحدث عما اسميه باركيولوجيا الدين والأخلاق والمعروف. ويقصد بذلك نظام الاحتواء والشمول بين المطلق والنسبي، وهو نظام للاحتواء يشكل هرماً متدرجاً أو أريكولوجياً يقف الدين في قمتها ،ويقف المعروف في قاعدتها، وتقف الأخلاق في منطقة الوسط، كما يوضحها النموذج التصوري التالي:

 

Screen Shot 2020-05-20 at 2.32.37 PM.png

 

 

 

ويكشف هذا الفهم لأركيولوجيا الدين والأخلاق عن نقطتين مهمتين في فهمنا للتكامل داخل هذه الأريكولوجيا:

النقطة الأولى: أن التدرج من أعلى إلى أسفل يعكس تدرج النسبية، وتعكس تدرج النسبية بدورها تدرج التفاصيل في بناء المنظومات الأخلاقية المتدرجة. فالدين مطلقٌ عامٌّ ككل، تنخفض فيه النسبية إلى أدنى درجة، ويقدَّم في شكل عام لا يدخل في التفاصيل، إلا في النزر اليسير. وإذا ما نزلنا إلى أسفل هذا المدرج الهرمي تتسع دائرة النسبية، كما تتسع دائرة التفاصيل؛ فالقواعد الأخلاقية تدخل في تفاصيل الحياة محددة معايير الاختيار بين الصواب والخطأ في كل مجالات الحياة، وفي أداء مختلف الأنشطة والمهن والأعمال. وتزداد النسبية وكذلك التفاصيل عندما ننزل إلى أسفل الأريكولوجيا عند أفعال المعروف، فهذه متروكة للاختيارات الشخصية. صحيح أن الدين والأخلاق كليهما يحدد بعض مجالات المعروف؛ ولكن مجالات المعروف واسعة ومتعددة، وهي تفتح أمام الإنسان أفقاً واسعاً للاختيار.

أما النقطة الثانية: فتتعلق بدرجة الاتساع؛ فالهرم المتدرج يتسع كلما نزلنا إلى أسفل، ويضيق كلما ارتفعنا إلى أعلى. ولا تدل درجة الاتساع على مستوى الأهمية لمكونات الهرم؛ بل تدل على تعدد التفاصيل الحياتية التي تتعلق بكل مستوى من المستويات. فكلما هبطنا إلى أسفل عبر الأركيولوجيا الأخلاقية تتسع دائرة الممارسات المتصلة بالقواعد الأخلاقية. فالطقس الديني لا يمارس إلا في أوقات محددة، وربما في أماكن محددة. ومن ثم فإن الدين- رغم عموميته وإطلاقه – يحدد الطرق التي تمارس بها طقوسه، ويحدد الرموز التي تدل عليها وتميزه. أما القواعد الأخلاقية فإنها نسق مفتوح ينطلق من مبادئ أخلاقية عامة؛ ولكنه يفتح المجال أمام الأفراد لاتخاذ قرارات بشأنها في تفاعلاتهم اليومية، وعند قاعدة الهرم تأتي أفعال الخير الذي ينفتح فيها الباب على مصراعية، فيتسع نطاقها، وتمدد في كل تفاصيل الحياة وتجلياتها ومستجداتها.  

  1. البحث عن المقاصد

  يمكننا النظر في مقاصد كلٍّ من الدين والأخلاق وأفعال المعروف لنجد مدخلاً ثالثًا للتكامل بين هذه المستويات الثلاثة من الأريكولوجيا الأخلاقية. فكما يقول بيتر برجر؛ فالدين لم يستدل عليه من قبل البشر من أجل الهدم أو الاقتتال؛ وإنما استدل عليه من أجل تنظيم الحياة، ومن أجل أن تلتقي الحياة الدنيا، بما فيها النومس) nomos الرؤية الاجتماعية للعالم التي تضم المعرفة بالعالم والقواعد الأخلاقية التي تضبطه) مع الكونية (الإلهية) cosmos (بمعني الكون المحيط بالإنسان)؛ لصناعة مظلة مقدسة sacred canopy يستظل بها العالم أو يسترشد بها(26) ولاشك أن هذا الالتقاء قد بني على قصد أخلاقي؛ أي قصد فاضل بحيث تخضع الحياة الدنيا لنظم وقواعد دينية تخلصها من مشاكلها، ومن صداماتها، ومن سوء الأخلاق الذي يمكن أن ينتشر فيها. ويبدو أن كل الأديان - على اختلاف مشاربها وسواء أكانت سماوية أم غير سماوية – قد أجمعت على مقاصد واحدة. ولذلك فقد سعى بعض المجددين في الفقه الإسلامي إلى تأكيد مبدأ المقاصد الكلية للشريعة، والذي يقوم على أن النظم السياسية تتغير، والمجتمعات تتغير؛ ولكن القيم الكلية تظَلُّ باقيةً، وأن الدين له في النهاية غايات أو مقاصد كلية تهدف إلى حماية حياة الإنسان بكل جوانبها، حيث تتحدد المقاصد الإسلامية الكلية للشريعة في خمسة مقاصد هي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال(27).

   وتعمل المقاصد الكلية على إفراز فقهٍ جديد يمكن أن يتعامل مع مسارات الحياة المستجدة؛ فيعالج قضايا أخلاقية عامة مثل المساواة بين الرجال والنساء، وتربية الأبناء، والميراث، وأعمال البنوك، وتنظيم النسل، وختان الإناث، ومبادئ الشورى...إلخ(28). وأحسب أن فقه المقاصد- بما يطرحه من حلول للمشكلات العصرية- يحاول أن يدخل إلى الدين من باب الأخلاق؛ فيواجه المعضلات الأخلاقية التي تعن للبشر في حياتهم المعاصرة، ويقدم لها حلولاً أخلاقية خالصة، تهدف إلى حفظ حياة الناس ودينهم وأموالهم ونفوسهم وأعراضهم كما يوجه إليها فقه المقاصد. في هذا الظرف تتحول المبادئ الدينية العامة إلى قواعد أخلاقية تمس حياة الأسرة (ختان الإناث والعلاقة بين الرجل والمرأة مثلاً)، والحياة الاقتصادية (فوائد البنوك والتعاملات التجارية)، والحياة السياسية (مبادئ الديموقراطية والولاية). يدخل الدين هنا إلى عالم الأخلاق وإلى عالم أفعال الخير، ويصبح الدين في موقع الباحث عن كليات عامة تندرج تحتها القواعد الأخلاقية التي تنظم سلوك البشر في حياتهم اليومية، وتتطلع إليها أفعال الخير والمعروف. والذي يحدث هنا هو تزاوج حقيقي بين الدين والأخلاق وأفعال الخير، فجميعها مقصدها واحد هو سعادة الإنسان وحفظ حقوقه. ويمكن القول -بناءً على ذلك-: إن التلاقح بين تعاليم الدين والقواعد الأخلاقية يكشف عن وحدة المقاصد في منظومة الأريكولوجيا الأخلاقية؛ فالهدف النهائي هو الحفاظ على الإنسان، والمجتمع، وتحقيق الأهداف العليا الكلية في استمرار الحياة وحفظ الحقوق.

  1. أنسنة الدين وتديين الأخلاق

     ثمة مدخل رابع للتكامل بين الدين والأخلاق وأفعال الخير نجده متمثلاً في بعض الحركات الاجتماعية الدينية التي استهدفت تحويل الدين إلى أداة لخدمة الإنسان وتحقيق مصالحه في الحياة. وإذا كان فقه المقاصد في الدين الإسلامي قد قدم نموذجاً على رؤية الدين من منطق أخلاقي عام، يربطه بمصالح البشر وغايات حياتهم؛ فإن ثمة محاولات أخرى في تاريخ الأديان وتاريخ الشعوب، تؤشر على إمكانية تحويل الدين من مسارٍ إلى مسار؛ من المسار الذي يُستخدم فيه الدينُ لاستغلال الإنسان، إلى المسار الذي يستخدم فيه الدين لرفاهية الإنسان وتحقيق خلاصه الديني عبر النجاح في الحياة أيضاً ومن ناحية أخرى فثمة محاولات تجسدت في صورة حركات دينية اجتماعية رفعت مبادئ أخلاقية معينة وألبستها ثوباً دينياً. من الموقف الأول يتم أنسنة الدين بتحويله من أداة للسيطرة على الإنسان إلى أداة لسعادته ورقيه، وفي الموقف الثاني يتم إلباس الأخلاق لباساً دينياً من أجل تحقيق أهداف حياتية، لا تتعارض بالضرورة مع الدين.

    والأصل في هذا الاتجاه أنه جاء كردِّ فعل لعملية تاريخية اندمج فيها الدين بمصالح الحياة والاقتصاد والسياسة، فأصبح يُستخدم استخداماتٍ قد تتنافى مع المبادئ العامة للأخلاق؛ فمن المعروف أن الديانات تحقق أسمى درجات السمو الأخلاقي والعملي في عصر النبوة، حيث يتحقق التطابق بين النص وبين تطبيقه في الواقع. ولكن يحدث مع استمرار النص عبر التاريخ أن ينداح هذا النص في التاريخ؛ فيستخدم بصور معينة لخدمة مصالح سياسية معينة. وهنا تتبلور خطابات بشرية عديدة حول النص، تتجاذب، وتتحاور، وتتقاتل أحياناً، ويسيطر بعضها على بعض في ضوء سيطرة مصالح سياسية بعينها(29). حدث ذلك في التاريخ اليهودي، وفي التاريخ المسيحي، وفي التاريخ الإسلامي. وليس هذا هو موضوعنا على أية حال؛ ولكن الإشارة إليه ضرورية من أجل فهم محاولات أنسنة الدين؛ أي سحبه من عالم المصالح والصراعات السياسية، وصور الاستغلال باسم الدين، إلى عالم الإنسانية الرحب، وإلى التأكيد على أهمية أن يحقق الدين للإنسان حياة أكثر سعادة.

     ويمكن النظر إلى حركة الإصلاح الديني في أوروبا على أنها حركة تهدف إلى أنسنة الدين. لقد ثارت هذه الحركة ضد سلطان الكنيسة، وما تقوم به من إخضاع البشر وإرهابهم باسم الدين، وذلك عبر ما يسمى بصكوك الغفران التي كانت الكنيسة تبيعها للناس. لقد شكلت الكنيسة وسيطاً بين عالم السماء وعالم الأرض، وأصبحت تفرض وصايا على البشر، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يضمن سلامة إيمانه إلا من خلال آباء الكنيسة. ولقد تمثلت حركة الإصلاح الديني في ثورةٍ فكرية ضد هذه الهيمنة الكنسية؛ لتحويل العلاقة بين البشر وخالقهم إلى علاقةٍ لا وصايةَ فيها، وتحويل الدين إلى أداة لتحقيق منافع إنسانية بشرية. ومن أشهر قادة الإصلاح الديني مارتن لوثر (1483- 1546) الذي طالب بالرجوع إلى الكتاب المقدس، ومحاربة صكوك الغفران، وربط الغفران بالإيمان القائم على العمل الصالح المستمد مباشرة من فهم الكتاب المقدس وليس من سلطة البابا. ولقد تحولت أفكار مارتن لوثر إلى أفكار عملية إنسانية على يد جون كالفن (1509- 1564) الذي اتجهت تعاليمه إلى تأكيد حرية الإرادة وحرية الاختيار، فالبشر لهم إرادة وعليهم مسؤولية، وهم يختارون بين الخير والشر. وهكذا يكون الإيمان مرهوناً بالإرادة البشرية، فالفرد يبحث عن خلاصه بنفسه، وليس لبشر آخرين- سواء من الكنيسة أو خارجها – سلطةٌ على اختياره. ولقد رأى كالفن أن ثمة علاقة بين "النظام الروحي" للإنسان، وبين نظامه "السياسي أو المدني أو الزمني" الذي يهتم بالأخلاق الخارجية وبالواجبات الإنسانية، التي "يجب على الناس أن يحافظوا عليها فيما بينهم من أجل أن يعيشوا بعضهم مع بعض بنزاهة وبعدل". وبهذه الطريقة يُعيد "كالفن" صراحة للمجتمع المدني وللشرطة أو التنظيم المدني مهمةَ إدارة الدين بشكل جيد"(30) هنا تلتقي السماء بالأرض، ويتحول الدين إلى طاقة أخلاقية لحرية الإنسان في الاختيار، وتؤسس لأولوية السلطة المدنية، حتى وأن تأسست على مبادئ دينية.

   ولقد شكلت هذه المبادئ البروتستنتية أخلاقًا بالفعل، أطلق عليها ماكس فيبر الأخلاق البروتستنتية، وأكد على أنها أخلاق عملية كان لها أثر كبير في تشكيل النظام الرأسمالي. فالإيمان بالمعنى الذي طوره لوثر وكالفن يمكّن الإنسان من تحقيق خلاصه الديني عبر النجاح في الحياة. ومن ثم فإن هذه الأخلاق كانت حافزًا لمزيد من العمل والتقشف من جانب العمال، ومزيد من السعي إلى النجاح لدى أرباب العمل، من هنا أسهمت الأخلاق البروتستنتية في قيام الرأسمالية، وهو ظرف يرى فيبر أنه لم يتحقق في الديانات الأخرى(31).

   ومن ناحية أخرى، أدت ظروف العالم المعاصر إلى نمو الفردية، وإلى مزيد من الاضمحلال الأخلاقي، انعكس في صور عديدة من ردود الفعل من جانب المؤسسات الدينية والحركات الاجتماعية. لقد أضحت قضية الاضمحلال الأخلاقي Moral decline قضية محورية في الخطاب الديني، بل وفي الخطاب الأكاديمي الاجتماعي(32) ولقد كانت ردود الفعل تجاه هذا الظرف -الذي صاحب عنفوان الرأسمالية وطغيانها الاستهلاكي والمادي عبر العالم- عديدةً؛ مثل نمو الحركات الأصولية في العالم الإسلامي، وفي البلدان التي تدين بالديانات الهندوسية وغيرها من الديانات، ومثل نمو النزعات الصوفية، والحركات الأخلاقية التي تصطبغ بصبغة دينية. في هذا الظرف يتجلى جانب آخر للتكامل بين الدين والأخلاق. فإذا كانت الحركات الإصلاحية قد أنزلت الدين إلى عالم الأخلاق، فإن الحركات التي تولدت عبر الإحساس بالتراجع الأخلاقي كانت حركات أخلاقية – وسياسية أحيانًا- حاولت أن تلجأ للدين لكي تغلف به رؤيتها الأخلاقية. وقد اتخذ من حركة العنصرة (أو الخمسينية) Pentecostalism- التي ازدهرت في أمريكا بدءًا من النصف الأول من القرن العشرين- نموذجًا لهذه الحركات الأخلاقية الواسعة الانتشار؛ إذ يبلغ المنتمون إلى هذه الحركة عبر العالم اليوم حوالي 279 مليوناً. لقد كانت حركة العنصرة تجديدية داخل البروتستنتية، ركزت الحركة على الإيمان بوصفه خبرة شخصية، أو علاقة مباشرة بين الإنسان والله (أو ما يسمى بمعمودية الروح المقدس)، تمكن الإنسان من أن يمتلئ بالروحانية من الداخل؛ ليعيش حياة مليئة بالطمأنينة والسعادة. فالعقيدة أو الإيمان لا معنى لهما إذا لم تجعل الإنسان يولد من جديد بدرجة عالية من الروحانية والطمأنينة والسعادة(33). ويمكن النظر إلى مثل هذه الحركة على أنها حركة نابعة من رغبة أخلاقية في الخلاص الفردي، وفي مزيد من الحرية في الاعتقاد، وفي مزيد من تحقيق السعادة والبهجة في الحياة. ويكون الغطاء الديني لهذه المشاعر الأخلاقية تحقيق مزيد من الحرية في الاعتقاد، يجعل المعمودية تتم بين الإنسان والله بشكل مباشر، حيث تحل الروح المقدسة للمسيح على الفرد كما حلت على حواريه في اليوم الخمسين لصعود المسيح إلى السماء. وأيا كان التوجه في تفسير هذه الحركة؛ فإننا نؤكد هنا أن نمو مثل هذه الحركات يؤشر على صور متغيرة من التلاقح والتكامل بين الدين والأخلاق.

خاتمة

    حاولنا في هذه الورقة أن نطور تعريفاتٍ لمفهوماتٍ ثلاثة هي: الدين، والأخلاق، والمعروف. وقد فُهم الدين على أنه يرتبط ارتباطًا كليًا بعالم القداسة. وفُهمت الأخلاق على أنها ترتبط بالأطر التي تحدد اختيارات الأفراد بين الخير والشر، أو بين الصواب والخطأ. وفُهم المعروف على أنه صور من أعمال الخير تنتشر عبر تفاعلات الأفراد في حياتهم اليومية. ولقد حاولت المقالة تطوير أفكار حول علاقات التمايز والتكامل بين المكونات الثلاثة. ويمكن أن تثير "المحاجة" التي قدمناها هنا عددًا من النقاط التي تحتاج إلى مزيدٍ من الدراسة والبحث؛ من ذلك مثلاً الطاقة المتجددة للدين، والفرق بين الأديان في درجة إفراز هذه الطاقة المتجددة، وأهمية التوافق بين المستجدات الحياتية والقواعد الأخلاقية والمبادئ الدينية، وفهم المعضلات الأخلاقية الجديدة التي تواجهها البشرية، ودور المعروف في بناء شبكات اجتماعية لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته، وأهمية التلاقح المستمر بين الدين والأخلاق من أجل دور تنويري وتجديدي للحياة الآسنة في عالم يوصف بأنه عالم اللايقين.

 

المراجع والمصادر:

(1) صك لايبنتز هذا المصطلح عام 1710 في كتابه المنشور بعنوان "Theodicy"

Liebniz, Gottfried Wilhelm . Theodicy: Essays on the Goodness of God, the Freedom of Man and the Origin of Evil, This edition first published 1951 by Routledge & Kegan Paul Limited, London. 

(2) محمود يوسف الشوبكي، النسبي والمطلق في مفهوم الدين والحق والأخلاق، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، المجلد الحادي والعشرون، العدد الأول، ینایر 2013، ص1-35 .

(3) جيمس فريزر، الغصن الذهبي دراسة في السحر والدين، ترجمة أحمد أبو زيد، ذاكرة الكتابة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1971.

)[*]( E. Durkheim, Elementary Forms of Religious Life, published by the French sociologist 1912

(3) ماكس فيبر،  الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ترجمة: محمد علي مقلَد، ومراجعة: جورج أبى صالح،  مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990م.

(4) C. Geertz, "Religion as a cultural system". In: The interpretation of cultures: selected essays, Geertz, Clifford, pp.87-125. Fontana Press, 1993.

(5) P. Berger, Sacred Canopy: Elements of a Sociological Theory of Religion, Open road, New York, 1966, p.203.

(6)  المصباح المنير، الفيومي، "مادة خلق"، 1/180.

7) ) أنظر : القاموس المحيط، للفيروز آبادي، ص 881. وانظر أيضًأ لسان العرب لابن منظور، 86/10.

8) ) الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة: دار الفضيلة، ص 101.

(9) Frankena, W., Ethics, Englewood Cliffs, N.J., Prentice-Hall, second edition, London,  1973.

)9( Billington, Living Philosophy: An Introduction to Moral. Thought, London: Rutledge, 2003

(10) راجع وجهة نظر كانط في كتبه الثلاثة:

  • نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الإنماء القومي، د ت، بيروت، لبنان.
  • نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، سبتمبر 2005.
  • نقد العقل العملي، ترجمة أحمد الشيباني، دار اليقظة العربية، بيروت، دط، 1966.

(11) المعجم الوسيط، www.almougem.com/mougem/search/معروف

(12) انظر المعاني المرادفة لتعبير Good Deeds في قاموس المعاني على الموقع التالي:

www.Thesaurus .com (Dictionary)

(13) انظر الدراسة الكلاسيكية المثالية حول المقدس والمدنس:

Mircea Eliad, The Sacred and The Profane The Nature Of Religion, A Harvest Book Harcourt, Brace & World, Inc. New York, the first published 1959

(14) انظر قول دوركايم في كتابه "قواعد المنهج في علم الاجتماع" ترجمة محمود قاسم، السيد محمد البدوي، دار المعرفة الجامعية، الكتاب التاسع، الإسكندرية، 1988.

(15) يطلق على هذه المستويات من الأوامر والنواهي الأحكام التكليفية: انظر:  الآمدي : سيف الدين علي بن محمد (ت 631 هـ) "الأحكام في أصول الأحكام " ، مطبعة صبيح، القاهرة ، 1347 هـ .

(16) انظر كتاب دوركايم السابق الإشارة إليه "قواعد المنهج في علم الاجتماع".

(17) انظر دراسة مارفن هارس عن تقديس البقر في الهند

M.Haris, "India`s Sacred Cow", Human Nature, February 1978,pp 200-208.

)18( M.Doglas, purity and DangerRoutledge and Keegan Paul, United Kingdom, 1966.

(19) انظر كتاب جان جاك روسو حول عقيدة قس جبال السافوا، والذي ترجمه عبدالله العروي بعنوان دين الفطرة، ط1، المركز الثقافي العربي، المغرب، 2012

(20) سعاد دوفاني، الإنسان والقيم عند ابن خلدون، الدراسات والبحوث، العدد (12)، السنة السادسة، النور للدراسات الحضارية والفكرية، اسطنبول، يوليو 2015، ص 50-51.

(21)P. Berger, Sacred Canopy: Elements of a Sociological Theory of Religion, op. cit.

(22)  انظر حول مقاصد الشريعة:

  • أحمد الريسوني، مدخل إلى مقاصد الشريعة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 2010م.

23) ) انظر أهم القضايا التي عالجها محمد سليم العوا في الكتاب التالي:

  • محمد سليم العوا، الفقه الإسلامي في طريق التجديد، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والترجمة، 2016م.

) 24) انظر حول اندياح النص في التاريخ:

  • أحمد زايد، صوت الإمام: الخطاب الديني من الإنتاج إلى التلقي، القاهرة، دار العين، 2017.

(25) ديما أحمد صالح، أثر حركة الإصلاح البروتستنتي في عملية التحول السياسي، الحوار المتمدين، 27/ 7/ 2008.

(26) ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، مرجع سابق.

(27) انظر حول الهلع الأخلاقي ودوره في الانحراف:

E. Goods and N. Ben-Yehuda, Moral Panics: The Social Construction of  Deviance, Willy, 2009.

(28) انظر حول العنصرة (أو الخمسينية):

D. E. Miller and T. Yamamori, Global  Pentecostalism, University of California  press, 2007.

 

أخبار ذات صلة