مدارس اللاهوت البروتسناتنتي الحديثة والتعددية الدينية

annie-spratt-KcPqyW2-LJo-unsplash.jpg

محمد بنتاجة (*)
 

رؤية نقدية لبعض نظريات تدبير الاختلافات الدينية المسيحية الحديثة على ضوء الفكر الإسلامي

لم تكن الأديان والمذاهب الدّينية تتعرف إلى بعضها، وإذا كان هناك فِعْل أو ردة فعل فيما بينها ؛ فإنه يكون عادة قائما على نوع من التعارض والتدافع الدّينيين، وقلما كان هناك بحث وحوار بينها للوصول إلى معرفة عميقة أو للوصول إلى تفاهم ؛ لكن القرن الأخير شهد بحوثاً عملية سعى أصحابها إلى الوصول إلى معرفة أدق بالأديان، وتفكيك مركزيتها اللاهوتية في اتجاه نظريات خلاصية أكثر انفتاحية وتقاربية، وعملوا أيضا على إيجاد صيغ فعالة لتدبير الاختلافات فيما بين هذه الديانات، وكانت النتيجة أن دخلت فلسفة الدّين مرحلة جديدة؛ لكنها محفوفة بالمخاطر؛ نظرا لارتباطها بجملة من الحساسيات المقدسة لدى الملايين من البشر. ونحن إذا أردنا أن نتكلم بشكل ملموس أكثر، فإننا نواجه هذا السؤال، مع وجود فرضية قبْلية من الحصرية في الأديان السماوية وغيرها: كيف يمكن أن نفتح طريق الفلاح بالنسبة لسائر الأديان؟ وبأي فلسفة ومنهجية سنسير في مجال تدافع الأديان بعضها مع بعض ومع واقع متغير؟

سؤال الفلاح للجميع وسط ثقافة حصرية

من البدهيّ أن أي شخص يولد في أي بلد سيختار الدّين والمذهب الإلهي السائد هناك ويتبعه، وآراء جميع الأديان تختلف في باب غاية البشر وسعادتهم، وفي تبيان الحقائق المتعلقة بالله والانسان. ومن المعلوم أن كل دين يستدل بعدد من الأدلة تبين صحته، وهكذا يحكم بعدم صحة الدّين الآخر، كل دين يحاول أن يمتلك دوماً أدلة أكثر من أجل إثبات عدم صحة ذلك الدّين الآخر. والأهم من ذلك أن أي متكلم يدرك بشكل بدهي حقيقة أن هناك أديانا ومذاهب أخرى غير دينية، وعليه أن يبدي وجهة نظره تجاهها، وأن يعرف خصائصها المميزة لها والمشتركة مع غيرها، وان يوازن بينها من خلال تحديد صحتها وسقمها، وأن يستخدم الاساليب الحكيمة المقبولة للدفاع العقلاني عن المعتقدات الدّينية الموجودة في النصوص المقدسة لدينه، وأن يجيب بشكل منطقي عن الشبهات والاعتراضات التي يطرحها أتباع سائر الأديان والمذاهب، وعليه أن يجيب على هذه الأسئلة المركزية: هل هناك طريق محدد للفلاح والسعادة وبلوغ الحقيقة من خلال جميع الأديان ؟ وهل يمكن افتراض وجود جوهر واحد لجميع الأديان؟ وهل يمكن التوفيق بين الآراء المتضاربة للأديان من خلال الحوار أو النسبية، أو ما شابه ذلك؟ الأمر الذي يستحق الاهتمام هو أن الغربيين قسموا التعددية الدّينية إلى قسمين: داخل الدّين وخارج الدّين. فالتعددية داخل الدّين الواحد، تعتقد بأن جميع التفاسير المختلفة، للدين الواحد والتي أدت إلى ظهور مذاهب وفرق مختلفة كلها حقيقية وتؤدي إلى نوع من الجمع بين النقيضين أحيانا. والتعددية خارج الدّين هي الاعتقاد بأن جميع الأديان المختلفة تشتمل على الحقيقة، وتؤدي إلى السعادة ؛ لأن مآلها ومرجعها إلى أمر واحد. أما الاختلافات البارزة على السطح فليست سوى مجرد مظاهر وظواهر سطحية لا تعبر عن أي افتراق في العمق، وهذا معناه أن الأديان جميعا قابلة بل هي فعلا منصهرة في بوتقة واحدة، ولا تحكي بالتالي إلا عن أمر واحد(1) والتقسيم الآخر للتعددية هو اعتقاد بعضهم أن الهدف والحقيقة متعددان، بينما اعتقد آخرون أن الهدف واحد لكن طرق الوصول إلى ذلك الهدف وتلك الحقيقة متعددة. وكلّ هذه الاتجاهات الفلسفية لها مَن يؤيدها من المسلمين والغربيين؛ فهي مدارس بدأت تؤطر العقل الدّيني المعاصر، وتؤثر في حكمه على الآخرين.

والتعددية الدينية الغربية قامت على تفكيك قضية المطلق من خلال استحضار تاريخ قاسٍ مع الكنيسة الكاثوليكية، فأنتج ردة فعل لاهوتية تجاه النسبي والنسبية، وتكريس العقلانية الدينية؛ "فالعقلانية اللاهوتية- وهذا ينطبق بصورة خاصة على القرنين الأخيرين- لا تتغذى على العقل الفلسفي وحده؛ إذ باتت تعتمد -وبدرجة لا تنفك تتعاظم- على عقلانية المجالات الأخرى من النشاط الذهني الروحي كالعلم والفن وغيرهما"(2). ومن خلالها عدَّت المدارس التعددية الغربية "الإنسان منطلق المعرفة، ولا تفترض معرفة سابقة لشروع الإنسان بالمعرفة. وهناك مدارس فلسفية ترى المعرفَة معرفةً بالظواهر لا بالذوات، وتفسر الحقائق بما يتناغم وأفكارها، وتعتمد على مفهوم التجارب البشرية لرسم ملامح الأديان، بعيداً على براهين التوحيد، وترى أن لغة الدين لغة رمزية "؛ فهذا النمط من التعددية يلغي تماماً نظرية الوحي في إقامة الأديان وتبصرها؛ نظرا لمشكلات التأويل التي تفرضها النظرية الحصرية، والتي غالباً ما تؤدي إلى المركزية اللاهوتية، وتنتهي بالاحتراب والتكفير. فاعتماد التجربة الدينية والظاهراتية والرمزية اللغوية للنصوص الدينية المؤسسة فتح مجال التعددية الدينية عبر منفذ التجربة الإنساني،ة التي تتميز بالنسبية المفرطة وتعدد زوايا المواجهة مع الحقيقة المطلقة التي هي الله تعالى شأنه. و"يستلزم مثل هذا التوجه التخلي عن البناء الفلسفي اللاهوتي؛ لكن التخلي عن المواقف التقويمية النقدية يسهم بدوره في إيجاد إمكانيات محددة للدفاع عن الدين. وهذه تجيز في مضمونها تأكيد مشروعية الدين بحكم واقعة وجوده نفسها"(3). كما أن الظاهراتية تخضع للقيود الإنسانية الستة المشكلة للثقافة البشرية: القيد الطبيعي، والقيد التاريخي، والقيد اللغوي، والقيد الاجتماعي والقيد الجسماني، والقيد العاطفي. وهذه القيود تؤثر في عملية التأويل اللغوي للنصوص المؤسسة للأديان، ومن خلالها توجه النصوص فقط تصورات الفلاسفة لدور اللغة في علاقتها مع انتاج المعنى وصياغة الفكر إلى نمط من السيولة المعنوية، "سمحت بتصور هذه اللغة كظاهرة معقدة ومتنوعة. ويكمن الأمر الأساسي هنا في إظهار أن لغة الدين لا تستنفذها الوظائف اللاهوتية الميتافيزيقية؛ أي لا يمكن اختزالها إلى مجرد لغة تعبر عن حقائق دينية ميتافيزيقية كلية عن الله والعالم والإنسان"(4). وكلما أوغلنا في التفكيك اللساني (نموذج تفكيكية دريدا) غابت الحقيقة وصعب الوصول إليها؛ لأن التفكيكية ترى أن اللغةَ مبدعةُ الفكر وسابقةٌ عليه. وغياب معنى يفسح المجال واسعاً لنظريات التأويل، وتصير كل التأويلات مقبولة؛ نظراً لغياب معنى مرجعي حقيقي. والتفكيكية اللسانية مدخل لغوي من مداخل الدرس اللساني الحديث الذي يفتح أفق التعددية على مصراعيه، كما أن رمزية اللغة الدينية -وهو الطرح الذي طرحه باول تيليش في إطار اللاهوت الوجودي- هو أيضاً من أسس الطرح المدرسي الفلسفي الحديث في اللاهوت المسيحي الغربي؛ فهو طرح "يميز بين العلامة والرمز اللذيْن يشتركان في الإشارة إلى شيءٍ ما وراء الذات، مع فارق أن العلامة تدل على ما يقال بالوضع الاعتباطي، في حين أن الرمز يشترط فيه 'النية والقصد'، ويشارك في المعنى الذي يشير إليه"(5). ويعني هذا عدّ الرموز الدينية معبرةً عن حقيقة غير مذكورة بتمامها في لغة القضية؛ لأن "الرموز لا تكتفي بالتعبير عن الرمزي بالإشارة إلى ما وراء الذات المعبرة، بل يكون الرمز نفسه- بما يختزنه من دلالات عميقة وإثارات وجدانية- شريكاً حقيقياً للمرموز إليه، ما يعني أن لغة الإيمان ومن ثَمَّ اللغة الدينية، وهي لغة رموز"(6). وإذا كان اختلاف القضايا الدينية اختلافا في الرموز لا فيما تحكي عنه هذه الرموز؛ كانت التعددية الدينية ممكنة وفق بعض الفلسفات ومتعذرة حسب فلسفات أخرى.

ونسبية الحقيقة الدينية كمعطى إمبيريقي للأديان تقوم عموماً في اللاهوت المسيحي الحديث على ثلاث خصائص.

الخاصية الأولى: حركية الحقيقة الدينية وسهولة تغيرها بوفق القيود الستة، وعلاقاتها بالتجربة الإنسانية مع المطلق والظاهراتية والتأويلية اللسانية.

الخاصية الثاني: شخصانية الحقيقة الدينية؛ نظرا لارتباطها بطبيعة المتديِّن وأحواله وتجاربه وتبصّره بخصائص اللغة وأدوراها.

الخاصية الثالثة: خفاء الحقيقة وعدم ظهورها وتجلِّيها، فهي غامضة، وتعلوها طبقات التاريخ، وتغشاها فهومات الثقافة التي يجب تجليتها عنها، كل حسب مظاهر ووسائله الخاصة. فلا يدرك منها الإنسانُ إلا بقدر اجتهاده وتطور معارفه وآليات اشتغاله.

الخاصية الرابعة: الحقيقة الدينية ليست أهم من سيرورة البحث عنها؛ بل التجربة الدينية التي تقود الإنسان إلى البحث والتقصي هي المرادة في ذاتها لا الحقيقة نفسها. والحقيقة إنما أوتيت هذا البريق لتحفيز الفكر والنفس على البحث والتقصي، وإنتاج تجربة يُتعلم من خلالها السلوك البحثي في الدين.  

وهذا النمط من النسبية الدينية يراه بعض الإسلاميين -كالدكتور محمد مجتهد شبستري- عديم الخطر على الدين، ويبرر ذلك قائلا: "لأنني أنظر للقضية من هذه الزاوية، والمطلق مهم بالنسبة لي، ومن الممكن أن تنتاب هذه الحال شخصا آخر في ظروف أخرى، وتطرأ على شخص ثالث في ظروف متفاوتة، ومن ثَمَّ لا أجد القبول الفلسفي بالتعددية الدينية بالمعنى الذي ذكرته محذور النسبية"(7). وقد يكون كلام الدكتور شبستري صحيحا ما لو كان من المنهجية الإسلامية تقريرُ الواقع الوجودي لا نقده وتصويبه؛ فوجود النسبية التأويلية لا يبرر صحتها؛ لأن الفكر الإسلامي -في تعامله مع الحقيقة الدينية القرآنية- لا يعمم قضايا التأويل على مجمل النص المؤسس للإسلام؛ فالمسلمون يقسمون القرآن -وفق التقسيم الوارد في سورة آل عمران- بين آيات محكمات لا تقبل إلا وجها واحدا، وأُخر متشابهات، وهي الأكثر، وهي حمّالة الأوجه. فالأولى هي الحقيقة الدينية الإسلامية، ولا يمكن قبول التعددية فيها؛ لأننا بذلك نجعل من الوحي وحياً نسبياً تنتفي معه الحقيقة كلية، وهذا تكليف بما لا يطاق، وإضلال من الله للبشرية، وماك ان الله ليفعل ذلك وحاشاه  وهو الذي (يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الحجرات17.فالهداية الإلهية الواردة في القرآن الكريم تتنافى والنسبية الفلسفية التي استنسخها الدكتور محمد شبستري من المدرسة اللاهوتية المسيحية الحديثة. كما أن غياب الحقيقة القرآنية والحاجة إلى البحث عنها سيكون تكليفاً بما لا يطاق؛ نظراً لعدم قدرة كل الناس على البحث والتقصي، وهي قدرة ومهارة تتوفر فقط لدى العلماء الراسخين، ونحن بقبول هذه النظرية سنحكم على أكثر المسلمين بعدم الإسلام وبالكفر؛ نظراً لعدم معرفتهم بالحقيقة المطلقة وهي الله تعالى. واللغة الدينية بصفة عامة -كما يقول رودولف أوتو- تعبر عن العلاقة مع ما سماه "بالغامض المدهش"، "الذي لاندركه بعقولنا؛ بل بأحاسيس روحية تثير فينا أحاسيس الرعشة ومشاعر النشوة، وهي تجارب صافية لا يمكن التعبير عنها بلغة اعتيادية؛ بل الطريق إلى إيصالها وتوصيلها هو الإشارة أو الرمز..."(8) وهذا يعني الإبقاء على آلية اللغة كوعاء للمعاني و مدخل لها في تشكيلها أو إعادة صياغتها. فالرمزية والتفكيكية من تيارات ما بعد الحداثة أرادت تغييب مكون اللغة من خلال ربط الحقيقة اللغوية بالمركبات اللانهائية للمعرّفات اللغوية. فكلمة قطة تدل في المدرسة الكلاسيكية للمعجم اللساني عن الحيوان ذي الفرو الناعم الذي يأكل الفئران ويستأنس بالناس؛ لكنه في التفكيكية ليس كذلك، فمعناه يتحدد من خلال حقول كثيرة لا نهائية؛ فالقطة مثلا هي اسم حيوان، وهو حيوان لاحم، والحيوان اللاحم هو الذي يأكل الفئران، والذي يأكل الفئران هو الذي يمتلك مخالب،  وهكذا إلى ما لا نهاية، وفي حالة من غياب المعنى وتنزيل للفلسفة الشكية حتى في صميم اللغة الدينية التي تعدّ مصدر المعنى ولغة المطلق. ويوضح عمر حسن القيَّام -في كتابه "أدبية النص القرآني: بحث في نظرية التفسير"- أن مآل المجاز اللغوي في القرآن الكريم الذي قال به بعض الهرمنوطيقيين الإسلاميين كمحمد أركون ومحمد نصر حامد أبوزيد تنتهي إلى نفي الحقيقة عن النص المؤسس بالكلية، وربط تعاليمه بالرمزية والخيال والتمثيل فقط،  فـ"لغة الدين هي لغة التمثيل (المجاز) وليست لغة الحقيقة، وأن المفاهيم المضمنة في الكلمات الدينية -لاسيما في الكتب المقدسة- ليست المعاني المقصودة في الاستخدامات العرفية"(9) ، وقد نسب حسن القيَّام هذا الرأي لأبي حامد الغزالي (توفي سنة 505) ولتوما الإكويني (توفي 1274م/652هـ) وهو خطأ كبير؛ نظراً لاختلاف المرجعيات والأهداف والكفايات.

فالهرمنوطيقيون المحدثون انطلقوا من مرجعيات منهجية براجماتية وآيديولوجيا فلسفية تتمركز حول الوجود المتعالي على الأديان والوحي؛ فالوجود هو الذي يقضي على الدين ويقاضيه ويحكم عليه لا العكس؛ نظرا لحالة وجودية دينية سلبية يتعامى فيها الله (الحقيقة المطلقة)، ولا يبرز فيها إلا بالبحث الذي قد يستغرق الحياة كلها دون الوصول اليه. وكأنه منهج لأبطال الدين وإحلال الوجود مكانه أو على الأقل -كما قال برتراند راسل الفيلسوف أو الرياضي الملحد- إرادة دراسة الدين من حيث فائدته لا من حيث حقيقته. وهذا لا يمكن أن يخطر على بال الغزالي ولا الإكويني بالكلية اللذيْن كانا مؤمنيْن بالحقيقة المطلقة، المتمثلة بوضوح في كلمة الله، والتي من خلالها يستعلن الله للناس بكل وضوح وتجلٍّ. والصوفيون المسيحيون والمسلمون إنما تحدثوا عن رمزية اللغة المقدسة بوصفها -كما تقول المستشرقة آن ماري شميل- "وعاء الوحي، ولا يمكن التعبير عن أسماء الله وصفاته إلا بواسطتها، ومع ذلك فإن تلك الحروف مختلفة عنه، فهي حجاب المغايرة الذي يجب على الصوفي تخطيه؛ لأنه ما دامت الحروف تقيده فهو لا يزال أسيرا لشيء من الأصنام، كما يقول النفري، إنه يعبد نفسه، بدلاً من أن يكون حيث لا حروف ولا أشكال"(10)، فرمزية الحروف منهجية صوفية لتجاوز عقبة الحرفية النصية والظاهرية المعنوية، والتحرر منها إلى سماء المعاني التجريدية، حيث يتحرر السالك المتأله فيه من القيود الستة السالفة الذكر ليصل من خلالها للحقيقة المطلقة ألا وهي حقيقة الشهود الإلهي، والاتصال المباشر مع الله تعالى والتوحد معه؛ مصداقاً لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:" إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "(11). وهذا التوحد مع الله هو توحد غيبي مجازي وليس حقيقياً مادياً؛ بل على العكس؛ لأن من وسائله اعتماد الرمزية اللغوية؛ للتخلص من الظاهرية الجافة التي تفرضها طبيعة اللغة الوجودية بخلفياتها المادية الجامدة؛ لأنها تكونت من خلال علاقات وجودية تفاعليه من الوجود المادي في أضيق تجلياته، فليس بد من تجاوزه نحو الوجود اللامادي من أوسع أبوابه ونورانياته. وهذا منهج بعيد عن الرمزية الفلسفية في الهرمينيوطيقا الحديثة وخلفياتها، التي تتنكر للغيب، وتخضعه للوجود والبراجماتية لحل مشكل التعددية الدينية وتبعاتها الصراعية في الواقع.

وبعد طرح المسألة نبدأ بتوضيح النظريات والاتجاهات المختلفة التي قدمها فلاسفة الدّين والمتكلمون. وقد تناول البروفيسور ريتشارد غلين Richard GLyn -رئيس مركز الدراسات الدّينية في جامعة سترلينغ بمدينة ستيرلنغ باسكتلندا- معظم هذه التفسيرات في كتابه "نحو لاهوت الأديان"(12). ونؤكد في هذا المقام أن تطوير هذه التدابير لاحتواء الاختلافات الدّينية في الغرب كانت نتيجَةً لتغير تقييم المسيحية للأديان الأخرى بناء على الإيمان المسيحي، وبعد مروره بمراحل تطويرية عديدة، مذ عهد يوستنيانوس المتوفي عام 165م الذي تحدث عن البذور الروحية التي تنتظر في كل إنسان كلمةَ الله لتعطي ثماراً، وصولاً إلى موقف القديس أغسطينوس أسقف هيبون 354-430 الذي كتب بجدلية بالغة الدهاء، فرأى فضلاً حتى فيأرجاس الوثنيين، ومرورًا بالنظريات القائلة بأن ديانات غير المؤمنين لا تخلو من إيمان قويم وبأنهم لن يُدانوا في الآخرة. مؤخرا بدأ بعض اللاهوتيين يعلّمون أن في إيمان الشعوب وثقافاتها وقيمها الأخلاقية عناصر تنتظر اكتمالها وتوضيحها على ضوء تجسد الله في يسوع المسيح. هذه هي الرؤيا المسيطرة بين اللاهوتيين اليوم، وضمن المحاولات الحديثة الهادفة إلى تطوير لاهوت مناسب بشأن الأديان غير المسيحية. وهناك محاولات عديدة سنعرض أهمها منتقدين لها في ضوء الفكر الإسلامي  من خلال المباحث الآتية:

نظرية شلاير ماخر Schleir Macher و كارل يونغ Carl Jung

يرى أصحاب هذه النظرية أن الدّين لب وقشور، أما اللب فهو الانسلاخ عن الذات والعروج إلى الله. وأما القشور فهو سائر ما في الدّين من التعليمات والأحكام والطقوس، وكل الأديان على هذه الطريقة، ومن شأن القشور أن تحافظ على اللب، وعلى ذلك فيجب أن نحافظ على جوهر الدّين. وأما التعليمات والأحكام والطقوس والتصورات الاخرى في الأديان فيجب ألاّ نأخذ بها بصورة قطعية مطلقة(13)؛ فالأديان كلها تشترك في هذا الجوهر؛ يقول شلاير ماخر(1834م): "إن تعدد الأديان أمر ضروري من أجل إظهار شمولية وكمال الوحدة السياسية؛ لأن كل دين خاص يجسم جزءا من ذات وجوهر الدّين الأزلي الأبدي"(14)وذلك يتم من "التجربة الدينية التي تشكل جوهر كل الأديان في العالم وأن أصل الدين يمكن العثور عليه في المشاعر الإنسانية اثناء استجابتها أو تفاعلها مع المطلق، وليس في معرفة القيم والمبادئ المطروحة علناً"(15) . ويفسر هوكينغ هذا الجوهر الأزلي بأنه "العناصر المشتركة بين الأديان=الله= المطلق" دون أن يؤكد على خصائص هذه الأديان، وكارل يونغ أيضاً كان له موقف إيجابي من الدّين خلافا لفرويد، إذ رأى "أن جوهر الدّين هو الصحة النفسية للإنسان، وعدّه من العناصر الطبيعية للحياة البشرية" ، على أن هذه الصحة النفسية تأتي بالاتصال مع الجوهر الأزلي المشترك بين كل الديانات؛ فالإسلام -حسب هذه النظرية- والمسيحية واليهودية والبوذية والزرادشتية والصابئية والهندوسية كلها سواء في هذه الحقيقة التي هي جوهر الأديان ولبّها، وليس لدين من هذه الأديان أن يدعي أنه يحتكر الحقيقة كلها لنفسه دون سائر الأديان. ولما كانت الأديان السماوية تتفق كلها في التوحيد والعودة إلى الله، وتختلف في الأحكام والتعليمات الأخرى، فإن هذه الأخيرة لا تعبر عن الحقيقة؛ وإنما لكل دين وكل فئة دينية حظ من الحقيقة. وفي كل دين من الأديان الإلهية، وفي كل مذهب من مذاهب هذه الأديان يجد الإنسان طريقا إلى الله، قد تختلف عن الطريق الآخر؛ ولكنها تلتقي جميعا في النهاية، في آخر نقطة عند الله(16). وهكذا وضعت اسس الشك في الدّين تحت عنوان الانفتاح والتعددية في الأديان.

*نقد نظرية شلاير ماخر / كارل يونغ:

يرد على هذه النظرية مجموعة من النقود كما يلي:

النقد الأول: في تقسيمهم للدين إلى قشور ولب، مع إعطاء التموضع المركزي للب وإهمال القشور؛ فهذا نقضٌ للبِّ نفسه؛ لأننا لو قبلنا هذه النظرية، فإننا سنقف على لبّ عارٍ من الحماية الطبيعية التي جاءت معه من الوهلة الأولى. كما أننا سنقف متحيرين في تحديد اللبّ من القشر؛ لأن أحكام الدين الواحد يرتبط بعضها ببعض في إطار شبكية مرجعية، تجعل من الصعب الفصل بين ماهو لب وما هو قشر. فجعلهم الأحكام التفصيلية قشورا والجوهر الأزلي -وهو الألوهية لبّاً سيجعلهم في مناقضة لاهوتية مع الدين نفسه. فكيف يمكن للدين أن يشرع قشورا؟ ولو عدّها قشورا فلماذا لا يتخلى عنها بنفسه؟ فالأديان نفسها لا توافق على هذا التقسيم؛ لما فيه من تبخيس للكثير من الأحكام التشريعية التي تحتكم إلى المصلحة، سواء للمصلحة الزمانية المقيدة، أو المصلحة المتعالية عن الزمان كما هو الحال بالنسبة للشريعة الإسلامية. كما أن شلاير ماخر تحدث عن التجربة الدينية والعلاقة مع الجوهر الأزلي، ونحن نعلم أن الأديان تربط هذه العلاقة من خلال التشريعات المصاحبة للإلهيات والعقائد، لذلك طالما عدّ التشريعات التفصيلية الليتورجية مرآة للطبيعة العقائدية للدين، فتعكس صفائها الروحي، وتفرق بينه وبين كدرها اللاهوتي أيضا.

النقد الثاني: أن هذه الأديان لم تسلم من التحريف والتبديل في تاريخها، إلا دين الإسلام؛ فقد حفظ الله أصوله وأحكامه مصداقاً لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)سورة التوبة:112. فاليهودية والمسيحية تعرضتا لتحريف واسع خلال الأزمان المتعاقبة؛ فأضافوا إليها ونقصوا منها الكثير، وهذه الزيادة وذاك النقص قد أدّيا إلى الإخلال بجوهر الدّين الذي يتحدث عنه أصحاب هذه النظرية، ويسلب من هذه الأديان الخاصية الرئيسة للدين وهي التوحيد؛ يقول تعالى عن الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) سورة المائدة: 73، ويقول تعالى:  (وقالوا اتخذ الرحمان ولدا. لقد جئتم شيئا إدا. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا) سورة مريم: 90-93. فلا يصلح أن تكون اليهودية أو المسيحية أو الصابئية منهاجا للعروج والتقرب إلى الله، بعد أن تغير المنهج الإلهي إلى منهج بشري لا يقبله الله، ولم يشرعه أصلا.

النقد الثالث: إذا كان ثمة جوهر موحد للأديان كلها؛ فما الدليل على وجود جوهر موحد لدى كل هذه الأديان السابقة؟ وبأي طريقة يمكن اكتشافه؟

في الواقع فان النظريات الغربية لا تكاد تجمع على رأي واحد في هذا الزعم، ومن ثم فهي مجرد فرضيات يستحيل اتباعها، وإن كنا نحن كمسلمين نعتقد وبشكل نهائي أصالة التوحيد في التجربة الدّينية لبني الإنسان وهذا لنا عليه أدلة كثيرة جدا من جملة الدراسات الإنثربولوجية والاركيولوجية والتاريخية، تصدقها مرجعياتنا النهائية المتمثلة في الوحي القرآني والنبوي . لكن على المستوى المادي فهذا يضع هذه النظرية أمام تحدٍّ كبير ينبغي مراعاته، وإلا فما الجوهر المشترك بين الإسلام ووثنية شعب الماساي مارا بأوغندا ووثنية عُبّاد الثدي في اليابان ؟!

 وأما النقد الرابع: قد يُظن أن معنى نفي ضرورة وجود الأصداف (الأعراض) هو أن أي واحد من أصداف الأديان تُوصِّل الإنسان المتدين إلى الجوهر المشترك، مثلا بإقامة العشاء الرباني، وبالصلاة، والسير، والسلوك البوذي والأعمال الدّينية يمكن الوصول إلى الجوهر المشترك بين الأديان. لذا فإن التأكيد على هذه الأصداف أمر غير صحيح، بل إنه لغو لا طائل من ورائه. لكن هذا القول ليس فقط لا يتناسب مع خاتمية الأديان التي هي من ضروريات الدّين الإسلامي؛ بل أيضاً لا يتناسب مع الشرائع الذي تقرها معظم الأديان؛ لأن أحد معاني نسخ الشرائع هو نسخ الأصداف لا نسخ الجوهر المشترك، ونسخ الأصداف هذا نابع من مقتضيات الزمان، لذا فإن زعماء الكاثوليكية إن كانوا يرون ان ثمة نجاةً في الأديان غير المسيحية أيضا؛ فإنهم يرون أن اللطف الوافر والنجاة الكاملة لا تكون إلا باللجوء إلى التقليد الكاثوليكي المسيحي.

أما النقد الخامس: فيتجلى في تفسير بعض معتنقي هذه النظرية للتعددية القائمة على وحدة جوهر الأديان، والذي يُبنى، على أساس علم المعرفة، وعلى التمايز بين الواقعية الذاتية والواقعية الظاهرية؛ بمعنى أن الواقعية الذاتية واحدة، إلا أن الواقعية التي تظهر في الذهن ذات كثرة، وعلى هذا الأساس يمكن عدُّ جوهر الدّين واحدا ومشتركا وإن كانت طرق الوصول إليه متفاوتة، بسبب اختلاف التقاليد والثقافات ومجالات المعرفة المختلفة. واستنادا إلى هذا المبدأ العلم /معرفي فإن مذهب التعددية القائم على افتراض وحدة الأديان يأخذ منحى مثالياً ونسبياً، لأن المذهب الواقعي مبني على شرطين: "التمايز بين الذهن والواقع المحسوس، والتطابق العام للذهن مع الواقع المحسوس. وفي النتيجة فإن التمايز العام والكلي بين الواقعية الذاتية والواقعية الظاهرية لا يؤدي إلا إلى النسبية"(17).

 

نظرية بول تيلّيش  Paul Tillich 1886م-1956م

تسمى هذه النظرية بالتجربة الوحيانية الدّينية، وطرح تفسير هذا الاتجاه الفيلسوف الألماني وعالم الكلام البروتستانتي بول تيليش في كتابه "الثيولوجيا المنظمة"،  و"تستند هذه الرؤية إلى التجارب الوحيانية العامة التي تختص بشخص واحد أو دين محدد، فهو يعتقد أن هناك ثلاثة عناصر أساسية في التجارب الدّينية للبشر، وهي عنصر السرية والخفاء والغيب، والعنصر العرفاني، وعنصر النبوة بحيث اذا تناسقت واتحدت العناصر الثلاثة المذكورة أظهرت ما يسمى بأديان الوحي العينية، وهو ما تطلبه الأديان، ولم يظهر في كل دين تاريخي سوى جزء منه؛ إذاً فالحجية مطلقة غير منحصرة في فرد أو دين معين"(18). والدين عند تيليش يتحدد أيضا من خلال ما سماه بالاهتمام المطلق Préoccupation ultime  ومن خلال هذا المبدأ يأخذ الدين بُعدا أكثر اتساعا واستقلالية، فـ"لا أحد يمكن له العيش من غير اهتمام مطلق، ومن ثم بلا دين. ومن أجل هذه الغاية يعتقد إمكانية التأكيد على استحالة العلمانية الراديكالية"(19). وتركيز تيليش على الاهتمام المطلق انعكاس للاَّهوت الوجودي الذي حاول من خلاله تيليش تصحيح مسار الواقع الإنساني الأوروبي الحي، من خلال تحديث اللاهوت المسيحي. فهو يرى " أن الاهتمام المطلق ليس مسألة الذات الإنسانية التي تتبنى موقفاً ما تجاه موضوع مقدس، إنما هو - كما يعبر تيليش- شكل من أشكال مشاركة الذهن البشري في أساس وجوده"(20)."والحق -تقول الدكتورة يمنى طريف- أن تحديث اللاهوت -خصوصا مفهوم الألوهة- بلغ مع تيليش مبلغاً من الجرأة قد لا تورثه إلا النزعة الوجودية، ولكنها على أية حال جرأة محسوبة وبعناية بالغة تذكرنا دائماً بأنه قسيس محترف"(21)

ما يرد على نظرية المتأله الألماني بول تيليش قبولها المبدئي بتعدد التجارب الدينية للبشر، وهذا لا نختلف فيه من حيث المبدأ؛ لكن الإشكال يكون عندما يربط هذه التجارب بعنصر النبوة. وهذا فيه إشكال لاهوتي كبير؛ لأن النبوة لا يمكن أن تكتسب من خلال التجربة الدينية؛ لأنها منحة إلهية لمن اصطفاهم الله من البشر. وهذا الرأي أصيل في لاهوت وحدة الوجود الصوفي الفلسفي عند الحلاج والتلمساني. وهذا ما لاحظه  الدكتور محمد مجتهد شبستري حيث قال: " فحينما يطالع المرء مبحث العقل والوحي في كتاب 'الثيولوجيا المنتظمة' يدهش لمواطن الشبه العديدة التي تطالعه بين نظريته ونظرية ابن عربي حول الوحي، وكأن سالكي سبيل الحقيقة في كل مذهب ودين وفي كل عصر وزمان وفي كل البلدان والأمصار يلتقون أخيرا على أرض واحدة"(22).

تعيين تيليش للتجربة الوحيانية مع الجوهر الأزلي في العناصر الثلاثة هو تنزيل للتجربة التيليشية على واقع الأديان المتعددة العناصر والمعقد في أسسه وبنياته. فالإسلام -وهو من أديان الوحي- لا يقوم على العرفان بالمفهوم الفلسفي المسيحي الذي يريده تيليش؛ لأن العرفان ظهر بعد ظهوره بقرنين أو ثلاثة مع الحركة الصوفية المتألهة. كذلك بالنسبة لليهودية فالعرفان ليس أصيلا فيها، فقد ظهر مع طوائف بعينها دون أخرى كطائفة القابلاه، أما العنانية والسامرية فليس فيهم عرفان؛ لإنكارهم العمل بكتب الرسل والأنبياء والرؤى الخارجة على الأسفار الخمسة المقدسة لديهم (البنتاتوك).

أما قوله عن أديان الوحي: إنها لم تظهر من هذه العناصر في التاريخ إلا بعضها فهذا غير صحيح؛ فأديان الوحي تتعرف من خلال الغيب والوحي والرؤى الصادقة التي تأتي للأنبياء في عنوان التجربة الوحيانية مع الجوهر الأزلي. فإذا نقص عنصر منها لم تعد وحيانية، ومن ثم تفشل التجربة ، إن صح تسميتها بذلك.

    إن بعض التجارب الدّينية تفر من الأمور الذهنية؛ أي أن الذهن لا يطيق إدراكها وتحليلها؛ لأنه العقل إذا دخل تلك الساحة يكون في حالة ذهول وعدم إدراك، وغالباً ما تنتهي به إلى إنكار ما لم يستطع استيعابه؛ فهل يمكن إجراء تجربة واحدة ومشتركة بين الأديان؟ وهل يمكن للجوهر القبول بنوع من التعددية الدّينية أو وحدة جوهر الأديان؟ بطبيعة الحال الجواب سيكون بالنفي؛ لأن كل تجربة تكون مستقلة بنفسها وخاضعة لظروفها الخاصة، ولها مشاكلها التي تتجه إلى حلها، فلا يمكن والحالة هذه تحقيق توحيد بينها. خصوصا في مجال التشريع (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)؛ ومن ثم فالحجية تقوم لكل واحدة منها تبعا لاستقلالية التجربة الدينية لكل منها على حدة. لقد أراد بول تيليش بجرأته اللاهوتية المعهودة زعزعة اللاهوت التقليدي، المبني على الحصرية في سياق فلسفة لاهوتية وجودية "تعبر عن قلق الخواء واللامعنى، ومحاولة قهره بشجاعة تحتويه داخلها. وبهذه الشجاعة حدث الانفصال في مفترق الطرق بين الوجودية الدينية والملحدة"(23)؛ لكنه في الوقت نفسه عندما يوجه اللاهوت إلى التفاعل مع الوجود وتأكيد الكينون والذات: ألا يكون هذا نمطا من ألحدة اللاهوت؟! على أساس أن اللاهوت هو دراسة فعل الله وخصائضه الذاتية والصفاتية. وهذا الأساس هو ما رفضه اللاهوتيون المجددون في القرن العشرين، أمثال تيليش وكركهرد وهيدغر وكارل بارث؛ لأنهم لم ينطلقوا من نقد هذا الموقف من خلال الموقف نفسه، ولكن انطلقوا من خلال النزوع نحو رفض الألوهية في القرن التاسع عشر، وإحداث القطيعة من كل أنماط اللاهوت الكلاسيكية، مهما كلف ذلك من ثمن، ومهما أدى من نتائج.

 نظرية كارل بارث Karl BARTH( 1886-1968 ) وديترخت بونهوفر  Dietrich Bonhoeffer (1906-1945 )

يعد كل من كارل بارث و وديترخت بونهوفر من اللاهوتيين الذين أسهموا بشكل قوي في تطوير ما يسمى باللاهوت  الجدلي، و الجدل اللاهوتي على مبدأ أصيل في لاهوت كارل بارث، الذي عبر عنه في كتابه "الدوغمائية La Dogmatique" ، والذي أقام فيه النظر على أن مركزية الله لا تتم إلا عبر مركزية الإنسان، فعبر عن ذلك بتأصيله لهذا المبدأ من خلال مقولته الشهيرة: "الله في السماء، والإنسان في الأرض"(24). من الناحية اللاهوتية، تقوم هذه النظرية على التركيز على الفرق بين الإيمان والدّين؛ "وفقا لهذه النظرية، يُفهم الدّين على أنه سعي الإنسان بالفطرة نحو الله. أما الأديان فليست إلا التعبير الجماعي عن الإيمان، وتُترجم إلى طقوس وشعائر وممارسات ايمانية إلخ..."(25). فليس الدّين(الشرائع والقوانين الدينية) إلا منتجاً بشرياً، ومن الخطأ إعطاؤه الأولوية على الإيمان في الكلمة الموحي بها. والسبب في ذلك –حسب كلود برونيي كولان Claude BRUNIER-COULIN –" أن الدين عاجز عن تأسيس علاقتنا مع الله؛ لأنه محدود بالموت الذي يفرق بين الروح والجسد، والزمن والأبد"(26). وبهذا التعليل يخلص بارث إلى أن الدين -"دائماً وأينما كان-  ينسى أن ليس له الحق بالوجود إلا إذا نفى نفسه، وأُبعد بعيدا؛ لأنه يزهو بوجوده ولا يقبل النسبية"(27).

وبهذا الموقف اللاهوتي المتطرف يقف بارث على حافة الدين من وجهة نظر دوغمائية، لتنفتح من خلال لاهوت الجدل ولاهوت الوجود على نمطية من المسيحية، تتأصل أكثر من الأرض بدل أن تتأصل من السماء. "فالكتابات المقدسة لم تأت من السماء"(28) على حد تعبيره، وإن جاءت من الله فإنها "تتأول في الحقيقة من الله والإنسان معا"(29).  فالله في لاهوت بارث متسامٍ على الحقيقة، وكما تدل عليه الكتابات المقدسة؛ لكن الفاعلية للإنسان التي يحول المعنى  المقدس إلى وجود يتفاعل مع التاريخ ومع حقيقة الزمن والمكان، وهذا هو سر خطيئته التي تبعده عن الله، فلا يجمع الشمل إلا بعد القيامة من الموت. لذلك قال إيريل كيرنز: " كان الله بالنسبة لبارت إلهًا متساميًا أكثر منه موجودًا في كل شيء، وكان الإنسان بالنسبة له خاطئًا أكثر منه مولودًا وفي كيانه قبس من الطبيعة الإلهية"(30).

أما القس اللوثري ديتريش بونهوفر( Dietrich Bonhoeffer (1906 – 1945، فقد سار في  لاهوته على منوال لاهوت بارث في العمل على بلورة نظرية لِلاَّهوت المسيحي متأصلة بشكل أكبر في الوجود والواقع والتاريخ، بدلا على اللاهوت الكلاسيكي، أو لاهوت التحرير، أو اللاهوت الليبرالي الذي كان سائدا في ألمانيا نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. أراد بونهوفر مسيحية ليس كدين، ولكن كفاعل من أجل العدالة والحق في هذا العالم.  " وكان مثل هذا التوجيه الجديد جديرًا بأن يربط الكنيسة بالقدر نفسه الذي قامت به الليبرالية القديمة عندما نادت بالإنجيل الاجتماعي"(31). لقد كان بونهوفر معادياً للنظام النازي الألماني ولعمليات القتل الرحيم التي كان يمارسها على اليهود والمرضى العقليين والمعاقين جسديًا، وكان يصر:ح "إن الكنيسة لا تكون كنيسة حقيقية إلا إذا وجدت من أجل الذين لا ينتمون إليها"(32). وقد نادى جراء انفتاحية لاهوته إلى "مسيحية غير متدينة"؛ مسيحية تنبع قداستها من العالم الموجود، ومن مسؤولية الإنسان في التصرف الأخلاقي. يقول بونهوفر: " ليس العمل الديني هو الذي يصنع المسيحي؛ لكنها المشاركة في آلام الله في الحياة الدنيوية.. بمثل هذا العمل نلقي أنفسنا بالكامل بين ذراعي الله، غير عابئين بآلامنا نحن بل بآلام الله في العالم، ناظرين إلى المسيح في جسيماني. هذا في رأي هو الإيمان"(33)؛ فمثل هذه المسيحية الوجودية –يقول كيرنز- 'التي تعيش في العالم جديرة بأن تنجح في ربط ما هو مقدس بما هو دنيوي في الحياة اليومية. وكان لكتب بونهوفر ورسائله(34) التي كتبها في الفترة من 1930 - 1940م تأثير واسع آنذاك"(35).

*نقد نظرية كارل بارث Karl BARTH ديتريش بونهوفرDietrich Bonhoeffer

موقف كارل بارث من الدين المسيحي كان نتيجة تغيير في البراديغمات المحدد للعلاقة الدينية بالوجود المادي العلماني؛ حيث رغب في البقاء على المسيحية والإبقاء عليها من خلال إعادة قراءة اللاهوت قراءة تتماشى والمحركات التاريخية التي تتحكم في الواقع الإنساني الأوربي في تلكم الحقبة المتسمة بالتغير المستمر، وسيادة العنف والحروب والنزعات الاستئصالية المتطرفة. في خضم هذا الواقع عانى الإنسان الكوني عموما -والإنسان الأوروبي خصوصاً- حالة من الفوضى وإهدار الكرامة الإنسانية ورخص الحياة البشرية، في سبيل نزعات عنصرية نازية وفاشية أهلكت الحرث والنسل. فكانت الحاجة ملحّة إلى إعادة زرع الحياة في اللاهوت المسيحي؛  إحياءً لدوره  في تأطير الواقع. لكن هذه المرة من خلال إنزاله من مكانه الذي هو فيه إلى الواقع ليتفاعل معه وليؤطره. إن حركة "معاداة الميتافيزيقا" في اللاهوت الجدلي البارثي قد لا تكون ذات تأثير كبير في تجاوز مشكلة اللاهوت المعاصر؛ نظراً لطبيعة التحدي الأنطولوجي الذي يفرض نفسه على الواقع، والذي يستلزم إعادة الميتافيزيقا من جديد بحيث يمكن أن تظهر كنوع من اللاهوت الفلسفي قادر على القيام بوظائف عملية تجاه الدين واللاهوت والواقع. بل غن المشاريع المعادية للميتافيزيقا في القرن العشرين خصوصاً في دفاعات مارتن هيدغر الوجودية والعدمية النيتشاوية هي نفسها -كما يقول يوري أناتولوفيتش- " التي ادعت ومابرحت تدعي تجاوزها للميتافيزيقا في إدراك الله، وتدعي عموماً معاداة الميتافيزيقا في الحياة الدينية- هي نفسها كانت ومازالت مشاريع ميتافيزيقية بجوهرها"(36) كما أن عدّ بارث الشريعة (الدين) حاجة اجتماعية من انتاج التجربة البشرية موقفٌ لا يمكن الموافقة عليه إسلامياً، ولا حتى مسيحياً؛ لأن الليتورجيا الطقوسية واسطة بين الإيمان(الوحي) والوجود من خلال الاعمال الخلاصية. فنظرية انقطاع تأثير هذه الأعمال بعد الموت وامتداد الإيمان لما بعد الموت لا يمكنه تبرير عدم أهمية الليتورجيا الطقسية في تأطير الوجود الإنساني. وهذا ما تنبه إليه بونهوفر عندما ركز على الجانب الأخلاقي في السلوك الوجودي. والفعل الأخلاقي هو جزء من الليتورجا الطقسية في السلوك الديني. فتحويل طبيعة اللاهوت المتعالية على التاريخ وإقحامها فيه يعني من وجهة نظر أخرى الوقوف على حافة الدين، والإطلال على شرفة  الإلحاد والعلمنة. فنحن عندما نلغي الميتافيزيقا من اللاهوت فإننا نحل الفيزيقا بدلها، ونحول الدين في نهاية الأمر إلى مجرد نظريات مادية مغلفة بتعابير وأغلفة دينية سواء أكانت مسيحية أم إسلامية أم غيرها. فاللاهوت المسيحي طالما ارتبط بالليتورجيا التي تدل عليه. والممارسة الطقسية تنظم حياة المؤمن الورع وتقننه، ومن خلالها يتبرر؛ لكن إذا لم يعد اللاهوت قادرا على التفاعل مع الوجود إلا بإبعاد الطقوس فهذا يعني تاريخيته وعدم صلاحيته في الوجود أصلا.  فلا نعتقد صلاحية مقولة تقول بمسيحية غير متدينة –كما يقوا بونهوفر- مسيحية أرضية لا سماوية. إننا بذلك نخرج عن المسيحية بل وعن الدين بطبيعته المتعالية. قد نقبل التغيير في التفسيير للجزئيات؛ لكن يجب أن تبقى الكليات قائمة؛ لأن الدين يتحدد وجوده من خلالها، وتتبرر النفوس بتملكها، ويحصل الخلاص والورع بالسلوك عليها.

غير أن الرائع في فلسفة كارل بارث Karl BARTH ديتريش بونهوفرDietrich Bonhoeffer انهما طوّرَا نظرياتهما بطابع أكثر انفتاحية على باقي الأديان؛ لأنهم ناضلوا من أجل إقامة عالم أفضل. عالم لا يسمح للدوغمائية المسيحية أن تسود؛ لأنها -وكما قال بارث- لا تقبل النسبية؛ فهي دائما تتعالى عن التاريخ، وتتمركز حول ذاتها بوصفها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة المطلقة الكلام باسم الله. لكن الحقيقة في نظرهما هي حقيقة متعددة؛ لأنها بكل بساطة هي الوجود نفسه؛ فالإنسان لا يرى الله ولا الملائكة وإن كان يؤمن بهما، فتلك حقيقة مجازية. لكن حقيقة الوجود هي حقيقة مادية وفي اتصال دائم مع الإنسان، وتؤطر تحيزاته الجسدية والروحية، فلا يمكن لهذه الحقائق أن تجتمع في جهة واحدة، أو لدى مجموعة من الناس وهم قلة قليلة. لذلك فقد تميز اللاهوت الحديث بقدرة كبيرة على استيعاب الآخر والتعامل معه. وقد أدى كل من هذين اللاهوتيين ثمن تحررهما من الدوغمائية والليبرالية. أما بارث فقد هرب إلى بازل بسويسرا، هناك درس لاهوته حتى توفي1968. أما ديتريش بونهوفر فقد اعتقله النازيون، واتهموه بالخيانة بسبب مساعدته لليهود والمضطهدين، وقد أعدم قبل سقوط النازية واستسلامها بثلاثة وعشرين (23) يوما.

خاتمة

بعد تمكن العقل الديني الغربي من الانعتاق من قبضة الكنيسة المسيحية واجه مشكلات أخرى أكثر مأساوية، تتجلى في تنامي المركزية الدينية الغربية وتفشي العلمانية الشمولية، التي فصلت الإنسان الغربي المتدين عن كل عنصر من عناصر التجاوز الوجودي للمادة، وربطته بوجوديته المتحيزة في الزمان والمكان؛ فسادت تيارات الإلحاد والشكوكية واللاأدرية وفقدان المعنى الذي يعطي للحياة الإنسانية لذتها ويخرجها عن فطريتها التي تناسب  طبيعتها المزدوجة الأقطاب، والمتأرجحة بين الروح والجسد، والمادة والمعنى، والدنيا والآخرة. لكن وبالنظر إلى الاجتهادات التأويلية التي قادها رواد وفلاسفة اللاهوت المسيحيين ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين تبين لنا أنه اجتهاد يحق أن يسمى بامتياز بلاهوت الأزمة.  فيها نقف على أنماط من الحضور الأزموي الذي يغلف حاجة المتأله المسيحي إلى بلورة لاهوت كتابي متماسك من الداخل، ومتوافق من النص الكتابي المقدس ومعاني الروحية، وفي الوقت نفسه الحاجة إلى لاهوت مسيحي معاصر مليء بالحركية والتغيير والتجديد، وقادر على تجاوز أزمات التاريخ التي نتجت عن حركة التمركز حول الذات واحتكار المسيح والهداية في جهة واحدة دون غيرها.

لقد وعى اللاهوتيون الجدد –إن صح تسميتهم بهذا- طبيعة التاريخ المسيحي في نسخته المتعالية، وما نتج عن أسلوب التأويل الكلاسيكي الذي انتهجه القديسون المسيحيون الأوائل في الخمسة عشر قرناً الماضية. وهو وإن انطلق من فلسفات الانفتاح اليونانية كالأفلاطونية الحديثة والهلينتية الرومانية الوثنية؛ فإنه قولبها من قواعد اللاهوت اليهودية؛ ليبلور منهجاً كنسياً احترابياً تجاه كل المخالفين، سواء في المذهب (داخل الدين) أو في أساس اللاهوت والعقيدة (خارج الدين). وقد عملت المدارس اللاهوتية الجديدة على تجاوز أزمة التمركز وتوسيع هداية نور يسوع المسيح على كل العالم، حتى العالم الذي لم يسمع به من قبل في أقاصي الأرض وأبعدها شقة، من خلال نظرية الضمير البشري المتضمن للإيمان باللاهوت المسيحي من خلال الفطرة ومبدأ الولادة. وقد أريد من هذا الاستيعاب الخلاصي ادعاء عالمية المسيحية وإلهياته،ا من خلال عالمية المسيح نفسه بوصفه الله الذي وسع كل شيء رحمة وعلما ورهبة. وهو نمط من التقريب الديني من خلال إصلاح المونوتارية اللاهوتية وإحلال البوليتارية اللاهوتية مكانها. وهذا التعدد الألوهي طرح مشاكل أخرى في مدى تطابقه من اللاهوت المسيحي والكتاب المقدس، الذي يحرم عبادة الأصنام وتناول الأيقونات وكل تشريع ارتبط بهما. ومن خلال هذا التساؤل خلصنا إلى أن هذه الاجتهادات على ما فيها من ابتكار لا تصلح أن تؤسس كنيسة عالمية مقدسة. لأنها تتعامل مع لاهوت المسيحي من خلال أزماته العابرة، وليس من خلال حقيقة اللاهوت الكتاب المقدس التي يجب أن تتجاوز الزمان والمكان بوصفه كلمة الله. وهذا ما لم تستطع هذه المدارس إثباته؛ نظراً لكونه لاهوتاً ظرفياً منذ أول وهلة نزل فيها إلى الأرض، مع ما اعتراه من تطاول أيدي البشر عليه، وما مسته به من تبديل وتحريف أسهم في تعقيد عملية التأويل، وقوَّض عملية الاستيعاب الزماني للغة الكتاب وتعاليمه السمحه.

لقد أنتجت هذه اللاهوتيات الحديثة المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي أسس لقضية الحوار بين الأديان والحضارات، والتقارب بين الأديان السماوية المختلفة (يهودية-مسيحية وإسلام)؛ لكن ومع التجربة تبين أنه تقارب حواري ملغوم من أجل "استرجاع المسيحي المجهول إلى حظيرة أبيه"؛ وذلك عن طريق تنصير المسلمين واليهود، ورد أتباع المذاهب المسيحية الأخرى (المهرطقين) إلى الكنيسة الجامعة الأم (الكاثوليكية). وهي أيضاً تعبير عن أزمة فشل هذه الاجتهادات في تحقيق المراد منها ما يعني الرجوع إلى اللاهوت الكلاسيكي الذي تأسس قبل عملية الإصلاح ومن ثم إحياء نزعات التاريخ وإعادته للمشهد التدافعي الديني المعاصر.  

.....

المراجع والمصادر:

 (*) باحث من المغرب

  1. حيدر حب الله، التعددية الدّينية: نظرة في المذهب البلورالي، ص:27، الغدير للدراسات والنشر، ط1،  2001.
  2. يوري أناتوليفتش كميليف، فلسفة الدين الغربية المعاصرة، ص: 202،  ترجمة: هيثم صعب، دون معلومات.
  3. يوري أناتوليفتش كميليف، فلسفة الدين الغربية المعاصرة، ص: 66.
  4. المرجع السابق.
  5. وجيه قانصو، النص الديني في الإسلام من التفسير إلى التلقي، ص: 267، دار الفاربي،  ط1، 2011.
  6. المرجع السابق.
  7. مجتهد شبستري، الإيمان والحرية والتجربة الدينية، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، في موضوع الإيمان والتجربة الدينية، السنة السادسة عشرة، العدد 51-52 صيف وخريف 2012-1433، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ص:103.
  8. وجيه قانصو، النص الديني في الإسلام من التفسير إلى التلقي، ص:269.
  9. ص: 123، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2011.
  10. آن ماري شميل، رمزية الحروف في المصادر الصوفية، ص: 2، دون معلومات.
  11. أخرجه البخاري في صحيحه، ج8، ص:105، كتاب الرقاق، باب التواضع، تحت رقم: 6502، محمد زهير بن ناصر الناصر،  دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط1،  1422هـ.
  12. انظر: Glyn Richards. Towards a Theology of Religions. London and New York: Routledge. 1989.
  13. الشيخ محمد مهدي أصفي، التعددية الدّينية، مجلة ثقافتنا للدراسات والبحوث، ج 2 ، ص: 15، العدد الخامس- 1425- 2005.
  14. المرجع السابق .
  15. جهاد الأسدي، مقال "قراءة في مسألة التعددية الدينية" على الرابط التالي:
              http://www.beirutme.com/?p=1727
  16. محمد مهدي أصفي، التعددية الدّينية، ص: 16.
  17. انظر، محمد حسين طباطبائي، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، ج1، ص:209-
           210، ترجمة: عماد أبو رغيف، تقديم وتعليق: مرتضى مطهري، المؤسسة
            العراقية للنشر والتوزيع.
  18. مجلة [الحوزة والجامعة] العدد 1، ص 62.  نقلا عن عبد الحسين خسرو بناه،
            نظرة إلى التعددية في الأديان، على الرابط التالي: http://www.aldhiaa.com/arabic/show_articles.php?articles_id=26&link_articles=alkalam_almoaser/altaadodie_aldinie/nathra_ela_taddeya
  19. انظر: Issiaka COULIBALY LES PRESUPPOSES DE LA RENCONTRE DES RELIGIONS CHEZ PAUL TILLICH, p14.
  20. جمانة عبد الهادي، ديناميات الإليمان لبول تيليش: الدين في المكان المتسامي، مجلة الاستغراب، عدد ربيع 2016، ص: 373.
  21. يمنى طريف الخولي، الوجودية الدينية دراسة في فلسفة باول تيليش، ص: 91، دار قباء للنشر، 1998.
  22. مجتهد شبستري، الإيمان والحرية والتجربة الدينية، مجلة قضايا إسلامية
            معاصرة، ص:135-136.
  23. يمنى طريف الخولي، الوجودية الدينية دراسة في فلسفة باول تيليش، ص:
            115.
  24. انظر: Claude BRUNIER-COULIN, Karl BARTH, FACULTÉ JEAN CALVIN  Institut de théologie protestante et évangélique, p.31
  25. مقال كريستال ترول Prof. Dr. Christian W. Troll  "التعددية الدينية وحرية الدين" على الرابط التالي: http://www.asilatulmuslimin.com/vielzahl-der-religionen.html
  26. انظر: Claude BRUNIER-COULIN, Karl BARTH,  p.55.
  27. انظر: ibis
  28. انظر: ibis.p.80.
  29. انظر: ibis.p124
  30. إيريل كيرنز، المسيحية عبر العصور،  ص 529،  ترجمة: عاطف سامي
            برنابا، دار نوبار للطباعة ، بيروت.
  31. المرجع السابق، ص: 532.
  32. انظر: https://fr.wikipedia.org/wiki/Dietrich_Bonhoeffer
  33. د. ق جون لوريمر،  تاريخ الكنيسة، ج 5 ، ص: 71، - ترجمة:  عزرا
           مرجان، دار الثقافة، ط1، 1990.
  34. انظر: Lettres de fiançailles à Maria von Wedemeyer, Labor et Fides, ISBN 978-2-8309-0898-5 Éthique, Labor et Fides, ISBN 978-2-8309-0126-9 La Nature de l'Église, Labor et Fides, ISBN 978-2-8309-0365-2 La Parole de la prédication, Labor et Fides, ISBN 978-2-8309-1069-8
  35. إيريل كيرنز، المسيحية عبر العصور، ص: 532.
  36. يوري أناتوليفتش كميليف، فلسفة الدين الغربية المعاصرة، ص: 210.

 

 

أخبار ذات صلة