التسامح لاعتراف والتحرر

albania.jpg

تأليف: راينر فورست

ترجمه عن الألمانية د. محمد عبد السلام الأشهب | أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أغادير

1

يؤدي مفهوم التسامح وظيفة مهمة ومتعددة الجوانب في الخطاب السياسي المعاصر،  بدءا من قضايا التسامح المتعلقة بوضع الأقليات الدينية والثقافية داخل الدول،  إلى ذلك  الوهم العالمي المفترض المسمى بصدام الحضارات. لكن في الوقت الذي يمثل مفهوم التسامح بالنسبة لبعضهم مفهوما سحريا، يكمن سحره في كونه يفضي إلى تعايش مشترك وسلمي قائم على اعتراف متبادل ومساواة سياسية بين المعنيين به ؛ نجده يمثل بالنسبة للآخرين مقابلا  للسلطة  والهيمنة والإقصاء. والملاحظ أن هذا الغموض الذي يحيطبمفهوم التسامح ليس بظاهرة جديدة ومعاصرة. يكفي أن نعود  ونستحضر النقاشات الكلاسيكية التي دارت حول المفهوم في عصر التنوير،  لنجد أن النقد الذي وجهه غوته لمفهوم التسامح يعكس هذا الالتباس،  " فالتسامح ينبغي أن يكون مؤقتا فقط: يجب عليه أن يقود إلى الاعتراف. إنه إهانة "(2).فالإشادة الأولى والنموذجية  بمفهوم التسامح في تاريخ الفكر الغربي نجدها لدى فولتر؛فهو أول  من عبر عنها في الوقت الذي تكلم عن التسامح بوصفه " حقا للإنسانية"؛ أي: بوصفه علامة للإنسانية الحقة (التسامح بمعنى ما هو قدر الإنسانية )(3) .

أريد في البداية أن أقدم روايتين عن هذا المفهوم لإدراك الفهم العميق والسليم لهذا الغموض الذي يطرحه مفهوم التسامح: الرواية الأولى رواية قاتمة ومتشائمة، بينما الثانية مشرقة ومتفائلة. كما أريد أن أبرهن على أن كلتا الروايتين صحيحة انطلاقا من منظور تاريخي معقد. وفوقذلك،  فالروايتان ليستا صحيحتين فقط من منظور تاريخي،  بل إنهما لا زالتا تمثلان أساسا لمعنى ولممارسات التسامح في الوقت المعاصر. فالتسامح يمكن أن يبنى على أساس الاعترافوالاحترام  المتبادلين،  كما يمكن أن يكون أيضا تعبيرا عن الازدراء والهيمنة، وإن كانيعمل  كنوع من "الاعتراف " بالأقليات. فالتحرر-وكما سبقت الإشارة إليه بما هو مفهوم ثالث في عنوان مقالي هذا- يمكن أن يشير في معناه -في الوقت نفسه- إلى الصراع من أجل التسامح وضده،  بمعنى الصراع من أجلنوع من التسامح وضده.

إن مناقشة الروايتينستقود  إلى الخلاصات التالية:

أولا: نقدلأشكال معينة من الاعتراف  وعلاقات السلطة المحايثة لها.

ثانيا:ستفضي إلى بعضالأمور المتعلقة بالمبررات الممكنة التي يعتمدها أولئك الذين يوظفونها في الصراع ضد الاعتراف "الزائف". فهل هناكبالفعل رغبة في اعتراف" حقيقي " بهوية خاصة ؟ إذا كان الجواب بنعم فكيف ينبغي فهم ذلك؟

ثالثا: كفكرةأخيرة،  سأطور تبريرا معياريا لمفهوم التسامح،  وهو التبرير الذي يسعى إلى تجنب فشل العديد من التأويلات التي قُدمت للمفهوم. كما سأبرز في السياق نفسه،  قيمة و أهمية  الصراعات من أجل أشكال مبررة للتسامح  والاحترام المتبادل القائم على قدم المساواة.

2

لكن قبل الشروع في سرد الروايتين المشار إليهما سلفا،  سأقدم لمحة مختصرة وعامة عن مفهوم التسامح.إذ يمكن عرض مضمونه الرئيسوتشريحه عبر ثلاثة مكونات أساسية(4): الرفض، القبول والرد أو الاعتراض(5).المكون الأول مضمونه أن قناعة أو ممارسةًما يجب أن تُقيَّم بوصفها خاطئة أو سيئة لكي تؤخذ بعين الاهتمامبوصفها  موضوعا للتسامح. المكون الثاني يؤكد أنه-وبغض النظر عن مبررات الرفض- يجب تقديم المزيد من المبررات الأخرى التي توضح كيف أنه سيكون من الخطأ عدم التسامح مع القناعات أو الممارسات  الخاطئة والسيئة، وهذا ما أحبذ تسميته بمبررات القبول.هذه المبررات لا تلغي مبررات الرفض؛بل  تتمكن من التغلب عليها في  سياق معين. في المكون الثالث يجب تقديم مبررات الرد أو الاعتراضالتي ترسم حدود التسامح.هذه الحدود تطرح فيالوقت الذي تستنفذ فيه كل مبررات القبول(6). كل هذه المبررات المشار إليها يمكن أن تكون من النوعنفسه، كما يمكن أن تكون من طبيعة مختلفة. على سبيل المثال كأن تكون مثلا مبررات ذات طبيعةأخلاقية،  دينية، وبرجماتية إلخ.

من الواضح أن هذا التعريف لمفهوم التسامحيظل تعريفا عاما جدا،  و أن المشاكل تبدأ بمجرد أن تطرح هذه المكونات الثلاثة للتسامح،  التي يمكن التعبير عنها في الأسئلة الثلاثة :ماذا يمكن أو ينبغي أن يسمح به،  ولأي سبب؟ وأين تكمن حدود التسامح ؟ يبدو لي أن تسامحا كهذا هو مفهوم تابع معياريا. فهو يحتاج إلى مصادر معيارية مستقلة؛ وذلك لإحراز مضمون وجوهر محددين،  و ليكون شيء ما خيرا بصفة عامة؟ وبناء على ذلك؛ فإن جانبا معينا مهما من كل رواية حول التسامح يكمن في السؤال التالي :كيف أن المكونات الثلاثة للتسامح تكتسب المضمون الجوهري؟

3

 تبدأ روايتي الأولى عن التسامح والاعتراف في فرنسا القرن السادس عشر؛في غضون النصف الثاني من هذا القرن روج حزب ما يسمى " بالسياسيين " لقناعة مفادها أن شعار الإيمان الواحد، القانون الواحد،  و الملك الواحد،  لم يعد من الممكن الإبقاء عليه؛لأن ثمن الاضطهاد والقمع الذي دفعته الأقليةالكالفينية  المعروفة باسم الهوغونوت(7) كان ثمنا غالياعلى مختلف المستويات :الاقتصادية والسياسيةوالأخلاقية؛ فالمحافظة على الوحدة السياسية رهين بتحقيق هدف الوحدة الدينية إلى أبعد حد؛ فالأولى مشروطة بتحقيق الثانية.فالمطلوب الفصل بين النشأتين:الدينية والجمهورية،  وأن الملك  لا ينبغي حقا أن يلعب دورا محايدا بصفة كاملة  في هذه الحالة،  بل ينبغي عليه أن يتصرف كحاكم،  له كامل السيادة التي تخول له لعب الدور التحكيمي بين الجميع،  وأيضا كحاكم له كامل السلطة على رعيته. لكن رغم ذلك فقد تطلب تحقيق ذلك وقتا طويلا إلى غاية (1598)،  وهي فترة تخللتها الكثير من الأحداث والصراعات الدامية،  و خاصة تلك التي عرفت بمجزرة "سان بارثيمي"، وهي المجزرة التي ارتكبت في حق الأقلية المسيحية البروتستانتية الفرنسية المعروفة بالهوغونوت. وقد كان الحدث الأليم قد جرى ليلة الثالث والعشرين من سبتمبرسنة  (1572)؛ أي قبل تسلم  هنري الرابع زمام السلطة. وبالمناسبة فهنري هو بروتستانتي سابق تحول إلى الكاثوليكية بعدما عين ملكا،  و هو من أصدر المرسوم  الشهير المعروف بمرسوم نانت(8). هذا المرسوم الذي اعترف بكل وضوح بالهوغونوت بوصفهم مواطنين فرنسيين؛ لكن كمواطنين من الدرجة الثانية. وضمن لهم بعض الحريات؛ من بينها حرية ممارسة الدين في أمكنة معينة(كمثال على ذلك؛لا يسمح لهم بممارسة هذه الحرية في مدينة باريس) وأزمنة محددة. وقد حدد المرسوم بالضبط نوع المناصب التي يمكن لهم تقلدها في المؤسسات العمومية،  وأي نوع  من المدارس والجامعات التي يسمح بتشييدها،  وأيضا مكان تشييدها،  وفي أي مكان يسمح لهم بتشييد مناطق أمنية محروسة بقوات مسلحة. في حقيقة الأمر يمكن القول: إن الأقلية الكالفينية -بمقتضى هذا القانون- حصلت على اعتراف بهويتها، وبفضله تمت حمايتها من كافة أشكال الاضطهاد والقمع. لكن في الوقتنفسهعزز هذا القانون من موقعها في وضعية تحظى فيها الجماعة بنوع من التسامح مع خضوعها لإرادة السلطة الحاكمة،  كما أنها ظلت تحتل دائما مرتبة ثانية في الهرم الاجتماعي، بعد الجماعة الكاثوليكية في مجمل الحياة اليومية العامة. هذا  النوع من الاعتراف- التسامح  بالرغم من النقائص التي ميزته  كان يعد إنجازا عظيما مقارنة بالوضعية السابقة ما قبل مرسوم نانت الشهير،الذي أصدره  هنري الرابع. كما أن هذا النوع من الاعتراف الذي حظيت به الجماعة الكالفينية عُدّ مكسبا مهما مقارنة بحالة الاضطهاد والقمع التي تعرضت لها قبل صدور المرسوم. مع ذلكفهذا النوع من الاعتراف والتسامح كان يعني أيضا شكلا محددا من الوصم الاجتماعي(9) والثقافيوالعجز السياسي،  وأخيرا نوعا من التبعية المطلقة لسلطة النظام السياسي القائم، الذي من أو تَكرم على الجماعة بهذا النوع من الاعتراف والتسامح.

لقد سبق لغوته أن انتقد هذا الشكل من التسامحالذي تكلم عنه بوصفه نوعا من الإهانة،  ما دام هو مجرد مِنّة من الحاكم. وهو ما كان يقصده كانط في الوقت الذي انتقد "الطابع المتغطرس" والمتعجرف للتسامح. كما أن هذا الشكل من التسامح الذي كان سائداهو الذي دفع بالكاتب ميرابو للقول بأن التسامح هو علامة على الاستبداد والطغيان(10)، ما دام  تسامحا واعترافا من جانب واحد، تمُن به الجماعة الحاكمة على الأقلية التي تقبل بكل شروطه،  و تظل  في وضعية تتسم بالخضوع والتبعية العمياء لأمر الحاكم. تبين هذه الاستشهادات أن المائتي سنة تقريبا الفاصلة بين مرسوم نانت والثورة الفرنسية لم تغير الشيء الكثير في بنية هذا الشكل من التسامح. من ذلك مثلا   مرسوم التسامح الإنجليزي الصادر سنة (1698)؛ أي بعد ثورة غرو تيوس الشهيرة (11)،   الذي وصف بكونه  مرسوما أعفى الرعايا البروتستانتيين المخالفين والمنشقين عن الكنيسة الإنجليزية من العقوبات الجنائية التي تنص عليها العديد من القوانين. هذا المرسوم بين-وبشكل واضح- من هم المخالفون والمنشقون الذين تسري عليهم القواعد الاستثنائية من قوانين التوحيد والتطابق (12) مع الكنيسة الإنجليزية (المشيخيون أو أولئك المنتسبون إلى الكنيسة المشيخية،  المستقلون،  المعمدانيون، الكويكر)،  ومن هم أولئك الذي لا تسري عليهم هذه القواعد مثل الملحدين. بالإضافةإلى ما سبقفالكاثوليك أيضا استثنوا من هذا النوع من  التسامح بمقتضى  قَسَم الولاء الذي يجب على رعايا الملك أن يؤدوه عربونا منهم على إخلاصهم وولائهم له. فالنتيجة إذن هي صورة معقدة منالتضمن والإقصاء. فالأغلبية وبعض الأقليات كان يشملهم التسامح، والبعض الآخر كان يستثنى منه. وحتى الذين شملهم التسامح كانوا متضمنينومقصيينفي الوقت نفسه. فهم يتمتعون بنوع محدد من الاعتراف والأمن الذي لا يملكه الآخرون،  لكن في أمنهم وحمايتهم هم تابعون في ذلك للملك،  ولهذا من الواجب عليهم أن يبرهنوا على ولاء تام له. فالملاحظ إذن انبثاق  مصفوفة معقدة ومتعددة للسلطة التي كانت تشتغل  بمعية أشكال مختلفة من الاعتراف.

باختصار شديد سأسوق مثالا آخر يعبر عن الفكرةنفسها؛ إن ما يسمى ب"رخصة التسامح" لقيصر هوبسبرغر جوزيف الثاني سنة (1781) الذي أدرك بحدسه السياسي  – خلافا لأمه ماريا تريزا التي كانت تريد إرغام الناس على وحدة المعتقدالديني- أن الشكل العقلاني الأمثل لممارسة السلطة السياسية في أزمنة  الصراعات الدينية القوية هو ضمان الحرية  التي تقود إلى الانضباط و السلم. فهذا الملك المتنور كان متنورا بشكل كاف ليدرك أن التسامح هو السياسة الفعالة إزاء المخالفين والمنشقين، الذين لهم امتداد قوي في المجتمع. وعلى هذا الأساس ضمن الملك المتنور لطوائف الأقليات الدينية الثلاث- اللوثريين، الإصلاحيين، والأرثدوكس اليونانيين -  حرية  الممارسة الخاصة لوجباتهم الدينية. لكن هذا الترخيص لم يكن يسمح بهذه الممارسة في الأماكن العمومية. "فترخيص التسامح " الذي أشرف عليه الملك المتنور حدد -بشكل واضح- ما يسمح به لهذه الطوائف وما لا يسمح به. على سبيل الذكر لا يسمح بالنواقيس لكنائس الطوائف الثلاث،  كما لا يسمح لها بفتح أبوابها على الشوارع العمومية للمدينة. فالقيصر جوزيف الثاني كان مقتنعا أن هذا الشكل من الحرية سيسفر عن ظهور رعايا طيبين ومطيعين من داخل المخالفين الدينيين، الذين يتحولون تلقائيا إلى معارضين سياسيين في حالة ما إذا لم ينعموا بالتسامح. فالتسامح كان من جهة ثمنا للولاء للسلطة السياسية الحاكمة،  ومن جهة ثانية كان الولاء هو الثمن الذي يؤديه الرعايا مقابل ضمان للأمن  ولحريات محددة بمقتضى المرسوم الصادر عن الملك الحاكم. وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه  التوحيدأو الفرقة والتفكك.

4

في هذا الإطار يظهر من جديد الترابط الموجود بين الحريةوالهيمنة،  بين التضمُن والإقصاء،  بين الاعتراف والازدراء. هذا الترابط هو ما  يميز مفهوم التسامح الذي أسميه التصور الترخيصي. فحسب هذا التصور يعد التسامح  علاقة بين سلطة حاكمة ومنشقين؛أي إما  أقلية مختلفة (أو أقليات مختلفة ). فالتسامح يعني أن السلطة الحاكمة  تمنحلأعضاء الأقلية ترخيصا لكي يعيشوا حياتهم حسب قناعاتهم الخاصة؛ لكن شريطة أن تعترف الأقلية بهيمنة السلطة الحاكمة، وتقبل بالتراتبيةالقائمة، ما دام أن التعبير عن اختلافها يبقى في نطاق الحدود القانونية وفي المجال الخاص بالجماعة.  وما دام أن هذه الجماعات  لا تطالب بالوضع السياسينفسهوالاجتماعي الذي يماثل نظيره لدى الأغلبية؛ فإنه -يمكن تبعا لمبرراتبراجماتية ومعيارية-  التسامح معها؛ وذلك للأسباب التالية: بالنسبة للمبررات البرجماتية تحظى الجماعات بالتسامح؛لأن هذا الشكل من التسامح يعدّ الشكل الأقل تكليفا مقارنة بالبدائل  الأخرى  الممكنة،  كما أنه الشكل الذي لا يهدد السلم والنظام الاجتماعيين كما تحددهما السلطة المهيمنة على دواليب الحكم،   بل إنه يسهم -بشكل أو بآخر في تثبيتها- أما بالنسبة للمبررات المعيارية فالتسامح إزاء هذه الجماعات مطلوب؛لأن السلطة ترى أنه من الخطأ ( ومن غير المجدي ) إرغام الناس على ترك وهجر ممارساتهم وقناعاتهم العميقة والراسخة. باختصار يعني التسامح أن السلطة التي لها القدرة على التدخل في ممارسات الأقلية هي نفسها السلطة التي تسمح للأقلية بممارسة قناعاتها الخاصة،  مادامت هذه الأقليات تقبل بوضعها كأقلية تابعة لحكم الأغلبية. وفي ارتباط إذن بالمكونات الثلاثةللتسامح،  يعني أن السلطة الحاكمة وحدها هي من تحدد مضمون  المكونات الثلاثة.

لقد تعرض هذا التصور للتسامح -كما قلت سابقا-إلى سلسلة من الانتقادات من لدن فلاسفة عصر التنوير، مثل إمانويلكانط، ميرابو، وغوته. فسياسة التسامح تبدو مثل نوع من السياسية  الإستراتيجية أو شكل من التراتبية. فالاعتراف الذي تحظى به الأقلية يمنحها حريات معينة،  و يجعل في الوقت نفسه أعضاء الجماعة مجرد رعايا تابعين ومواطنين من الدرجة الثانية. فهم لا يتمتعون  بالحقوق العامةبنفسها،   بل تمنح لهم فقط تراخيص خاصة يمكن أن تسحب منهم في أية لحظة. كنموذج على ذلك يمكن ذكر مرسوم  نانت الصادر في سنة (1658) الذي بموجبه سمح للبروتستانت بممارسة قناعاتهم الدينية شريطة الخضوع لسلطة الأغلبية الحاكمة.فإذا تكلمنا لغة الاعترافوالسلطة،  يمكن القول: إن لهذا الشكل من التسامح أثاراً قمعية  وتحررية وأخيرا  تأديبية (بما تحمله الكلمة من دلالة فلسفية فوكولتية): تحرري؛ لأنه بمقارنته بأشكال القمع والإكراه الممارسة سابقا ضد الأقليات يبدو أنه يمثل مكسبا لهذه الأقليات المقموعة، التي عانت من كل أشكل الاضطهاد. وقمعي لأن  التسامح بهذا المقياس،معناه أن تقبل الجماعة  بالأمر الواقع ؛أي أن تقبل وضعيتها الضعيفة والمعدمة التي تفتقد فيها للكثير من الامتيازات. و أخيرا تأديبي؛لأن  القواعد المتبعة في سياسية التسامح تنتج هويات غير عادية وموصومة (13)،  والتي هي في الآن نفسه هويات متضمنة ومقصية  اجتماعيا(14). فنموذج التسامح إزاء اليهود منذ العصر الوسيط  إلى غاية العصر الحديث(15) يمثل مثالا حيا لهذا الشكل من التسامح الذي يحمل في طياته  نقيضه ؛ لأنه تسامح قائم على مفارقة التضمن والإقصاء في الآن نفسه. وهو ما يمكن أن نطلق عليه شكل التضمن الإقصائي(16). فالتسامح بهذا المعنى السالف الذكر ثمنه المقابل هو الوصم (17) على المستوىالاجتماعي والخضوع لأمر السلطة الحاكمة.

5

عندما ننظر إلى النقاشات الحالية وممارسات التسامح من منظور ما أسميه نظرية نقدية للتسامح(18) ،تعتمد في مقاربتها على تحليل أشكال التسامح التأديبي والقمعي؛ فإننا نرى أن الرواية القاتمة عن سياسية التسامح لازالت سارية المفعول لحدالآن، بحيث لم تتجاوز بعد مستوى الممارسة والخطاب في المجتمعات المعاصرة التي تقول عن نفسها: إنها مجتمعات ديمقراطية(19). في مقابل ما يعتقده العديد من الباحثينبنهاية المرحلة الظلامية التي سمتها الاستبداد،  أعتقد شخصيا أن هذه النهاية ليست نهاية للتصور الترخيصي للتسامح. فالملاحظ أن هذا الشكل من التسامح الذي طبع المرحلة السابقة لازال حاضرا في مجتمعاتنا المعاصرة، وإن بأشكال ديمقراطية مختلف؛: فالسلطة المتسامحة حاليا في المجتمعات المسماة ديمقراطية تظهر في صيغة ما يسمى بالأغلبية الديمقراطية، أو الديمقراطية القائمة على حكم الأغلبية. صحيح أن السلط التي ورد ذكرها في الأمثلة الثلاثة المشار إليها سلفا هي سلط تمت حمايتها بأغلبية دينية وسياسية قوية؛ لكن الوضعية داخل الأنظمة السياسية الديمقراطية تبدو على نحو آخر: إنه لمن المنطقي لدى الدولة أن تضمن الحقوق الأساسية لكل المواطنين بشكل متساو،  كما أنه من الواجب على المواطنين أنفسهم أن يعترف بعضهم ببعض بوصفهم مواطنين أحرارا ومتساوين فيما بينهم. لكن ما نراه في العديد من ممارسات التسامح المعاصرة أن التصور الترخيصي للتسامح لازال حاضرا وساري المفعول من خلال العديد من  السلوكيات  المنافية لثقافة التسامح. للتدليل على ذلك لا أريد أن أسرد العديد من الأمثلة  التي يمكن لكل واحد منا أن يقدمها،  بل أريد أن أكتفي فقط بالإشارة إلى مثال المعارضين لقانون الزواج المثلي الذين غالبا ما يدافعون عن التسامح،  لكن يعارضون في الآن نفسه  المساواة في الحقوق. أتذكر في هذا الباب شعار الحزب المسيحي الديمقراطي"نعم للتسامح، لا للزواج"، وهو الشعار الذي أطر موقف الحزب  بخصوص النقاش الذي دار حول الزواج المثلي. في سياق الفكرة نفسهاأقدم مثالا آخر من السياق الألماني يتعلق بما عرف بمسألة تعليق الصليب على جدران المدارس العمومية.فالمسألة طرحت بخصوص إذا ما كان لحكومةبفاريا الحق في السماح  للمواطنين بتعليق الصليب على جدران  المدارس العمومية التي تمولها الدولة. وجوابا عن هذا السؤال تدخل العديد من المواطنين والسياسيين، كما تدخلت  المحاكم وممثلو الكنائس في النقاش العمومي. وقد خلص النقاش إلى نتيجة تؤكد على وجوب مسامحة  الأقلية غير المسيحية  بحيث لايجوز  إرغامهم على ترك معتقداتهم،  لكن منحهم الموقع الرمزي والعمومي نفسه وتغيير الرموز المسيحية يعد شيئا آخر غير مقبول في المجتمع: إنه فعل مخالف للديمقراطية والدين ومهدد لأسس الجمهورية الفدرالية (20) من هنا نخلص إلى أن بنية سلطة الشكل القديم للتسامح والاعتراف لازالت سارية المفعول لحد الآن،  وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بالتضمُن المصحوب بالإقصاء في الآن نفسه.

6

لكن هنا تبدأ روايتي الثانية المتفائلة؛ فبالاستناد إلى المرجعية الفلسفية لفوكو يمكن القول: إنه حيثما توجد السلطة- بوصفها معارضة للهيمنة - توجد الحرية وسلطة مضادة ؛أي باختصار توجد  مقاومة (21) من الحكمة والنباهة أن  تشتغل السلطة الحديثة عن طريق ضمان الحرية،  وليس عن طريق الاضطهاد والقمع،  وبذلك فمحاولة إنتاج رعايا موالين، الذين هم  - في نهاية المطاف-ليسوا سوى رعايا خاضعين لا يطرح فكرة الهويات المنتَجة والمفروضة على الرعايا موضع تساؤل. فبناء الهويات لا يسير فقط في الاتجاه نفسه: فأن تكون خاضعا لمؤسسات بعينها ولممارسات أشكال معينة من السلطة؛فإن هذا يجعل الرعايا ليسوا فقط متوافقين مع هذه الممارسات، بل يجعلهم  أيضا متعارضين معا،  وإلافلن توجد مطالب الحرية والتسامح على رأس مطالب الرعايا، كما لن تكون هناك  حاجة  دائمة لمزيد من إستراتيجيات السلطة  المتجددة.

تنطلق  روايتي الثانية من أطروحة مفادها أن أتباع الجماعات الدينية  الذين لم يتم الاعتراف بهوياتهم بشكل إيجابي، وأصبحوا موضوع ملاحقة، أو أولئك الذين حظيت هوياتهم باعتراف جزئي في سياسيات التسامح التي تنهجها السلطة القائمة،  شكلوا هوية معينة في نطاق الصراع  وعبره. فما يجعلهم قادرين على الشك في أشكال الاعتراف- أو اللاعتراف –المؤسسة مبني على أساس أنهم أنتجوا  سلطة من الداخل لتشكيل هويتهم، وذلك  لتشكيل هوية خاصة  معارضة لمثل أنظمة التسامح والتعصب السائدة (طبعا لا أحد منهم مستقل بشكل تام عن الثقافة والمجتمع المحيطين به):إن إخفاق الاعتراف من جانب الأغلبية ليس مرده إلى فقدان الهوية الخاصة أو فرض هوية مشكلة في  الخارج (22) (بالرغم من أن هذا  كان ممكنا حدوثُه)، وإنما مرده في الأصل  إلى تحول الهوية الدينية إلى هوية سياسية للصراع والمعارضة أوحتى  للحرب،  و هو أمر محتمل.فالأشكال الداخلية للاعتراف  بهذه الهوية -بوصفها توليدا لتقدير ضروري وإيجابي للذات-كان شرطا قبليا لخوض أي شكل من أشكال الصراع من أجل التسامح. و نتيجة لذلك فإن ما نجده هنا  صراع من أجل الاعتراف، الذي هو في الآن نفسه ليس صراعا من أجل اعتراف اجتماعي عام، أو تقديراً للهوية الذاتية بالمعنى النوعي الذي يقصدههيغل،  والذي يسميه بالحياة الأخلاقية للجماعة أو الأخلاق الاجتماعية، (23) وإنما ما كان  مطلوبا هو الحرية للمحافظة على الهوية الجماعية  الخاصة والاعتراف بالمواطنين بوصفهم متساوين في الحقوق السياسية وأمام القانون. (ما دام أن أشكال التسامح المبررة كانت هدف هذه الصراعات،  فإنه في بعض الأحيان يمكن لهذه الأشكال من التسامح في صراعاتها أن تتحول إلى أشكال جديدة من الهيمنة). إن هوية شخصية واجتماعية معينة كانت شرطاً قبلياً وليست هدفا للصراع من اجل الاعتراف الذي كان أيضاً صراعاً ضد الاعتراف؛ بمعنى أنهصراع ضد أشكال من الاعتراف التأديبي.

7

تبدأ روايتي الثانية أيضا حول التسامح بوصفها سردية  تاريخية تخص القرن السادس عشر الميلادي بهولندا، وهي على العموم رواية جد مختصرة ومرتبة؛ إذ نجد في نطاق الصراعات التي خاضتها الأقاليم البروتستانتية بشمال هولندا ضد الحكم الإسباني والإكراه الذي تفرضه الكاثوليكية - تطورين مهمين بخصوص الصراع من أجل الحرية الدينية- وخاصة في الكتابات الكالفينية  التي عرفت بمعارضتها للملك مثلما نجد عند مورنايدوبليس (24).

التطور الأول يخص الإعلان عن الحق الطبيعي في الحرية الدينية، كحق معطى من الله، بوصفه حقا سياسيا أساسيا.

التطور الثاني يتعلق بمعارضة الملك الذي أبى أن يحترم هذا الحق الأساسي بوصفه حقا طبيعيا،  بعيدا عن الواجب السياسي والديني؛ أي بدافع واجب الحق الطبيعي.  فمثل هذا الحاكم المستبد يكون - بهذا الامتناع عن احترام هذا الحق- قد نكث العهد مع الله من جهة وأخل بتعاقده مع الشعب من جهة أخرى.فالحرية الدينية لم تكن هبة ممنوحة من الحاكمين، بل كانت حقا طبيعيا،ومن ثم فهي حق أساسي للعدالة السياسية. والنتيجة الثورية لهذا المطلب كانت هي تقسيم إقليم الشمال في " اتحاد أوتريخت" سنة (1579)،  الذي قاد إلى تأسيس جمهورية جديدة أصبحت في القرن السابع عشر أنموذجا يقتدى به في سياسة التسامح.

إبان هذه الرواية ظهر من جديد في سياق الحرب الأهلية الإنجليزية مطلب ثوري متعلق بالحرية السياسية والدينية، بوصفهما حقوقا فطرية (25) لا دخل لأحد فيها ولو كان الملك نفسه. فالصراع ضد الملك نُظر إليه بوصفه صراعاً مبرراً بالاستناد إلى الحق الأساسي للعدالة،  وهو حق يقتضي الحرية الدينية والسياسية:فليس الله من ينصب الحكومة التي تدير شأن المواطنين، بل الناس أنفسهم من يقومون بذلك دون وصاية من أحد، وذلك بهدف حماية الحقوق الطبيعية بوصفها نوعا من الملكية الخاصة للناس، وهي ليست هبة من أحد، بل هبة من الله. بالعودة إلى منظور لفلرسوليبرن (26)،  فإن هذا النوع من الحقوق الممنوحة من الله يعني أن أية ممارسة  للحكم -سواء كانت سياسية أو دينية-يجب أن تكون ممارسة مبررة إزاء الشعب بوصفه المعني بهذه القوانين التي يخضع لها. فالحق في حرية الضمير في التبرير  البروتستانتي مفاده أن الضمير مرتبط وخاضع وتابع للرب وحده،ومن ثم فالانصياع له وحده هو المطلوب، وليس انصياع الناس بعضهم لبعض. فنظرية الضمير الحر وغير الحر في الآن نفسه (بوصفه عمل الله كما قال لوثر)، التي أدت دوراً مهماً في الأعمال الفلسفية والفكرية لدى ميلتون، وبعده لدى جون لوك في كتابه الشهير رسالة في التسامح. وفي السياق نفسه عبروليام والوين بدوره عن هذا التصور بطريقة أنموذجية  في نطاق النقاشات البرلمانية بين المستقلين وأغلبية المشيخيين(27)". فالأفعال التي لا يقدر المرء نفسه على القيام بها والامتناع عنها هي تلك الأفعال التي لا يعهد بها لأحد مهما كان موقعه في المجتمع،  سواء كان شخصاً أو مؤسسة مثل البرلمان أوالجمعية العامة. لكن كل الأشياء المتعلقة بالعبادة وغيرها من الأعمال المرتبطة بالله  لا يمكنه أن يقيد نفسه بها دون ارتكاب إثم مقصود،  وبهذا الشأنفالقيام بأفعال مناقضة لما يمليه عليه  عقله وضميره،  أو الامتناع عن ذلك تبعا لما يمليه عليه عقله وضميره- يعد عملا غير مقبول، ولهذا لا أحد يمكنه أن يترك  أمور الدين لأي أحدٍ كان لتنظيمها. فكل واحد مسؤول عن نفسه بخصوص هذه الشؤون. ولهذا ما لا يمكن أن يمنح لا يمكن أيضاً أن يُؤخذ. كما أنه لا يمكن لشخص معين أن يسلب ما لم يكن لديه أصلاً. وعليه فلا يمكن للبرلمان ولا لسلطة عادلة أن تُنتهك أو تُحرم من سلطة لم يعهد بها إليها من قبل"(28)

 بالرغم من أن هذه الحجة المتضمنة في خطاب كهذا مثلت حجة في الليبرالية المبكرة لهذا النوع من التسامح، فإنها ظلت حجة يتخللها الكثير من الغموض واللبس. فمن جهة،  قاد مطلب الحق الطبيعي للحرية السياسية والدينية إلى ربط المطالبة بالتسامحبحق جذري في العدالة السياسية؛ بمعنى ربطها بمطلب أساسي يتعلق بالتبرير العام لممارسة السلطة السياسية. من هذا المنظور فالتسامح ليس امتيازا استثنائيايمنح لبعض الرعايا غير العاديين،  بل هو قاعدة عامة بخصوص كيفية معاملة المواطنين بعضهم لبعض في نطاق حدود الحق الطبيعي. في هذا السياق نلقي نظرة خاطفة  على تصور جديد للتسامح مخالف للتصور الذي كان سائدا من قبل، والذي سميناه " التصور الترخيصي للتسامح".  هذا التصور الجديد ارتأينا تسميته" بالتصور القائم على الاحترام المتبادل" (29) ،وهو تصور بموجبه يحترم المواطنون الديمقراطيون بعضهم بعضنا بوصفهم مواطنين متساوين فيما بينهم سياسيا وقانونيا،  بالرغم من الاختلافات الجذرية التي تطبع  تصوراتهم الدينية والعرقية بخصوص شكل الحياة الخيرة والصحيحة. بهذا المعنى يتبع التسامح منطق التحرر،  بدل منطق الهيمنة والتسلط.

من جهة أخرى فحجة حرية الضمير أو الاعتقاد القائمة على "نظرية الضمير الحر وغير الحر" -التي سبقت الإشارة إليها سلفا-ليست فقط حجة غير منسجمة أو متساوقة مع التصور الترخيصي للتسامح؛ وإنما هي حجة تستبعد أيضاً الأشخاص الذين ليس لهم الحق في حرية الضمير أو الاعتقاد مثل الملحدين والكاثوليك مثلما دافع عن ذلك جون لوك. (ميلتون نفسه دافع عن الفكرةنفسها مخالفاً في ذلك تصور ليفلر والمعمدانيين (30) مثل روجرز ويليامز في مسألة التسامح). وبالعودة إلى جون لوك يبدو من الواضح جدا أنه في رسالته الأولى في التسامح يدافع عن استحالة منح أي حق مبرر في الحرية لمن لا يؤمن بالله. فهو يخشى أنه من بدون أساس ديني معين لن توجد أية أخلاقية ولا دولة وظيفية،  وهذا ما يسمى في الأدبيات الفلسفية بخشية لوك. (31) كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الخشية نفسها تقاسمها العديد من المفكرين التنويريين الذين أتوا بعده. يمكن أن نذكر على سبيل الحصر مونتسكيو، روسو وفولتير،  وهي الخشية نفسها التي لازالت حاضرة في مجتمعاتنا المعاصرة.

8

لمواصلة روايتنا المتفائلة عن التسامح والاعتراف والتحرر يجب علينا أن ننتقل لصوت آخر من الخطاب التاريخي حول التسامح، وهو الصوت الذي يرفض "خشية جون لوك"، بالرغم من أنه لم يتطرق بطريقة مباشرة لنظريته التي دافع عنها في رسالة في التسامح كما سبقت الإشارة إلى ذلك. والمقصود من كلامي هنا العودة إلى بيير باييل،  الفيلسوف المحسوب على طائفة الهوغونوت،  الذي كتب كتاباته خلال مكوثه في روتردام كلاجئ. هذا الفيلسوف المطارد من فرنسا المتعصبة أدرج في كتابه أفكارا مختلفة حول المعتقدات (1683) مما سيسمى فيما بعد بمفارقة باييل. لقد بين في مرافعته الفلسفية أن الأخلاق لا تتأسس بالضرورةعلى الدين؛ لأن الأخلاق تقوم على بواعث أخرى، مثل الرغبة في تحقيق الاعتراف الاجتماعي، وعلى المعارف مثل العقل الطبيعي،  وليس على المعتقدات الدينية. فالأخلاق يجب أن تكون مستقلة عن هذا النوع من المعرفة الدينية. فالتعصب الديني-وليس الإلحاد-هو ما يهدد  الأخلاق ويعرضها لخطر كبير. فالفيلسوف باييل في تلك الفترة تجرأ على الدفاع عن فكرة كانت جد مرفوضة آنذاك، ومفادها أن" مجتمع الملحدين" سيكون ممكنا، بل من الممكن أن يكون مجتمعا سلميا أكثر من المجتمعات المؤسسة على الدين،  والتي تكون فيها المعرفة الدينية هي مصدر المعنى الذي يصوغ نظرة الناس للحياة.

تجدر الإشارة إلى أن باييل وسيرا على النهج نفسهاستقر في فلسفته على رؤية حاسمة مضمونها أن التسامح المتبادل (32) بين أشخاص لهم تصورات ومعتقدات دينية مختلفةيظل مسألة ممكنة، فقط إذا وُجد  أساس أخلاقي للاحترام  يحظى بالاستقلالية والعمومية ويتقاسمه  جميع الناس فيما بينهم،   هذا الأساس الذي بإمكانه استبعاد أي شكل من أشكال الإكراه الديني. وبالعودة إلى كتابه تعليق فلسفي على أقوال المسيح-أجبروهم على الدخول (33) (1686)،  نجدباييل يقدم مثل هذا التبرير للتسامح  الذي يتجنب الصعوبات  التي رأى أنها  واجهت دفاع جون لوك بخصوص الحرية الدينية. علاوة على ذلك،  بالاستناد إلى سجاله مع الأطروحة الشهيرة لأغستينوس حول إمكانية وقدرة الرعب على تحرير الإنسان من الغلط الديني وتمكينه من معرفة الحقيقة من الداخل،  إذا ما زود بالزاد المعرفي الضروري لذلك (34) كما حدد باييل سلفا ما يجب على جون لوك أن يعرفه أولا وقبل كل شيء، وبعد ذلك كان بإمكانه مقارعة نقد جوناسبرووست. وبالرغم من أن إيمانا خالصا وحقيقيا لا يمكن أن يفرض من الخارج كصفة كلية؛فإنه يمكن في المقابل اتباع سبل غير مباشرة لمنع الناس من الوقوع في الخطأ والضلال،وهدايتهم  إلى  الطريق المستقيم. "أعترف أن العقل والحجج هما فقط الوسيلتان الوحيدتان  المناسبتان اللتان من خلالهما لا يمكن للذهن أن يقبل أية حقيقة إذا لم تكن واضحة بذاتها،   وأن الإكراه يبقى أسلوبا غير ملائم لاستعماله لهذه الغاية،  بدل العقل والحجج.  فاستعماله مثلا لغير الإقناع بما يملكه من فعالية خاصة (وهذا ما لا يمكن القيام به)، وإنما فقط لدفع الناس إلى النظر في المبررات والحجج الكفيلة بإقناعهم. وفي حالة إكراههم على تبنيها فإنهم لن ينظروا فيها: لا يمكن لأحد أن ينفي -بطريقة غير مباشرة- ما تقدمه هذه الفكرة من خدمة للناس لحثهم على تبني هذه الحقيقة،   التي  لن يطلعوا عليها سواء بجهلهم وإهمالهم لها، أو عن طريق الأحكام المسبقة التي يرفضونها ويدينونها دون النظر فيها  بدعوى أنها خاطئة(35).

لتجنب مثل هذه الحجج ضد المرافعة الكلاسيكية عن حرية الضمير أو المعتقد،  دافعباييل-بالاستناد إلى أسس  معيارية- عن أطروحة أن كل شخص ملزم أخلاقيا في هذا الباب بأن يبرر-وبشكل متبادل- أي استعمال للإكراه – الواجب الذي يمكن النظر إليه  بواسطة العقل الطبيعي(36)- كما ترافع بالارتكاز على منظور إبستمولوجي عن تصور مفاده: أنه في حالة وجود اختلاف متافيزيقي بين مذهبين دينيين فلا يحق لأي طرف من الأطراف اللجوء إلى العنف، وتسويغ استعماله ضد الطرف الآخر، مهما كانت هذه المبررات الدينية مقنعة لمستعمله. لم يقدم باييل هذه الحجة؛ لأنه كان ينتمي لدائرة المتشككين في الدين، كما كان شأن الكثير من المفكرين والفلاسفة في تلك الفترة؛ بل قام بذلك؛ لأنه أصر على أن الإيمان هو إيمان وليس معرفة : فمادام لا وجود لدليل معقول بعدم إنكار حقيقة دين أو طائفة معينة، فإن واجب التبرير المتبادل بين الجماعات والطوائف الدينية يقتضي التسامح وليس ال

 

تشكيك بعضهما في بعض؛ لأن ذلك لن يفضي سوى إلى المزيد من الصراع والعنف بينهم.في الحقيقة إن المرء يعرف أن إيمانه الخاص -هو في نهاية المطاف- إيمان،  وإن الإيمان في كل دين مبني على" بداهة  نسبية"(37)،  لكن المرء قد يملك ما يكفي من المبررات للزعم أن إيمانه هو الصحيح  ما دام لا يخالف العقل الطبيعي(38).من هذا المنظورفادعاء بعض الناس -مثل بوسويت(39)- الذين يعتقدون امتلاك الحقيقة ومن ثم يرون أن لهم الحق في  اللجوء إلى ممارسة  العنف بالاستناد إلى تأويلات أوغوستين لكلمات  إجبار الدخول الواردة في إنجيل لوقا، (40) من شأنه ألا يؤدي إلى أية نتيجة ؛أي ببساطة سيفضي إلى  ممارسة سلطة غير مشروعة.و لهذا فمن المضحك والعمل الصبياني -حسب باييل(41)- أن يتم تناول ما هو موضوعُ خلافٍ-أي حقيقة كنيسة ما معارضة لأخرى- في إطار  سجال،يخص المعايير والقوانينالتي ينبغي أن  تنظم الحياة المشتركة بين أفراد المجتمع. فإذا سمح لمثل هذه الحجة أن تكون مقبولة؛ فلنيوجد أي نوع من الجريمة التي لا يمكن تفسيرها تبعا لهذا المبدأ كفعل للدين(42). كماأكد باييل في سياق دفاعه  أن مجتمعا  ينعم بالأمن والسلام  يمكن أن يوجد فقط إذا وجد تحديد عام ومقبول  للصواب والخطأ(43) في استقلال عن الصراعات القائمة حول الكنيسة الحقيقية(44).

لقد أوضح باييل بشكل دقيق  في معجمه الشهير- المعجم النقدي والتاريخي-الفرق بين المعرفة والإيمان، وإمكانية عقل عملي طبيعي،  يقود إلى رؤية في إطار واجب التبرير المتبادل.فهو لا ينظر إلى الإيمان بالمعنى الإيمانيبوصفه مناقضا للعقل،  بل الإيمان من منظوره يوجد خارج نطاق العقل (45) ؛ معنى ذلك أن الإيمان ليس لاعقلانيا،  والعقل نفسه لا يمكنه في الآن نفسه أن يبرهن عن إيمان حقيقي(46). فالعقل الإنساني يجب أن يقبل فيما يتعلق بمسائل الإيمان حدوده الخاصة وتناهيه وحتمية الاختلافات في الرأي المعقولة كما سماها صاحب نظرية العدالة جون رولز لاحقا(47). حسب تصوره الفلسفي فأولئك الذين هم على استعداد لوقف إيمانهم -لأنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا حقيقته بطريقة عقلانية مقنعة، وأصبحوا شكاكا أو ملحدين- ليسوا بمؤمنين حقا. مرة أخرى فالمسيحي الحقيقي الذي أحيط علما بالخصائص الميتافيزيقية للحقائق وبحكم المبادئ الكنيسية الخاصة  التي ثبت عليها، تصبح بالنسبة له سفسطات الفلاسفة مجرد سخرية، وخاصة من يدعون بالبيروويين، الذين عرفوا بمنهج الشك المطلق اقتداء بالفيلسوف اليوناني بيرو؛ فالإيمان يضع المسيحي فوق كل المناطق التي تهيمن فيها عواصف النزاع؛ فأي مسيحي يترك نفسه عرضة لزعزعة عقيدته بواسطة اعتراضات غير المؤمنين ويُروع بهم،  فإنه يقف معهم في الخندقنفسه.(48)

9

تمثل رؤية باييل-بالنسبة لروايتنا- رؤية مهمة جدا، فتبرير التسامح كما أعده في تصوره تجنب السقوط في مآزق الحجة التقليدية المتعلقة بحرية الضمير أو الاعتقاد والتي تكمن في (1) أن ادعاء أوغستينأن الإيمان يكون ممكنا فقط  بمحض الإرادة، لم يقدم حجة  ضد قمع الأخطاء الدينية؛ لأنه من الممكن أن يثمر الإكراه الناعم أو اللطيف معتقدات مخلصة، كما دافع عن ذلك أوغستين المتأخروبرووست،  (2) إن مثل هذا التسامح يمكن أن يستند  فقط على القناعات الدينية الصادقة (في حين أن معيار  هذه المعتقدات يبدو مفتقدا)،  كما يستشهد طبعا  فقط بقناعات دينية وليس بالقناعات الإلحادية. إذا نظرنا إلى التاريخ حديث العهد للفكر الليبرالي سنجدكذلك أن تبرير باييل البديل تجنب المشكل المتمثل في أن منظور الحرية الدينية بوصفها جزءا من فهم شامل للحرية السياسية منظور مبرر؛ لأن الاستقلالية الشخصية هي شرط قبلي للحياة الخيرة. إنها وحدها الحياة التي تعاش تبعا للقناعات النابعة من الداخل، والقائمة على القيم المختارة بشكل مستقل يمكن أن تكون هي الحياة الخيرة(49). نعم هذه الحياة قد تتوافق والعقل؛لكن تظل تصورا للحياة الخيرة  غير قابل للتعميم.  ليس واضحا ما إذا كان أنّ حياة تعاش تبعا للقيم التقليدية غير المختارة -أو قُل ببساطة تبعا لطريقة غير نقدية وعرفية-ستكون حياة سيئة مقارنة مع شكل الحياة التي تعاش تبعا لما تم اختياره من قيم بشكل مستقل. هذا النموذج من الحياة يعني ذاتيا أنها لن تحقق للفرد كل ماهو مطلوب، ويعنيموضوعيا أنها حياة بلا تضخم أخلاقي. إن حياةً حرةً سياسيا، ومستقلة شخصيا، وخيرة أخلاقيا هي ثلاثةُ أشياءمختلفة. بالإضافة إلى هذا، فمثل هذه الحجة من شأنها أن تحد من مجال طرق الحياة المتسامحة التي تم اختيارها أيضا بطرق معينة،  والتي بدورها ستكون محكومة برؤية ضيقة.

أطروحتي البديلة تدعو بدورهاطبعا إلى نوع من الاحترام لاستقلالية الأشخاص؛ لكن هذا الاحترام لا يقوم على أساس تصور أخلاقي معين للحياة الخيرة، و إنما على تصور أخلاقي للشخص بوصفه كائنا عقلانيا  يتمتع بما  أسميته في سياق آخر بالحق في التبرير(50). هذا الحق الأساسي الأخلاقي في  التبرير يتأسس على مبدأ عام قابل للتكرار، بحيث إن أي معيار لكي يشرعن الإكراه (أو إذا تحدثنا بمعنى عام نقول: إن للمعيار أهمية أخلاقية تبرر التدخل في أفعال الآخرين) مُطالبٌ بأن يكون صالحا عموميا وتبادليا، ولهذا يحتاج إلى أن يُبرر عن طريق التبادلية؛ أي تبادل المبررات بين المعنيين بالأمر وأن يستوفي شرط العمومية بحيث تكون المبررات غير قابلة للرفض من لدن الجميع نظرا لمعقوليتها. فالتبادلية تعني هنا أنه لا هذا الطرف ولا ذاك ينبغي أن يطالب بحقوق معينة أو موارد يمنع الآخر من المطالبة بها،  وهذا ما أسميته بتبادلية المضامين.كما أنه لايحق لطرف من الأطراف أن يبرز أولوية مبرراته الخاصة (القيم، المصالح، والحاجيات) إزاء مبررات الآخرين، وذلك للدفاع عن مطالبه،  و هذا ما أسميه بتبادلية المبررات. فالمرء يجب أن يكون على استعداد في هذا الباب للدفاع عن المعايير الأساسية التي تقوم صلاحيتها على مبدأي العموميةوالتبادلية، وأيضا ارتباطها بمبررات لا تقوم على حقائق "عليا(51)" أو على تصورات للخير هي موضع خلاف، ويمكن الشك فيها بطريقة عقلانية، وتكون قابلة للرفض والطعن في مصداقيتها، دون أن يؤدي ذلك إلى أي انتهاك للاحترام المتساويبين الأشخاص الأخلاقيين. وأخيرا تعني العمومية أن المبررات المتعلقة بهذه المعايير لا يجب ألا تكون حكرا على بعض الفئات المهيمنةفقط، بل يجب أن يتقاسمها جميع الأشخاص المعنيين بها(52).

ينبغي أن أؤكد هنا على كلمة "(53) متقاسم" ؛لأن معيار التبادلية والعمومية(54) يسمح كذلك بالحكم على تبريرية  المطالب، حتى إذا لم يكن من الممكن التوصل إلى  إجماع حولها.وهو-طبعا-إجماع  ينتظره الجميع(55) . يمكن باختصار في هذا الإطار إدراج بعض الأمثلة: فالذين يدافعون عن المساواة في الحقوق المتعلقة بالزواج المثلي لديهم حجة أفضل في هذا الباب -بالاستناد إلى معيار التبادلية- مقارنة بالحجة التي يقدمها مَن يستندون إلى فهم ديني لطبيعة العلاقة الزوجية القائمة على نزاع متبادل. والذين يريدون منع ارتداء الحجاب بالمدارس -سواء كانوا مدرسين أو تلاميذ- يجب عليهم أن يبينوا إلى أي حد أن هذا الارتداءللحجاب والرموزالأخرى فيه انتهاك لمبادئ الحقوق الأساسية وللمبادئ الديمقراطية. والذين يريدون قانونيا تعليقالصليب على جدران الأقسام بالمدارس العمومية يجب عليهم أن يبينوا إلى أي حد أن فعلهم هذا يتوافق مع الحقوق المتساوية للمواطنة في جماعة سياسية قائمة على التعددية الدينية. إنه لمن غير المؤكد  ماإذا كان من الممكن تقديم مثل هذه الحجج في المثالين الأخيرين(56). فعلى أساس معياري التبادلية والعمومية يظهر أن بعض المبررات في مثل هذه السياقات غير قابلة للرفض بطريقة عقلانية إذا جاز لنا  استعمال  خاص لعبارة طوماسسكانلون(57).

الأساس المعياري لهذا التصور للتسامح يقدم المطلب الأخلاقي لاحترام الاستقلالية الأخلاقية للآخر،  بوصفه كائنا مقدما ومتلقيا في الآن نفسه للمبررات.إذا كان الذين احتُرموا بهذه الطريقة يعيشون في الأخير حياة أخلاقية أفضل يمكن أن تكون موضوع تقييم مختلف؛فإنه-وبالرغم من ذلك-لا يسمح بأي تنازع حول واجب التبرير ومعايير التبادلية والعمومية، كمعايير ضرورية لبناء مجتمع متسامح يخضع لمعايير معقولة ومقبولة. هنا يكمن إذن المكون المعياري لتبرير التسامح؛بينما المكون الابستمولوجي أو المعرفي يقوم عل أساس رؤية تكمن في نهائية العقل.فعقلنا غير قادر على أن يقدم لنا جوابا نهائياواحدا وخاصا عن سؤال يتعلق بماهية  الحياةالخيرة،  كما أن العقل وحده غير قادر على تبيان أن كل التصورات الأخلاقية  الأخرى هي تصورات خاطئة.

لكن المهم في هذا السياق هو أن التسامح-حسب هذا التصور- معناه أن تتوفر لك الإرادة والقدرة على التمييز بين القناعات الأخلاقية حول الحياة الخيرة والحقيقية من جهة،  وبين المعايير الأخلاقية العامة والمبادئ من جهة أخرى، و التي يعتقد المرء ( مع الاعتماد على مبررات جيدة) أنه من اللازم على كل شخص أن يعترف بها بغض النظر عن تصوراته الخاصة للخير؛ لأنها تظل مبادئ  ومعايير من غير الممكن رفضها تبادليا وعموميا(58). وبالعودة إلى نظرية باييل سنجد أنها تتضمن مثل هذا التمييز المشار إليه، وبالنظر إلى تاريخ التسامح يمكن للمرء الجزم أن مثل هذا التمايز على المستويين النظري والعملي يمثل أهم مكسب تحقق في الخطاب الفلسفي للتسامح. هذا التمايز له ثمنه لأنه؛ جعل من التسامح-حسب التصور القائم على الاحترام كما لخصت سلفا-فضيلة سياسية وأخلاقية(59) مطلوبة بشكل كثير في المجتمع. فالثمن يكمن في أن المرء في الحالة التي لا يستطيع أن يقدم فيها حججا غير قابلة للرفض تبادليا وعموميا بالنسبة لحكمه الأخلاقي؛فإنه من اللازم عليه أن يقبل بأنه  لاوجود لتبرير يجعل هذا الحكم أساسا لمعيار عام ملزم للجميع(60)

10

بالعودة إلى المكونات الثلاثة للتسامح نجد أن الفرق الرئيس بين التصور الترخيصي للتسامح ونظيره القائم على الاحترام المتبادليكمن في أن مكونات التسامح في التصور الأول تحددها القناعات الأخلاقية للأغلبية المهيمنة أو للسلطة الحاكمة،   بينما في التصور الثاني للتسامح القائم على الاحترام المتبادل يتحدد الأمر بطريقة مختلفة: يمكن أن يستند مكون الرفض على وجهات نظر أخلاقيةأو دينية خاصة بجماعة معينة ؛بيد أن مكون القبولينبغي أن يتبع معياراًأخلاقيا لمعرفة ما إذا كانت مبررات الرفض مبررات جيدة بما يكفي لكي تكون مبررات للرد أو الاعتراض،  بمعنى  معرفةما كانت هذه المبررات   مبررة  تبادليا وعموميا. إذا تبين أنالمبررات كافية لتبريرحكم إيتيقي(61) سلبي،   ولكن ليسلتبرير حكم أخلاقي سلبي، فإن التسامح يصبح في هذه الحالة أمرا مطلوبا. لذلك يتوجب على المرء أن يرى أن الحكم الإيتيقي الخاص بجماعة معينة  لا يبرر أية إدانة أخلاقية أو اعتراض. وهذا هو الإدراك الفعلي  للتسامح. فالفرق الحاسم يكمن-إذن-في الطريقة التي يجري بها  وضع حدود للتسامح: فهل يتم ذلك على أساس قيم إيتيقية  خاصة بجماعة معينة أو على أساس أسباب ومبادئ مبررة بشكل متبادل ؛أي المبادئ التي تظل دائما  مفتوحة على  النقد الموجه  لمضمونها ولعلاقات التبرير الاجتماعية والمؤسساتية القائمة المشكلة للشروط العامة التي وفقا لها تتحدد كيفية الوصول لهذه المبادئ(62).

11

كما أشرت سابقاً ستكون روايتنا متفائلة جداً إذا افترضنا من الناحية التاريخية- أن تصور التسامح القائم على الاحترام المتبادل أصبح هو التصور السائد. وهذا ليس صحيحا، لا على مستوى ممارسات التسامح، ولا على مستوى الكتابات المهمة التي تناولت هذا الموضوع. فالفكر التنويري قبل كانط أدرك بالكاد مستوى التصور الفلسفي للتسامح كما طوره فيلسوف التسامح بيير باييل. وكانط نفسه تشبث بفكرة أن إنهاء الصراع الديني مسألة ممكنة عن طريق ما أسماه بدين العقل الموحد أو الدين العقلاني،  وهي الفكرة نفسها التي سبق لباييل أن شكك فيها بالاستناد إلى حجج ومبررات مؤسسة بشكل جيد(63). ولهذا فالفكرة العامة التي تقول بأن التنوير جسّد قمة  ما وصل إليه الفكر بشأن التسامح،  وأنه حقق خطوة هامة، تم من خلالها تجاوز التسامح عن طريق مأسسة الحق في الحرية الدينية عقب الثورتين الأمريكية والفرنسية،  هي فكرة مغلوطة. فلا شك أن التنصيص على الحق الأساسي المتعلق بالحرية الدينية شكل خطوة حاسمة لتجاوز التصور الترخيصيللتسامح،  الذي كان سائدا من قبل؛ لكن من الخطأ الافتراض أن هذه الخطوة قادتنا إلى "ما وراء التسامح" ، أو بالأحرى أن نقول الاستغناء عن التسامح. وذلك لسببين: الأول: لأن التسامح لازال فضيلة مطلوبة لحد الآن كما أشرت من قبل،  لكن التسامح المطلوب في وقتنا الراهن تسامح له بعد أفقي بين المواطنين بوصفهم المعنيين به أولاً وأخيراً. فالمواطنون هم مصدر الحق ومتلقيه في الآن نفسه.  السبب الثاني،  يبدو انطلاقا من منظور نقدي أن التصور الترخيصي لازالت له راهنيته حالياً،  وذلك بناء على النقاشات الدائرة حول الحق في الحرية الدينية والتأويلات التي يخضع لها هذا الحق في المجتمع المعاصر، بما في ذلك المجتمعات الديمقراطية. فهل هذا يعني ببساطة أن هذا الحق يتضمن أن الأقلية ليست مرغمة على التخلي عن قناعاتها الدينية الخاصة بها؟ أم أن هذا الحق يقتضي أن تحظى  الأقليةبالمكانة السياسية والعمومية نفسها في المجتمع أسوة بالأغلبية  المهيمنة والحاكمة؟

صحيح أن التصور الترخيصي الاستبدادي القديم للتسامح لم يعد له أي وجود يذكر في الدول الديمقراطية الحديثة؛ لكن لازالت توجد لحد الآن صراعات دائمة بين الشكل الديمقراطي للتصور الترخيصي للتسامح ونظيره القائم على الاحترام المتبادل بين المواطنين. ولهذا إذا أردنا القيام بعمل جينيالوجي لفكرة وممارسة التسامح،  فيلزمنا أن ندمج الروايتين معا في رواية واحدة.

12

أخيراًما هو الدرس الذي يمكن استخلاصه من هاتين الروايتين الاثنتين للتسامح في سياق نظريتي الاعتراف والتحرر؟

يمكن تلخيص مجمل الاستنتاجات في خمس نقط أساسية:

أولاً: يتضمن التسامح دائما -كماقلت- مكونات الرفض والرد أو الاعتراض،   بمعنى يوجد حكم معياري سلبي كما توجد حدود للتسامح. فالتسامح لم يكن أبدا شكلا كاملا للاعتراف الإيجابي بهوية الآخر ومجموع ممارساته.وبالمقارنة مع مثل هذا النموذج المثالي للاعترافيتضمن التسامح إهانة.

ثانياً: التسامح -حسب التصور الترخيصي- هو اعتراف الأغلبية بالأقلية، أو اعتراف سلطة حاكمة بحماية الأمن والحرية الأساسيتين للأقليات؛ لكن في الآن نفسه تمارس شكلا معقدا من السلطة بصيغتيها القمعية والإنتاجية، وهما صيغتان على عكس ما يقول به  فوكو أراهامتعاضدتين فيما بينهما. فالاعتراف بالأقلية بوصفها أقلية مختلفة وغير عادية، ومنحها وضعا في المجتمع القائم-هو بالضبط اعتراف بمواطني الأقلية كمواطنين من الدرجة الثانية؛ أي كمواطنين لا يتمتعون بالقدر نفسهمن الحقوق. فهذا النوع من الاعتراف والتسامح الذي تحظى به الأقلية يعني أيضا خضوعها للسيطرة،  وهذا في حد ذاته إهانة واضحة لها.

ثالثاً: يمثل تصور التسامح القائم على الاحترام المتبادل بديلا للتصورات الأخرى،  خاصة التصور الترخيصي، وهو تصور له جذور معيارية وتاريخية؛ فالتبرير الأكثر إقناعا لهذا التصور هو ذلك الذي يعود إلى الحق الأساسي في التبرير في ارتباط مع نظرية للتمييز بين المعرفة العامة من جهة، والقناعات الأخلاقية أو المعتقدات الدينية من جهة ثانية.هذه المعتقدات الأخيرة غالبا ما تظل موضوع اختلاف عقلاني بين الناس.فهذا النوع من التسامح يقتضي شكلا مركبا من الاعتراف والوعي بالذات؛ لأن المرء عندما ينظر للآخرين كأشخاص متساوين أخلاقيا ومواطنين لهم نفس المكانة، فإنه يعرف أنه مدين لهم بشكل من الاحترام المبدئي وبالتبريرات المتعلقة بالمعايير والمؤسسات التي يخضعون لها. يكمن التعقيد في وجوب قدرة المرء على التشبث بقناعاته الأخلاقية،  لكن في الآن نفسه بقدرته على تَنسيب قناعاته في الحالات التي يشتد فيها الخلاف حول مفهوم الخير،  وأن يكشف عن استعداده لأن يكون متسامحا إزاء المخالفين له. فالتساؤل عن دلالة  هذا الأمر على مستوى الممارسة لازال موضع خلاف؛ لكن من الناحية المبدئية لا أحد ملزم بالتخلي عن هويته لكي يكون متسامحا على هذا النحو. وليرد على الحجة "السكيزوفرينية" المتداولة التي تقول بأن مثل هذا النوع من التسامح يقتضي ذاتا وروحا ممزقين. لكن لماذا ينبغي على المرء-من جهة-ألايعتقد بأن الصليب هو الرمز الصحيح،   ومن جهة أخرى، أن يكون مقتنعا بأن تعليق هذا الرمز في القِسْم بالمدرسة العمومية -بمقتضى القانون-هو فعل مجانب للصواب؟

رابعا: إذا نظرنا إلى الأمر بهذه الطريقة،  سنجد أن فكرة  احترام الأساس الأخلاقي للحق في التبرير،  هي الفكرة الموجهة لنا للانتقال من الشكل الإكراهي والهرمي  إلى الشكل الديمقراطي للتسامح القائم على الاحترام المتبادل. فكل واحد منا يجب أن يتعلم النظر إلى نفسه،  وإلى الآخرين باعتبارهم أشخاصا أخلاقيين يتمتعون بنفس الحق. فوحدها إجراءات التبرير البيذاتي وبالاعتماد على معياري التبادلية والعمومية هي التي بإمكانها أن تحدد دلالة الشكل الأساسي للاحترام في الممارسة. ونتيجة ذلك، فالمنظور المعياري للحق في التبرير-دون معياري التبادلية والعمومية -يظل منظورا من دون مضمون. من المنظور المعياري دائمايظل المنظور الأخلاقي الجوهري في الحق في التبرير والمعايير الإجرائية للتبادلية والعمومية يحظيان بأولوية مطلقة إزاء تصورات الخير. فلا توجد في السياق السياسي للعدالة أية معايير جوهرية وأساسية تحدد من له دَين إزاء الآخر في تحديد أي نوع من الاعتراف يجب أن يكون. فكل شيء يتحدد في إطار بيذاتي. من هذا المنظور،  فالعقل التبريري العملي هو عقل مستقل(64).

خامسا: لكن هل يمكن للغة الاعتراف أن تقدم المصادر الضرورية لتفسير دوافع وأهداف الفاعلين الاجتماعيين في صراعاتهم السياسية؟ وهل ندرك في هذا المضمارحدود المقاربة الكانطية المجردة على أساس أنها لا يمكن أن تقدم أساساً لنظرية نقدية تهم الصراعات الاجتماعية؟(65).

للإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي التمييز بين شرط وهدف الصراعات من أجل الاعتراف،  مثل الصراعات ضد التعصب أو ضد الأشكال الخاطئة والمتغطرسة (66) للتسامح.

يبدو أن شرط التسامح له وجهان مختلفان: أولا: يجب على الذين يخوضون في هذه الصراعات أن يكون لديهم مسبقا وعي بأنفسهم بوصفهم ذواتا أخلاقية متساوية إزاء الأغلبية التي تعاملهم بطريقة سيئة.كما يتوجب عليهم أن يطوروا هذا الوعي قبل خوضهم في أي صراع. لكن في حالة عدم حصول هذا الوعي، فإنهم سيظلون دائما في وضعية دونية يميزها الخضوع والخنوع.

ثانيا:يجب عليهم أيضاأن يصوغوا لأنفسهم معنى إيجابيا عن هويتهم الثقافية والدينية،  بوصفها هويتهم الخاصة التي لها قيمتها،  قبل الانخراط بشكل كامل في صراعات اجتماعية من انتزاع الاعتراف بها.كما يتوجب عليهم أيضا-قبل وأثناء الصراع- أن يصوغوا لأنفسهم هوية، تكون هي ذلك الدافع الذي يخول لهم خوض الصراع من أجل العدالة.ونتيجة لذلك يبدو أن تحديدا إيجابيا لهويتهم والاعتراف بها وتحقيق نوع من الاعتزاز بالنفس غير مرهون- لا على أساس المستوى الأخلاقي،  ولا الديني الأخلاقي الواقعي- بالاعتراف الذي تمنحه الأغلبية. فالحكم بأنهم تعرضوا لمعاملة سيئة وغير عادلة يقتضي تطوير هوية أخلاقية وإيثيقية (ولو أنه لا وجود لهوية تشكلت تماما  بشكل مستقل). لقد تشكلت الهوية-كما أشرت في العديد من الحالات سابقا-عبر شكل محدد من الاعتراف المتخيل، وبالخصوص الاعتراف من لدن الله عبر وساطة الاعتراف الاجتماعي داخل الجماعة الدينية.

لكن ما الهدف من وراء مثل هذه الصراعات من أجل العدالة؟ أي الصراعات التي لا تستهدف قلب بنيات السلطة؟ أعتقد أن هدف الصراع لا يمكن تقييمه بناء على موقف أولئك الذين يعتقد المرء أنهم مخطئون دينيا وأخلاقيا(67) لكن الهدف هو احترامهم بوصفهم ذواتا متساوية سياسيا وأخلاقيا، بالرغم من الاختلافات العميقة؛أي احترامهم بوصفهم أشخاصا لهم كامل الحق في التبرير. هذا الهدف الأساسي يكمن في أن لهم كامل  الحق في أن يعيشوا حياة يعتقدون أنها الحياة التي تستحق أن تعاش كما ينص عليها الله أو كما تراهما الجماعة الدينية. بتعبير سلبي نقول: إن الهدف يكمن في الرغبة في الحرية، أو بتعبير إيجابي نقول الرغبة في الاعتراف بهم كذوات متساوية قادرة على أن تعيش حياة تبعا للمعايير التي تراها الجماعة معايير خاصة بها. ولهذا فالدافع الأساسي للصراع من أجل تسامح منصفيكمن في معاملة المعنيين به بشكل عادل ومنصف لكرامتهم بوصفهم ذواتا أخلاقية. فاللغة الأولية للنقد كانت ولازالت هي لغة السلطة، ولغة التساؤل عن الأسباب المبررة للمعايير والمؤسسات التي يخضع لها الجميع(68)،  وليست بالدرجة الأولى لغة الاعتراف بالمعنى الجوهري للكلمة(69).ومن ثم فيما يخص الشروط التحفيزية،وأيضاأهداف الصراع من أجل التسامحوالاعتراف، يبدوأن الاعتراف الاجتماعي العام بهوية ما هو اعتراف له قيمة، بحيث يمكن للمرء  فقط من خلال هذا النوع من  التقدير أن يعرف بشكل جيدمن هو الشخص الذي أريد له ألا يلعب أي دور. فالفاعلون في مثل هذه الصراعات يعرفون أن مثل هذا الشكل الايثيقي(70)من الاعتراف -إذا استعملنا عبارة هيغلهنا- يصعب تحققه. لكن رغم ذلك فهم يعتقدون  بضرورة وإمكانية العدالة.

-----------------------------------------------------

المصطلحات الواردة في النص

 

ألمانية

عربية

Konsens

إجماع

Respekt

احترام

Plichtgefühl

إحساس بالواجب

Differenz

اختلاف

Moralität

أخلاق

Absolutismus

استبداد

Autonomie

استقلالية

Unterdrückung

 اضطهاد

Umverteilung

إعادة التوزيع

Anerkennung

اعتراف

Mehrheit

أغلبية

Exklusion

إقصاء

Minderheit

أقلية

Atheismus

إلحاد

Menschlichkeit

إنسانية

Beleidigung

إهانة

Glaube

إيمان

Disziplinierung

تاديب

Rezipozitat

تبادلية

Rechtfertigung

تبرير

Rechtferbarkeit

تبريرية-مشروعية

Emanzipation

تحرر

Toleranz

تسامح

Eralubnis-Konzeption

تصور ترخيصي

Respekt-Konzeption

تصور مبني على الاحترام

Inklusion

تضمُن

Zusammenleben

تعايش أو مؤانسة

Meinungsverschedenheit

تعددية الآراء

Fanatismus

تعصب-تزمت

Verstandnis

فهم

Wertschätsung

تقدير

Aufklärung

تنوير

Verteilung

توزيع

Stigmatisierung

وصم

Gemeinschaft

جماعة

Argument

حجة

Grenzen der Toleranz

حدود التسامح

Gewissensfreiheit

حرية الضمير

Religionsfreiheit

حرية دينية

Recht

حق

Naturrecht

حق طبيعي

RechtaufRechtfertigung

الحق في التبرير

Grundrechte

حقوق أساسية

Wahrheit

حقيقة

Herschaft

حكم/سيادة 

Sittlichkeit

حياة أخلاقية أو أخلاق اجتماعية

LockesFuhrcht

خشية لوك

Gute

خير

Vernunftreligion

دين العقل

Zuruckweisung

رد أو اعتراض

Untertan

رعية

Ablehnung

رفض

Auffassung

رؤية

Frieden

سلام

Macht

سلطة

Autorität

سلطة

Toleranzpolitik

سياسة التسامح

Kampf

صراع

Konfessionen

طوائف

Gerechtigkeit

عدالة

Vernunft

عقل

Rechtfertigunsverhaltnisse

علاقات التبرير

Machtbeziehungen

علاقات السلطة

Allgemeinheit

عمومية

Gewalt

عنف

Tugend

فضيلة

Handlung

فعل

Gesetz

قانون

Akzeptanz

قبول

Überzeugung

قناعة

Würde

كرامة

Liberalismus

ليبرالية

Institutionalisierung

مأسسة

Zuruckweisungsgründe

مبررات الرد أو الاعتراض

Ablehnungsgründe

مبررات الرفض

Akzeptanzgründe

مبررات القبول

Gleichberechtigung

مساواة

Norm

معيار

Wiederstand

مقاومة

Komponente

مكون

Toleranzpraktiken

ممارسات التسامح

Staatbürger

مواطن

Ordnung

نظام

KritischeTheorie der Toleranz

نظرية نقدية للتسامح

Identität

هوية

Beherschung

هيمنة

Pflicht

واجب

Loyalität

ولاء

 

المراجع والمصادر:

  1. انظر: Rainer, Forst » Dulden heißt  beleidigen « Toleranz, Anerkennung und Emanzipation, in Kritik der Rechtfertigungsverhältnisse: Perspektiven einer kritischen Theorie der Politik, Suhrkamp Verlag Berlin, Erste Aufflage,2011, Seiten 155-178.

لقد ترجمت المقال بالاعتماد على النسخة الألمانية التي صدرت في الكتاب المشار إليه أعلاه وعنوانه بالعربية " نقد علاقات التبرير :منظور النظرية النقدية للسياسة". كما استأنست بالترجمة الإنجليزية  قصد الاستفادة من اجتهادات المترجم الإنجليزي في كيفية تعامله مع لغة راينر فورست التي لا تقل تعقيدا عن لغة يورغنهابرماس. ففورست بوصفه أحد تلامذته بين غير مرة  قدرته على النهل من  فكر وأسلوب  أستاذه.   لكن أثناء  صياغة المعنى العربي كنت غالبا ما أحتكم فيه لبنية الجملة الألمانية كما صاغها فورست في النص.

أود أن أشكرالأساتذة:  عزالدين الخطابي (المدرسة العليا للأساتذة بمكناس)،  محمد مزوز(كلية الآداب،   جامعة محمد الخامس بالرباط) حسن الطالب والبشير التهالي(كلية الآداب، جامعة ابن زهر،  أغادير)،  على تفضلهم بالمراجعة اللغوية لهذا النص وعلى الاقتراحات والتصويبات التي قدموها لتجويد النص في صيغته العربية النهائية.  كما أشكر الباحث محمد بسيوني بجامعة فرانكفورت على مراجعة النص ومقارنته بالصيغة الألمانية وعلى اقتراحاته القيمة. كما أقدم شكراً خاصاً لراينر فورست نفسه على دعمه لمشروع نقل أعماله إلى العربية.

 

  1. انظر: Johan Wolfgang Goethe,Maximen und Reflexionen, 507
  2. انظر: Voltaire « Tolerance ».
  3. فيما يتعلق بمكوني  التسامح أتبع كينغ برستون، كما ورد في الفصل الأول من كتابه حول التسامح. في السياق نفسه يميز نيوي في تحليله البنيوي للتسامح في الفصل الأول من  كتابه " الفضيلة، العقل والتسامح" بين ثلاثة أنواع من المبررات  التي يقدمها بطريقة مختلفة عن التأويل الذي أقترحه في نظريتي حول التسامح. وللمزيد   حول هذه المناقشة يمكن العودة إلى الفصل الأول من  كتابي" التسامح في إطار النزاع". لتسهيل مهمة القارئ  العربي قصد العودة إلى المراجع المشار إليها في إحالات فورست،   سأعمل على ذكرها باللغات التي وردت في إلإحالة بعد ترجمة الهامش.

King, Preston, Toleration. New York, 1976.

Newey, Glen, Virtue, Reason and Toleration.The Place of Toleration in Ethical and Political Philosophy, Edinburg 1999.

  1. انظر: Zurückweisung.

ارتأيت ترجمة المصطلح الألماني بكلمة الرد أو الاعتراض في العربية وليس بالرفض:  لأن  الكلمة الألمانية تضمن إمكانية تفحص شيء ما  وبالتالي الرد أو الاعتراض عليه نجد في معجم المعاني " اِعْتَرَض على أَقْوالِهِ أَوْ أَفْعالِهِ وناقشه فيها : أَنْكَرَها،   عَدَّها خاطِئَةً.  وهذا ما يقصده فورست بالمكون الثالث للتسامح.  بينما المكون الأول مرتبط  بالرفض من البداية.وفي الألمانية ترد الكلمة أيضا بمعنى رد الشيء إلى حدوده وهذا ما يقصده فورست عندما يتكلم عن حدود التسامح. أي هذه الحدود تتحدد من خلال عرض المبررات للمناقشة،  ومن ثم هناك إمكانية للرد على مبررات غير مقنعة والاعتراض عليها. 

  1. انظر: في هذا الإطار مقال حدود التسامح

Rainer, Forst, Grenzen der Toleranz , in W. Brugger u. G.Haverkate(Hg),Grenzen als Thema des Recht –und Sozialphilosophie,ARSP-Beiheft 84,Stuttgart 2002,9-21

  1. انظر: Huguenot
  2. انظر: مرسوم نانت: أول اعتراف رسمي بالتسامح الديني بادرت إليه دولة أوروبية كبرى. حيث وقَّع ملك فرنسا هنري الرابع القرار في مدينة نانت بتاريخ 13 أبريل 1598م. قبل توقيع القرار،  مر على فرنسا خمسون عامًا من الصراع الداخلي والانقسام الديني.. لقد سمح  هذاالقرار للبروتستانت الفرنسيين الذين يُطلق عليهم اسم الهوغونوت بحكم حوالي مائة مدينة محصنة لمدة ثماني سنوات. كما منحهم حرية المعتقد،  والمساواة الاجتماعية والسياسية مع الأغلبية الرومانية الكاثوليكية،  ونوعًا من حرية العبادة. طُبق القرار بجدية حتى وفاة الملك سنة 1610م،  بعد ذلك ألغاه الملك لويس الرابع عشر سنة 1685م. ونتيجة لهذا غادر نحو 200,000 هوغونوتي فرنسا. http://www.marefa.org/index.php (المترجم)
  3. انظر: الوصم أو التحقير  الاجتماعي هو النظرة الدونية والاستعلائية التي تمارسها الأغلبية الحاكمة إزاء الأقلية المحكومة.  ويندرج في هذه النظرة أيضا المعاملة التي تتسم للأقلية بالسماح لها ببعض الحقوق وحرمانها من حقوق أخرى على أساس أنها تشكل طبقة اجتماعية تتألف من مواطنين من الدرجة الثانية. وهذا ما عرفته أوربا في سياستها في التسامح إزاء الأقليات الدينية. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى وصم الطبقة المهيمنة لبعض الأقليات ببعض الرسوم أو العلامات دلالة على التحقير مثلما حدث لليهود في أوربا، في الوقت الذي كانت توضع على صدورهم نجمة سداسية ، فالتحقير مبني على أساس أن الأقلية لا تقاسم الأغلبية معاييرها الثقافية والاجتماعية والأخلاقية وهذا ما كان  ينطبق على فئة البروتستانتية في علاقتها بالكاثوليك كأغلبية مهيمنة (المترجم)
  4. انظر: مقالة كانط ما التنوير وأيضا خطاب ميرابو الذي تقدم به أمام الجمعية الوطنية في أغسطس من سنة (1789)  حول فكرة التسامح : Kant, Emmanuel, Was ist Aufklärung,40 in Kant Werk VIII hg.v. d. Kgl. Preußischen Akademie der Wissenschaft ,ND ,Berlin 1968. Vgl Mirabeau Rede vor der Nationalversammlung am 22 August 1789,in H.Guggisberg(Hg),Religiose Toleranz.  Dokumente zur Geschichte einer Forderung ,Stuttgart, Bad Canstadt,1984,289,f

بالنسبة للترجمة العربية لمقالة كانط" ماهو التنوير" توجد العديد من الترجمات التي قدمت لهذا المقال، منها ما أنجز عن الفرنسية  وبعضها عن الإنجليزية.لكن الترجمة الوحيدة التي أنجزت مباشرة عن النص الألماني والتي أراها ترجمة علمية دقيقة هي تلك التي قام بها الأستاذ  إسماعيل مصدق:" ماهو التنوير" مجلة فكر ونقد،   العدد الخامس(1998) (المترجم )

 

  1. ذكر مثال الثورة لكنه  غير وارد في النص الأصلي الألماني،   بل في الترجمة الإنجليزية والهدف منه التوضيح فقط
  2. انظر: UniformitätundKonformität
  3. انظر: Stigmatiziert
  4. انظر: بهذا الشأن براون " تأملات حول التسامح في عصر الهوية Vgl. Brown, Wendy,  Reflexionen über Toleranz im Zeitalter der Identität, in R,Forst, Toleranz,Frankfurt,M.2000,257-281

 

  1. قد نتفق مع فورست في هذا التوصيف بخصوص وضع اليهود في أوروبا إلى حدود الحرب  العالمية الثانية. لكن في المقابل هذا الأمر لا ينطبق عليهم بالصورة نفسها في المجتمعات الأخرى. خذ على سبيل المثال وضعهم في الأندلس زمن الحكم الإسلامي وأيضا في زمن حكم صلاح الدين الأيوبي. زيادة على ذلك يمكننا القول:إن الجناح الصهيوني لليهود يمارس حاليا أبشع قمع في تاريخ البشرية ضد الفلسطينيين متناسيا هذا الماضي الذي فيه اليهود قد عانوا من الإهانة. فوق ذلك،  فالمثقف الغربي -وخاصة الألماني- تجده دائما يريد إنصاف هذه الفئة والتضامن معها،  لكن لا نجد الحماس نفسه في مناصرة الشعب الفلسطيني. (المترجم )
  2. انظر: Excludierende Inklusion
  3. انظر: Stigmatisierung
  4. انظر: KritischeTheorie der Toleranz/Critical theory of toleration
  5. انظر: راينر فورست، الفصل الثاني عشر  من كتاب "التسامح في إطار النزاع".أودأنأشيرهناإلى أنني أستعمل مصطلح "التسامحالقمعي" بدلالة تختلفعن تلك التي استعمله بها هربرتماركوزهفي مقاله "التسامحالقمعي.".ففي الوقت الذي وصف  نسق التسامح بوصفه قمعيا عندما يعمل على حجب علاقات السلطة الظالمة  بطريقة إيديولوجية، وذلك عن طريق  تحييد المعارضةالحقيقية، في مقابل هذا الاستعمال الذي يربط فيه ماركوزه بين التسامح والإديولوجيا،  أصف أشكال  التسامح بوصفها قمعية عندما تعمل على المحافظة وتدعيم علاقات السلطة غير المبررة،  وذلك، بإجبار أولئك الذين يخضعون للهيمنة على قبول وضعية دونية في الهرم الاجتماعي. النظرية النقدية للتسامح التي أتبناها وأطورها تنبني على أساس نقد وتحليل علاقات التبرير بين أعضاء البنية الأساسية السياسية والاجتماعية. انظر أيضا في سياقات مختلفة كتابي " الحق في التبرير". 
  6. انظر: مناقشة هذا المثال في الفصل الثاني عشر من كتاب " التسامح في إطار النزاع"
  7. انظر: مقالات فوكو " ما النقد" وتحليل السلطة". لكن فوكو لا يفحص في أعماله هذه الممارسات الحديثة للتسامح بوصفها أشكالا للسلطة Foucault,Michel, Analytik der Macht,Frankfurt/M.2008.Vgl Was ist Kritik?,Berlin,1992
  8. لازال التحليل الكلاسيكي لمثل هذه الأشكال من الوعي المزدوج يعتمد  كتابدوبوا " روح الشعب الأسود Du Bois , The Soul of the Black Fulk”, New York,1995
  9. انظر: Sittlichkeit – Moralität يميز هيغل بين الحياة الأخلاقية للجماعة والأخلاق الذاتية ؛فالأولى تعني القيم ومعايير الجماعية المشتركة بين مجموعة ما،    بينما الثانية تحيل إلى الأخلاق الفردية التي يتمتع بها الفرد في سياق جماعة معينة.
  10. انظر: سكينر في كتابه " أسس التفكير السياسي الحديث"،  الجزء الثالث Vgl Skinner, Quentin, The Foundations of Modern Political Thought Bd 2,Cambridge,1978
  11. انظر: بخصوص هذا العصر رتشارد ساغ" الهيمنة، التسامحوالمقاومة:دراسات حول نظريات التسامح السياسي للثورتين الإنجليزية والهولندية Saage,Richard,Herrschaft , Toleranz,Widerstand.Studien zur politischen Theorie der niederländischen und englischen Revolution, Frankfurt/M,1981
  12. انظر: Vgl. Librune, John « Englands Birth-Right Justified » 1645 , in W.Haller (Hg.),Tracts on Liberty in the Puritan Revolution,Bd.3,New York, 1965,257-308
  13. صفة لكنيسة بروتستانتية يدير شؤونها شيوخ منتخبون يتمتعون كلهم بمنزلة متساوية
  14. انظر: Walwyn , William, « A Help to the Right Understanding of a Discourse Concerning Independency » 1644/45,in J.R McMichelu.B. Taft (Hg.), The Writings of Williams Walwyn,  Athen 1989.P 136f.Ûbers Rainer Forst. مساعدة للفهم الحقيقي للخطاب المتعلق بالاستقلال،  كتابات وليامز واين. ترجمة الاستشهاد من الإنجليزية إلى الألمانية من إنجاز راينر فورست نفسه
  15. انظر: RespektKonzeption
  16. المعمدانيون هو تيار بروتستانتي كان يقول بأن المعمودية (أي أن يُنصر المرء) لا تتم إلا بعد أن يبلغ المرء سنا تمكنه من فهم ذلك
  17. انظر: Lockes Frucht فمن يبتعد عن الله حتى في الفكر،  فمعناه أنه  أنهى كل شيء
  18. انظر: Gegenseitige Toleranz – mutual toleration
  19. القولة الأساسية التي كانت موضع سجال قوي هي قوله: " أجبروهم على الدخول". فهل هذه القولة  تحص على العنف فعلا أم أن لها استعمالا مجازيا؟ فهذه القولة  كان يستند إليها رجال الدين الكاثوليك  لشرعنة منع الهرطقة والارتداد عن الدين،  ومن ثم ممارسة العنف الديني بدعوى هداية الناس إلى الصراط  المستقيم. (المترجم)
  20. للمزيد من الاطلاع على تبرير أوغستينيوس  للتعصب الديني يمكن العودة إلى " رسالته إلى فينتنيوس Augustinus, Aurelius, »  Brief an Vincentius ausgewählte Briefe , München 1917, 333-384 «
  21. انظر: " حجة رسالة في التسامح،  تأمل وجواب مختصران".بخصوص نقد مقنع لجون لوك بالاستناد إلى الأفكار البروستية،   انظر فلدرون " لوك، التسامح وعقلانية الاضطهاد" Waldron Jeremy »Locke , Toleration, and the Rationality of Persucution   « , in Liberal Rights. Collected Paper 1981,88-114 اختلف مع فلدرون في زعمه أن لوك لم يجد حجة معقولة مضادة لبرووست. ولهذا توجب عليه  أن يغير موقفه، وأن ينحىو في اتجاه تبني الحجة المعيارية المعرفية كما وجدناها عند باييل مصاغة في  صيغة أفضل. لقد دافع لوك في رسالته الأخيرة في التسامح على أن استعمال العنف السياسي والديني يقتضي في حقيقة الأمر تبريرا متبادلا، وأن الادعاء الرئيس لبروست بكون حقيقة الكنيسة الإنجليكانية حقيقة لا يراودها الشك؛ هو ادعاء لا سند له.في هذا الإطار يمكن العودة أيضا إلى الرسالة الثانية  في التسامح لجون لوك،  التي طالب فيها من بروست أن يقدم حجة قابلة للتبرير بشكل متبادل،  يقول لوك: " بدون أن تفترض أن كنيستك هي الحقيقية،  وأن دينك هو الدين الحقيقي.  فهذا ما لا يمكن أن يسمح  لك به أيا كانت كنيستك أو دينك؛   أي سواء كنت  بابويا،  لوثريا،  مشيخيا أو داعيا إلى تجديد التعميد (هذه الحركة ظهرت في القرن السادس عشر وهي طائفة في الكنيسة البروتستانتية ترفض تعميد الأطفال، وتدعو إلى إعادة التعميد في الوقت الذي يصل فيه الطفل إلى مرحلة البلوغ –( المترجم ). لا يسمح لك بشكل أكثر مما يسمح به لليهود والمحمديين
  22. باييل "تعليق فلسفي على أقوال يسوع  المسيح"؛ لكن إذا كان ممكنا وضع حدود وقيود  تخص الحقائق  النظرية،  فلا أعتقد أن هذا الأمر ممكن بخصوص المبادئ العامة والعملية التي تخص الأخلاق.أعني بذلك أن كل القوانين الأخلاقية ودون استثناء يجب أن تخضع إلى فكرة العدالة أو المساواة الطبيعية،  التي تُنور كل إنسان موجود في العالم، و هو الأمر نفسه الذي يقوم به ذلك النورالميتافيزيقي.ومن هذا المنطلق فكل واحد يطمح إلى أن يتم الاعتراف بالنور الطبيعي الذي يخص الأخلاق، ينبغي عليه أن يترفع عن مصالحه الخاصة والذاتية وأن يتجاوز أعراف وعادات بلده،  وأن يسأل نفسه بصفة عامة: هل مثل هذه الممارسة  ممارسة عادلة في ذاتها؟ لو كان الأمر يتعلق بإدخال هذه الممارسة إلى بلد لم توجد فيه بعد،  وأن الحرية تكمن في الأخذ بها أو رفضها، فإن المرء سيرى وبعد فحص محايد وعقلاني لها، إذا ما كانت تستحق التبني والعمل بها أم لا. فوحده معيار الفحص المحايد والعقلاني الذي ينبغي إخضاع هذه الممارسة إليه.  (التأكيد من عند باييل
  23. انظر: Ebed.,396
  24. خلافا لتصور باري في كتاب " العدالة بوصفها حيادا"،  يبدو من خلال منظور باييل أنه من الممكن والمعقول بخصوص المسائل المتعلقة بالدين أن "اليقين النابع من الداخل بخصوص منظور ما  يمكن أن يرتبط  بشكل متماسك  مع فكرة أنه من المعقول أيضا بالنسبة للآخرين  الرد على الرأينفسه ".  ص 179من كتاب العدالة بوصفها حيادا
  25. انظر: Vgl.Bousset, Politique tirée de propre parole de l’Ecriture Sainte.
  26. انظر: Luk S 14-23
  27. انظر: Bayle, Commentaire Philosophique,359
  28. انظر: Ebed.,391ff.
  29. انظر: Ebed.,391ff
  30. انظر: فالمتأمل في أحوال العالم العربي والإسلامي خاصة في الحرب الداائرة بالنيابة في سوريا والعراق بين السنةوالشيعة ،والتوترات التي بدأ يعرفها العالم العربي والإسلامي والتهم المتبادلة بين السنة والشيعة في شأن أحقية تمثيل الإسلام الصحيح -يجعل المرء يتخيل أننا لازلنا لم نلج بعد العصر الحديث، الذي تميز بنقاش فكري قوي حول التسامح الديني الذي تجني أوروبا ثماره حاليا.هذا المجتمع الآمن الذي يقصده اللاجئون من العراق وسوريا هربا من هذه الصراعات الطائفية لم يأت من فراغ،   بل نتيجة لمخاض طويل. ترى متى يدرك الإنسان  العربي والمسلم حقيقة أن الحقيقة نسبية ولا يمكن لأحد من هذه الأطراف أن يفرضها على الآخر، ولو بقوة الحديد والنار (المترجم)
  31. انظر: Jenseits der Vernunft- dessus de la raison
  32. يبدو أن الاختلاف في الرأي أو في الآراء خاصية ملازمة للإنسان، ما دام أن  فهمه محدود وقلبه متقلب بين الفينة والأخرى،  الكتاب نفسه ص 418 
  33. انظر: Vgl.  Rawls, PolitischerLiberalismus, 172-141; Larmore, „ Pluralism and Reasonable Disagreement”.
  34. انظر: Bayle,Historisches und Critisches Wörterbuch,642
  35. انظر: Vgl.Kymlika, Multicultural Citizenschip,81. بخصوص نقد ي  لكمليكا يمكن العودة إلى راينر فورست  " أسس نظرية العدالة القائمة على تعددية ثقافية"،   كما يمكن العودة أيضا إلى الرد الذي تقدم به كميليكا في نفس النسخة نفسها  أو يمكن العودة أيضا إلى كتاب  " السياسيات في التداول اليومي".  Rainer Forst, The foundations of a Theory of Multicultural Justice, und die Replik von Kymlika in derselbenAusgabebzw. In ders., Politics in the Vernacular ,Kap.3.
  36. انظر: انظر راينر فورست " الحق في التبرير Rainer Forst, Das Recht auf Rechtfertigung.
  37. انظر: Höhere Wahrheit
  38. بالنسبة لرؤية مشابهة  للتبرير الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ التبادلية،   يمكن العودة إلى كتاب طومبسونوغوتمان  المعنون بـ " الديمقراطية والنزاع"، بالرغم من أنهما لا يستعملان في تحليلهما تصورا للتسامح غير قائم على الاحترام انظر صفحات 62و79وأيضا  251 في نزاع ديمقراطي. Gutmann  and Thompson, “  Democratic Disagreement “ , in S.Macedo(Hg.),Deliberative Politics,Oxford,243-279 Vgl , Democracy and  Disagreement , Cambridge,1996
  39. انظر: Teilbar,shareable
  40. عمومية يقصد بها فورست أن معيارا ما يجب أن يحظى  بنقاش يشارك فيه كل المعنيين تبعا لمبدأ الحق في التبرير بوصفه حقا أخلاقيا. (االمترجم )
  41. أتفق مع والدرون في نصه " التسامح والمعقولية"  بخصوص الوجود الدائم لخلافات حول إمكانية التقارب بين ممارسات ومثل مختلفة للخير في مجتمعات قائمة على التعددية. وفقا لذلك لا أدعى أنني أطور نظرية كانطية ليبرالية جبرية (من علم الجبر ) التي تقدم صيغة عامة لحل مثل هذه الصراعات بطريقة واضحة غير معترض عليها. وهي الإمكانية التي يشكك فيها والدرون نفسه. وإنما أزعم أننا يمكننا بمساعدة معياري التبادلية والعمومية أن نحدد بطريقة معقولة الحجج الجيدة والسيئة بالنسبة لمعايير صالحة  عموما في العديد من الحالات، وذلك في الوقت الذي نأخذ بالضبط  بعين الاعتبار المطالب والمبررات المعطاة.في مثل هذه الأحكام تبدو أهمية استحضار اللاتماثل الحجاجي بين المطالب والمبررات. (هذا الهامش فيه مقطع موجود في النص الانجليزي وغير موجود في النص الألماني )
  42. انظر: فورست " التسامح في إطار النزاع"،  الفقرة "38الذي تمت الإشارة إليه سلفا
  43. انظر: كتاب سكانلون " ما نحن مدينون به بعضنا لبعض؟ ".الفصل الخامس Scanlon,Thomas , What we owe to Each other, Cambridge,/MA 1998
  44. يمكن العودة إلى نصي فورست " سياقات العدالة"(الفصل الخامس) و"الحق في التبرير"(الفصل الثالث )للمزيد الاطلاع على هذا التمييز Vgl Forst, Kontexte der Gerechtigkeit,Kap.5 und  Das Recht auf Rechtfertigung , Kap.3
  45. انظر:  راينر فورست" التسامح بوصفه فضيلة العدالة"، 193-206 VglForst , » Tolerance  as a virtue of Justice « in T.M.Schmidtu.M.G.Parker (Hg),Religion in der pluralistischenÖffentlichkeit , Würzberg 2008.
  46. باييل نفسه يجب إدراجه في هذا الوقف؛لأنه بدوره عدّ التسامح كفضيلة مدنية وأخلاقية. سياسيا صنف باييل في صف " السياسيين" الذين دافعوا عن حاكم قوي مثل هنري الرابع الذي بإمكانه حسب باييل ضمان الأمن وفرضه بالنظر  للصراعات الدينية التي تخترق  المجتمع.
  47. انظر: Ethisch
  48. التأكيد على كلمة التسامح عن طريق الكتابة المائلة هو من وضع الكاتبة أونييل في " ممارسات التسامح" وبومان في " التسامح الانعكاسي في الديمقراطية التشاورية O’Neil , Onora, »Practices of Toleration « , in J. Lichtenberg(Hg.),Democracy and the Mass Media,Cambridge,1990,155-185 Vgl.Bohman ,James, »Reflexive Toleration in a Deliberative Democracy.« , in C.Mckinnonu.D.Cartiglone (Gg.),The Culture of Toleration in Diverse Societies,Manschester 2003,111-131
  49. انظر: فورست" التسامح، الإيمانوالعقل:مقارنة بين باييلوكانط" Forst, , »Toleranz,Glaube und Vernuft. Bayle und Kant im Vergleich «, in H.Klemme (Hg.), Kant und die europäischen Aufklärung,Berlin 2009,183-209
  50. للمزيد من الاطلاع على العلاقة بين التبريروالاعتراف،  يمكن العودة إلى كتابي " سياقات العدالة " المشار إليه سلفا ومقالي " إعادة التوزيع،   الاعتراف والتبرير"المنشور في كتاب " نقد علاقات التبرير Forst, R, Kontext der Gerechtigkeit, und „ Das Wichtigste zuerst: Umverteilung, Anerkennung und Rechtfertigung, in Kritik der Rechtfertigungsverhältnisse.
  51. انظر: بخصوص النقد الموجه لمثل هذه المقاربات في الأبحاث التي أنجزها أكسيلهونث. على سبيل الذكر مقال " إعادة التوزيع بوصفه اعترافا. : رد على نانسي فرايزر Axel, Honneth, Umverteilung als Anerkennung. Eine  Erwiderung auf  Nancy Fraser, in , N Fraser und A Honeth,(Hg), Umverteilung als Anerkennung.  Eine politisch-philosophische Kontroverse, Frankfurt /M2003,129-224
  52. تجاه الآخرالمقصود هنا التصرف بكياسةولطف،  ولكن بطريقة تظهر شعور الشخص بنوع من التفوق فالتسامح هنا مجرد تكرم من  ذلك الذي يحس بالتفوق بحيث يمكنه أن يتراجع عنه في أية لحظة.
  53. أختلف في هذا السياق مع كثير من الكتاب الذين يدافعون عن  أشكال قوية للتقدير بوصفها أشكالا بديلة للتسامح الخالص،  كما أختلف معهم حتى في طرق المرافعة. انظر مثلا شارل تايلور في  " سياسية الاعتراف"،  راتز " التسامح، الاستقلاليةوومبدأ الأذى "،  ساندل " المرافعة الأخلاقية والتسامح الليبرالي: الإجهاض والمثلية الجنسية". مندوس" التسامح وحدود الليبرالية. يبدو لي أن الانتقال المبرر من " التصور الترخيصي للتسامح " إلى " تصور التسامح القائم على الاحترام" لا ينبغي خلطه مع تصور ينحو في اتجاه التصور التقديري للتسامح،  والذي يفيد أن الجماعات المختلفة المتسامحة يٌسامح  بعضها بعضاً على أساس اتفاق إثيقي عام  حول  الخير،  والتسامح يكون  فقط مع الأنواع المختلفة للأشكال الجيدة للحياة،  أي مع أشكال الحياة التي لا تناقض الذوق العام لنظام المجتمع. ولتمييز هذه التصورات للتسامح عن تصور التسامح القائم على التعايش أو المؤانسة،  يمكن العودة أيضا إلى كتابي " التسامح في إطار النزاع". الفقرة الثانية. Taylor ,Charles »Die

Politik der Anerkennung“ in A.Gutman,(Hg) Multikulturalismus und die Politik der Anerkennung. Frankfurt/M,1993,13-78 Vgl , Joseph, Raz „ Toleration , Autonomie und das Schadensprinzip“, in Rainer Forst (Hg.)Toleranz. Philosophische Grundlagen und gesellschaftliche Praxis einer umstrittenen Tugend, Frankfurt/M,2002,77-102. Vgl ,Sandel , Michael,“ Moral Argument and Liberal Toleration : Abortion and Homosexuality „ in California Law Review 77,1989,521-538.Vgl Mendus , Susan, Toleration and the Limit of Liberalism, Atlantic Higlands,1989. Vgl, Rainer , Forst, Toleranz im Konflikt, Geschichte ,Gehalt und Gegenwart eines umstrittenen Begriffs, Frankfurt/M,2003

  1. انظر: كتاب " ما النقد ؟ ص14 ( ذكر من قبل ) وفيه يرد مفهوم النقد بمعناه  الكانطيقريبا من  مشيل فوكو لمفهوم النقد،   "في النهاية،  فألا تريد أن تٌحكم، معناه بالطبع ألا تقبل  كحقيقة ما تقوله لك السلطة بوصفه حقيقة، أو على الأقل ألا تقبله كحقيقة،   لا لشيء  إلا لأن السلطة قالت ذلك. معنى هذا  أن  تقبل شيئا  فقط لأن المبررات المقدمة بشأنه مبررات مقنعة تسمح بالإتيان بفعل ما.
  2. في هذا السياق أميز نفسي عن موقف أكسيلهونث " في كتابه " الصراع من أجل الاعتراف. حول نحو أخلاقي للصراع الاجتماعي". Axel Honneth, Kampf um Anerkennung. Zur moralischen Grammatik sozialer Konflikt, Frankfurt/M,1992
  3.  Sittlichkeitالحياة الاخلاقية  أو الأخلاق الموضوعية

 

أخبار ذات صلة